المدرسة الفاعلة Mindful School :
نموذج للتغيير المنظم :
المدارس التي تسعى إلى عملية ديمقراطية حقيقية ، لديها حس عميق بالهدف المستقبلي والرؤية المستقبلية ، التي تحمل في طياتها كل من لهم علاقة بالتعليم . في المدارس الفاعلة تكون الرؤية مركزة حول الإيمان والاعتقاد بأن جو المدرسة يجب أن ينشِّط ويسهِّل النمو العقلاني لكل من له علاقة . وبهذه الطريقة تصبح المدرسة " ملاذاً للعقل " . يقول آرست كوستا ، وهو مبتدع وصاحب مفهوم " المدرسة الفاعلة :
" في المدرسة التي هي ملاذ للعقل، يكمن إيمان دفين بأن جميع الناس يستمرون في تحديد وتطوير قدراتهم العقلانية في الحياة ، حيث إن تعلم التفكير هو الهدف المشروع عند الخطر للمعاقين والمحرومين وحتى للمتحدثين بلغات أجنبية ما دام يمثل العطاء والموهبة ، وإننا جميعاً نمتلك الإمكانية لأعظم إبداع للقوة العقلانية الخلاقة " ( كوستا ، 1991 ، 4 )
كذلك يقول كوستا بأن الهدف من المدرسة الفاعلة استمرار الهيئة التدريسية في تعريف وتوضيح " تدريس التفكير " . ولمساعدة الهيئة التدريسية في إنجاز هذا الهدف فإن فكرة "المدرسة ملاذ للعقل " قد انتشرت إلى شبكة المدارس الفاعلة . توفر شبكة المدارس الفاعلة طريقة تساعد الهيئات التدريسية للتفاعل مع بعضها البعض ولتتشارك في تقدمها لتسهيل التفكير في مدارسهم وفصولهم ، فهم يشجعون بعضهم لاستمرار التقدم نحو المزيد من تمرينات التفكير . وقد وجِد مفهوم الشبكة ليوفر للمدارس الفرصة للتعاون والدعم . تُعلِّم المدارس طرقاً متعددة للتعامل مع التحديات الكامنة في عملية التغيير عن طريق تقليد بعضها للبعض الآخر . وقد نجد أن الهيئات التدريسية تتشارك في تجارب متشابهة حتى تصبح مصادر لبعضها البعض في رحلة التغيير المنظم .

حتى تصبح مدرسة فاعلة :
قبل الانطلاق في رحلة المدرسة الفاعلة ، يحتاج المسافرون أن يعرفوا أين تقودهم هذه الرحلة ، والهدف المحدد من الوصول إلى هناك . يتكون الفريق المسافر من مدير المدرسة وكادر مدرسين مؤهل يريد أن يطبق الاستراتيجيات الموجودة في دليل الرحلة . هذه الاستراتيجيات مختارة من أحسن الممارسات الموجودة في البحث التعليمي والتي أثبتت نجاحاً كبيراً في المدارس التي استخدمتها ( كوستا 1985 ) . يتكون فريق الإدارة في محوره من المدير ولجنة من المدرسين المؤهلين . وهم ليسو متعلمين فحسب ، بل إنهم يعملون مسهِّلين ومحركين لمجتمعهم المدرسي باتجاه المدرسة الفاعلة .
تكون المدرسة مستعدة للبدء في الرحلة نحو المدرسة الفاعلة عندما يتم التزود بالمصادر الضرورية مثل : الأشخاص والوقت والمال . يعتمد نجاح هذه المغامرة على الالتزام من الأشخاص الذين لهم علاقة ، ومن خلال الوقت المعطى لإنجاح وارتقاء التغيير المنظم ، وكذلك هناك أولوية معطاة للمصادر المالية .
1 ـ الأشخاص :
مفهوم المدرسة الفاعلة ليس نموذج تغيير من أعلى إلى أسفل . وعلى أية حال فمن الأمور الأساسية أن تعرف المدرسة بأنه يوجد دعم من المنطقة التعليمية لجهود التغيير . وعلى أقل تقدير فالمدرسة تحتاج لأن تعرف بأن مدير المنطقة التعليمية واعٍ لاحتياجات الرحلة ، وأنه لن يعارض جهود المدرسة . وبصورة مثالية ، فإن مدير المنطقة التعليمية له ظهوره وتأثيره ، وهو الذي يدعم هذه الرحلة ، وهو كذلك سيطلب معلومات دورية عن تقدم المدرسة . هذا الدعم الرئيسي من المديرين هو البداية الإيجابية لجهود التغيير المنظم ، وهو كذلك الذي سيؤكد للمسافرين بأن هذه الرحلة لم تذهب سدىً وليست سرية ، بل إنها معترف بها ومدعومة.
