أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: شرود من نوع خاص ....محمد محضار

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي شرود من نوع خاص ....محمد محضار

    شرود من نوع خاص


    ينتابني دائما حزن غريب ، كلما فكرت في أحداث مرت بي وعشتها دون أن استطيع فهم سيّاقها ، أو إدراك غايتها ، هي احداث بوقائع غامضة ، يصعب على الانسان العادي تقبلها ، أو فهمِها ، لأنها ضاربة في الغرابة وتفسيرها بطريقة علمية أو واقعية ، يقود مباشرة إلى مستشفى الحماق ، كثيرا ما أتساءل : هل هناك منطق يحكم حياتنا ؟هل هناك ضوابط تجعلنا نعيش وفق منهج معين يتفق مع السائد من أعراف وتقاليد ؟ الأفكار الرهيبة التي تحاصرني في لحظات معينة ، تجعلني أحس بانفصام قوي في شخصيتي ، هناك شخصية دخيلة تحاصرني وتدفعني إلى ارتكاب حماقات وتخلق لي حزازات مع محيطي الخاص والعام ، كل معارفي يشتكون من تصرفاتي وسلوكي العدواني نحوهم ، ردود فعلي كما يقولون: تتسم بالانفعال وعدم ضبط النفس ، أعلم أنني لست أنا من يرتكب كل هذه الصفاقة والسفاهة، بل تلك الشخصية الطفيلية التي تدفع بي إلى رؤية العالم بسودوية كبيرة وتجبرني على ممارسة ذلك الكم من العدوانية نحو الأخر دون أن أستطيع كبحها ، بل أكثر من هذا كانت لدي
    ميول قوية لتدمير كل ما يمت بصلة للجمال، كنت أحس بأن الأساس في الحياة هو الشر وأن الخير مجرد استثناء نلجأ إليه في لحظات الضعف والعجز حتى لا يتم القضاء علينا من طرف من هم أشد قوة منا وأكثر عدة وعددا ، أتذكر دائما تلك القولة الشهيرة لنتشة : "الأخلاق كلمة لا معنى لها إلاَّ في قاموس العبيد، والفضيلة عملة يشترى بها الضعفاء السعادة في الحياة الدنيا أو في الدار الآخرة.. " فهي شعار الشخصية الثانية التي تحاصرني دون قدرة مني على الوقوف إزاء هذا الحصار الضارب الذي يقيد حركاتي ويجعلني أتحرك في الاتجاه الذي ترسمه لي وتلح علي في الخضوع لناموسه دون نقاش أو محاولة فهم ، عندما أكون في الشارع أرى الناس مجرد وجوه متشابهة لا ملامح لها تتآمر علي ّ وتنسج القصص والحكايات حولي ، أراهم جميعا تفهاء لا يصلحون لشيء لأنهم مجرد أرقام في معادلة لا حل لها ، وكم أتمنى لو كانت لي قدرة كاليغولا وجرأته في سفك الدماء ، فأفتك بهم فتكا وأقطع أوصالهم ، دون أن يرف لي جفن أو يهتز قلب ، الأمور إلى حد الساعة مازالت تدور في رأسي ، فتراني أنصت لذلك الصوت الرهيب يدعوني إلى القفز على كل شيء والبحث عن وسائل تدمير وتخريب حقيقية ، ومحاولة الخروج عن أعراف الجبناء .
    اليوم وأنا جالس ، بصالون شاي راق ، غارقا في تطبيقات هاتفي الخلوي أمارس لعبة الإبحار ، في عالمي المجنون، إذابي أجد رسالة نصية بدت لي غريبة المصدر تقول : " أنت شخص بقدرات خارقة ، بقليل من التركيز تستطيع أن تغير مجريات الأحداث وتضع سياقات جديدة لحياتك وحياة الأخرين"
