أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: مولانا .. (قصة قصيرة)*

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي مولانا .. (قصة قصيرة)*



    مولانا..


    قصة فصيرة
    بقلم/ محمد فتحي المقداد


    سيّارتان ملطّختان بالطّين والأوساخ توقّفتا أمام الصّالون، كأنّهما مُستَحاثّتان من سحيق الدّهر خرجتا، نزل من الأولى شخص غريب، مظهره لافتٌ بلباسه الحربيّ الأخضر المُموّه، طوله الفارع ألقى في نفسي مهابة عصيّة على التفسير، ألقى التحيّة وجلس على كرسي الحلاقة.
    ردّي جاء بصوت خفيض خالطه الخوف و الوجل، تلعثم لساني وأن أحاول فهم طلباته، أيقنتُ من أهميّته من المرافقة المرابطة في السيّارة الخلفية، وهم يُشهرون أسلحتهم في كلّ اتّجاه، و أعينهم تدور في محاجرها كرادارات تستكشف كل نقطة وزاوية في محيطنا، المرافق الشخصيّ ترجّل خلفه، ويتابع كلّ حركاتي وسَكَناتي، طلب منّي تسليمه هاتفي النّقال.
    تجمّدت الدماء في عروقي، الخوف طغى على أحاسيسي، فقدتُ السيطرة على أعصابي، التوتّر استفزّ كوامني الخاملة منذ زمان موغل في القِدَم، خانتني نفسي في استجماع كلمتين مترابطتيْن للترحيب به، اتّقاء لشرّه المحتمل إذا ما أخطأت، وللواجب المتحتّم عليّ تجاه زبائني.
    بخطوة مفاجئة قام أحد الحُرّاس في الخارج بإنزال الباب السحّاب، انغلتِ الدنيا في عينيّ، أطبقتِ الهموم والأحزان على قلبي، أيقنتُ أنّ أوراق شجرة حياتي سقطت جميعًا، ولم تعُد ذات فعالية فيما يُذكر.
    - المرافق الشخصي: سيّدي الجنرال، أنتظرُ أوامرك فيما أخطأ هذا الحلّاق، أو حاول فعل أيّ شيء.
    تفتّحت عينا الجنرال على اتّساعهما، مُبدِيًا دهشته مما سمع من المرافق، وقال: أنا لا علاقة لي بالموضوع، هذا شأنك معه.
    يا إلهي ..!!، من أين وقعت عليّ هذه المصيبة، وجه الجنرال القبيح، حاجباه العريضان، شارباه متدليان يُخفيان تحتهما مغارة لا يخرج منها إلّا السبّ و الشّتم، شعر لحيته الكثّ الأشعث ينسدل على صدره، رائحة الخمر تفوح مختلطة برائحة الدخّان، ليخرج مزيج من الروائح هو أقرب لرائحة المجاري، تقززت نفسي وصلت حدّ الاستفراغ، لكنها حالة الخوف ألجمته، و أرجعته إلى بطني.
    قدماي تصطّكان، يداي ترتجفان، اللعنة..!!، كأنني رجولتي خانتني، إحساسي ببرودة تسلل على ساقيّ، سمعتُ و قرأت عن الجنرالات، وحفظت الكثير من جرائمهم، أما أن أكون في يوم ما وجهّا لوجه أمام أحدهم، هذا ما لم يكن بالحسبان.
    طلقة واحدة من المرافق ابن الحرام، وضغطة خفيفة من إبهامه سينتهي كلّ شيء، يا تُرى كم ستبقى جُثّتي مُلقاة على الأرض، ستمتصّ كلّ برودة الأرض المتسرّبة من الهيمالايا و الألب و حرمون، وكيف سينعكس اصفرارها على من يكتشفني للمرّة الأولى، هل ستتعرف زوجتي عليّ أو أولادي، قاتلك الله أيها الجنرال الشرّير، ومرافقك الوغد اللئيم.

    ***

    "سيموت الجنرال و في عينيه حرائق لم يشعلها"، نسيت قائلها، ذاكرتي ممسوحة، كأنه لم في الدنيا فرح أو سرور قط، أعتمت مقلتاي الأسود صار سيّد الموقف، رغم أنّ التيّار الكهربائي يشتغل.
    تنحنح الجنرال بصوته الأجشّ الكريه بوقعه الثقيل على مسمعي، و أشار بيده، المرافق من فوره يستخرج «سيجارة» و يشعلها، برفق يضعها بين شفتي الجنرال، خيّل إليّ أنهما شفيرا جمل هائج.
    -الجنرال: كان علينا أن نحرق الأرض و السّماء من تحت أرجل هؤلاء الكفرة، و لا نترك لهم مجالا للتنفس أبدا، حسب وصيّة مولانا.
    -المرافق: سيّدي..، و لكنّهم مدنيّون مسالمون، لا علاقة لهم بنظام أو ثوّار.
    -الجنرال: حتّى و إن كان ذلك، سنشعل كلّ الجبهات حسب الاتّفاق مع حلفائنا.
    رنين متقطع على ثلاث دفعات، المرافق يمسك الهاتف النقّال بيده. ما انتهت الثالثة حتى ضغط بإصبعه لإجراء اتّصال مع جهة ما، وضع الهاتف على أذن الجنرال، وقال: نحن قادمون. الكلمة الأخيرة وما سمعته قبل قليل من حواريهما، أخرجني من ذهولي، أيقنت أنني أمام الفتيل الذي أحرق البلاد، ورأس الأفعى، و قوام الفتنة، إحساس مفاجئ في معدتي، شعرت برغبة شديدة ملحّة في الذهاب للحمّام بسبب الإسهال، حاولت ضبط نفسي، وأنا أضغط بكل ما أوتيت من قوّة كي لا تفوح رائحتي أمام الجنرال، ربّما يضغط المرافق على الزناد فورا، ولن أكون شاهدا العصر.


