أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: لوحة لم تكتمل ..

  1. #1
    الصورة الرمزية بثينة محمود أديبة
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    المشاركات : 506
    المواضيع : 98
    الردود : 506
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي لوحة لم تكتمل ..

    " عرفتها وأنا فى رحلتى الدراسية إلى عاصمة النور, أظنها كانت النور, كنت منطلقاً فى خيالات أملتها علىّ دوافع عدة, ومجتاحاً لما أعرفه من ثوابت وما غرسه الأهل من مفردات, كنت فاتحاً صدرى - وقميصى مسايرة للعصر - ومقبلاً على كل شىء وأى شىء بلا تعفف أو اكتفاء...."

    توقفت عن الكتابة وتخيلت صديقى الجديد, فكل أبطال قصصى هم أصدقاء ابتدعهم وألتقيهم هنا على أوراقى البيضاء, تخيلته فتياً , شعره الأسود المتموج يمتد فى استرسال كسائر شباب جيل السبعينيات, صبغته فرشاته بألوانها فتماوج فى عينيه قوس قزح, قميصه الأبيض الضيق, وبنطاله الذى يتسع كلما هبطت العين إلى الأرض يصنعان منه صورة أحببتها لصديقى الفنان المتمرد.

    نفثت بعضاً من دخان اختزنته فى صدرى, وشغلنى أمر صديقى عن كل ما سواه, وعاودت الكتابة ....

    " اعترف أنى كنت ثائراً لدرجة الحمق على كل شىء, أقنعتنى بلدى أن البقاء فيها مستحيل, قرأت كثيراً فى فلسفات أفسدت براءة منطقى, فتطلعت إلى جيل سابق يحكم إرادتى فى البيت والدراسة والسياسة بكثير من الازدراء, وتركت الهوة تتسع حتى صارت تشكل (البحر الأبيض) الذى فصلنى عنهم, حملت فى حقائبى سجائرى وكتبى ولوحات لم تكتمل وألقيت بهم فى جُب صغير آوانى بعد طول تجوال.
    أما هى , تلك التى أدّعى أنى عرفتها , فكانت تجاورنى فى المقهى الذى اتخذ ركناً منه مرسمى, لم نتحادث لشهور , لم أسأل عنها أحد, فقد كنت أشك بكونها حقيقة, وعندما بدأنا الحديث سلبتنى لكنتها الفرنسية كل إرادتى , لكنى كنت أبثها كلمات بلغتى الأم شعراً وزجلاً فتبتسم, عرفت سر الابتسامة -التى ظننتها مجاملة- فيما بعد, فقد هتفت يوماً بعد أن رأت إحدى لوحاتى بكلمة إعجاب عربية مغرقة فى المحلية(!!!), تناسيت بإرادتى خديعتها الأولى وغرقت -بإرادتى أيضاً- فى عينيها الزرقاوين وهما الشىء الوحيد الذى ورثته عن أمها الفرنسية بينما بقيتها تعلن عن عربيتها فى صراحة بالغة"


    أبله !! مغرق فى الرومانسية الحمقاء, وأنا أفكر فيه كضحية فقط ,أُعدّه على أوراقى البيضاء لمزيد من الخداع, لماذا ترانى فعلت ذلك؟ لماذا أحمّل حواء كالعادة ذنب الخروج من الجنة؟


    " لم أهتم كثيراً بالسؤال عن أصولها المتشابكة, فتكفينى هذه الملامح المختلطة لتدلنى وتترك لخيالى العنان, لكنها لم تكن لتترك مناسبة إلا وتسابقت الأسئلة على شفتيها عن كل شىء, وكنت أجيب بصدر رحب كعادتى, لكنى تريثت قليلاً عندما غرق سؤالها فى التعجب عن أحوال بلدنا الأم , وكيف يمكن أن تكون فى حالة حرب وتدفع لى تكاليف دراستى فى الفنون التى يعتبرها العرب ترفاً قياساً بالعلوم التطبيقية, وتابعت سائلة : هل حقاً يقدّر العرب الفنون؟
    انتبهت لكونها تسأل عن العرب من المنطلق الغربى المستهين وحاصرنى تفكير داخلى عن مدى انتمائها, كيف أمكنها رغم كل شىء أن تتحدث عن العرب كأنها ليست منهم؟ كيف ابتعدت إلى القدر الذى تسألنى فيه عن مشاعر امة كاملة تجاه أمر ما؟
    تطلعت إلى عينيها الزرقاوين, ولم أجب .. "


