.
.
.
( ماذا يعني أن تشيخ ؟ )
سؤالٌ مزاجه ؛ تجربة , والتجربةُ تحصد أصحابها بعد أن زرعهم ؛الطريق الأول !
والحياة كلما نضج جلد لها ؛ نازعتها التجربة ؛ شرفها ؛حتى تغويها وإن حدث ..كشفت عن ساقي الحقيقة !
وعودا على بدء فــالتجربة تورث الشيخوخة :
وأن تشيخ يعني , أن تمل من التحديق , وتُبطئ حتى تقف كماء في حفرة ,
أن تقف, أن تبصر جيدا , ولا أعرف وقوفا إلا ويحمل الوضوح على يديه !
والشيخوخة تورث خمول الذهن ,وتلعن المزاج , وتجعل ردة الفعل سريعة كنبضة !
أن تشيخ ؛ أن تأكل الأسئلة من رأسك حتى تتركه جوابا ! بئره قاع , قاع , لا سطح هنا !
وأن تحمل الحقيقة ميزانا فوق رأسك كناقوس, وبينما قلبك المندفع كخوف يرفع سبابة النهاية !
والعصا ـ أختك ـ تحدودب مقلدةً حنية ظهرك.
أن تشيخ , أن تهرم, والهرم ,سيد الإجابات؛ لا يطرق بابا حتى يغسل المسافة, ويجعل الأماني رذيلة, يوجب التطهر منها ,
ويرفق بالبسمة وخزة في القلب , ويجرد الفم أسنانه ...
لتظل الضحكة حسيرة حذرة, الهرم يُنهض الموتى تلو الموتى في الصدر حتى يحيله مقبرة هائلة .
يجعل البيوت التي كانت يوما واقفة على أقدامها , مكسورة كظلال الأشجار اليابسة ,
أصواتها تسربت , ناسها ماتوا , أقفال أبوابها , تؤدي مشهدا فنيا , تلقطها فتاة بكاميراتها لتضمنها ( انستجرامياتها , وسناباتها )
نتجول على حافة الهرم فلا نجد إلا أقاصيص
وحكايا , طقوس , وحسرة , حسرة , لا يمكن مضاهئتها بشيئ يفوتنا اليوم ,
فالفوات هذا لا يمكن إعادته , لذا يظل يسحب بركانا حتى يخرج فحيحه بآهة مختلطة بتنهيدة .
والإنسان خُلق ليكون ماشيا .. تركض الصور حواليه وينزع منها ما يمسه ..
لذا تظل العجائز في المجالس قصاصات لآثار الماضي وحكائات .. لا يمكنني أن أنطق (جدتي ) إلا وتحضرني سيول القصص التي روتها لنا
ممتلئة الآن بصورة جدتي الكبرى رحمها الله , كبر عمرها وجايلتها أعراض الخرف ,
وكل ما أتذكره أنها تنسانا كلما مر الوقت بعد أن كانت تستقبلنا وتودعنا عند زيارتها .
كبرت كثيرا حتى صارت صامتة , صوتها خفيض للغاية , وهذا ما يسوءني أننا نمضي لأجساد تلو أجساد قد لا نرضى عنها
كما كانت جدتي الأخرى تخفي فمها الذي تساقطت أسنانه .
الورق المصفر لا يعود للشجر ولو كانت أحلام العودة تبني سلما عاليا .
.
.
.
.