ثم تحدث عن السيرة العادلة فقال :
"فإذا حاز الإنسان ما اكتسبه فإن من السيرة العادلة في ذلك أن يكون بعضه مصروفا في الصدقات والزكوات وأرباب المعروف وبعضه مستبقي مدخرا لنوائب الدهر وأحداث الزمان
الزكوات
فأما الزكوات والصدقات فينبغي أن يكون إخراجها بطيب النفس وحسن النية وإنشراح الصدر والثقة بأنها العدة ليوم الفاقة وأن يوضع معظمها في أهل الخلة ممن يساتر الناس بفقره ولا يهتك ستر الله تعالى عن حاله ويتوخى بباقيها من تلحقه الرقة ممن ظهرت عيلته وبدت مسكنته وإن يجعل ذلك خاصا لوجه الله ذي الجلال والإكرام فلا يستثمر له شكرا ولا يترصد له جزاء
شروط المعروف
وللمعروف شرائط
أحدهما تعجيله فإن تعجيله أهنأ له والثانية كتمانه فإن كتمانه أظهر له والثالثة تصغيره فإن تصغيره أكبر له والرابعة ربه ومواصلته فإن قطعه ينسى أوله ويمحو أثره والخامسة اختيار موضعه فإن الصنيعة إذا لم توضع عند من يحسن احتمالها ويؤدي شكرها وينشر محاسنها ويقابلها بالود والمولاة كانت كالبذر الواقع في الأرض السبخة التي لا تحفظ الحب ولا تنبت الزرع
النفقات
فأما النفقات فإن سدادها وإصلاح أمرها بين السرف والشح ومتردد بين التصنيع والتقدير خلا إن بإزاء ذلك أمرا يوجب حسن التثبت وهو أنه متى استوفى الإنسان حقوق التقدير كلها واستعرف شرائط الاقتصاد أجمع لم يسلم في ذلك على غميرة الغامز وذلك النصفة وعموم الجوار في العضيهة وشمول البغضاء الموكلة بكل مروءة تامة والحسد المغرى بكل مجد باذخ وشرف شامخ فلهذا ينبغي للعاقل أن ببنى بعض أمره في الإتفان على عقول عوام الناس وإن يستعمل كثير من التجوز والأغضاء في المواضع التي يخشى فيها شبه السرف وعار التصنيع فإن من يمدح السرف من العوام أكثر ممن يمدح الاقتصاد ويؤثر التقدير كما أن من يمدح الاقتصاد ويؤثر التقدير أخص وأتم عقلا وأحزم رأيا
الادخار فأما الذخيرة فلا ينبغي للعاقل أن يغفلها متى أمكنته فإن الإنسان متى بدهه صرف الزمان بحاجة لم يكن مستظهر الحال فوق حاله واضطر إلى الاستعانة بالحال الحاضرة فيفصمها عروة عروة حتى يبقى معدما والله ولي الكفاية وحسن الدفاع"

الرجل هنا يجعل غرض الإنسان من عمله هو الحصول على المال وإدخار بعضه وإنفاق البعض الأخر فى الصالحات والمسلم يعمل لطاعة الله ونتيجة طاعته يوزع دخل الدولة على الأفراد بالعدل ومن ثم فالمسلم لن يكون بحاجة إلى الإدخار أو غير هذا لأن المجتمع يوفر لبعضه الأموال فإذا توفر توفر للكل وإن نقص نقص عند الكل
ثم تحدث فقال باب في سياسة الرجل أهله:
"المرأة الصالحة وصفاتها:
إن المرأة الصالحة شريكة الرجل في ملكه وقيمته في ماله وخليفته في رحله وخير النساء العاقلة الدينة الحيية الفطنة الودود الولود القصيرة اللسان المطاوعة العنان الناصحة الجيب الأمينة الغيب الرزان في مجلس الوقور في هيبتها المهيبة في قامتها الخفيفة المبتذلة في خدمتها لزوجها تحسن تدبيرها وتكثر قليله بتقديرها وتجلو أحزانه بجميل أخلاقها وتسلى همومه بلطيف مداراتها"
الخطأ هنا هو أن خير النساء الولود فالولادة ليست فى مكنة المرأة فالحمل والولادة هى بأمر الله فكثير من العقيمات قد يكن أفضل من كثير من اللاتى يلدن