يلعب المكتب المركزي للهيئة التدريسية دوراً رئيسياً في تسهيل الجوانب المتطورة للرحلة. يفهم أعضاء الهيئة التدريسية ـ الذين يعملون مع فريق إدارة المدرسة ـ الحاجة لمثل هذا التسهيل ، ومنها مثلاً : إيجاد فترة للراحة والتنفيس للتدريب المهني المتطور ، والحصول على مواد تدريبية ، والتزويد بمكان للتدريب ، والعمل على تنظيم المدرسين الاحتياطيين . وليس هذا فحسب ، بل العمل مع المدير لتسليم أوراق العمل المطلوبة ، والتأكد بأن التدريب المهني المتطور قد أخذ مكانه . إضافة إلى ذلك ، فإن الهيئة التدريسية تعمل على تزويد المنطقة التعليمية بالمعلومات عن تقدم المدرسة .
وبينما يكون من المهم إيجاد العمل المعترف به من مدير المنطقة التعليمية ، فإن أكثر دور فردي أساسي في نجاح المدرسة الواعية هو المدير . وباعتباره عضواً في فريق قيادة المدرسة ، فإن المدير يَحضُر جميع حلقات التطوير المهني ، ويشارك في جميع عناصر التدريب . وفي هذا الإطار من المرجعية ، يكون المدير قادراً على أن يتعاون من أجل أن يُبقي تركيز الهيئة التدريسية على الرؤية العملية للمدرسة ، فهذه الرؤية تنشئ هدفاَ عاماً ، ولكن في بعض الأحيان قد يحدث تشتت فكري متعدد يسيطر على انتباه الهيئة التدريسية ، وبالتالي فإنهم يبتعدون عن الهدف المحدد . والمدير الذي لديه المهارات الاجتماعية ، عليه أن يعمل مع الهيئة التدريسية لوضع الخطة الاستراتيجية ، وعليه أيضاً أن يحول دون التشتت ، وأن يُحضِر المهمات اليومية ، وبهذا فإنه يصبح قائداً إيجابيًا في رحلة المدرسة الفاعلة . وكذلك فإن المدير عليه أن يَحضُر المؤتمر الصيفي للشبكة مع فريق إدارة المدرسة . يساعد انعقاد المؤتمر على زيادة وتوثيق ارتباط الهيئة التدريسية والتزامهم برؤية المدرسة . ومن ناحية أخرى ، فإنه يعمل على تقوية دور المدير كقائد للفريق وكمسهل للعملية .
بغض النظر عن قوة المدير ، فإنه لا يستطيع القيام بهذه الرحلة منفرداً ؛ لأن التغيير المنظم يحتاج إلى فريق من المدرسين المهتمين ، يشاركونه رؤيته ، ويكونون على استعداد لتكبُّد المخاطر من أجل التطبيق . وعن طريق العمل مع المدير ، فإن هذا الفريق يكون مسؤولاً عن دمج التطوير المهني في الاستراتيجيات الخاصة بتدريسهم ، والعمل على تطوير وتقييم الخطط التكتيكية . يبحث أعضاء الفريق المحوريين عن التطور المهني باعتباره وسيلة تساعدهم على العمل بطريقة أكثر فاعليةً مع الطلاب ، وعلى إيجاد استراتيجيات تساعد الطلاب على أن يصبحوا ناقدين ومبدعين ومفكرين تفكيراً تأملياً .
هؤلاء المدرسون ، الذين هم أول من يطورون الخبرة في النظام التعليمي الجديد ، يرغبون أيضاً في إشراك أقرانهم فيما تعلموه ؛ لأنهم يصبحون خبراء في تطبيق الاستراتيجيات الجديدة عن طريق ممارستهم وتدريب زملائهم . وبما أنهم يصبحون ماهرين في توظيف النظريات الجديدة فإنهم يطبقون مهاراتهم هذه في الفصل ، وكذلك يشركون أقرانهم في نفس الموضوع . وهم يدركون بأن مشاركة الأقران أسلوب مهم لجلب التغيير في الممارسة الصفية ، وتوفر منهجاً تعليمياً ناجحاً لجميع الطلاب .
