أمريكا وبريطانيا فاعلان في قطع علاقات الخليجيين مع قطر
(تحليل سياسي يوضح استعمال بريطانيا لعملائها كقطر لإفشال الحل الأمريكي للأزمة السورية)

طلعت علينا وسائل الإعلام رسميا بخبر قطع العلاقات مع قطر من قبل السعودية والبحرين والكويت، ولا يهم التوابع الذين ينفذون أجندة أسيادهم كالسيسي مثلا.
إن قطر دُوَيْلة كرتونية أنشأها الإنجليز شأنها كشأن سائر دول الخليج، واستطاعت في فترة الطفرة الإعلامية أن تنافس وتتفوق على سي إن إن، وكان ظهور قناة الجزيرة في الفترة التي ظهرت فيه مؤشر على تغييرات هامة سوف تحصل في المنطقة وقد حصلت إلا أن الأمر لم يعد اليوم كما كان فقد دخل على الخط جديد هو الدولة الإسلامية.
إن فهم ما يجري في دول الخليج يجب أن يفهم في سياقه، فالدول الخليجية دول عميلة لأمريكا وبريطانيا، صحيح أنها جميعها في الأصل قد أنشأها الإنجليز كما ذُكر حين أبرموا مع فرنسا اتفاقية سايكس بيكو ولكن أمريكا كدولة مستعمِرة تحمل نفس المبدأ الرأسمالي الاستعماري الذي تحمله أوروبا؛ لم تتأثر بالحرب العالمية الثانية الشيء الذي لم يحصل لبريطانيا وفرنسا فبسطت نفوذها على أوروبا اقتصاديا بمشروع مارشال آنذاك وظلت تحاول ربط أوروبا بها ولكنها بغياب الاتحاد السوفييتي لم تعد تلك المظلة الهامة للأوروبيين، استطاعت أن تشوش على الاستعمار القديم بما يسمى عصبة الأمم ثم هيئة الأمم إلى أن تمكنت من إخراج بريطانيا من بعض مستعمراتها كمصر مثلا بشخص عميلها عبد الناصر، ثم استمرت تصارع بريطانيا على النفوذ ولا تزال إلى يومنا هذا، وحين عمدت إلى الخليج استطاعت أن تأخذ السعودية من بريطانيا أخذا فيه كرٌّ وفرّ، فتارة يكون الملك عميلا لأمريكا، وتارة يكون عميلا لبريطانيا، أما اليوم فهي بيد أمريكا ولكن أمريكا لا تربطها بها كلية ذلك أن اليد القابضة يدان واحدة لأمريكا ممثلة في شخص الملك وأخرى لبريطانيا ممثلة في شخص ولي العهد وهكذا.
هذه نبذة مختصرة عن دول الخليج فكلها ليست دولا بالمعنى الحقيقي للدولة، بل هي دول كرتونية لا تستطيع العيش اعتمادا على نفسها ولا على شعوبها، بل تعتمد أولا وأخيرا على العمالة ولا يهم في أي اتجاه تكون تلك العمالة، فكلهم يعبدون كراسيهم، فالكويت والبحرين والإمارات وقطر عملاء لبريطانيا، بينما السعودية أمريكية وسنناقش الغرابة واللاغرابة في انضمام عملاء بريطانيا للمقاطعة وهم يعلمون أن قطر لها نفس التوجه السياسي الذي لهم..
إن الأحداث القريبة منا هي التي تبين لنا ما يجري الآن في العلاقات الخليجية الخليجية، فثورة الشام العظيمة قامت قبل إعلان الخلافة من طرف الدولة الإسلامية، وكانت حقيقة؛ ثورة شعب، وقد رفعت سقف المطالب حتى وقفت على مطلب خطير هو مطلب التحرر من الهيمنة والتبعية التي استساغها الحكام العرب، وعندها مباشرة دخل على الخط الخليجيون بأموالهم من السعودية وقطر والإمارات والكويت لدعم الثورة السورية وهم في حقيقتهم لا يدعمون الثورة، بل يدعمون الذي يدفع بها إلى التحرر الشكلي حتى تظل تحت الهيمنة لأنها إن تحررت الشام سقط الحكام العرب وبات أمر جمع الشعوب العربية والإسلامية تحت مظلة واحدة أمرا واقعا لأنه مطلب العرب والمسلمين جميعا، عندها عمدت تلك الدول الخبيثة بسياستها التي أُمْلِيَتْ عليها إلى التأثير على سير الثورة السورية إلى أن أخذت من الثوار مطلب التحرر الحقيقي وحولته إلى تحرر شكلي يبقي على التبعية والهيمنة ويوقع بنفس الوقت بين الثوار ويشتت توجههم وقد حصل، ولكن وبعد أن ظهرت الدولة الإسلامية وأعلنت الخلافة اختلف الأمر كليا فبات موضوع الدولة الإسلامية والقضاء عليها موضوعا عالميا تتفق عليه كل الدول، وهنا، هنا بالذات دخلت على الخط روسيا حين طلبت منها أمريكا القيام بدور في سوريا نيابة عنها لعلها في النهاية تؤثر على الثوار بحل تراه أمريكا ثم تستعملهم للقضاء على الدولة الإسلامية فلم تفلح هي الأخرى ،كما لم تفلح قبلها إيران وحزب الله، وهذا يؤكد شيئا خطيرا في الثورة السورية وهو أنها لا تتحرك وفق ما تشتهيه الدول الكافرة ولا الدول العربية العميلة، فازداد الأمر تعقيدا وتضخم بسبب فشل اللقاءات والمؤتمرات في جنيف والأستانة بشأن سوريا، لم تفلح السياسة الناعمة التي كان ينتهجها أوباما فتم الانتقال إلى سياسة ربما أسميها الخشنة لمواجهة الموقف، فجاء ترامب وقد ركب الغطرسة فابتز السعودية وأخذ منها الرشاوى تحت الإكراه وأركعها أكثر مما هي راكعة لأمريكا، بل وأدار ما سمي بالمؤتمر العربي الإسلامي الأمريكي الذي انعقد بالرياض، هذا المؤتمر هو الحاضنة لما يحصل اليوم في دول الخليج، وهو السبب في قطع العلاقات مع قطر.
