كان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى هو المسؤول عن جميع الأماكن الإسلامية المقدسة والتي يأتي في مقدمتها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة . في عام 1937م عثرت القوات البريطانية على أسلحة مخبأة في حدود منطقة المسجد الأقصى ومعنى هذا أن يطلب الانجليز رأس الحاج أمين الحسيني بصفتة رئيس المجلس ومفتي فلسطين الأكبر في الوقت الذي كانت القوات البريطانية تعدم الفلسطيني الذي بحوزته رصاصة واحدة فكيف بمن يوجد بحوزته السلاح والذخيرة ؟

قامت القوات البريطانية بتطويق مقر الحاج أمين في القدس لكنه استطاع أن يتسلل من خلف المقر إلى أرض فضاء خربة ومن هناك تخفى بزي فلاح قروي وذهب إلى بلدة الطنطورة وهي قرية صغيرة تقع إلى جوار مدينة حيفا ويعتاش أهلها على حرفة الصيد البحري . مكث الحاج أمين مختبئا في الطنطورة مدة يومين وبتدبير من بعض رجالاتها الصيادين جرى تهريبه بزورق صيد إلى خارج فلسطين حتى وصلوا به إلى مدينة صور اللبنانية . ألقت القوات الفرنسية القبض على الحاج أمين لكن فرنسا لم تسلمه لبريطانيا بل منحتة حق اللجوء السياسي في لبنان الذي كان يرزح تحت الإدارة الفرنسية آنذاك .

الحاج أمين في ألمانيا
تابع الحاج أمين ادارة الثورة الفلسطينية من لبنان وكان يرسل السلاح والذخائر إلى فلسطين . وراح الثوار الفلسطينيون يتقاطرون على ملجأه في لبنان جيئة وذهابا . أقام الحاج أمين في لبنان حتى عام 1940م حيث تم الإتفاق بين بريطانيا وفرنسا فخشي الحاج أمين أن يتسلمه الانجليز من فرنسا فانتقل إلى سوريا ومنها إلى بغداد التي كانت تحت حكم وطني فحظي بمقام كبير ومنزلة عالية لدى العراقيين. وفي عام 1941م أعلن رئيس وزراء العراق رشيد عالي الكيلاني الحرب على بريطانيا فقامت بريطانيا باجتياح العراق وأعلن تشرشل عن مكافأة مالية مقدارها 25 الف جنية ذهب للقبض على الحاج أمين سواء كان حيا أو ميتا . فر الحاج أمين إلى أيران ولم يطل به المقام في طهران إذ اجتاحت القوات البريطانية والسوفياتية والأمريكية في آن واحد طهران . وقبض على شاه ايران رضا بهلوي وأجبروه على التنازل عن العرش لإبنه محمد رضا بهلوي ونفوا الشاه إلى جنوب أفريقيا حيت لقي حتفه في المنفى وراح الانجليز يبحثون عن المفتي الذي فر والتجأ في النهاية إلى السفارة اليابانية في طهران ثم جرى تهريبه داخل سياره تبن ومنها أدخلوه مطار طهران على نقالة مريض واقلعت الطائرة به إلى تركيا التي كانت حكومتها تلتزم الحياد بين دول المحور ( المانيا وايطاليا واليابان ) والحلفاء ( بريطانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا ) . بعد مكوث الحاج أمين عدة أيام في تركيا وبعد توافد الكثيرين من الثوار الفلسطينين إلى تركيا غادرها إلى برلين عاصمة ألمانيا النازية حيث استقبل استقبالا حافلا لا يليق إلا برؤساء الدول . لكن أدولف هتلر لم يكن في برلين عند وصول الحاج أمين إليها وإنما كان على الجبهة الروسية. تم تجهيز قطار خاص للمفتي وحمله القطار إلى حيث مقر هتلر الذي رحب به ترحيبا حاراً وقال له :" كم كنت أتمنى أن أراك وأحدثك بوصفك خصما عنيدا للصهيونية " وأضاف " نحن حلفاء وهدفنا واحد وأن الصهيونية هي الآفة الكبرى التي تهدد العالم " . رحبت ألمانيا بالمفتي وصحبه وقامت اذاعة برلين باذاعة بيانات المفتي الموجهة إلى الشعب الفلسطيني من هناك حيث كان المذيع العراقي يونس بحري يردد " هنا برلين حي العرب ......." .

