مع تجمع سُحبٍ سوداء في ليلة مقمرة فوق بيتٍ ذي تصميم كلاسيكي جميل يقع في طرف حي سكني هادئ , تسلل لصٌ في مقتبل عُمره إلى ذلك البيت رويداً رويداً , حاول في البداية أن يدخل من أحد البابين الأمامي أو الجانبي لكنه لم يُفلح , إلى أن تمكّن أخيراً من الدخول عبر نافذة المطبخ سهلة الكسر , مشى بهدوء إلى الصالة و لفت نظره تحفٌ عاجية و خشبية و أخرى فضية ...., لكن بدا له من بعيد ظلٌ يقترب ببطء إلى أرضية الدرج , فاختبئ خلف الزاوية و لم يكن وراء ذلك الظل إلا جسد جميل بدأ يملأ حدقتي عينيه انبهاراً بتفاصيله و صفاء وجه صاحبته و لعلها كانت في مثل عُمره , أخذ يراقبها و هي تتمايل بملابس نومها مشياً إلى المطبخ , خرجت منه بعد أن روت ظمأها من ماء بارد و عادت عبر نفس الدرج , و مع وقع خطواتها على الدرج كان قلبه يدق شهوة و دمه يفيض بالادرينالين و نفسه تقول له : لا تضيع الفرصة ! , قرر أن يتبعها حتى رآها تدخل غرفتها فدخل الغرفة وراءها و راودها عن نفسها , و في نفس اللحظة بدأ صراخها يعلو و يعلو , سمع الصراخ شقيقها الأصغر فركض كالمجنون بإتجاه غرفتها و في كل خطوة يخطوها كان يتذكر لشقيقته موقفاً حنوناً و كأنّ الزمن متوقفٌ في أثناء ركضه السريع ! , ومن تلك المواقف الكثيرة كان مشهد شقيقته و هي تبكي عند سرير أمّهما التي ترقد في غيبوبة في مستشفى المدينة و تمسح عن رأسها بعد حادث سير مروع مات فيه والدهما, ذلك المشهد أوقف شريط ذكرياته و بقي في رأسه إلى أن وصل باب غرفة شقيقته , أمسك مقبض الباب و حاول فتحه لكنه كان مغلقاً , حاول دفع باب الغرفة المصنوع من خشب البلوط الغليظ بكتفه لكنه لم يُفلح أيضاً , في أثناء ذلك كله كان يسمع شقيقته تتوسل شخصاً ما في داخل الغرفة و صوتٌ يردُ عليها : قلتُ لكِ افتحي ساقيكِ ..., لوهلةٍ لم يعرف ماذا يفعل , لكنه انطلق كالبرق بإتجاه غرفة شقيقه الأوسط و فتح بابها , وجد شقيقه الأوسط يجلس على سجادة صلاته يقرأ في صحيح البخاري ذلك الكتاب الذي لا يفارق يديه في الليل , اقترب إليه من وراء كتفه بسرعة و لمح جملة "باب فضل السجود" مكتوبةً على رأس الصفحة التي يقرأ منها , و سرعان ما بدأ لسانه يرتجف تارة و ينطق تارة بما سمعه ..., تحوقل شقيقه الأوسط وقال : يا أخي غفر الله لك و هداك إلى ما يُحب , لماذا لم تُقل السلام عليكم و رحمة الله و بركاته عند دخولك غرفتي حسب سُنة نبينا عليه الصلاة و السلام, لا بل لماذا لم تستأذن عند دخولك غرفتي ألا تحفظ سورة "النور" ؟ اذهبْ يا أخي إلى مكتبتي التي أمامك و ذلك الكتاب ذو الغلاف الأخضر يتحدث عن أداب و أحكام الإستئذان دونك فطالعه , إلا أن شقيقه الأصغر لم يفعل و ردد له بسرعة ما سمعه عن شقيقتهما , قاطعه شقيقه الأوسط قائلاً : بالله عليك لا تُفسد عليّ خلوتي و تعبدي , انطلق شقيقه الأصغر نحو غرفة شقيقه الأكبر تاركاً الأوسط وراء ظهره , وصل إلى بابها و قبل أن تمتد يده سمع موسيقى صاخبة من داخل الغرفة , أراد أن يفتح الباب لكن تذّكر تقريع شقيقه الأوسط له فبدأ بقرع