وبموازاة مع هذا ظهر أن تركيا رغم تخوفها من إقامة دولة للأكراد تسير بمطرقة على رأس رئيس جمهوريتها الذي خان المجاهدين في سوريا مع أمريكا، وتنفذ لها سياستها في المنطقة، ولكنها في خدمتها لأمريكا غير ناجحة بحيث لا تكفي لتحقيق النجاح للحل الأمريكي، أضف إلى ذلك أن الجندي المسلم لا ثقة فيه من طرف الغرب، وأستغرب استعمال الأكراد وهم مسلمون، فربما ظهر فيهم طنطاشيون كثيرون ولا غرابة فصلاح الدين الأيوبي منهم.
لقد أفرز المؤتمر العربي الإسلامي الأمريكي قرارات تحرص أمريكا على تطبيقها تحت طائلة الضغط والتخويف، فتقرر تجفيف مصادر التمويل للجماعات الإرهابية كما تسميها، والممولون سعوديون وقطريون وكويتيون وإماراتيون، وهؤلاء جميعا عملاء لبريطانيا باستثناء السعودية ولكن اللافت هو انضمام عملاء بريطانيا للقرارات وسعيهم لتنفيذها ولا يهم تأثيرها لأنهم كما قلت يعبدون كراسيهم، وهذه هي الغرابة واللاغرابة المذكورة، واللافت أن هذا الانضمام أو التحالف ليس فيه ما يؤكد استمرارهم فيه، إنما هو انضمام ظرفي اقتضته الظروف القائمة واقتضته سياسة تبادل الأدوار علما بأن الإنجليز لهم سياسة منتهجة يطبقها عملاؤهم وهي قاعدة: "سِرْ معه لتكون ضِدّه"، فلماذا لم تقبل قطر بانتهاج النهج الخليجي الذي يمثل وجهة النظر الأمريكية فتحذو حذوهم بينما سارت الكويت والبحرين والإمارات خلاف سيرها؟
أولا: معلوم أن السعودية بواقعها الجغرافي الذي جعلها قبلة للمسلمين، وأهميتها الاقتصادية وغناها مؤهلة لقيادة دول الخليج وقد قادتهم، ولكن قيادتها لهم قيادة ليس فيها الولاء لأمريكا، بل هم يسيرون معها خضوعا لأوامر بريطانيا ونصيحتها لهم، فهي دائما تدفعهم للسير مع أمريكا دون أن يسيروا حقيقة، يسيرون معها إعلاميا ويدفعون لها الرشاوى ويركبون مركبها ولكنهم سرعان ما يغيروه، وفي ذلك خذلان للسياسة الأمريكية وتثبيط لها.
ثانيا: بروز قطر رغم صغرها كقوة إعلامية ضاربة في العالم العربي بقناة الجزيرة تنافس أكبر القنوات العالمية وقد بزتها في فترة أوجها واستطاعت بذلك أن تكون النافذة الوحيدة للعرب إلى حين منها تستقي الجماهير العربية مواقفها.
