بيان للأمة
أدعو الأصدقاء جميعا ومن شتى المشارب والتوجهات ومن الداخل والخارج إلى الوقوف أمام بيان أوجهه للأمة جمعاء..
قد أكتفي بأن أقف أمام الهَمِّ الفلسطيني أكتوي بناره وأعانيه كغيري من أبناء هذا الشعب..
ولكن قدري أن أقود هذا الهمَّ في ظل منظومة قيادية تخلت عنه وركنت إلى جماهيرها العريضة والمغلوبة على استمرار السير معها حتى الفصل الأخير من الرواية الفلسطينية..
هذا الفصل الأخير الذي نعيش مشهده الأول..
مشهد قد يرى البعض أن الحليم فيه يغدو حيرانَ.. وقد يرى غيرهم أنه حلقة من حلقات العبث الفلسطيني الذي بتنا فيه نخبط خبطّ عشواءٍ..
ويراه البعض أزهى العصور الفلسطينية في مسيرة الصراع مع يهود.. فهم يرون صورة المقاومة الباسلة التي داست رقاب صهيون..
لكن من يقف أمام هذا المشهد وقفة متأمل متجرد من كل انتماء لأيدلوجيات العته الفلسطيني .. سيراه حلقة متصلة من حلقات التطهير التي بدأت مع انتفاضة الأقصى في مطلع هذا القرن.
حلقة ستظهر حقيقة مخيفة لمن ساروا في ركب الحزبية والفصائلية والتنظيمية.. ولكنها مطمئنة لمن تجردوا من كل ذلك..
لن تنعم غزة بالرخاء والاستقرار والأمن والحرية ولن تنعم الضفة بذلك أيضا..
إلا إذا زال الاحتلال زوالا تاما واندحر اندحارا كاملا..
مسلمة ندركها جميعا .. ولكن المسلمة التي نفر من الاعتراف بها تتمثل بزوال كل الأيدلوجيات التي تتكئ عليها الحزبية التي أدخلتنا باحتلال أشد وطئا من احتلال المغتصب..
بوصفي غزيّا بات مصطلح المعاناة والمأساة لا يفي بغرض التعبير عما يلاقي ..
ولربما كان مصطلح الكارثة قريبا لنقل الصورة الحقيقية.. التي يعمل على إيصالها..
كارثتنا في الاحتلال وفي قيادة منظمة التحرير التي ينتج عنها رئاسة السلطة الفلسطينية كارثة قديمة ومعروفة ..
ليست كارثتنا في الانقسام وعدم تحقق المصالحة .. فالغبي هو الذي يتصور إنهاء الانقسام وتحقق المصالحة..
وليست كارثتنا في حصار يتم تضخيمه وتسويقه على أنه الأخطر على القضية والشعب..
كارثتنا في الإنسان الفلسطيني وفي كرامته التي تُمتهن وفي تغييب وجدانه الفاعل..
هذا الإنسان الذي يأبى أن يحمل همّه بجدارة وبطولةٍ غابت كثير من صفحاتها المشرقة وأصبحت صفحات واقعه الذي يحياه مهترئة بالية..
ينسلخ انسلاخا مريعا عن حقيقة أنه الأقدر والأجدر على خوض معركته.. يُنيب من سرقوا شمسه في أن ينيروا له طريقه..
كارثتنا بحماس تساوي كارثتنا بفتح.
كارثتنا بهنية ومشعل توازي كارثتنا بعباس والأحمد..
لأن عباس أراد لنا أن نؤمن أنه عرفات الثاني وأن سبيل المفاوضات المخزية هو شرعة ومنهاج لا حياد عنه.. وسار في ركب الأجندة التي تريد منا أن نصبح أصدقاء لإسرائيل وأراد منا أن نسير خلفه..
لأن فينا من أولى حماس وقيادتها صك قيادتنا الأبدي..
إذا قالت حماس فصدقوها ** فإن الحق ما قالت حماس
هكذا صدرت حماس نفسها وعلى لسان قياداتها وناطقيها الرسميين..
حماس التي تريد أن تجعلنا سفهاء مغفلين .. كي نصدق أن الوالي والحاكم والآمر والناهي في غزة هو الضحية وهو الحمل الوديع.. وأنه تاريخها الجهادي والمقاوم يمنحها الحق المطلق في أن تعيث تزويرا وقلبا للحقائق..
والواقع أكبر من أدخل في تفاصيله ومرارته ومخازيه ومهازله وحقاراته ودناءاته .. ولا يحتاج مني أن أعري سوءات ذلك في مقالي هذا .. فعلى مدار ثلاث أعوام عبر صفحتي هذه وأنا أهتف ..
ولا أحسب هتافي سيضيع ..
ولن أبكيَ على من يهتف لحماس أنها البريئة من دم ابن كنعان الفلسطيني.. براءة الذئب من دم ابن يعقوب..
فأنا أعرف حماس كما لا يعرفها غيري من كبار قادتها ومدشني فكرها ونهجها..
والأيام ستثبت ذلك للقاصي والداني..
ولن أبكيَ على من يرى في عباس قائدا حكيما ملهما من أبناء فتح.. فأنا أعلم أنهم يمنون أنفسهم بظل قيادة تقيهم هجير الضياع .. لكنهم يدركون أن عباس هو عين الهجير والزمهرير..
ولست أبكي ذلك الفلسطيني الذي ارتضى أن يكون همزة وصل بين هذا وذاك .. كي يناله نوال المحسنين..
فالبكاء على الألبان المسكوبة لا تتمثل بأولي الهمم والعزم الذين يريدون رفع راية توشك أن تُنكس.. ويجودون في سبيل ذلك جواد من يرجو عطاء الكريم ذي الكرم والجود ..