ثم قال تحت عنوان أسس سياسة الرجل لأهله :
"وجماع سياسة الرجل أهله بحسم وسط ثلاثة أمور لا تدعه وهي الهيبة الشديدة والكرامة التامة وشغل خاطرها بالمهم
الهيبة
أما الهيبة فهي إذا لم تهب زوجها هان عليها وإذا هان عليها لم تسمع لأمره ولم تضع لنهيه ثم لم تقنع بذلك حتى تقهره على طاعتها فتعود آمرة ويعود مأمورا وتصير ناهية ويصير منهيا وترجع مدبرة ويرجع مدبرا وذلك الانتكاس والانقلاب والوبل حينئذ للرجل ماذا يجلب له تمردها وطغيانها ويجنيه عليه قصر رأيها سوء تدبيرها ويسوق إليه غيها وركوبها هواها من العار والشنار والهلاك والدمار فالهيبة رأس سياسة الرجل أهله وعمادها وهي الأمر الذي ينسد به كل خلة ويتم تمامه كل نقص ويتوب عن كل غائب ويغنى عن كل فائت ولا يتوب عنه شيء ولا يتم دونه أمر فيما بين الرجل وأهله وليست هيبة المرأة بعلها شيئا غير إكرام الرجل نفسه وصيانة دينه ومرؤته وتصديقه وعده ووعيده
الكرامة التامة
وأما كرامة الرجل أهله فمن منافعها أن الحرة الكريمة إذا استجلت كرامة زوجها دعاها حسن استدامتها لها ومحاماتها عليها واشفاقها من زوالها إلى أمور كثيرة جميلة لم يكد الرجل يقدر على إصارتها إليه من غير هذا الباب بالتكلف الشديد والموؤنة الثقيلة على أن المرأة كلما كانت أعظم شأنا وأفخم أمرا كان ذلك أدل على نبل زوجها وشرفه وعلى جلالته وعظم خطره وكرامة الرجل أهله على ثلاثة أشياء في تحسين شارتها وشدة حجابها وترك إغارتها
شغل الخاطر بالمهم
وأما شغل الخاطر بالمهم فهو أن يتصل شغل المرأة بسياسة أولادها وتدبير خدمها وتفقد ما يضمه خدرها من أعمالها فإن المرأة إذا كانت ساقطة الشغل خالية البال لم يكن لها لهم إلا التصدي للرجال بزينتها والتبرج بهيأتها ولم يكن لها تفكير إلا في استزادتها فيدعوها ذلك إلى استصغار كرامته واستقصار زمان زيادته وتسخط جملة إحسانه"
وبالقطع لا يوجد أسس محددة لمعاملة المرأة سوى المعروف كما قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف ط
ومن ثم فالهيبة وهى التخويف لا ينفع دوما مع كل النساء ولا اللين ينفع من كل النساء ولا شىء تعرف منفعته غير طاعة الله بالعشرة بالمعروف
ثم تحدث تحت عنوان باب في سياسة الرجل ولده فقال :
"حق الولد على والديه
إن من حق الولد على والديه إحسان تسميته ثم اختيار ظئره كي لا تكون حمقا ولا ورهاء ولا ذات عاهة فإن اللبن يعدي كما قيل"
والخطأ هنا هو أن ذات العاهة لا تنفع كأم وهو كلام خاطىء فصاحبات العاهات كالسليمات متهم الصالحات ومنهم السيئات
كما أن اللبن لا يعدى أى لا يجعل الرضيع أحمق ولا يجعل الرضيع عاقلا فالمسألة متعلقة بعقل الأم فإن كان بها نقص قلده الرضيع وإن كان عقلها سليمان قلده الرضيع
ثم قال :
"بداية تربية الطفل بعد الفطم
