من دفاتري
***********
العرب قبل النفط وبعده
***********
الحقبة النفطية العربية، أفقدت أو كادت أمة العرب كل ما عرفه عنها التاريخ من
مزايا وخصال، حتى ليكاد العربي في هذا العصر ينكر أمته, ويضل عن تاريخه,
وتعبيراً عن هذه الحالة كانت هذه الأبيات,
* * *
مثلما الفكر, لاتُحَدُّ الصحارى
وهي كالفكر، تعشق الإعصارا
رملها البحر مزبدا، ومداها
بسراب الصحراء، يبدو بحارا
ونجوم, وبدر ليل, وليل
صار من كثرة الضياء نهارا
وخيام من حول كل غدير
ماؤه العشق يستبيح العذارى
وخيال مجنح، صيرته
لغة الضاد عندنا أشعارا
وسباق إلى بلوغ المعالي
فبلوغ العلى ينيل الفخارا
واشتراك بالخير في كل شيء
قد عشقنا حياتنا إيثارا
ولكي يهتدي إلينا غريب
فوق هام الكثبان نشعل نارا
نستضيف الجياع من كل جنس
ونصد الغازي، ونحمي الزِّمَارا
* * *
واستراحت خيل الجهاد، وألقت
رحلها، كان عمرها، أسفارا
وغفونا في ظل واحات نخل
دانيات قطوفهن ثمارا
واستبد النوم العميق بشعبي
وحدَهُمْ معشرَ اللصوص(السَّهَارَى)
* * *
وأفقنا، تكاد رائحة النفط
تغطي الأريج والأزهارا
بقروا بطن أرضنا وأحالوا
كل واحات أرضنا آبارا
والأدلاء من لصوص بلادي
عينوهم مشائخاً (وأ مارى)
ينهبون الذي أفاء به الله
علينا، ويسرقون جهارا
مزقوا شعبنا شعوباً وسووا
من بلادي البلدان والأقطارا
وإذا الشعب قال أفٍّ أتته
أمريكا وأرهقته حصارا
واستعانت ببعضنا ضد بعض
كل جار منا يخون الجوارا
أبدلونا بالنسر ألفَ غراب
ناعقٍ، يجلب النعيق الدمارا
وغدير الواحات جف مياها
وأماتوا بحزنها الأشجارا
ومياه الخليج أشعلها النفط
فزادت نار الخليج أوارا
كل راع هناك أصبَح ذئباً
كل مهر هناك صار حمارا
أفسد النفط كل أخلاق قومي
فالسجايا تحولت آثارا
* * *
لم يعد هودج الأميرة يغري
عاشقاً صار يجذب(السمسارا)
سرقوا الليل من غدائر شَعْرٍ
كان يوحي للشاعر الأفكارا
لم يعد في خباء نجدٍ ظباء
كشفوا عن خباء نجد الستارا
وفتاة المارينز صارت بديلاً
للظباء السمراء فوق الصحارى
جَنَّدوهن من مرابع ليل
عندهم لاتجيدإلاالقمارا
زرقة في العيون تجلب شؤماً
ووجوه تكاد تَدْ مَى اشقرارا
وحلِيُّ المارينز طوقُ رصاصٍ
غادر جاء يقتل السمارا
وعلى خصرهاالقنابل صُفَّتْ
وأحاطت بخصرها زنارا
وإذا شاقها على البعد إلف
وتغنت كان الغناء انفجارا
تركب الهودج الحديد وتمشي
فالجنازير تسحق الأحجارا
وتميت الحياة، حرثاً ونسلا
حبها يلبس المحبين عارا
* * *
هذه حالنا مع النفط فأذن
يا إلهي بأن يزيد استعارا
واصْلِ منه حكامَنَا بشُوَاظٍ
يُنضِجُ الماءَ منهم والغضارا
فإذا أصبحوا هباء، فولج
فيه ريحاً، يلقي الهباء نثارا
* * *
محمد حيدر- دمشق 26/8/1990