    لم أستصغ الأمر ، بدا أشبه بنكتة ثقيلة ، أو مزحة يمارسها بعض مجانين النيت أو الهاركز، قلت لنفسي : " التجربة كفيلة بإثبات صحة الرسالة الملغومة ، يكفيني التركيز وانتظار النتيجة " نظرت حولي ، كان يجلس بمواجهتي كهل خمسيني صحبة فتاة دون الثلاثين ، كانا منسجمين يجمعهما حديث يبدو حميميا ، وعلى يساري كان هناك ثلاثة شبان يثرثرون بصوت عال ،أما على يميني فكان يجلس رجل في أواسط العمر تعلو سحنته هالة من الكآبة ، قررت أن أبد تجربتي مع هذه المجموعة الصغيرة من زبائن صالون الشاي ، ولتكن البداية بهذا الرجل الكئيب ، أريده ضاحكا عابثا ، يتحرش بصديقة الكهل الخمسيني، أما الشبان الثلاثة فاخترت لهم دور المتفرج المستمتع بما سيحدث ، هكذا فكرت وركزت ،ثم انتظرت أن تقع الواقعة ،مضت دقائق وسرعان ما تغير سلوك الرجل الكئيب وإذا به يشير بيده للفتاة الجالسة مع الكهل ، ويغمز لها بعينيه ، تجاهلته الفتاة ، لكنه تمادي في وقاحته ، وقام من مكانه واتجه نحوها ، حتى إذا أصبح بمواجهتها هي والكهل الخمسيني رفع صوته قائلا :
    -فتاتي الجميلة مالذي أعجبك في هذا الكهل المتداعي،حتى تُضيّعين معه وقتك
    ردت الفتاة بغضب :
    -وما شأنك أنت حتى تتدخل فيما لا يعنيك ؟
    نهض الكهل واقفا من مكانه ، ودون أن ينبس بكلمة واحدة ، صفع الرجل الكئيب بقوة ،ثم تشابكا معا ودخلا في صراع عنيف ، وتعالى صراخ الشبان الثلاثة وهم يضحكون من المشهد ، أما أنا فاكتفيت بالصمت ، انتهى الصراع بتدخل صاحب المقهى وعمّاله للفصل بين الغريمين ، غادرت المكان بهدوء تام ، ولدى إحساس بأنني ربما سخرت هذه الهبة في عمل غير مقبول أخلاقيا ، تحرك الصوت الأخر المؤثر داخلي " ومتى كانت الأخلاق تعني لك شيئا ،هي اختراع الضعفاء لاتقاء شر الأقوياء ، وأنت الآن قوي تستطيع أن تفعل ما تريد بالقطيع ومن يسوس القطيع " لكنني استدركت " أنا إنسان وهؤلاءبشر مثلي ،ولكنهم ضعفاء وتفهاء ".
    قمت من مكاني وأنا غارق في بحر من التساؤلات والهواجس ،انسحبت بهدوء بعد أن دفعت ثمن مشروبي .استقبلني الشارع بصخبه الرهيب ،أحسست بصداع قوي في رأسي،وسرعان ما انتابتني أفكاري المجنونة بقوة لم أعهدها من قبل ، لعنت الشيطان ،ولعنت كل قوى الشر الكامنة داخلي ، لكنها كانت أقوى مني ،وهتف بي ذلك الصوت المؤثر " ماذا سيقع لو اختل النظام العام للشارع ، وفكر هؤلاء الأشخاص الذين يرتادون الشارع وأولئك الذين يرتفقون المصالح الإدارية ، في ممارسة شغب مدمر للذات ، يكفي أن تفكر أنت في ذلك عندها ،تقع الواقعة وتبدأ الفرجة ،أنا لست شريرا حتى أقترف مثل هذا الفعل ، لن أفعلها ولو كلفني ذلك عمري ،فَكّرْ ولا تتردد ، القطيع هو سبب البلاءوالرداءة.
    رباه الشر يسكنني وأنا غير قادر على التحكم في نفسي ،كنت قد
    قطعت مسافة طويلة وأناعلى هذا الحال،تتنازعني مشاعر مضطربة ومتباينة ،وجدت نفسي فجأة في وسط أكبر ساحة بالمدينة ،ولمحت حينها الترام يتوقف وينزل منه كثير من الناس،و يأخدون اتجاهات مختلفة ،وفي لحظة فارقة توقفت ، ثم نظرت حولي ، كان الظغط قد زاد عليّ وأصبحت غير قادر على التحمل ، هل أفعلها و أتركهم يأكلون بعضهم البعض ، وألبي نداء ذلك الصوت اللعين يدعوني إلى تنفيذ هذا الأمر دون تردد ، أم أتمرد عليه وأدفع الثمن ، ليعيش القطيع ويستمر في مسيرته العشوائية يمارس الفوضى الغير الخلاقة ،فجأة صرخت دون سابق
    إنذار :" أيها الناس ، أيها القطيع الشارد بكلمة مني، ستدمرون بعضكم ،أنا أضغط على نفسي من أجلكم ، وأنتم عن هذا الأمر غافلون تعيشون حياتكم بلا مبالاة"، نطر إلي الناس باستغراب ، وقال بعضهم لبعض ، هذا " رجل مجنون ، أطلبوا له رجال الوقاية المدنية "، تراجعت إلى الخلف ثم هتفت : " رجال الوقاية سيأتون لحمل جثثتكم المتعفنة أيها القطيع اللئيم " فكرت دون تردد : ليأكلوا بعضهم البعض .
    محمد محضار يونيو 2015


