مع الضياع والشتات ..
وبين الوديان والمرتفعات ..
سألتني ابنتي يوماً وقالت : من أين أنت يا أبتاه ؟
قلت لها : يا بنيتي لم هذا السؤال ؟
قالت بصوت متقطع : أ .. بـــ..ــتـ...ـــا ... ه ...
* نعم ..
* أبتاه ... حدثني أرجوك ..
* عن ماذا يا ابنتي ؟
* عن أصلك وفصلك ، عن النخل والزيتون والأرز والسدر ، عن النهر والبحر، عن رمال الصحراء ، والمروج الخضراء ، عن الوديان والجبال ، وعن كل شيء ...
ابستمت في وجهها وانثلج صدري لسؤالها وقد رضيت عنها فارضى عنها يا ربي وإن الجواب لآتٍ ...
قلت لها : هل ستعين ما أقول يا بنيتي ؟
* نعم وربي يا أبي ..
* حسناً إليك الخبر الأكيد فافتحي عقلك وأعي ما أقول ...
إني من جزيرة ذات جلال وجمال ، وسناء وبهاء ... يحيط بها ستة عشر بحراً أعظم من المحيطات ، من يسبح فيها لا يغرق أبداً ، ومن يأخذ من مائها لا تنضب حتى لو أُخذ جميع ما فيها ... واسأليني عن رمالها ، فإنها شواطئ ذرات رملها درر و لؤلؤ الحروف ... وإن سألتيني عن الشجر والحجر فسأقول لكِ يا ابنتي أنها كلمات عذبة ذات أغصان أثمرت البيان ، وحجرها كالياقوت تسطع منه الحكمة والعقل السليم ، وقبل أن تسأليني عن جبالها سأقول لكِ أنها لا تحوي إلا على جبلين فقط أثقل وأعلى من كل صخور الأرض مجتمعة ، فهي التي ترسي الجزيرة على الماء وتحفظها من الغرق بإذن الله عز وجل ، اسمهما ( الفصاحة والبيان ) الذين يقعدان على هضبة النحو الواضح ... وينزل إليها مطر صافي زلال هو مطر الألفاظ النقية الصافية ...
* ما شاء الله يا أبي .... حدثني عن المزيد .. حدثني عن شمسها وقمرها ، حدثني عن النجم السيار ، والهدهد الطيار ، والسمك والمحار ...
* هـيـــــــــــــــــــه يا ابنتي ، أشرقت شمس عليها لا تغرب ، ولا تحرق ولا تخرق ، إنها شمس الإسلام والإيمان ، وقمرها الكتاب والقرآن ، ونجومها علماء أضاء بهم الإنس والجان ، ولؤلؤها ومحارها فهم معشر الأدباء والحكماء .... ولو تسأليني عن الجوارح والكواسر ، فهم أهل سلم على الجزيرة ، ما رأينا منهم شرا أبداً ، يعطفون على الضعيف ، ويقمعون المحتل الخفيف ...
* الله يا أبي ، وأين هي الآن ، لماذا تركتها ؟ أليس من الأفضل البقاء فيها ... ؟
احرجتني فاخرستني ، ولا مهرب ولا ملجأ إلا لقول الحقيقة
يا ابنتي ، إنها لدار عز وحضارة ، هي من كانت تصدر التقدم والعصرية للأمم ، وعلمناهم الرماية فلما استد صاعدهم رمونا ، وعلمناهم القوافي ثم هجونا ...
* من هم هؤلاء ؟؟؟ ..
إنهم أهل الخنا والربا والزنا ، إنهم الكفرة الفجرة ، الكارهون للخير والمفسدون في الأرض ، استعمرونا بالثقافة قبل السياسة ، فنشأت عند ابناءنا وكبارنا أفكار غريبة ، وألسنٌ معوجّة ، فلا شعرُ يقال شعراً ، ولامنبر يصدح حقاً ، ضعنا يا ابنتي ، لقد خان من اخواننا الجزيرةَ وأتو بمن ذكرتهم لك سابقاً وإلى الآن نحن مهجرون في كل مكان ... واسألي تراب الأرض إن كنت لا تصدقين ..
* فمتى نعود إليها با أبتاه ؟
* إن عُرف الكريم من اللئيم ، وفُتحت المصاحف وارتفعت المآذن ، وانجلى الأوباش ..
* ولماذا تركتوها للخونة والأعداء ؟ لماذا لم تدافعوا عنها ؟ ألم تعلموا أن الله ينصر من ينصره ، ألا تعلمون أن البداية في قلب الشخص الصادق ثم تبدأ النصرة من الله ؟
اسمح لي يا أبتي ، أنت وقومك وجميع الهاربين تجيدون الكلام دون العمل ، لذلك فابقوا مهجّرين ...
[MARQ=RIGHT]كأنها قطعت لساني بكلامها الأخير .......................... لا رد عليها[/MARQ]