2 ـ الوقت :
تجد المدرسة الفاعلة طرقاً فاعلة لإعادة تقسيم الوقت ، حيث يوفر المدير وقتاً أسبوعياً مختصراً مدته ثلاثون دقيقة لاجتماع فريق الإدارة . يسمح هذا الاجتماع العادي لأعضاء الفريق أن يتشاركوا في نجاحه ويراجعوا أهدافه ، وأن يعالجوا الإحباطات الناتجة عن عدم نجاح الاستراتيجيات المستخدمة . فالزمن الأسبوعي المشترك يذكِّر الفريق بأنهم "جميعاً معا ً" ، ويسمح لهم بتقييم كيفية تحسنهم ، وما هي القضايا التي يجب مناقشتها في المرة القادمة . يمكن لأعضاء الفريق أن يتحدثوا عن أهدافهم العامة ، وأن يعبِّروا عن اهتماماتهم ، وأن يقوموا بفحص حقيقي لتقدم كل واحد منهم ، وأن يقوموا بتوثيق تقدم الفريق . بدون هذا الوقت المشترك يكون من الصعب العمل على إبقاء زخم الرحلة .
توفر المدارس الفاعلة وقتاً للاجتماع بطرق مختلفة . فمثلاً نجد في إحدى المدارس الفاعلة يُطلَب من الأهل إرسال أبنائهم كل يوم أربعاء الساعة 8:30 صباحاً بدلاً من الساعة 8:15 صباحاً ، ويأتي فريق إدارة المدرسة للمدرسة الساعة 7:55 صباحاً بدلاً من الساعة 8:15 صباحاً ، وبذلك يتمكن الأعضاء من الاجتماع لمدة نصف ساعة كل أسبوع قبل بدء الدوام المدرسي . في مدارس أخرى نجد أنهم قد استأجروا أماكن محلية للعمل مع الطلاب لمدة 45 دقيقة يوم الجمعة صباحاً ؛ وبذلك تتمكن الهيئة التدريسية من الاجتماع والمناقشة . وبغض النظر عن ماهية المصادر التي تم توظيفها ، فإن المدارس الفاعلة تدرك بأن هذا الاجتماع الأسبوعي أساسي في إنجاح رحلة المدرسة الفاعلة .
هناك نوع آخر مطلوب من وقت المشاركة ، من أجل نقل الخبرات الناجحة بين أعضاء الفريق القيادي ، فأعضاء فريق القيادة بحاجة لأن يتشاركوا ، وأن يقلدوا بعضهم بعضاً ، وأن يدربوا أقرانهم في تطبيق الاستراتيجيات التعليمية والناقدة الجديدة . يمكن أن يكون تقسيم الوقت اللازم لتدريب الأقران بطرق مختلفة منها :
1- اضطلاع المدير بإدارة الفصل حتى يتمكن المعلم من ملاحظة استراتيجيات التدريس لدى زملائه .
2- ترتيب الجدول المدرسي بحيث يوفر وقتاً للقاءات مجموعات الأقران لتبادل الخبرات فيما بينهم .
3- إجراء مراجعات لتقييم الأقران .
4- توفير مقاييس فردية وجماعية ( على مستوى الفريق ) ومدرسية للنجاح مثبتة في حقائب ( logs ) المشاركة .
في المدارس التي يكون فيها الوقت متوفر أسبوعياُ لمشاركة الفريق الإداري ومشاركة المدرسين في الاستراتيجيات والتقنيات ، يكون نجاح الرحلة واضحاً بصورة أكبر .
هناك وقت آخر يتم الالتزام به ، وهو الوقت اللازم للاجتماع بعميل خارجي للمدرسة . مثلاً ، مع منسق الشبكة ، أو مع مهني التطوير للمنطقة ، أو أعضاء من الهيئة التدريسية في الجامعة ، أو معلم متقاعد ، أو رجل أعمال محلي يوفر الدعم لاستمرار التحسينات . وبصورة مثالية ، فإنه مهما كانت الوسائل الخارجية للدعم ، فإن هذه الاجتماعات تأخذ مكانها بعيداً خلال أسبوع العمل المعتاد ، وبذلك لا يتشتت فكر المدرسين والمدير . عندما توافق دائرة التعليم على توظيف مدرسين احتياطيين ، يتمكن المدرسون في رحلة المدرسة الفاعلة من تعلُّم أساليب تعزز مهاراتهم ، وعن طريق هذه الخطوة فإن دائرة التعليم ترسل رسالة قوية مضمونها أنها تنظر إلى المدرسين باعتبارهم مهنيين يجب أن يتدربوا خلال اليوم الدراسي العادي ، وأن دائرة التعليم تدعم الاستراتيجيات والمناهج التي يتم تدريسها .