هروب الحاج أمين من فرنسا

بعد عام 1944م تراجعت الإنتصارات الألمانيه واليابانية والإيطالية وبدأت الدائرة تدور على النازيين والفاشست الإيطاليين وراحت الهزائم تتلاحق تترى . وبعد حرب دامت ستة أعوام انهارت المانيا وانتحر هتلر عام 1945م فانتقل الحاج أمين إلى سويسرا وهي دولة محايدة لكنه لم يكن مطمئناً هناك بسبب التواجد والتأثير الصهيوني فانتقل إلى منطقة حدودية تقع بين سويسرا وفرنسا وهناك اعتقله الفرنسيون . ولما كان له أصدقاء كثيرون في فرنسا فقد رفضت تسليمه للانجليز ووضع تحت الإقامة الجبرية في فيللا خاصة بضواحي باريس مدة سنة كاملة وكان برفقتة هناك الدكتور معروف الدواليبي الذي أصبح رئيساً لوزراء سوريا فيما بعد . وفي أحد الايام من عام 1946م فوجئ الحرس الفرنسي بهروب الحاج أمين من الفيللا وقامت ضجة هائلة في الصحف الفرنسية والعالم مما اضطر مدير البوليس الفرنسي لتقديم استقالتة احتجاجا على هروبه . مضت عدة أيام لم يعرف الناس فيها شيئاً عن الحاج أمين الحسيني .

ظهور الحاج أمين في مصر
في القاهرة وعلى الباب الخارجي لقصر عابدين وقف رجل يريد الدخول إلى القصر الملكي فمنعه الحرس الملكي وأخذوا يسألونه عمن يكون وما إذا كان بامكانه أن يعرف عن نفسه ولم يلبث الرجل أن قال لهم : "انه مفتي فلسطين الحاج أمين" فتقاطر الحرس الملكي عليه نظرا لما كان يتمتع به من شعبية كبيره لدى الجماهير العربية والإسلامية وراح الحرس يتسابقون على تقبيل يده احتراما له فاحس الملك فاروق بما يجري وسأل عن سبب الجلبة فقيل له أن الحاج أمين موجود على الباب فذهب لملاقاته خارج القصر وهو يقول له : " أهلا وسهلا أني أنتظر قدومك وقد سألت أمس الرئيس شكري القوتلي عنك وعرفت أنك ستتجه الينا وهنا " . عم الإبتهاج في مصر وفلسطين . وحيث أن الحاج أمين جاء إلى مصر وهو حليق الذقن لئلا يعرفه الناس فقد قام الملك فاروق بإرساله ليقيم في منطقة برج العرب قرب مرسى مطروح ولم يظهر للصحافة إلا بعد أن نبتت لحيتة من جديد.

انشغلت صحافة العالم بالحديث عن المفتي وسلطت عليه الاضواء وشن اليهود عليه حملات شعواء في دول العالم الغربي والسوفياتي وراحت الصحف في أوروبا تهاجمه بعنف كمجرم حرب نازي . أما الصحف المصرية فراحت تكتب المقالات عن حياته وتضفي عليه هالات من الإخلاص والبطولة . ؟ أما مجلة (الإخوان المسلمين) فقد كالت المديح بحق الحاج وهاجمت بريطانيا ووقاحتها وسخرت منها بالمقالات والكاريكاتيرات حينما طالبت مصر بتسليمه إليها في عام 1946م . وكتبت المجلة " أن هناك رجالا بأمة كاملة والحاج أمين الحسيني كان رجلا بأمة لوحده " .