فإذا فطم الصبي عن الرضاع بدئ بتأديبه ورياضة أخلاقه قبل أن تهجم عليه الأخلاق اللئيمة وتفاجئه الشيم الذميمة فإن الصبي تتبادر إليه مساوئ الأخلاق وتنثال عليه الضرائب الخبيثة فما تمكن منه من ذلك غلب عليه فلم يستطع له مفارقة ولا عنه نزوعا فينبغي لغنم الصبي أن يجنبه مقابح الأخلاق وينكب عنه معايب العادات بالترهيب والترغيب والإيناس والإيحاش وبالإعراض والإقبال وبالحمد مرة وبالتوبيخ أخرى ما كان كافيا فإن احتاج إلى الاستعانة باليد لم يحجم عنه وليكن أول الضرب قليلا موجعا كما أشار به الحكماء قبل بعد الإرهاب الشديد وبعد إعداد الشفعاء فإن الضربة الأولى إذا كانت موجعة ساء ظن الصبي بما بعدها واشتد منها خوفه وإذا كانت الأولى خفيفة غير مؤلمة حسن ظنه بالباقي فلم يحفل به"
اصاب الرجل هنا بكون الضرب أمر مفيد لتعديل سلوك الصبى عند عدم نفع الطرق الكلامية والقدوة ثم قال :
"في دور التمييز
فإذا اشتدت مفاصل الصبي واستوى لسانه وتهيأ التلقين ووعى سمعه أخذ في تعلم القرآن وصور له حروف الهجاء ولقن معالم الدين وينبغي أن يروي الصبي الرجز ثم القصيدة فإن رواية الرجز أسهل وحفظه أمكن لأن بيوته اقصر ووزنه أخف ويبدأ من الشعر بما قيل في فضل الأدب ومدح العلم وذم الجهل وعيب السخف وما حث فيه على بر الوالدين واصطناع المعروف وقرى الضيف وغير ذلك من مكارم الأخلاق"
هنا الرجل يبين طرقا نافعة فى التربية وهى تربية الطفل بالطريقة العملية من خلال تعليمه أحكام التعامل مع الناس مع الاستعانة بالشعر الذى يسمونه حاليا الأناشيد ثن تحدث عن المعلمين فقال :
"مؤدب الصبي
وينبغي أن يكون مؤدب الصبي عاقلا ذا دين بصيرا برياضة الأخلاق حاذقا بتخريج الصبيان وقورا رزينا بعيدا من الخفة والسخف قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي غير كز ولا جامد بل حلوا لبيبا ذا مروؤة ونظافة ونزاهة قد خدم سراة الناس وعرف ما يتباهون به من أخلاق الملوك ويتعايرون به من أخلاق السفلة وعرف آداب المجالسة وآداب المؤاكلة والمحادثة والمعاشرة"
والجزء الأخير من كلامه خاطىء وهو معرفة المعلم بخدمة سراة الناس فالمعلم عليه ان يعرف شىء واحد وهو الحلال والحرام الذى سيعلمه للصبى ثم تحدق عن صديق الصبى فقال :
"رفيق الصبي:
وينبغي أن يكون مع الصبي في مكتبه صبية من أولاد الجلة حسنة أدابهم مرضية عاداتهم فإن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس
وانفرد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب الأشياء لضجرهما فإذا راوح المؤدب بين الصبي والصبي كان ذلك أنفى للسآمة وأبقى للنشاط وأحرص للصبي على التعلم والتخرج فإنه يباهي الصبيان مرة ويغبطهم مرة ويأنف من القصور عن شأوهم مرة ثم يحادث الصبيان والمحادثة تفيد انشراح العقل وتحل منعقد الفهم لأن كل واحد من أولئك إنما يتحدث بأعذب ما رأى وأغرب ما سمع فتكون غرابة الحديث سببا للتعجب منه والتعجب منه سببا لحفظه وداعيا إلى التحدث به ثم أنهم يترافقون ويتعارضون الزيارة ويتكارمون ويتعاوضون الحقوق وكل ذلك من أسباب المباراة والمباهاة والمساجلة والمحاكاة وفي ذلك تهذيب لأخلاقهم وتحريك لهممهم وتمرين لعاداتهم"
وهو هنا يبين أن التعليم ينبغى أن تتنوع طرقه بين تعلمه مع معلمين وتعلمه من الأصحاب الذين يتعلمون معه لأن بقاء الطفل مع المعلم وحده أمر ممل لا يفيده إلا قليلا
ثم تحدث عن وجوب إعداد الصبى للعمل الوظيفى فقال :
"إعداد الصبي للمهنة وفقا لطبعه
