أنبلج الصبح، امتدت جدائل الشمس الذهبية، فوق سفوح الجبال و ذرات الرمال، داعبت المرأة جفونها، مسدتها برفق، أطبقت الكتاب، ركنتهُ قرب وسادتها، سحبت رجليها، توكأت على الحائط، خفق قلبها بقوة، كاد ينفذ خارج الجسد السقيم، اتكأت بجسدها على الحائط، سحبت نفس عبت به رأتيها، زفرته بهدوء، كررتها ثلاثً،
بعلها كعادتهُ يتنسم انفاس الصباح في الحقول المجاورة المعبدة بالأشجار، والأنهار المنسابة كالأوردة ناتئة من جسد هزيل، يتنفس منها عطر لاشك انه مستوحى من الجنان.
مُذ بلغ عقده السادس، لا يبارح ان يذهب كل صباح الى بُستانه، الذي دأب مُنذ الطفولة الحرث فيه، الأولاد ذهبوا مبكرين للعمل،
دخلت المرأة غُرفة أبنها، أخر ثمرة الحُب، يرقد في سرير، كجنين يرقد في رحم أمه، تقدمت نحوه، خفق قلبها من جديد، عندما رأت قسمات وجهه يصارع شيء خفي، جلست على حافة السرير، داعبت خصلات شعره، مسدت وجهه، كي يطمئن، وتسحبه مما هو عالق فيّه، انبسطت أسارير وجهه، أحس بيد ملاك، أعتدل في جلسته، ومض بعينيهِ الناعستين، عانقها، وهو يتجول بين النخيل والاشجار، متفكراً بجمال صنع الخالق، قطع سلسلة افكاره، اتصال، صوت ناعم متقطع، عجل بالقدوم يا زوجي
قفل راجعا يحُث الخُطى، دخل بيته، بحث ببصرهُ عن رفيقة دربه، وقع بصره على جسدها الممد، على مقرُبة من التنور، الذي هو الاخر يزفر أنفاس لهبه قبل ان يخمد ويتحول الى رماد متوهج، جلس بجانبها، حمل رأسها ووضعه في حجره، يا حبيبتي !
رمقته بعيناها الدامعة، سوف أرحل الى مكان لا سقم فيه، نزلت منها قطرات على خدها المتغضن، ما أن سمع كلامها، سقطت قطرات الدمع من مقلتيه، انسابت بين شُعيرات لحيته، حاول أن لا تجزع لفراقي، فلقائنا قريب، الأولاد تحت رعايتك، ولا تنسى حبيبي عبدالله والأولاد، عندما يعودوا أخبرهم أنني أحبهم، وسنلتقي بعد الفراق، أنسلت روحها من خلف قضبان الجسد، رفرفت بجناحيها مبتعدة ، كادت أن تلامس الأفلاك، لولا نداء أبطأ رفيف الروح، أُمي.. أُمي تريثي أنا قادم أليكِ، نظرت خلفها، فاذا هو عبدالله.