الباب لكن صوت قرع الباب كان أخفض صوتاً من الموسيقى المنبعثة من داخل غرفة شقيقه الأكبر , فزاد ضرباته قوةً على الباب و بعد هُنيهة فتح الباب شقيقه الأكبر و قال غاضباً له : ما هذا ! ما هذا ! ألا يعرف المرء أن يستجم و يرتاح في هذا البيت ؟! ألم تتعلم "إلاتاكيت" بعد ؟! لا بأس تعال و شاهدْ الرقصة الجديدة التي تعلمتها من أحدث صرعات "الروك أند رول" , أراد شقيقه الأصغر أن يخبره بما حصل لكن قبل أن يتفوه بكلمة شدّه شقيقه الأكبر من يده و أدخله غرفته و بدأ شقيقه الأكبر بالرقص و الرقص ..., أطفأ الشقيق الأصغر مشغل الموسيقى و صرخ بما حدث , فانتفخت أوداج شقيقه الأكبر و بدت الحمرة تكسو وجهه و صار جسده يرتعش من الغضب ..., و صاح في شقيقه الأصغر قائلاً : تباً لك أيها الأحمق , تباً لك ..., أطفأت مشغل الموسيقى عند أفضل جزءٍ في الرقصة ؟! بالفعل أنك ولد مُخنث ... أخرج من هنا أخرج ... , و أمام هيجان شقيقه الأكبر لم يجد الشقيق الأصغر مفراً من ترك الغرفة , فخرج منها مسرعاً مفكراً و هداه تفكيره بالذهاب إلى المستودع حيث هنالك فأس كبير يستطيع به أن يكسر باب غرفة شقيقته ...., وصل إلى غرفة شقيقته و بيده الفأس و بدأ في كسر الباب و ما مضتْ لحظات حتّى كسر الباب , وقف لوهلة مذهولاً أمام مشهد أخته ممزقة الثياب على سريرها و دم يسيل على بقايا ثيابها و جسدها يرتعش ..., و شابٌ بشعر أشقر أمامها يغلق حزام بنطاله بسرعة ..., في حالةٍ من اللاوعي وجد نفسه يرفع الفأس في يده و يركض نحو ذلك الشاب , ركض الشاب سريعاً هارباً من المنزل لكن سرعته لم تدفع عنه خَدْشٌ أصابه في وجهه من حافة الفأس حين همّ بالهروب نحو الجهة الغربية للمنزل ..., و لم تمضِ ساعة حتّى جاءت الخالة و الشرر يتطايرُ من عينيها و ما أن فتحَ الشقيق الأصغر الباب لها حتى بادرت بصفعه صفعة قوية قائلةً له : من أين أتيت بكل هذه الهمجية ؟! من أين ؟ أيها الحيوان المتوحش من أنت ؟! هل أنت حقاً ابن شقيقتي و تحمل جيناتنا ؟ لقد أخبرتني أم الشاب المسكين الذي اعتديت عليه بما فعلت , أراد أن يخبرها بما حدث فقاطعته قائلة : اخرس , أنا أعلم أن الشاب قد أخطأ في تعامله مع شقيقتك لكن ذلك الخطأ لا يُبرر بأي حالٍ من الأحوال همجيتك و الشاب من عائلة محترمة ... , انتظرني في الصالة أنا ذاهبة لغرفة شقيقتك ... , فتحت الخالة باب ابنة أختها و أخرجت منديلاً و عقاراً مسكناً من حقيبتها و ناولتهما لها ... , ثم عادت إلى ابن شقيقتها الصغير و قالت له : يجب أن أعرضك على طبيب نفسي مختص يُشخص حالتك , أخذته معه في السيارة و في أثناء قيادتها بدأ خيالها يسرح ..., عائلة ذلك الشاب متنفذة في المدينة ..., هل ستوقفها جامعة المدينة عن العمل كمحاضرة في كلية علم الاجتماع ؟ هل ستجمد إذاعة المدينة برنامجها الإذاعي "السلوك الأسري" ؟ , ما الذي ستقوله زميلاتها عنها في جمعية "تقويم المجتمع" و قد فشلت في رعاية أقرب الناس إليها ؟ دوامة من الأسئلة و الهواجس استمرت في اقتحام عقلها و هي تستمر في القيادة ...