كان " جاك " يبلغ من العمر خمسة وستين سنة، وكان يحول بينه وبين حلمه - أن يشمّع مخبزته ويجول حول العالم بصحبة زوجته " ميري " بسيارة التخييم التي اقتناها منذ عشر سنين - عقد اجتماعي ضمني مع أهالي القرية الذين اعتادوا اقتناء الخبز وأنواع الفطائر،المعجنات، والحلويات التي تعدّها مخبزته الوحيدة في البلدة. كان العمل شاقا على " جاك " بعد أن تقدّمت به السنين ولم يعد قادرا على تحمّل عناء هذه الخدمة الشاقة إلا بعد جهد جهيد ومشقّة أنفس، خاصة أنه كان وحيدا يدير تجارته ولا أحد تقدم لشغل منصب مساعد الذي أعلنه منذ سنين على واجهة الباب الرئيسي.
اعتاد صاحب المخبزة بعد أن يحضّر منتوجاته ويفتح الأبواب للزبائن، أن يقدّم فنجان قهوة وحليب ولفّة لمتشرّد يجلس قرب مخبزته، وكان المتشرّد " بول " في مقتبل العمر، قليل الكلام والحركة، بعد أن يتناول وجبة الفطور المهداة، يشكر " جاك " ثم يغادر دون أن يزيد على ذلك أو أن يطلب شيئا آخر.
ذات صباح تأخر الفنجان واللفّة في الخروج، ساور الشكّ " بول " ، رصد الحركة داخل المخبزة من خلال النوافذ الأمامية: الأضواء مشتعلة ثم الخلفية: الأفران تشتغل ولا وجود لرب المخبزة في الداخل، هاله الأمر، فتح الباب الخلفي، بدأ يصيح، ويتفقّد " جاك " ، بعد فترة وجده ملقى مغميّا عليه من تأثير الغازات السامة التي كانت تتسرب من أحد الأفران البالية. رفع " بول " سماعة الهاتف، اتصل بالوقاية المدنية، حضرت بسرعة، نقلت " جاك " على الفور إلى مستشفى البلدة بعد أن قدّمت له الإسعافات الأولية، قام الأطباء بعملية غسل أمعاءه، ظل تحت المراقبة الطبية لمدة أسبوع.
تعافى " جاك " من وعكته الصحية، دعى " بول " ليتناول معه وجبة العشاء في منزله وبصحبة زوجته " ميري "، عرض عليه مساعدته في العمل بعد أن جدّد الأفران، وافق " بول " وتعلّم المهنة وأظهر تفانيه في العمل، سلمّه " جاك " كلّ أسرار المهنة ومفاتيح المخبزة دون مقابل ورحل.
ملحوظة: هذه قصّة واقعية حدثت في إحدى القرى النائية شمال شرق فرنسا، وكم كنت أود أن استبدل اسم " جاك " ب " كريم " واسم بول ب " سعيد " لكن شيئا كان يثنيني عن ذلك.
تحاياي وتقديري