    -
    رب ايتسامة طفل خير من كنوز الدنيا أجمع

  2. #2
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    ولا زال القطيع متناحرا، وتهجم عليه الذّئاب لضعفه، ولغياب الرّاعي الواعي
    قصّ رمزيّ هادف بأسلوب جميل
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    (تمنّيت خلوّها من بعض الهنات لتكتمل روعتها)

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    ولا زال القطيع متناحرا، وتهجم عليه الذّئاب لضعفه، ولغياب الرّاعي الواعي
    قصّ رمزيّ هادف بأسلوب جميل
    بوركت
    تقديري وتحيّتي
    (تمنّيت خلوّها من بعض الهنات لتكتمل روعتها)
    شكرا لك أستاذتي سأعمل على تصحيح الهنات

  4. #4

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    شرود من نوع خاص


    ينتابني دائما حزن غريب ، كلما فكرت في أحداث مرت بي وعشتها دون أن استطيع فهم سيّاقها ، أو إدراك غايتها ، هي احداث بوقائع غامضة ، يصعب على الانسان العاديِّ تقبّلها ، أو فهمُها ، لأنها ضاربة في الغرابة وتفسيرها بطريقة علمية أو واقعية ، يقود مباشرة إلى مستشفى الحمَّاق ، كثيرا ما أتساءلُ : هل هناك منطق يحكم حياتنا ؟هل هناك ضوابط تجعلنا نعيش وفق منهجٍ معيّن يتفق مع السائد من أعرافٍ وتقاليد ؟ الأفكار الرّهيبة التي تحاصرنِي في لحظات معيّنة ، تجعلني أحس بانفصام قوي في شخصيِّتي ، هناك شخصيّة دخيلةٌ تُحاصرني وتَدفعني إلى اِرتكاب حماقات وتخلقُ لي حزازات مع محيطي الخاص والعام ، كل معارفي يشتكون من تصرفاتي وسلوكي العدواني نحوهم ، ردود فعلي كما يقولون: تتّسم بالانفعال وعدم ضبط النفس ، أعلم أنني لست أنا من يرتكب كل هذه الصفاقة والسفاهة، بل تلك الشخصية الطفيلية التي تدفع بي إلى رؤية العالم بسودوية كبيرة وتجبرني على ممارسة ذلك الكمّ من العدوانية نحو الأخر دون أن أستطيع كبْحها ، بل أكثر من هذا كانت لديّ
    ميولات قويّة لتدمير كل ما يمت بصلة للجمال، كنت أحس بأن الأساس في الحياة هو الشر وأن الخير مجرد اِستثناء نلجأُ إليه في لحظاتِ الضّعف والعَجز حتى لا يتِم القضاءُ علينا من طرف من هم أشَد قُوّة منّا وأكثر عدّة وعددا ، أتذكر دائما تلك القولة الشهيرة لنتشة : "الأخلاق كلمة لا معنى لها إلاَّ في قاموس العبيد، والفضيلة عُملة يَشتري بها الضُّعفاء السّعادة في الحَياة الدُّنيا أو في الدَّار الآخرة.. " فهي شعار الشخصية الثانية التي تحاصرني دون قدرة مني على الوقوف إزاء هذا الحصار الضّارب الذي يقيّد حركاتي ويجعلني أتحرّك في الِاتجاه الذي ترسمه لي وتُلحّ علي في الخضوع لناموسه دون نقاش أو محاولة فهم ، عندما أكون في الشارع أرى النّاس مجرد وجوه متشابهة لا ملامح لها تتآمر علي ّ ،وتنسج القصص والحكايات حولي ، أراهم جميعا تافهينَ لا يصلحون لشيء لأنهم مجرد أرقام في معادلة لا حَلّ لها ، وكم أتمنى لو كانت لديّ قدرة كاليغولا وجرأته في سفك الدِّماء ، فأفتك بهم فتكا وأقطّعُ أَوصالهم ، دون أن يرفَّ لي جفنٌ أو يهتَزّ قلبٌ ، الأمور إلى حد الساعة مازالت تدور في رأسي ، فتراني أنصت لذلك الصوت الرّهيب يدعوني إلى القفز على كل شيء والبحث عن وسائل تدمير وتخريب حقيقيّة ، ومحاولة الخروج عن أعراف الجبناء .
    اليوم وأنا جالس ، بصالون شاي راق ، غارقا في تطبيقات هاتفي الخلويّ أمارس لعبة الإبحار ، في عالمي المجنون، إذابي أجد رسالة نصية بدت لي غريبةَ المصدر تقول : " أنت شخص بقدرات خارقة ، بقليل من التركيز تستطيع أن تغير مُجريات الأحداث وتضع سياقات جديدة لحياتك وحياة الأخرين"