في إحدى مناطق المدرسة الفاعلة حدثت معضلة ، حيث إن مدير المنطقة التعليمية أراد من جميع أعضاء الفريق الإداري للمنطقة أن يتدربوا ، ولكن لأن المنطقة التي تتواجد فيها المدرسة صغيرة ، فإن المدرسين الاحتياطيين لا يكفون حتى يتدرب الجميع في نفس اليوم . بالتالي قرر مدير المنطقة التعليمية أن يمدد كل جلسة تدريبية يوماً آخر حتى يتمكن الجميع من تغطية فصولهم ، وحتى يتمكن كل عضو من الفريق الإداري من التواصل مع التطوير المهني. هذا الحل الذي يتمثل في إضافة يوم آخر لكل جلسة تدريب ، يرسل رسالة قوية تدل على الالتزام القوي لكل من المدرسين والمجتمع .
يوجد نوع آخر من الالتزام بالوقت من أعضاء فريق الإدارة عندما يطبقون استراتيجياتهم الجديدة ، حيث يعمل هؤلاء المدرسون على إعادة تقسيم الوقت عن طريق تغيير جداول فصولهم ؛ حتى يتمكنوا من التدريب وإعادة تحسين استراتيجياتهم . وبينما يعمل هؤلاء المدرسون مع طلابهم ، يتعلمون تكييف توقعاتهم بالنسبة للوقت ، وكذلك يفهمون بأنه من أجل ترشيد تفاعل المجموعة ، ومن أجل أن يحافظ الطلاب على مشاركتهم في العملية التعليمية ، فإن ذلك يحتاج لوقت أطول من مجرد إعطائهم أوراق عمل بسيطة وتمرينات مستقلة .
في أثناء التعليم ، وعند تطبيق أنواع عديدة من الاستراتيجيات ، يبدأ المدرسون في الابتعاد عن الجدول الذي يحتاج إلى خمسٍ وأربعين دقيقة للرياضيات ، ومثلها للعلوم . . . إلخ . وبدلاً من ذلك يرى المدرسون حاجةً لدمج مفاهيم الرياضيات والعلوم . على سبيل المثال ، يبقى الطلاب في درسٍ موحد مشاركين مدةً أطول . فالمدارس الفاعلة ترى أن الكفاءة تكون في الجدول ككتلة واحدة ، بحيث يوفر الفرصة للطلاب ليتعلموا موضوعات معيَّنة بعمق. بعض المدارس الفاعلة تحولت إلى أربع حصص كل منها تسعون دقيقة ، والبعض الآخر أعاد تقسيم الموضوعات ، وبالتالي فإنه في أسبوع واحد يدرس الطلاب لغة وموضوعات متقاربة أيام الاثنين والأربعاء والجمعة ، ويدرسون الرياضيات والعلوم يومي الثلاثاء والخميس ، أما في الأسبوع التالي فيتم تبديل الجدول . هذا المفهوم " الجدول الكتلة " يساعد طلاب المدرسة الفاعلة على أن يدرُسوا موضوعات متقاربة بعمق ، وأن يتابعوا تطبيق المعلومات التي تعلموها .
3 ـ المال :
بالإضافة إلى الأشخاص والوقت ، فإن الانطلاق في رحلة المدرسة الفاعلة يحتاج إلى التزام مالي أيضاً . فرسوم العضوية السنوية تخول المدرسة تنفيذ أحد عشر يوماً في السنة للتطوير المهني ، مع الاتصال المستمر مع مستشار الشبكة . هناك مصاريف أخرى تتضمن مثلاً مصاريف سفر الاستشاري للمنطقة التعليمية ، والمواد التدريبية اللازمة ، بالإضافة إلى مصاريف سفر فريق الإدارة إلى مؤتمر الصيف للشبكة ، والمصاريف الشكلية للمؤتمر ، والقاعة ، واللجان خلال أسبوع المؤتمر .
تحتاج المنطقة التعليمية أن تأخذ بعين الاعتبار طول فترة الرحلة الذي يؤثر في التكلفة التي يتم إنفاقها على المساعدات السنوية والتسهيلات المقدمة من مستشار المدرسة الذي يدرك التصور العملي للمدرسة ويملك المصادر اللازمة لمساعدة المدرسة في إنجاز مهامها ، بالمقارنة مع فوائد المتحدث المثير للدافعية بالغ التكاليف والذي ياتي صدفة ويذهب صدفة ثم ينتهي كل شيء . يقدم نموذج المدرسة الفاعلة تطويراً مهنياً مستمراً طويل المدى يركز على التغييرات الإيجابية في البيئة المدرسية ، وبالتالي فإن جميع الطلاب سيجربون النجاح الأكاديمي . تدرك المدارس الفعَّالة أن التطوير المهني الكبير الذي ينتقل إلى الفصل ، لا يحصل بمجرد توفير ساعة للنشاط بعد المدرسة في الأربعاء الثالث من كل شهر . التطوير المهني الفعال يبني نفسه كل يوم من أيام السنة الدراسية .