اتخذ الحاج أمين مدينة القاهره مقرا له خلال الفترة من عام 1946م إلى 1956م .وفي عام 1948 ذهب إلى غزة ليعلن قيام دولة فلسطين من هناك إلا أن الحكومة المصرية أعادته إلى القاهرة بعد يوم واحد من وصولة إلى غزة .

حكاية مروية
روت أمراة انجليزية كانت تجلس إلى جوار الحاج أمين على الطائرة أثناء رحلتها من روما إلى القاهرة أنه كان في غاية التهذيب واللطف وأنه قدم نفسه لها بالمستر دواليبي لأنه استخدم جواز سفر الدكتور الدواليبي . وقالت المرأة للصحافة :" انها لا تصدق أن يكون هذا الرجل الذي كان يتحدث معها طوال الرحلة إرهابيا أو أن تكون له أية صلة بالإرهاب أو أنه شارك هتلر في إبادة اليهود " كما يدعي الإعلام الصهيوني العالمي . فقد لمست السيدة الانجليزية أنه كان عالي التهذيب وعذب الحديث وانها لم تلمس منه سوى الادب الجم .

الحكم على الحاج أمين بالإعدام
حكم على الحاج أمين بالإعدام من قبل الانجليز واليهود وكانت تهمته هي أنه " عدو الصهيونية رقم واحد " ووجهت إليه التهمه في أنه شريك هتلر في قتل 6 ملايين يهودي . حتى أن محاكمة أدولف أيخمان في عام 1956م الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين كانت في الحقيقة محاكمة للحاج أمين إذ وجهت التهمه لأيخمان بأنه كان يأتمر بأوامر الحاج أمين في قتل اليهود وهو ما أنكره أيخمان . كما أن الحاج أمين كان محكوماً عليه أيضا بالإعدام كمجرم حرب نازي من قبل المارشال تيتو في يوغسلافيا بتهمة ارتكاب فظائع ضد الصرب .

بمحاكمة أدولف أيخمان حاولت إسرائيل محاكمة التاريخ أخلاقيا مع أنه من حق شعوب العالم أن تقرأ سفر الجريمة في أي بقعة من العالم . يجب أن لا تقتصر الجرائم على المحرقة وحدها ، بل لا بد من فتح السجلات كلها ، عن جرائم الإسبان في أمريكا الجنوبية ، والفلبين ، والانجليز في جميع مستعمراتهم ونهبهم ثروات تلك الشعوب ، وأمريكا التي ساقت قطيع العبيد الزنوج كعبيد على أرضها ، وإبادة الهنود الحمر ، ويجب كشف أسرار القتلى في العراق وإفغانستان والعديد من الدول التي ذبحت بالسلاح الأمريكي . فإذا كانت الجريمة ضد اليهود لها عقوبات قانونية وأخلاقية وتعويضات مالية فلا بد من كشف أسرار جرائم اليهود ضد الشعب الفلسطيني لا أن يحاكم التاريخ انتقائيا وفق التعامل غير البريء بالتغطية على جرائم لا زالت قائمة حتى الآن .

الصحف المصرية تسب الحاج أمين
في عام 1955م أمر الرئيس جمال عبد الناصر أجهزتة الإعلامية بمهاجمة الحاج أمين فشنت الصحافة المصرية حملة شعواء ظالمة ضده وشاركت في هذة الحملة جميع الصحف وكانت كل جريدة تفبرك قصة (حلمنتيشية) عنه . لم يتوقف الأمر عند الصحافة الرصينة بل تعداها إلى الصحف الفنية التي أدلت بدلوها وأتهمته بأنه كذاب وحرامي . وأمر جمال عبد الناصر كل كاتب أن يتهجم على الحاج أمين وأن يلفق بحقة التهم وأن يقول أي شيء ذماً بحقة والسبب هو أن الحاج أمين كان يتعاطف مع الإخوان المسلمين ومع رجالات مصر الذين طوتهم الثورة المصرية. أيضا جاءت الحملة الصحافية إرضاءاً للأمريكان والسوفيات أعداء النازية مما أضطر الحاج أمين إلى الانتقال إلى لبنان .