    لم أستسغ الأمر ، بدا أشبه بنكتة ثقيلة ، أو مزحة يمارسها بعض مجانين النيت أو الهاركز، قلت لنفسي : " التجربة كفيلة بإثبات صحة الرسالة الملغومة ، يكفيني التركيز وانتظار النتيجة " نظرت حولي ، كان يجلس بمواجهتي كهل خمسينيّ صحبة فتاة دونَ الثلاثين ، كانا منسجمين يجمعهما حديث يبدو حميميا ، وعلى شمالي كان هناك ثلاثةُ شبّان يثرثرون بصوت عال ،أما على يميني فكان يجلس رجل في أواسط العمر تعلو سحنته هالة من الكآبة ، قررت أن أبد تجربتي مع هذه المجموعة الصغيرة من زبائن صالون الشاي ، ولتكن البداية بهذا الرجل الكئيب ، أريده ضاحكا عابثا ، يتحرش بصديقة الكهل الخمسيني، أما الشبان الثلاثة فاخترت لهم دور المتفرج المُستمتع بما سَيحدث ، هكذا فكرت وركَّزت ،ثم انتظرت أن تقع الواقعة ،مضت دقائق وسرعان ما تغير سلوك الرجل الكئيب وإذا به يشير بيده للفتاة الجالسة مع الكهل ، ويغمزها بعينيه ، تجاهلته الفتاة ، لكنه تمادي في وقاحته ، وقام من مكانه واتجه نحوها ، حتى إذا أصبح بمواجهتها هي والكهل الخمسيني رفع صوته قائلا :
    -فتاتي الجميلة ماالذي أعجبك في هذا الكهل المتداعي،حتى تُضيّعي معه وقتك ؟
    ردّت الفتاة بغضب :
    -وما شأنك أنت حتى تتدخّل فيما لا يعنيك ؟
    نهض الكهل واقفا من مكانه ، ودون أن ينبس بكلمة واحدة ، صفع الرجل الكئيب بقوة ،ثم تشابكا معا ودخلا في صراع عنيف ، وتعالى صراخ الشبان الثلاثة وهم يضحكون من المشهد ، أما أنا فاكتفيت بالصمت ، انتهى الصّراع بتدخّل صاحب المقهى وعمّاله للفصل بين الغريمين ، غادرت المكان بهدوء تام ، ولدى إحساس بأنني ربما سخَّرت هذه الهِبة في عمل غير مقبولٍ أخلاقيّا ، تحرك الصوت الأخر المؤثِّر داخلي " ومتى كانت الأخلاق تعني لك شيئا ؟هي اختراع الضعفاء لاتقاء شّر الأقوياء ، وأنت الآن قوي تستطيع أن تفعل ما تريد بالقطيع ومن يسُوس القطيع " لكنني استدركت " أنا إنسان وهؤلاءبشر مثلي ،ولكنهم ضعفاء وتفهاء ".
    قمت من مكاني وأنا غارق في بحر من التساؤلات والهواجس ،انسحبت بهدوء بعد أن دفعت ثمن مشروبي .استقبلني الشارع بصخبه الرهيب ،أحسست بصداع قوي في رأسي،وسرعان ما انتابتني أفكاري المجنونة بقوّة لم أعهدها من قبل ، لعنْت الشّيطان ،ولعنْت كل قوى الشر الكامنة داخلي ، لكنها كانت أقوى مني ،وهتف بي ذلك الصوت المؤثر " ماذا سيقع لو اختلّ النّظام العام للشارع ، وفكّر هؤلاء الأشخاص الذين يرتادون الشارع وأولئك الذين يرتفِقون المصالح الإداريّة ، في ممارسة شغب مدمّر للذات ، يكفي أن تفكر أنت في ذلك ،عندها تقع الواقعة وتبدأ الفُرجة ،أنا لست شريرا حتى أقترف مثل هذا الفعل ، لن أفعلها ولو كلّفني ذلك عمري ،فَكّرْ ولا تتردد ، القَطيع هو سبب البلاءوالرداءة.
    رباه الشّر يسكُنني وأنا غير قادرٍ على التحكّم في نفسي ،كنت قد
    قطعت مسافة طويلة وأنا على هذا الحال،تتنازَعني مشاعر مضطربة ومتَباينة ،وجدت نفسي فجأة في وسط أكبر ساحة بالمدينة ،ولمحت حينها الترام يتوقف وينزل منه كثير من الناس،و يأخدون اِتجاهات مختلفة ،وفي لحظة فارقة توقفت ، ثم نظرت حولي ، كان الضغط قد زاد عليّ وأصبحت غير قادرٍ على التحمّل ، هل أفعلها وأتركهم يأكلُ بعضهم البعض ، وألبي نداء ذلك الصوت اللعين يدعوني إلى تنفيذ هذا الأمر دون تردد ، أم أتمرد عليه وأدفع الثّمن ، ليعيش القَطيع ويسْتمر في مسيرته العشوائية يمارس الفوضى الغيرالخلاقة .فجأة صرخت دون سابق
    إنذار :" أيها الناس ، أيها القطيعُ الشّارد بكلمة مني، ستُدمّرون بعضكم ،أنا أضغط على نفسي من أجلكم ، وأنتم عن هذا الأمر غافلون تعيشون حياتكم بلا مبالاة"، نظر إلي الناس باستغراب ، وقال بعضهم لبعض ، هذا " رجل مجنون ، أطلبوا له رجال الوقاية المدنية "، تراجعت إلى الخلف ثم هتفت : " رجال الوقاية سيأتون لحمل جثثتكم المتعفّنة أيها القطيع اللئيم " فكرت دون تردد : ليأكل بعضهم بعضا .
    محمد محضار يونيو 2015


