" وقوفٌ على قارعةِ الانتظار "
طَالَ انتظارُكَ ..
أيُّها المُلقى على جسدِ الرَّصِيفِ ،
تبيعُ قمحَكَ للجياعِ
وتَحتسِي من جوعِهِمْ
قلقَ الرَّغِيفِ
طَالَ انتظارُكَ ..
كيفَ جئتَ من النِّهايةِ ..حاملًا
في راحتيكَ خُطى الفصولِ
على سنينِكَ
كي تمُرَّ من البدايةِ
مرَّةً أُخرَى
وتزرعَ في أديمِكَ .. نَبتةً
تُهديكَ خُضرتَها ..
لتنسَى
قحطَ جِلدِكَ .. كُلَّما
بسطَ الربيعُ على شتائِكَ دِفأهُ
فظللتَ مُتَّقِدًا
وعرَّى الصَّيفُ جِلدَكَ ،
لَمْ تَجدْ .. شيئًا
تُداري فيه سوءتَكَ القديمةَ
فارتَديتَ عليكَ
أوراقَ الخَرِيفِ
طالَ انتظارُكَ ..
أيُّها المنفيُّ
من سطرِ الزَّمانِ
نَصبتَ جُرحَكَ .. قِبلتَينِ
وعُدتَ بينهما
تفتِّشُ عنكَ في وجعٍ
يقيمُ صلاتَكَ الأولى
فطوَّفتَ الرَّحيلَ على الرَّحيلِ
وعدتَ تبحثُ عن دليلٍ
تستشفُّ بهِ جراحَكَ
فانكسَرتَ على دمائِكَ
مرَّتينِ .. وضِعتَ
حينَ أضَعتَ
بَوصلَةَ النَّزِيفِ
طَالَ انتظارُكَ ..
أيُّهَا المصلوبُ في حدقِ المرايا ،
منذ سيَّجتَ الظلالَ
على شُموسِكَ
واتَّبعتَ بها كُسوفَكَ ..
غادرَ الضَّوءُ المُسجَّى
في عيونِكَ .. من عيونِكَ
وهْوَ يتَّشحُ الظلامَ ..
وقدْ أعارَ عصاكَ نافذةً
تطلُّ عليكَ مِنها
فاستَويت بجانِبيها
عتمتَينِ ..
فلا يُرى
منها .. سِوى
أعمَى يطلُّ على كفِيفِ
طَالَ انتظارُكَ ..
أيُّها المنذورُ للطُّرقاتِ ،
كيفَ نسيتَ وجهكَ في الزِّحامْ !
ولِمَ استحَلتَ إلى رُكامْ ؟!
أوَ لستَ تعلمُ أنَّ ما خلَّفتَهُ
من وجهِكَ الباقِي ..
يُساوي كلَّ وجهِكَ في ظُنونِكْ !
أوَ لستَ تعلمُ
أنَّ هذا الظَّنِّ أكبرُ من يقينِكْ !
فلِمَ استعرتَ مِنَ الشُّكُوكِ ..
ملامحَ القيدِ القديمِ
وصرتَ تعبُرُ من جديدِكَ
هارِبًا .. من كلِّ ذِكرَى
لمْ تزلْ ..
في سجنِكَ البالي
تفرُّ إلى سُجونِكْ ؟! ،
فمضيتَ في كلِّ الدُّروبِ
تَضمُّ منكَ هُوِيَّةً أُخرَى
وحِينَ تشكَّلوا ..
صَاروكَ في مرآتِهِمْ
إلَّاكَ ..
من بينِ الوجُوهِ
خرجتَ من شَبحٍ مُخِيفِ
طَالَ انتظارُكَ ..
رُبَّمَا تأتِي ..
ستأتِي .. لا مناصَ
منَ التَّشكُّلِ فِي قوالبِ
ما منحتَ و ما أخذتَ
و ما تركتَ و ما اقترفتَ ..
فليسَ غيرُكَ
ههُنا وهُناكَ مرتدِيًا ثيابَكْ
ستعودُ أكبر
من ذهابِكَ ، من غيابِكَ
رُبَّمَا ..
ستعودُ منتعِلًا إيابَكْ ،
هذا مصيرُكَ
لا تَخَفْ
" طَالَ انتظارُكَ "
قُلتَها :
فافتَحْ بها يَا أنتَ بابَكْ
وادخُلْ عليكَ ..
وفي يديكَ صحائف السَّفرِ الطَّويلِ
وقْلْ لذاتِكَ :
يَا أنَاْ ..
اِقرأْ كتابَكْ ،
إنِّي أتيتُكَ .. نازِحًا
عنِّي وعنكَ
انفُضْ غُبارَكَ من غُبارِي
مِثلمَا ..
" طَالَ انتظارُكَ "
هَا أنَاْ
استيقظتُ من حُلمِي السَّخِيفِ ..!