ومن هذه الإشكالية تستطيع قطر أن تعلن تمردها على أمريكا، وتمردها على أمريكا تمرد فيه حماية لها من طرف غيرها لولا تلك الحماية لما خالفت لأمريكا رأيا، ولانبطحت تنافس في الانبطاح ملوك السعودية وأمراءها، فالإمارة القطرية معروف عنها التغير في المواقف بتغير الحكام فمن أب مطرود إلى أب يُرغم على ترك منصبه لابنه وعند تأزم الوضع المفتعل لتحقيق سياسة لبريطانيا ووصولها إلى درجة لا يكون الحل فيها إلا بالمجيء بحاكم آخر؛ بأمير آخر، والذي نفهمه من هذا التصور هو أن بريطانيا لها نفس التوجه بحزبين اثنين واحد يحكم فعلا منذ نشأته وهو حزب المحافظين، والآخر حزب احتياطي يأتون به عند ظهور فشل مخطط من مخططاتها لكي يتم الرجوع عنه أو عند الحاجة وهو حزب العمال، ونفس التصور طبقته في مستعمراتها، وقد قلدتها أمريكا فصارت تحذو حذوها بالحزب الجمهوري الحاكم الفعلي للولايات المتحدة الأمريكية، والحزب الديمقراطي الاحتياطي.
إن التنافس على قيادة الخليج ليس هو بيت القصيد في المشهد السياسي الآن، بل رفع الأيدي عن الجيش الحر وعن كثير من الجماعات التي تمولها قطر هو بيت القصيد، فالمطلوب من قطر وفق إرادة أمريكا وقف الدعم للجيش الحر وإيقاف المساعدات المالية له والتخفيف من الإثارة الإعلامية في قناة الجزيرة حتى تمكِّن للمشروع الأمريكي أن ينجح، وهذا يضر بالسياسة الإنجليزية لأنها بذلك تساهم في إنجاح السياسة الأمريكية وهذا مرفوض إنجليزيا، بل وأوروبيا أيضا لأن أمريكا لا تشْرِك معها أوروبا في الحلول، وأوروبا خصوصا بريطانيا فاعلة في الأحداث ببلادنا في الخليج والمغرب العربي والشرق الأوسط.. وهذا لوحده كاف لإدراك الصراع الظاهر الخفي بين أمريكا وأوروبا خصوصا بريطانيا.
إن العنصري ترامب يظن أنه سيحقق نجاحا في سياسته وسيرغم الجميع على الرضوخ له وهذا غرور منه يدل على تهجّيه السياسة.
وإذن فقطع العلاقات مع قطر معناه التأثير على السياسة البريطانية لتسير في الحل الأمريكي الذي ارتضته للأزمة السورية بما في ذلك محاربة الدولة الإسلامية باستعمالها لأبناء الخليج ومصر وتركيا والمغرب العربي. إن فشل الأكراد الذين تراهن عليهم أمريكا في إنجاح المخطط الأمريكي له ما يبرره ذلك أن المخذِّلين كثيرون من عملاء بريطانيا، وما سير الكويت والإمارات والبحرين وسائر عملاء بريطانيا مع السعودية التي تمثل أمريكا إلا سير التيار المتردد الذي يغير اتجاهه من السالب إلى الموجب 50 مرة أو 60 مرة في الثانية الواحدة بحسب هرتز تلك الدول، فهم ينفذون مخططات إنجليزية منها الوقوف عن قرب إلى جانب السعودية والقيام بدور الجاسوس.
وانظر إن شئت إلى ما نشرته قناة الجزيرة منذ حين قريب نقلا عن صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية، لقد نشرت أن مجموعة من قراصنة الإنترنت اخترقت البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن السيد: يوسف العتيبة، وقاموا بالاستيلاء على وثائق السفير، وتكشف تلك الوثائق عن كيفية استخدام ملايين الدولارات من أجل إيذاء سمعة حلفاء أمريكا، هذا الخبر في مضمونه صحيح لأن الإمارات عميلة لبريطانيا فهي تقوم بدور مهم وهو الوقوف في وجه السياسة الأمريكية، ولكن قطر نفسها عميلة لبريطانيا فكيف تسمح لنفسها أن تسرب مثل هذا الخبر وكأنها تفضح من يشبهها في العمالة؟ وكيف انضمت الإمارات للسعودية رغم نشر الخبر؟
الجواب يكمن في الأدوار التي يقومون بها، فقطر لها دور تقوم به وهو التأثير على الحل الأمريكي في سوريا وذلك بإيجاد مخرج لما يزعم أنها تمول الإرهاب المتمثل في الجماعات المسلحة من الجيش الحر، وها نحن قد رأينا توجه قطر نحو إيران وإيران ممانِعة غارقة في الخداع السياسي تجر معها الأغبياء سياسيا، فالسير قد يكون لفتح قناة من خلالها تمرر ما تمرر مما يطلب منها إنجليزيا، وأما الإمارات فيكفي أن تصنع صنيع النعامة فقد تورطت فعلا فيما نشر عنها، وهو صحيح، وعليه فالسير في الحلف الخليجي مع أختها الكويت والبحرين يمكِّنها على الأقل من استبدال المظلة استبدالا مؤقتا تلعب فيه كغيرها الدور المرسوم لها من طرف بريطانيا.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش أديب باحث وإعلامي من المغرب
طنجة في: 06 / 06 / 2017م