المفتي وقضية البوسنة والهرسك
أطلق الحاج أمين الحسيني على هذه القضية أسم (قضية مسلمي يوغسلافيا ) وذكر كما رواها الحاج أمين في حلقات كثيرة ضمن مجلة (آخر ساعه) المصرية في السبعينات . فقد كان الحاج أمين متواجداً في لبنان وكان يرسل المقالات من هناك على حلقات ويقوم رئيس تحرير المجلة أنيس منصور بنشرها . وقد أفاد الحاج أمين : "أنه حصلت في عام 1943 مذابح كبيره لمسلمي يوغسلافيا وتم التعتيم عليها ولم يسمع بها أحد عندما قام قائد عصابات الصرب ميخائيلوفيتش بحرق ثلاثمائة قرية مسلمه وفتك الصرب بسكانها . كان ميخائيلوفتيش تابعاً لملك يوغسلافيا بطرس أو (بيترو) ولم يكن أحد في ألمانيا يعلم شيئاً عن هذه الحرب حيث كان المفتي يقيم هناك " وقد طبعت هذه المقالات الكثيرة في كتاب واحد وياحبذا لو عرفنا أين يباع هذا الكتاب الذي يشكل جزءً من سبعة مذكرات للحاج أمين . وهي مذكرات مشوقة ومليئة بالمعلومات الصحيحة سواء عن الصرب أو عن الصهاينة في فلسطين والعالم .

الحاج أمين ومذابح مسلمي البوسنة
في عام 1943 عندما اجتاحت القوات الألمانية يوغوسلافيا تحول الجيش اليوغسلافي المهزوم إلى عصابات صربية حيث قامت بحرق وقتل وتشريد سكان 300 قرية بوسنية مسلمه وشنت عليها عمليات إبادة في وقت لم يكن المسلمون يملكون أو يحملون السلاح . وقد مورس تعتيم شديد جدا وأقصى درجات السرية على هذه المذابح الدموية والإنتهاكات لأعراض المسلمين آنذاك .

كان الحاج أمين يتفاوض على قضية فلسطين والقضايا العربية والإسلامية عموما في وقت واحد. وفي عام 1943 ذهب إلى روما للتباحث مع بنيتو موسوليني زعيم إيطاليا الفاشية ووزير خارجية إيطاليا الكونت شيانو والبحث معه في شأن القضايا العربية بدءً وانتهاءً من ليبيا ومصر وفلسطين وسوريا والعراق فيما لو انتصرت ألمانيا وايطاليا أو دول المحور . أما ملك إيطاليا فيكتور عمانوئيل فلم يكن في الحقيقة يملك أي سلطات . إذ كان موسوليني دكتاتور إيطاليا يحكم المملكة الإيطالية على مدى الحياة كأي ديكتاتور آخر .

مذكرات الكونت شيانو
جاء في مذكرات الكونت شيانو وزير خارجية ايطاليا وهو زوج إبنة موسوليني ، والذي أعدمه موسوليني في أواخر الحرب العالمية الثانية متهما أياه بمحاولته الحوار مع الحلفاء ، أن موسوليني أبدى اعجابه الشديد بالحاج أمين من أول لقاء معه وقد ترك الحاج أمين انطباع لدى موسوليني بأنه يتمتع بالشفافية والمصداقية والصفاء النفسي ويعرف ما يريد ويعبر عن رأية بدقة وصدقية وأنه بات منجذبا إليه بشدة لكون شخصيتة محببه وآسرة ومريحة وتتسم بالوضوح