    أين الخديعة فى كل هذا؟ هل يمكننى الاستمرار فى نسج خيوط هذه القصة اللعينة؟ هل أدع الفنان يقاوم السحر أم .. يمارسه؟
    أعددت قهوتى وتلهيت بالنظر إلى مرأى النيل من شرفتى مساءاً , ورأيتها تمشى على صفحته السوداء فى رداء من (نور), تمد يدها إلى كأنها تستجدينى, أغمضت عينى واستدرت إلى أوراقى وكتبت..


    "أحسست بأمرين يتنازعانى , الأول رغبتى فى الدفاع عن نشأتى وقومى وسنين عمرى السابقة, والثانى هو تلك الدوافع التى جعلتنى أثور وأنتقد وأهرب من كل ما سبق , أحسست أن النور لم يعد حلماً , امتدت يدى لتلمس خصلات شعرها الأسود, فرأيت فى عينيها الزرقاوين حياءاً لم أره منذ سجلت فى جواز سفرى كلمة الرحيل, أو هكذا خُيل لى.
    لم تشغلنى الدراسة أو العمل أو الفن عن الغرق فيها ومحاولة فهم كل المجهول بتعبيراتها ولفتاتها ,كنت أفلاطونياً فى عشقى لها للدرجة التى جعلتها حلماً دائما فى خيالاتى, لم أقاومها رغم شكى بأحيان كثيرة فى كونها حقيقة, لذا .. عندما أرسل الأهل لى بصورة ابنة عمى , ذهبت إلى نور وطلبتها للزواج .."


    نظرت لوجهى فى مرآة بحجرة مكتبى فوجدته محتقناً, شعرت بذات الاحتقان فى جوفى, ذهبت إلى الشرفة وعبأت صدرى بهواء المساء الناعم, وتحاشيت النظر إلى صفحةالنيل السوداء.


    " تركتها نائمة فى فراشنا الأول , وهربت.
    أطبقت على كيانى جدران حجرتنا الصغيرة, وتداخلت فى مخيلتى صور أكرهتنى على مزيد من الهروب, خرجت إلى الطريق مصطدماً بكل شىء, بالسكارى المترنحين, بأيادى الشحاذين, سرت إلى حيث لا أعرف وأنا أفكر بلمحة النور التى احتواها فؤادى وانطفأت, إنها لم تفسر الأمر وكأنه لا يستوجب تفسيراً , وكأن على أمثالى من البلهاء أن يبتلعوا خديعتهم فى صمت.
    غرقت فى الرثاء لنفسى وحالى , ولم أدع ذلك الشاب المتحرر المعتنق لكل مفردات التطور يغزو عقلى أو يجد لها عذراً, كيف سلبتنى حقى؟ بل كيف تدنّت لتصبح مثل كل الساقطات هنا؟
    ساءلت نفسى .. لماذا خدعتنى؟ أو بالأحرى : هل حقاً خدعتنى؟ لماذا أريد الإحساس بطهارة أمى فى كل النساء؟ لماذا لم أتسلم عند الحدود صكوك التحرر اللازمة لأنسى بها معتقداتى وثوابتى؟
    لم أعد إليها, غادرت المكان تاركاً لوحة أخيرة لم تكتمل ...."

    نظرت للأوراق التى سطرتها, و فتحت أدراج مكتبى , وأخرجت صوراً تلونت حوافها باللون الأصفر, وتطلعت إلى صورة ال(نور ) وهى تعانقنى شاباً من جيل السبعينيات, فتياً , قميصى الأبيض الضيق وبنطالى الذى يتسع كلما هبطت العين إلى الأرض يصنعان منى صورة تمنيت لو امتلكت القدرة على مطالعتها .. كل حين.