    -

    بعد تصحيح الهنات

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد محضار قاص
    تاريخ التسجيل : Nov 2011
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 217
    المواضيع : 84
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    شرود من نوع خاص


    ينتابني دائما حزن غريب ، كلما فكرت في أحداث مرت بي وعشتها دون أن استطيع فهم سيّاقها ، أو إدراك غايتها ، هي احداث بوقائع غامضة ، يصعب على الانسان العاديِّ تقبّلها ، أو فهمُها ، لأنها ضاربة في الغرابة وتفسيرها بطريقة علمية أو واقعية ، يقود مباشرة إلى مستشفى الحمَّاق ، كثيرا ما أتساءلُ : هل هناك منطق يحكم حياتنا ؟هل هناك ضوابط تجعلنا نعيش وفق منهجٍ معيّن يتفق مع السائد من أعرافٍ وتقاليد ؟ الأفكار الرّهيبة التي تحاصرنِي في لحظات معيّنة ، تجعلني أحس بانفصام قوي في شخصيِّتي ، هناك شخصيّة دخيلةٌ تُحاصرني وتَدفعني إلى اِرتكاب حماقات وتخلقُ لي حزازات مع محيطي الخاص والعام ، كل معارفي يشتكون من تصرفاتي وسلوكي العدواني نحوهم ، ردود فعلي كما يقولون: تتّسم بالانفعال وعدم ضبط النفس ، أعلم أنني لست أنا من يرتكب كل هذه الصفاقة والسفاهة، بل تلك الشخصية الطفيلية التي تدفع بي إلى رؤية العالم بسودوية كبيرة وتجبرني على ممارسة ذلك الكمّ من العدوانية نحو الأخر دون أن أستطيع كبْحها ، بل أكثر من هذا كانت لديّ
    ميولات قويّة لتدمير كل ما يمت بصلة للجمال، كنت أحس بأن الأساس في الحياة هو الشر وأن الخير مجرد اِستثناء نلجأُ إليه في لحظاتِ الضّعف والعَجز حتى لا يتِم القضاءُ علينا من طرف من هم أشَد قُوّة منّا وأكثر عدّة وعددا ، أتذكر دائما تلك القولة الشهيرة لنتشة : "الأخلاق كلمة لا معنى لها إلاَّ في قاموس العبيد، والفضيلة عُملة يَشتري بها الضُّعفاء السّعادة في الحَياة الدُّنيا أو في الدَّار الآخرة.. " فهي شعار الشخصية الثانية التي تحاصرني دون قدرة مني على الوقوف إزاء هذا الحصار الضّارب الذي يقيّد حركاتي ويجعلني أتحرّك في الِاتجاه الذي ترسمه لي وتُلحّ علي في الخضوع لناموسه دون نقاش أو محاولة فهم ، عندما أكون في الشارع أرى النّاس مجرد وجوه متشابهة لا ملامح لها تتآمر علي ّ ،وتنسج القصص والحكايات حولي ، أراهم جميعا تافهينَ لا يصلحون لشيء لأنهم مجرد أرقام في معادلة لا حَلّ لها ، وكم أتمنى لو كانت لديّ قدرة كاليغولا وجرأته في سفك الدِّماء ، فأفتك بهم فتكا وأقطّعُ أَوصالهم ، دون أن يرفَّ لي جفنٌ أو يهتَزّ قلبٌ ، الأمور إلى حد الساعة مازالت تدور في رأسي ، فتراني أنصت لذلك الصوت الرّهيب يدعوني إلى القفز على كل شيء والبحث عن وسائل تدمير وتخريب حقيقيّة ، ومحاولة الخروج عن أعراف الجبناء .
