الكوني ورحلة الابداع .......

الكوني ورحلة الابداع .......

مشرقة هي الشمس تستطيع تملأ الأرجاء تلامس جبال الصحراء تحمل أشعتها نحو المدي البعيد لتدخل شئ من الدفء ومن الغضب الذي تتقاسمه مع الصحراء لتعطي ملامح وجوه سمراء مملوحة ساكنة عالم يحتويها و تحتويه. ((الصحراء وحدها تغسل الروح فتطهر ه تخلو .....هنا فقط في السهول الممتدة في المتاهة العارية ، حيث تلتقي الاطراف الثلاثة العراء ،الافق الفضاء لتنسج الفلك الذي يسبح ليتصل بالابديه بالاخرة ..)).
هذه حروف مدونة في ذاكرة فتي الصحراء لا يخفي عليه شيء منها فهو أبنها البار الذي رسمها لنا بريشة حب واحتواء في روايات جميلة تحدث فيها عن الصحراء وسحرها فجعلت له كل التميز فكان أديبنا الاسمر ابراهيم الكوني الذي ولد في اجمل صحاري العالم وعشقها ، ولد الكوني في السابع من اغسطس 1949 افرنجي بالحماده الحمراء واكمل دراسته في جنوب ليبيا (( فزان )) وتحصل علي درجة الماجستير في العلوم الأدبية بموسكو عام 1977 وقد نشر ابراهيم الكوني نتاجه الأدبي في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية والعالمية من بينها الفجر الجديد وليبيا والحرية والاذاعة والأسبوع الثقافي والأسبوع السياسي، وبيروت المساء والكفاح العربي والصداقة كما حضر الكثير من الملتقيات والمهرجانات الأدبية من بينها الأدباء والكتاب الليبيين الأول والثاني، وملتقي الفقه عام 1974م ومؤتمر الأدباء العرب بليبيا عام 1977م ، ومؤتمر الأدباء الشباب 1976 م ،وندوة حول روايتة السحرة في الأمارات بأمارة أبوظبي 1995م ومؤتمر ثقافة البحر المتوسط بألمانيا 1996 م الكوني الذي أقنع كل القراء لأدبه وحملهم معه لرحلة في الصحراء ليعيشوا مع أهلها بعاداتهم وقناعاتهم وتقاليدهم .... الكوني الذي شغل وظائف عدة في كلا من الأعلام ،وكالة الانباء بالجماهيرية كمراسل عام 1975 بموسكو وعمل مندوب لجمعية الصداقة الليبية البولونية وترأس تحرير مجلة الصداقة البولونية 1981 م ومستشارا بالمكتب الشعبي الليبي بموسكو ،ومستشارا إعلاميا لمكتب الشعبي الليبي بسويسرا 1992 م وكما قدم العديد من البرامج للاذاعة الليبية المسموعة .... كما اهتمت العديد من وسائل الأعلام العربية والعالمية بالاديب المبدع الكوني من لقاءات وحوارات ان كانت عبر الصحف والمجلات والاذاعات العربية والعالمية وتناولت أعماله الروائية ....فقد أختار الكوني مسرحا متقشفا فالصحراء تظل متماهية في أساطيرها وأسرارها وأختلف الكوني بذلك عن الكثير من الكتاب بمسرحه الذي تفرد به عبر عالمنا العربي خاصة ،و العالمي عامة فالكوني لا يحفر طاقاته لاختراق الصحراء فالصحراء هي التي تنفذ اليه وتسيطر علي أيقاع قلمه .فختلف بذلك عن مسرح حنا مينه فالغالب هو البحر يسعي للاستنطاق علاقاته بالاحياء أو غارسيا ماركيز ينهض المسرح وسط أساطير وغموض .ليكون عند نجيب محفوظ في حارة شعبية مليئة بالاحداث .