أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الّشهامة.. والطّفل المتسوّل.

  1. #1
    الصورة الرمزية عباس العكري مشرف قسم القصة
    أديب

    تاريخ التسجيل : Jul 2016
    الدولة : البحرين
    المشاركات : 588
    المواضيع : 34
    الردود : 588
    المعدل اليومي : 0.21

    Lightbulb الّشهامة.. والطّفل المتسوّل.

    الّشهامة والطّفل المتسوّل.

    ظلامٌ حالكٌ أحاطَ به، وسكونٌ أطبق على شفتيه.. بحث عن الزاوية المعتمة في نفسه... وافترش الوحدة غطاءً له في منتصف الليل... جلس عند جدار متهالك لم يقيه برد الشّتاء. فأغلق عينيه الملوّنتين بالضياع، وحبس جراحه، ثمّ غرق في بحر التفكير المتلاطم بمآسيه.
    مدّ ذراعه ولوى عنقه على صخرة صمّاء لم ترأف به، والتحف السماء الملبدة بالغيوم، وصوت الريح الباردة تتأفف منه... يهزّ رأسه ثم يُطرقه.. ومضى شاردًا بخياله: "لماذا لا أكون معهم!".. يُنصت لصوت خفي يهمس له من بعيد: " حاول مرة تلو الأخرى.. وحاول أكثر وأكثر...".

    شعوره لم يهدأ؛ بل ازداد في فراغ الفقر. فدار جدل ملتهب مع تلك الأسئلة التي تغيب في إغفاءة، ورغم قصر اللحظة تنقضّ تهاجمه: " لماذا لا ترضى بذلك؟".
    حاول عصر ذهنه واستجماع حواسه ليعرف الإجابة، التي ربما تثمر في قلبه مستقبلا ضائعا... صوت الريح العاتية يشتد أعلى من صوت تفكير طفل في الخامسة من عمره، حكّ رأسه، فافترسته الحقيقة. فلم يجد مناصا من أن يستمع للنغمة المتكررة كثيرا: " متسوّل".
    نزف دموعه.. بلل يديه المرتجفتين... فتراكم القهر في عقله، وأكل الضعف من فؤاده، وتعبّأّت روحه بالظلام، حينما تذكر تلك الوجوه المفترسة التي تحوطه؛ لتشبع رغبتها من جمال محياه الذي أفل نوره.. وكلما حاول أن يستجديها بإلحاح صدقة يسدّ بها فوهة بطنه الخاوية؛ هاجمته تلك النوايا المتحجّرة، التي أيقنت بأن لا مفرّ من القدر إلاّ إليها!.
    تصاعد الغبار من حوله، ونهض من شروده.. أوغل في ماضيه المجهول... وغاص في دوامة تفكيره من جديد، وتخيّل صوت أبيه الذي لم يسمعه مذ كان جنينا يخاطبه: " لاتصبح نسيا منسيا".
    نفخ في رماد ذكرياته، وكبر حديثه الداخلي، وتاه في فكره.. ضوء شحيح داخله تراءى له، وسار وحيدا للحظات، والأفكار والرؤى تتصارع في داخله ... زلقت فكرة به نحو تلك الظلال التي تحاول اصطياده في لحظة ضعف مريرة، لاحقته.. وببراءة طفل أخذ يهرب ويهرب نحو مخرج يغير كل شيء في حياته، وأرهق نفسه دون جدوى.
    سمع صرخة من بعيد، ولمح حشدا عنده، ورأى طفلا يدس رأسه ضمن الرؤوس، وعيناه تخترقان الصفوف تخاطبه: "لا تمت مثلهم".
    حملوه مسرعين للمستشفى، أخذه الطبيب باسطا ذراعيه بانكسار ليداويه.. ثمّ تردّد قليلاً.. وقال: "من سيدفع علاج المتسوّل؟".
    اختفى الجميع من حوله إلا ذلك الطفل الذي لم يستطع فعل شيء سوى أن صرخ بألم باكيا.. حينها جاء متسول أخذ الطفل ودفع الفاتورة ومضى.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ع ع ع عباس علي العكري

  2. #2
  3. #3
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    تناولت قضيّة التّسوّل وعرضتها بأسلوب جاذب ومؤثّر
    بورك الحرف
    تمنّيت انتهاءها بدفع الفاتورة
    تقديري وتحيّتي
    ( صوت أبيه، لم يستطع)

  4. #4
  5. #5
    الصورة الرمزية عباس العكري مشرف قسم القصة
    أديب

    تاريخ التسجيل : Jul 2016
    الدولة : البحرين
    المشاركات : 588
    المواضيع : 34
    الردود : 588
    المعدل اليومي : 0.21

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    تناولت قضيّة التّسوّل وعرضتها بأسلوب جاذب ومؤثّر
    بورك الحرف
    تمنّيت انتهاءها بدفع الفاتورة
    تقديري وتحيّتي
    ( صوت أبيه، لم يستطع)
    ازدان النص بإضاءتكم النيرة الدالة على حدة الذهن والبصر، تمّ ما أشرتم له، لكم خالص الود والفضل

  6. #6
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,134
    المواضيع : 318
    الردود : 21134
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لا يشعر بالجرح إلا من به ألم ، ولا يشعر بالفقير إلا الفقير مثله
    من عمق الواقع كانت تلك الصورة الأجتماعية المؤلمة
    قصة محكمة الفكرة متقنة الحبك ذات رسالة فلسفية وفكرية
    ملكت القص فكرا واسلوبا ولغة شفيفة
    متخمة بالعاطفة الصادقة والمشاعر المؤثرة
    ذكرتني بقصة لي أسمها.. طفولة بائسة
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=60071
    ولك كل تحياتي وتقديري. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    الصورة الرمزية عباس العكري مشرف قسم القصة
    أديب

    تاريخ التسجيل : Jul 2016
    الدولة : البحرين
    المشاركات : 588
    المواضيع : 34
    الردود : 588
    المعدل اليومي : 0.21

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    لا يشعر بالجرح إلا من به ألم ، ولا يشعر بالفقير إلا الفقير مثله
    من عمق الواقع كانت تلك الصورة الأجتماعية المؤلمة
    قصة محكمة الفكرة متقنة الحبك ذات رسالة فلسفية وفكرية
    ملكت القص فكرا واسلوبا ولغة شفيفة
    متخمة بالعاطفة الصادقة والمشاعر المؤثرة
    ذكرتني بقصة لي أسمها.. طفولة بائسة
    https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=60071
    ولك كل تحياتي وتقديري. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    شكرا للتحليل وللوصف، أعتز أن تكون مثل قصتك
    زاد النص اطراء بما جدتم به من نقد

    دمتم

المواضيع المتشابهه

  1. ارض الشهامة والكرامة............الدكتورة جيلان الشيخ
    بواسطة الدكتورة جيلان الشيخ في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20-02-2024, 10:55 AM
  2. المتسول
    بواسطة الجامعي بوشتى في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 21-01-2024, 05:06 PM
  3. المتسول ..لمحة من الأدب الروسي .
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-01-2014, 04:24 PM
  4. نصف الشهامة أن تعفو وإن فجروا....
    بواسطة مجذوب العيد المشراوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 26-12-2004, 01:21 PM