    اليوم وأنا جالس ، بصالون شاي راق ، غارقا في تطبيقات هاتفي الخلويّ أمارس لعبة الإبحار ، في عالمي المجنون، إذابي أجد رسالة نصية بدت لي غريبةَ المصدر تقول : " أنت شخص بقدرات خارقة ، بقليل من التركيز تستطيع أن تغير مُجريات الأحداث وتضع سياقات جديدة لحياتك وحياة الأخرين"
    لم أستسغ الأمر ، بدا أشبه بنكتة ثقيلة ، أو مزحة يمارسها بعض مجانين النيت أو الهاركز، قلت لنفسي : " التجربة كفيلة بإثبات صحة الرسالة الملغومة ، يكفيني التركيز وانتظار النتيجة " نظرت حولي ، كان يجلس بمواجهتي كهل خمسينيّ صحبة فتاة دونَ الثلاثين ، كانا منسجمين يجمعهما حديث يبدو حميميا ، وعلى شمالي كان هناك ثلاثةُ شبّان يثرثرون بصوت عال ،أما على يميني فكان يجلس رجل في أواسط العمر تعلو سحنته هالة من الكآبة ، قررت أن أبد تجربتي مع هذه المجموعة الصغيرة من زبائن صالون الشاي ، ولتكن البداية بهذا الرجل الكئيب ، أريده ضاحكا عابثا ، يتحرش بصديقة الكهل الخمسيني، أما الشبان الثلاثة فاخترت لهم دور المتفرج المُستمتع بما سَيحدث ، هكذا فكرت وركَّزت ،ثم انتظرت أن تقع الواقعة ،مضت دقائق وسرعان ما تغير سلوك الرجل الكئيب وإذا به يشير بيده للفتاة الجالسة مع الكهل ، ويغمزها بعينيه ، تجاهلته الفتاة ، لكنه تمادي في وقاحته ، وقام من مكانه واتجه نحوها ، حتى إذا أصبح بمواجهتها هي والكهل الخمسيني رفع صوته قائلا :
    -فتاتي الجميلة ماالذي أعجبك في هذا الكهل المتداعي،حتى تُضيّعي معه وقتك ؟
    ردّت الفتاة بغضب :
    -وما شأنك أنت حتى تتدخّل فيما لا يعنيك ؟
    نهض الكهل واقفا من مكانه ، ودون أن ينبس بكلمة واحدة ، صفع الرجل الكئيب بقوة ،ثم تشابكا معا ودخلا في صراع عنيف ، وتعالى صراخ الشبان الثلاثة وهم يضحكون من المشهد ، أما أنا فاكتفيت بالصمت ، انتهى الصّراع بتدخّل صاحب المقهى وعمّاله للفصل بين الغريمين ، غادرت المكان بهدوء تام ، ولدى إحساس بأنني ربما سخَّرت هذه الهِبة في عمل غير مقبولٍ أخلاقيّا ، تحرك الصوت الأخر المؤثِّر داخلي " ومتى كانت الأخلاق تعني لك شيئا ؟هي اختراع الضعفاء لاتقاء شّر الأقوياء ، وأنت الآن قوي تستطيع أن تفعل ما تريد بالقطيع ومن يسُوس القطيع " لكنني استدركت " أنا إنسان وهؤلاءبشر مثلي ،ولكنهم ضعفاء وتفهاء ".