و يتميز عمل الكوني بقيامه علي عدد من العناصر المحدودة علي عالم الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد، وقسوة ،وأنفتاح علي جوهر الكوني العجوز فتدور معظم رواياته علي جوهر العلاقة التي تربط الأنسان بالطبيعة الصحراوية وموجوداتها وعالمها المحكوم بالحتمية والقذر الذي لايرد . في هذا العالم تبدو العناصر والعلاقات التي تربط بينها ثابته لا ينتابها التغير ويحكم الشخصية المحورية في العمل بالموت لتجلب الخصب الي الطبيعة الصحراوية القاحلة ليشكل بذلك الكوني عملا في ((نزيف الحجر والتبر)) ثنائية روائية تضيف العلاقة المدهشة التي تقوم بين أنسان وحيوان في الصحراء ..... لتكون رواية نزيف الحجر معانقة دينية لاحداث من خلال الأقتباس القرآني والعهد القديم الذي يدور حول قتل قابيل أخاه هابيل لتكون محور روايته و ليكون الاقتباس قائم بين عالمي الحيوان والأنسان ما يجره الأنسان من قتل أخاه الأنسان من جدب وفقر. في عناصر الطبيعة ليتمثل علي المكان الصحراوي الذي تدور فيه أحداث الرواية يشهد فيه تمثال الكاهن والودان علي ترجيديا الموت الذي يخصب الصحراء .ويجري الماء والعشب في عروقها فتجد تقشف يضطر معه (( أسوف )) بطل الرواية محاورة الذات وافساح ذاكرته عن أخرها للتخيل والتأمل ، حيث يكون (( أسوف )) صائد الودان في وادي " مساك صفت " ليرصد الكوني علاقات بطل الرواية المعقدة والخوف البالغ من البشر لدرجة تشبه العزلة فرضتها طقوس الكائنات الصحراوية الزاوية في عوالم منغلقة علي صدق إنساني باذخ لدي هذا الكائن الصحراوي برغم قساوة حياته نجد ان (( أسوف )) بطل الرواية نزيف الحجر منسجما مع عالمه الصحرواي حريصا علي قداسته من شرور الأخرين إذا انتهكه انسان غريب فكأنما غدر به لذلك فهو يرفض تقديم ايه معونة للزائرين لترحل أنت بشوق واكبار فى رحلةمن البحث المعمق فى ثنايا الذات ، وترسم مع الكوني .....الأنسان الصحراوي هل يدرك العلاقات المعقدة بين الصحراء ومخلوقاتها .... ادوار يتبادلها البشر والحيوانات علي رقعة تمتد الي مالانهاية ...... ليمتعنا الكوني بواحدة من الروائع الروائية العربية التي تمثل واقعية سحرية من ثنايا الصحراء حيث تمتزج الاقتباسات القرآنية وعبارات الصوفيين بأساطير الصحراء والتراجيديا في نصه الروائي ليعد تأمل للطبيعة المفتوحة الحبلي بالمفاجأت حول مصير الانسان جوهر رسالته ليستكمل بالتبر بحثه عن جوهر العلاقة التي تقوم بين الأنسان والحيوان نهاية حكاية العلاقة الصافية التي لا يكدرها الطمع في الحياة الفانية. حكاية عشق خالصة تشهد بأن طبيعة الصحراء العامرة بالاسرار ، في ((التبر)) يختلط دم الانسان بدم الحيوان بوثاق اقوي عن وثاق النسب حيث يتخل (( اوخيد )) عن زوجته وأبنه فى زمن حرب الطليان والجوع والجدب في الصحراء ليحتفظ بجمله الأبلق الذي يبادله مشاعر العشق ، ان واحدة من الرواتين تطلع من الاخري ومالم تقله نزيف الحجر عن الطبيعة الغادرة الطامعة تقوله (( التبر )) ليصبح تكامل العالم الروائي فإبراهيم الكوني يشكل عالمه الروائي المفردات والعناصر نفسها اذ يقوم بتوسيع منظور الأشياء العالم وجوهر الوجود من خلال تفحص العناصر وأعادة النظر فيها عملا روائيا