شجنٌ و أحلام

هذا هو دأبها الأحلام نحقق فيها ما تهفو إليه النفس، وتهواه الروح
قال أحمد شوقي:
الأماني حلم في يقظة
والمنايا يقظة من حلم

وقال شاعرآخر:
وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعل لقاء في المنان يكون
تحدثني الأحلام أني أراكم
فياليت أحلام المنام يقين.

إنما الحلم طائر ذو اجنحة يعيش في الروح
ولك تحياتي وودي.

يقظةٌ وأشلاءُ حلمٍ
تعبتُ من نثرِ الملح فوقَ أغوارِ النّفسِ النّازفةِ من بلاهةِ النّقيقِ
ألم أقل لك أنّي أتأفّفُ من ثرثرةِ الغربانِ ونعيقِ البومِ ؟!
أتعلمُ أيُّ ريح سمومٍ نفثتَ على كوامنِ النفسِ في خافقي المكلومِ ؟
أتعلمُ أنَّ أعاصيرَ همسكَ أجّجتْ صيحات ورقص وصراخ العبيدِ القابعين في أتونِ الجحيمِ وأرهقتْ رهيفَ السّمعِ في ساعةِ العسرةِ وأفرحتْ الشامتين ؟!
أيُّ ريحٍ هذه وأيُّ هبوبٍ تحجبُ غبار زوابعهِ الرؤيةِ وتستدرُّ الدّمعَ وتورثُ القهرَ وتحبسُ الغيثَ عن الظامئين ؟!
أتدري أنَّ ريحَكم العقيمة أمطرتْ مطرَ السَّوءِ وأنبتتْ أشجاناً لا تهدأ ولا تستكين وأورثتْ في الصّدرِ غصّةً وأجّجتْ في النّفسِ مرارةً لا تهادن أو تلين ؟
أشلاءَ حلمٍ تبعثرتْ ولم يتبق للأملِ في يبابِ العمرِ من بابٍ للولوجِ إلا وقد هدمته ريب المنون

عندما يوكلُ الأمُر لغيرِ أهلهِ
تهاجرُ النّسورُ وترحلُ السّباعُ وتستأسدُ الثّعالبُ و ينعقُ على خرابِها البومُ والغربان
ويضيعُ الحابلُ بالنّابلِ
وتُنتهكُ حرمةُ المكان
ويظهر الغوغاءُ
وتتحكّمُ في الأمرِ شللٌ من الأوغاد
وتُهدمُ صروحٌ
و تتصحرُ أفكار
فويلٌ يومئذٍ للبناةِ والرّوادِ في أصقاعهم من زمرةِ الأشرار
وقد دنتْ اللحظة وآن الأوان
والنار إن اشتعلت تأكلُ بعضها البعض
كم قلتُ لك : ارحلْ
غادرْ
توارى قبل أن تنفذ طاقة المكان
كم قلتُ لك : انظر حولك وتبصر
فلا يليقُ بك ما لوثوا به أنفسهم وأفسدوا المكان
لم ترعو يا سيدي !
فرحلت أنا
حتى لا أشاهدُ ما جنيته على نفسِكَ
ومجبرٌ على اقتلاعِ ما حملتهُ لك يوماً في خافقي من الجذورِ والأعماق
وبي ما بي من الفقدِ ومكابرةِ النّسيان