    قمت من مكاني وأنا غارق في بحر من التساؤلات والهواجس ،انسحبت بهدوء بعد أن دفعت ثمن مشروبي .استقبلني الشارع بصخبه الرهيب ،أحسست بصداع قوي في رأسي،وسرعان ما انتابتني أفكاري المجنونة بقوّة لم أعهدها من قبل ، لعنْت الشّيطان ،ولعنْت كل قوى الشر الكامنة داخلي ، لكنها كانت أقوى مني ،وهتف بي ذلك الصوت المؤثر " ماذا سيقع لو اختلّ النّظام العام للشارع ، وفكّر هؤلاء الأشخاص الذين يرتادون الشارع وأولئك الذين يرتفِقون المصالح الإداريّة ، في ممارسة شغب مدمّر للذات ، يكفي أن تفكر أنت في ذلك ،عندها تقع الواقعة وتبدأ الفُرجة ،أنا لست شريرا حتى أقترف مثل هذا الفعل ، لن أفعلها ولو كلّفني ذلك عمري ،فَكّرْ ولا تتردد ، القَطيع هو سبب البلاءوالرداءة.
    رباه الشّر يسكُنني وأنا غير قادرٍ على التحكّم في نفسي ،كنت قد
    قطعت مسافة طويلة وأنا على هذا الحال،تتنازَعني مشاعر مضطربة ومتَباينة ،وجدت نفسي فجأة في وسط أكبر ساحة بالمدينة ،ولمحت حينها الترام يتوقف وينزل منه كثير من الناس،و يأخدون اِتجاهات مختلفة ،وفي لحظة فارقة توقفت ، ثم نظرت حولي ، كان الضغط قد زاد عليّ وأصبحت غير قادرٍ على التحمّل ، هل أفعلها وأتركهم يأكلُ بعضهم البعض ، وألبي نداء ذلك الصوت اللعين يدعوني إلى تنفيذ هذا الأمر دون تردد ، أم أتمرد عليه وأدفع الثّمن ، ليعيش القَطيع ويسْتمر في مسيرته العشوائية يمارس الفوضى الغيرالخلاقة .فجأة صرخت دون سابق
    إنذار :" أيها الناس ، أيها القطيعُ الشّارد بكلمة مني، ستُدمّرون بعضكم ،أنا أضغط على نفسي من أجلكم ، وأنتم عن هذا الأمر غافلون تعيشون حياتكم بلا مبالاة"، نظر إلي الناس باستغراب ، وقال بعضهم لبعض ، هذا " رجل مجنون ، أطلبوا له رجال الوقاية المدنية "، تراجعت إلى الخلف ثم هتفت : " رجال الوقاية سيأتون لحمل جثثتكم المتعفّنة أيها القطيع اللئيم " فكرت دون تردد : ليأكل بعضهم بعضا .
    محمد محضار يونيو 2015


    -

    بعد تصحيح الهنات

  7. #7
  8. #8
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    ولا زال القطيع متناحرا، وتهجم عليه الذّئاب لضعفه، ولغياب الرّاعي الواعي
    قصّ رمزيّ هادف بأسلوب جميل.
    رأيت في هذا الرد الكفاية فاستعرته
    شكرا لك ـ ودمت بكل خير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. إهداء من نوع خاص .
    بواسطة مراد مصلح نصار في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20-02-2014, 07:38 PM
  2. صراع من نوع خاص
    بواسطة هشام عزاس في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 02-10-2009, 01:41 AM
  3. حوار من نوع خاص
    بواسطة فاطمه بنت السراة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 13-06-2006, 07:39 PM
  4. زغردة من نوع خاص ( ياسين والفجر)
    بواسطة سعد جبر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-05-2004, 09:19 AM
  5. شرود وسرحان الطفل
    بواسطة روح في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 27-04-2003, 02:14 AM