  2. #2
    الصورة الرمزية يسرى علي آل فنه شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    الدولة : سلطنة عمان
    المشاركات : 2,428
    المواضيع : 109
    الردود : 2428
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    تحية اعجاب

    سنبلة

    لك قلمٌ يعرف كيف يرسم التعبير في اكمل صورة

    مقصدٌ عميق باسلوب مميز

    دمتِ رائعة
    سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

  3. #3
    الصورة الرمزية إسلام شمس الدين عضو
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : مصر
    المشاركات : 646
    المواضيع : 50
    الردود : 646
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    عجيبٌ ما قرأت هنا سنبلة...
    فحد علمي أن قبيلة الرومانسيين قد انقرضت عن بكرة أبيها!
    لكنك استطعتِ هنا بمهارة واقتدار وحرفة قلم قلما نقرأ لمثله؛ أن تجسدي لنا تلك الشخصية الرومانسية بدقائقها وصراعاتها.

    شكراً لكِ سنبلة على ما منحتنا من المتعة الأدبية والفكرية
    فلا تحرمينا من إبداعاتك الرائعة

    تحياتي وتقديري نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    إسلام شمس الدين

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    جميل حرفك يا سنبلة كعادته ، ومميز أسلوبك بقدرته على شد القارئ ورسم الصورة وترسيخ الفكرة.

    أنت كاتبة مميزة بحق!


    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    قصة جميلة جدا
    رااااائعة

    الصمت في حرم الجمال جمال

    سنبلة كوني بخير أينما كنتنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6

  7. #7
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي


    لــ رفع ...

    اشتقت لـ قصصك يا بثينة

    كوني بخير

  8. #8
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    كم آلمني أن يندثر نص كهذا بين طيات الصفحات ..
    ربما لأن كاتبته تناسته أو نسيته ..

    سنبلة أيتها الديبة الرائعة ..
    أين أنت بالله عليك فقد تاقت النفوس لحرفك الجميل ..

    كل الشوق ..
    عساك بخير ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  9. #9
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    نظرت للأوراق التى سطرتها, و فتحت أدراج مكتبى , وأخرجت صوراً تلونت حوافها باللون الأصفر,
    وتطلعت إلى صورة ال(نور ) وهى تعانقنى شاباً من جيل السبعينيات, فتياً , قميصى الأبيض الضيق
    وبنطالى الذى يتسع كلما هبطت العين إلى الأرض يصنعان منى صورة تمنيت
    لو امتلكت القدرة على مطالعتها .. كل حين.


    إذا فقد كانت قصته هو وقد كان واقعا تحت أمرين يتنازعانه
    الأول ـ برغبته في الدفاع عن نشأته وقومه وسنين عمره السابقة
    والثاني ـ هو تلك الدوافع التي جعلته يثور وينتقد ويهرب.
    وإذا كانت لا الدراسة او العمل أو الفن استطاعوا أن يبعدوه عن الغرق
    في حب نور تلك التي سحرته فكان زواجه منها ليكتشف إنها كانت
    لمحة نور احتواها فؤاده وانطفأت فلم تفلح معتقدات التطور والتحرر
    أن تنسيه معتقداته وثوابته فتركها وسافر تاركا لوحة لم تكتمل.
    نص قال الكثير في أسلوب بديع ومهارة في عمل متماسك ومكثف
    محكم البناء بلغة هادفة مميزة.
    دمت بكل خير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10

المواضيع المتشابهه

  1. لوحة لم تكتمل قصة قصيرة تاليف/صادق
    بواسطة صادق ابراهيم صادق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-05-2013, 03:45 AM
  2. رســـــــــالة إلى فقير ..... لم تكتمل بعد
    بواسطة ناصر البنا في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 30
    آخر مشاركة: 28-03-2009, 09:34 PM
  3. لِمَ لَْمْ يأتِ الحب ؟
    بواسطة مؤمن مجدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 15-02-2007, 03:25 PM
  4. قصيدة لم تكتمل
    بواسطة عمرسليمان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 08-10-2005, 08:15 PM
  5. قصائد لم تكتمل
    بواسطة رائد ابو مغصيب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-10-2003, 05:58 PM