أبيات من رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي نهج البردة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ
أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً
يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ
لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً
يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي
جَحَدتُها وَكَتَمتُ السَهمَ في كَبِدي
جُرحُ الأَحِبَّةِ عِندي غَيرُ ذي أَلَمِ
رُزِقتَ أَسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ
إِذا رُزِقتَ اِلتِماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
يا لائِمي في هَواهُ وَالهَوى قَدَرٌ
لَو شَفَّكَ الوَجدُ لَم تَعذِل وَلَم تَلُمِ
لَقَد أَنَلتُكَ أُذناً غَيرَ واعِيَةٍ
وَرُبَّ مُنتَصِتٍ وَالقَلبُ في صَمَمِ
يا ناعِسَ الطَرفِ لا ذُقتَ الهَوى أَبَداً
أَسهَرتَ مُضناكَ في حِفظِ الهَوى فَنَمِ
يا نفس دنياك تخفي كلَ مبكِية
وإن بَدا لَك منها حسن مبتسَم
صلاح أَمرِك للأَخلاق مرجعه
فقوِم النفس بالأَخلاق تستَقمِ
والنفس من خيرها في خير عافيَةٍ
والنفس من شَرها في مرتَع وخمِ
إِن جلَّ ذنبي عنِ الغفران لي أَملٌ
في اللَه يَجعَلني في خيرِ مُعتَصم
ألقى رجائي إِذا عزَّ المجير
على مفرجِ الكَرب في الدارينِ وَالغمم
إِذا خفضت جناح الذل أَسأَله
عزَّ الشَفاعة لم أسأَل سوى أُممِ
واِن تَقَدمَ ذو تَقوى بصالحَة
قَدَمت بَين يَديه عَبرَةَ النَدَم
لزِمت باب أَميرِ الأَنبِياء ومن يُمسك بِمِفتاح باب اللَهِ يغتَنِمِ
محمَد صفوة الباري ورحمته
وبغيةُ اللَه من خلق وَمن نسَمِ
ونوديَ اِقرَأ تعالى اللَهُ قائلها
لم تتَّصل قبل من قيلت لَه بفمِ
هناكَ أَذَّن للرحمن فَامتَلَأَت
أَسماع مكةَ من قدسيّة النغمِ
سَرت بَشائِر بالهادي ومولدهِ
في الشَرقِ وَالغَرب مَسرى النورِ في الظلَمِ
أتيت والناس فَوضى لا تمرُّ بِهِم
إِلّا عَلى صنم قد هام في صنمِ
أَسرى بكَ اللَه ليلا إذ مَلائِكه
والرسل في المسجِد الأَقصى عَلى قدَمِ
لَما خطرت بِه التَفّوا بسيدهم
كَالشهب بالبدر أَو كالجند بالعلَمِ
صلّى وراءَك منهم كُل ذي خطر
ومن يَفز بحبيب اللَه يأتَمِمِ
جبت السَماواتِ أو ما فَوقهن بهم
عَلى منورة درِية اللُجمِ
مشيئة الخالق الباري وَصَنعَته
وقدرةُ اللَه فوق الشَك والتُهَمِ
حتّى بَلَغت سماء لا يطار لها
عَلى جناح ولا يسعى على قدَمِ
وقيل كُل نَبِيٍّ عندَ رتبَتِه
ويا محمد هذا العَرش فَاستَلِمِ
يا رب هبَّت شعوب من منيَّتِها
واِستيقظت أُممٌ من رقدة العدمِ
رأى قَضاؤك فينا رأيَ حكمَته
أَكرم بوجهِكَ من قاض ومنتَقِمِ
فالطُف لِأَجلِ رسول العالمين بنا
ولا تزِد قَومه خسفاً ولا تُسمِ
يا ربِّ أَحسنتَ بَدءَ المُسلِمين بِهِ
فَتَممِ الفَضلَ وَاِمنَح حسن مختَتَم

https://youtu.be/WYC71RDbyL4

يا ناعس الطرف

حتى في السّكونِ المقيتِ تتساقطُ الأقنعةُ وتتعرى الوجوهُ الكالحةُ وتتجلى الحقيقةُ للعيان
فكيف إذا اقترن ذلك بما يشمئز منه الثقلان
فمثلما هناك أناسٌ للصّدقِ والفضيلةِ عنوان
فعلى الجانب الآخر هناك من يقبعوا في الدّركِ الأسفلِ من الخسّةِ والنّذالةِ بما تعلّق بهم من الكذبِ والنفاقِ والخيانةِ والخذلان
عندما تنعبُ الغربانُ يقابلها البومُ بالنعيقِ وينتشي الطّرفان بأسنِ شرابهم ونتانةِ الجرذان
وتأبى النّفوسُ الكريمةُ إلا كراهةَ الهذرِ والثّرثرةِ الّتي يحسبها الغافلون عن شرفِ كرامتهم عزفاً وإنشادا
ومع ما يحدثهُ تطاير الشّررِ من أثارٍ جانبيةٍ
أيقنتُ أنَّ ما من عملِ خيرٍ في غيرِ أهلهِ ومستحقيهِ يمرُّ دون عقابٍ

تعبرين فوق الأحلامِ
كغيمةِ عشقٍ ...
تهطلُ أشواقاً ولهفةً...
كلّما مرّت بنا نسمةُ حبٍّ
معتقةٍ من آلافِ السّنين

لك الود ما عشت وأني
عليك أحرص مني على نفسي

كان لديَّ حلمٌ أضعتهُ
لمّا طغى الموجُ وحالتْ بيننا
أنفاسُ شيطانٍ ظلوم
مضتْ سِنيّ العمرِ تقتاتُ العنا
مُذ زمجرتْ ريحُ السّمومِ وأعلنتْ
مُحالَ يومٍ يلتقي
مَنْ فرّقتْ ما بينهم ريحٌ بأوهامِ الظّنون

الوجع
أن يسيء إليك أحدهم علناً
ويعتذر لك سراً