    عمّان/الأردن
    2017-3-13


  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    الأستاذ محمد فتحي المقداد

    نص جميل و طابع التشويق كان حاضراً .. كنا بانتظار خاتمة أكثر إثارة .. لكن وقوفها عند ذلك الحدّ ترك للقارئ أن يتخيل ما الذي سحصل أمام جبروت و ظلم لا يمكن تصور نتائجه .

    تحيتي لك .

    " كأنه لم في الدنيا فرح أو سرور قط " ربما تحتاج العبارة لمراجعة منكم أديبنا .
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام دغمش مشاهدة المشاركة
    الأستاذ محمد فتحي المقداد

    نص جميل و طابع التشويق كان حاضراً .. كنا بانتظار خاتمة أكثر إثارة .. لكن وقوفها عند ذلك الحدّ ترك للقارئ أن يتخيل ما الذي سحصل أمام جبروت و ظلم لا يمكن تصور نتائجه .

    تحيتي لك .

    " كأنه لم في الدنيا فرح أو سرور قط " ربما تحتاج العبارة لمراجعة منكم أديبنا .

    أستاذ عبد السلام
    أسعد الله أوقاتك بالخير
    كنت أتوقع أن النهاية المفتوحة للنص
    تخلق شراكة بيني وبين القارئ، بالتفاعل
    وتنقله من دور المتلقي إلى صانع في فعل
    الحدث..
    كل الشكر على الملاحظة القيمة.. سأنظرها
    دمت بكل ود واحترام

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,110
    المواضيع : 317
    الردود : 21110
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    كان علينا أن نحرق الأرض و السّماء من تحت أرجل هؤلاء الكفرة،
    و لا نترك لهم مجالا للتنفس أبدا، حسب وصيّة مولانا.

    أفكار مشوشة وحرق وذبح وقتل وتفجير وتدمير وتكفير .. وكل للأسف بإسم الدين
    فأي إسلام هذا الذي يدعونه...
    من واقع مقلوب نعيش فيه جاء هذا النص بسرد رائع وقص جميل
    بلغة شيقة وأسلوب تعبيري تصويري قادر على التوصيل
    لنعيش مع بطل قصتنا كل انفعالاته.
    سلمت يداك ـ ودام إبداعك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    كان علينا أن نحرق الأرض و السّماء من تحت أرجل هؤلاء الكفرة،
    و لا نترك لهم مجالا للتنفس أبدا، حسب وصيّة مولانا.

    أفكار مشوشة وحرق وذبح وقتل وتفجير وتدمير وتكفير .. وكل للأسف بإسم الدين
    فأي إسلام هذا الذي يدعونه...
    من واقع مقلوب نعيش فيه جاء هذا النص بسرد رائع وقص جميل
    بلغة شيقة وأسلوب تعبيري تصويري قادر على التوصيل
    لنعيش مع بطل قصتنا كل انفعالاته.
    سلمت يداك ـ ودام إبداعك. نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    الفاضلة \ نادية محمد الجابي
    أسعدك الله
    الألم يمتص الحياة منّا ..
    و الأحزان تكلل أيّامنا ..
    متاهة ابتعلت كل ما في القلوب
    من رحمة.. وفهم مقلوب مشوّه
    لقضايا عاشها الإسلام منذ نشأته
    لم يحدث ذلك إلا من قبل، الوحشية
    و القتل و التدمير.. باسم الإسلام
    وما الذي يرتجى من خوارج العصر؟.
    أين هم من أعداء الأمة و الأوطان؟..
    دمت بكل إبداع

  6. #6
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    نص جميل بفكرة سردية مميزة، ينقل لنا واقع الوحشية تحت راية الدين.
    لعل ما نشاهده الأن من قتل ودمار في أقطارنا العربية خاتمة النص المفتوحة.
    سعدت بقراءة النص ودمت في أبهى الإبداع

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العكيدي مشاهدة المشاركة
    نص جميل بفكرة سردية مميزة، ينقل لنا واقع الوحشية تحت راية الدين.
    لعل ما نشاهده الأن من قتل ودمار في أقطارنا العربية خاتمة النص المفتوحة.
    سعدت بقراءة النص ودمت في أبهى الإبداع

    أستاذ أحمد العكيدي
    أسعد الله أوقاتك
    دمار بلا حدود
    خوف بلا حدود
    وحشية بلا حدود
    وطن أدماه الجهل
    دمت بكل تقدير و احترام

  8. #8
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    وصف رائع.. وسرد يصف المأساة بعمق!
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  9. #9

المواضيع المتشابهه

  1. قصة قصيرة ......... العازف
    بواسطة تعب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-08-2016, 10:13 PM
  2. فارس . كم( قصة قصيرة)
    بواسطة سعد جبر في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-06-2016, 08:44 PM
  3. نــهــــاية غــصــن (قصة قصيرة)
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 22-05-2016, 08:00 AM
  4. هو مولانا . . .
    بواسطة ياسر سالم في المنتدى فُنُونٌ وَتَّصَامِيمُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 26-06-2013, 07:32 PM
  5. حرف مولانا أباما
    بواسطة الطنطاوي الحسيني في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 03-07-2009, 01:39 PM