وراء عمل وكأنه يقلب عالم الصحراء علي مهل كاشفا لنا عن امتدادها اللانهائي وأسرارها التي لا تنتهي وقدرتها علي عكس جوهر تجربة البشر في مواجهة ندرة العناصر وقسوة الحياة ..... لعل رواية البشر تكون واحدة من الروايات العربية القليلة المكتوبة بالعربية التي تضيء من خلال العلاقة الجميلة التي تقوم بين أنسان وجمل ، وتمثل ثنائية ابراهيم الكوني الروائية التي تدور حول علاقة انسان بحيوان تجلية رمزية للصحراء وللفضاء المفتوح علي الافق المجهول .اما في (( عشبة الليل )) بيتدي عالم الجنس بقداسة بالغة وهالة من الغموض . عالم درج علي التعامل الحازم مع كل من يجرؤ علي أنتهاك السر إلا ان هذه القاعدة تنكسر اثناء حوار فتاة مع الكاهنة لتنطلق الفتاة هائمة في الشوارع تتمتم بعبارات تكسر جدران الصمت الأبدي وتحطم المزاليج ، فالمعني العميق لرواية (عشب الليل) في أنها عن الانسان في مواجهة الطبيعة ...... الانسان المغفل البدائي مخلوق الفطرة مع الطبيعة البكر العذراء التي لم يسبقها غير العدم ، والمتتبع لأجل أعمال الأديب المبدع بلغتة المقتصدة الموفورة بالمعاني تقوم علي دلالات ناضجة ترتكز علي معين لغوي وتكتيكات مدهشة وأعماله (( فتنة الزؤان ،نداء الوقواق ، المجوس ، شجرة الرتم ، بر الخيتعور )) وغيرها من أعمال تلمح فيها نضجا فنياً علي مستوي بنية العمل ومعالجة الكاتب لعلاقات الصحراء .........
فأعماله الأدبية هذه قد ترجمت الي العديد من اللغات ومن مؤلفاته ايضا نورات الصحراء الكبري عام 1974 م ، نفد ندوة الفكر الثوري دار الفكر 1970 م ، ملاحظات علي جيين الغربة 1974 م دار الكتاب ، جريمة من دم لدار الجماهيرية 1983 م .
وها نحن نعيش مع رحلة كاتب مبدع في مشوار الرواية والكتابة الممتعة ليعطي للكتابة القصصية لون أخر وتفرداً وتميزاً يكرم عليه في العديد من الدول ويثبت للجميع بأن الصحراء هي أرض القيم النبيلة وهى بيته الذى لم يغادرها .
هاأنا ومنذ طفولتى ومنذ ادراكى بان الكتاب خير صديق وأصبحت الحروف تعنى لى شيئا وخاصة التى يكون منبعها يقين راسخ يعطى قيمة لهذه الاشياء ولتكون لكاتب مثل الكونى الذى امتعنا جميعا فكانت الصحراء واحة أمان نلجأ اليها وليست مجرد لوحة قاسية وجامدة يهجرها الجميع بل ارتميت فى أحضانها أعانق حبات الرمل فيها يلفح هوائها الحار ملامحى ويملا جوانحى تعلمت منه بأن ( الصحراء وحدها هى التى تغسل الروح وتعلمت بانها هى التى ...تتطهر تخلو فتتفرغ .......لتتحد بالخلاء الأبدى بالأفق ..بالفضاء المؤدى الى مكان خارج الأفق وخارج الفضاء بالدنيا الأخرى .......)
ليتجسد الابداع فى كل حرف وسطر فى كتابات الكونى التى تصل الى خمسة وخمسين عملا بين روايات وماأسماه ملاحم روائيه بين قصص ونصوص .
الكونى هذا المبدع الذى كرم أينما ماحل فكان فخراً لليبيا ورمزاً على عظمة الأبداع والعطاء الليبى.


بقلم :/ سالمين القذافي

مرحبا بالأخت الفاضلة بيننا .

و لربما نرى في قادم الأيام بعض إنتاجك الأدبي ، أو بعض ما أنتج من سردت سيرته هنا في واحتنا .

تحية طيبة لك .