بِلَهْفَةِ النَّحْلِ تَنْسِلُ بَوَاكِيرُ شَوْقِي إِلَى أَزَاهِيرِ فُصُولِكِ الحَالِمَةِ، يَرْتَشِفُ مِنْ فُضُولِ المَيَاسِمِ رَحِيقَ الرِّفْقِ لَثْمًا، وَيَقْتَرِفُ فِي حُقُولِ المَوَاسِمِ نَجْوَى التَّبَتُّلِ فِي بَسَاتِينِ عَبَقِكِ إِثْمًا، وَيَحْتَرِفُ مَعْ خُيُولِ اقْتِبَالِكِ وَانْقِلابِكِ لُغَةَ السَّنَابِكِ عَلَى صَفْحَةِ القَلْبِ نَأْيًا وَقُرْبًا. وَيَزْدَهِرُ فِي الخَاطِرِ هَوَاكِ فَلا تَأْلُو خَلِيَّةُ المَشَاعِرِ تَنْضَحُ مِنْ عَمِيقِ الوُدِّ وَرَفِيقِ الصَّدِّ مَرَاسِمَ حَيَاةٍ وَطُقُوسَ انْتِمَاءٍ وَاحْتِوَاءٍ شَمْعًا يُضِيءُ دُرُوبَ السَّالِكِينَ، وَشَهْدًا مُصَفَّى مِنْ كدْرَةِ اللَّحْظَةِ وَعَثْرَةِ اللَّفْظَةِ وَزَفْرَةِ الأَنِينِ شَرَابًا طَهُورًا سَائِغًا لِلعَاشِقِين.

وَبِلَهْوِ الفَرَاشَاتِ الوَادِعَةِ فِي حَدَائِقِ صَفْوِكِ الحَانِي يَتَسَلَّلُ إِلَى النَّفْسِ مِنْكِ وَحْيُ عَبِيرٍ مَارِقٍ يُذْكِي تَبَارِيحَ الوَجْدِ افْتِقَادًا وَيُزَّكِي مَسَامَاتِ العِشْقِ اتِّقَادًا، وَتَهْفُو إِلَى بَرَاعِمِ فِتْنَتِكِ نَزْعَةُ فَارِسٍ لَمْ يُتْقِنْ فِي حَضْرَةِ الغِيَابِ إِلا صهْوَةَ عَزْمٍ طَامِحٍ وَسَرْجَ جِدٍّ جَامِحٍ وَجَوادَ مَنْحٍ ضَابِحٍ يَعْدُو بِالصَّبْرِ عَبْرَ السَّهْلِ وَالصَّعْبِ وُصُولا إِلَى قِمَّةِ مَجْدِكِ الزَّاهِرِ وَإِلَى قِيمَةِ حُسْنِكِ البَّاهِرِ وَحِسِّكِ الأَثِيلِ. تَهْفُو؛ وَفِي كَفِّ العِنَاقِ وَرْدَةُ بَوحٍ بَيضَاءُ، وَعَلَى كَتِفِ العَهْدِ سَنَابِلُ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ مِنْ قَبْلُ مِنْجَلُ طَمَعٍ وَلا فَلْسَفَةُ وَجَعٍ وَلا آفَةُ جُنُونٍ.

وَإِذْ هَمَسْتِ لِي ذَاتَ انْهِمَارٍ:
إِنِّي مَا عَهِدْتُ الزَّهْرَ إِلا يَبْهجُ لِمَاءٍ رَائِقٍ يَرْوِيهِ وَإِلا يَأْرَجُ لِرَبِيعِ دِفْءٍ يَحْتَوِيهِ، فَمَا لِأَزَاهِيرِ نَبْضِي لا تَتَفَتَّقُ عَبَقًا إِلا لِبَهَاءِ طَلْعَتِكَ، وَلا تَتَصَبَّبُ عَرَقًا إِلا بِهَيْبَةِ طَلَّتِكَ؛ حَرِّهَا وَقَرِّهَا، رَبِيعِهَا وَخَرِيفِهَا؟ وَفِيمَ تَرْفَعُ بَتَلاتُ شِغَافِي أَكُفَّ غُصُونِ الحَنِينِ تَسْتَسْقِي أَنَامِلَ قَطْفِكِ كَي تَعِيشَ بِالمَوتِ فِيكَ مَوْسِمَين؟
وَإِنِّي كُلَّمَا دَاهَمَ تِشْرِينُ مَوسِمِي نِيسَانَ حُلُمِي غَطِشَ دَرْبِي وَعَطِشَ عُشْبِي وَفَزِعَ انْشِغَالِي العَالِقُ بِكَ وَالعَابِقُ لَكَ إِلَى قَوَارِيرِ عُطُورِي أَيُّهَا أَذْكَى وَأَزْكَى سَبِيلَ فُؤَادٍ وَرَسُولَ ودَادٍ، فَلا أَزَالُ فِي حَيْرَةِ خَجَلٍ وَنَهْرَةِ وَجَلٍ إِذْ لا عِطْرَ يَرقَى لِرِفْعَتِكَ وَلا عَبَقَ يَلِيقُ بِجَنَابِكَ. لَوَدَدْتُ أَنَّ لِي مَدَائِنَ مِنْ يَاسَمِين وَسَفَائِنَ مِنْ أَجْنِحَةِ خَيَالٍ سَائِحٍ أُحَلِّقُ إِلَى حَيثُ عَوَالِمِ السِّحْرِ فَأُعَتِّقُ لَهَا مِنْكَ خَمْرًا مِنْ حَنَانٍ، وأُعَبِّقُ لَكَ مِنْهَا عِطْرًا لا يَنْبَغِي لِغَيرِكِ وَحُسْنًا يَجْعَلُنِي لِقَلْبِكَ نَشْوَةً مِنْ يَقِينٍ.

أَيَّتُهَا المُنْبَثَّةُ فِي مَسَارَاتِ رُوحِي، المُنْدَسَّةُ فِي شَرَايِينِ مَبَاهِجِي وَمَنَاهِجِي، المُتَفَرِّدَةُ بِسِمَاتِكِ وَقَسَمَاتِكِ فِي غُرْبَةِ السِّنِينِ: العِطْرُ يَحْتَاجُكِ وَلا تَحْتَاجِينَهُ، وَالحُسْنُ يَطْلبُكِ وِلا تَطْلُبِينَهُ، وَإِنَّ لِلمَجَرَّاتِ نَوَامِيسَ التَّوَغُّلِ فِي الأُفُقِ، وَلِلنُّجُومِ قَوَامِيسَ التَّعَلُّقِ بِالأَلَقِ، وَلِلقُلُوبِ قَرَاطِيسَ التَّغَزُّلِ بِالجَمَالِ وَبِالجَلالِ وَبِالعُيُونِ، وَلَكِ فِي هَذَا كُلِّهِ مَرْكَزُ كَونٍ وَمُلْتقَى وَجُودٍ لا يَدُورُ جَرْمٌ إِلا فَي مَدَارِكِ وَلا يَجِلُّ نَجْمٌ إِلا فِي مَجَالِكِ وَلا يَعْبقُ دَهْرٌ إِلا فِي ازْدِهَارِكِ، وَتَظَلِّينَ يَا بَاذِخَةَ الحُضُورِ فِي كُلِّ الصُّدُورِ سَيِّدَةَ العُطُورِ.