وإذا فرغ الصبي من تعلم القرآن وحفظ أصول اللغة نظر عند ذلك إلى ما يراد أن تكون صناعته فوجه لطريقه فإن أراد به الكتابة أضاف إلى دراسة اللغة دراسة الرسائل والخطب ومناقلات الناس ومحاوراتهم وما أشبه ذلك وطورح الحساب ودخل به الديوان وعنى بخطه
وإن أريد أخرى أخذ به فيها بعد أن يعلم مدبر الصبي أن ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مؤاتية لكن ما شاكل طبعه وناسبه وأنه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتنقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والملاءمة إذن ما كان أحد غفلا من الأدب وعاريا من صناعة وإذن لأجمع الناس كلهم على اختيار أشرف الآداب وأرفع الصناعات ومن الدليل على ما قلنا سهولة بعض الأدب على قوم وصعوبته على آخرين ولذلك نرى واحدا من الناس تؤاتيه البلاغة وأخر يؤاتيه النحو وآخر يؤاتيه الشعر وآخر يؤاتيه الخطب وآخر يؤاتيه النسب ولهذا يقال بلاغة القلم وبلاغة الشعر فإذا خرجت عن هذه الطبقة إلى طبقة أخرى وجدت واحدا يختار علم الحساب وآخر يختار علم الهندسة وآخر يختار علم الطب وهكذا تجد سائر الطبقات إذا افتليتها طبقة طبقة حتى تدور عليها جميعاولهذه الاختيارات وهذه المناسبات والمشاكلات أسباب غامضة وعلل خفية تدق عن أفهام للبشر وتلطف عن القياس والنظر لا يعلمها إلا الله جل ذكره
مراعاة ميل الصبي للصناعة
وربما نافر طباع إنسان جميع الآداب والصنائع فلم يعلق منها بشيء ومن الدليل على ذلك أن أناسا من أهل العقل راموا تأديب أولادهم واجتهدوا في ذلك وأنفقوا فيه الأموال فلم يدركوا من ذلك ما حاولوا فلذلك ينبغي لمدير الصبي إذا رام اختيار الصناعة أن يزن أولا طبع الصبي ويسير قريحته ويخبر ذكاءه فيختار له الصناعات بحسب ذلك فإذا اختار له إحدى الصناعات تعرف قدر ميله إليها ورغبته فيها ونظر هل جرت منه على عرفان أم لا وهل أدواته وآلاته مساعدة له عليها أم خاذلة ثم يبت العزم فإن ذلك احزم في التدبير وأبعد من أن تذهب أيام الصبي فيما لا يؤاتيه ضياعا"
والرجل هنا يبين أن العمل الوظيفى يجب أن يوافق طبيعة كل صبى وخذا كلام مفيد ولكن فى داخل نظام دولة المسلمين يراعى فى قرية أو بلدة أن تعد الوظائف التى تحتاجها القرية فى السنة التى سيتخرج فيها الصف وتقسم على الصبيان فى الصف حتى يتم سد النقص فى الوظائف فى البلدة فغن كان العدد زائد وأنشأت الدولة بلاد جديدة تحول الأعداد الزائدة إليها لكى يعملوا فيها ويقيموا لها
ثم تحدق عن كسب الصبي من الصناعة وفوائده فقال :
"فإذا وغل الصبي في صناعته بعض الوغول فمن التدبير أن يعرض للكسب ويحمل على التعيش منها فإنه يحصل في ذلك له منفعتان إحداهما إذا ذاق حلاوة الكسب بصناعته وعرف غناها وجداها عظيمين لم يضجع في إحكامها وبلوغ أقصاها والثانية أنه يعتاد طلب المعيشة قبل أن يستوطئ حال الكفاية فإنا قل ما رأينا من أبناء المياسير من سلم من الركون إلى مال أبيه وما أعد له من الكفاية فلما عول ذلك قطعه عن طلب المعيشة بالصناعة وعن التحلي بلباس الأدب فإذا كسب الصبي بصناعته فمن التدبير أن يزوج ويفرد رحله"
فالغرض من الوظيفة هو أن يحصل الصبى على مال يجعله يبنى بيتا ويكون معه مال للزواج فيه
ثم تحت عنوان باب في سياسة الرجل خدمه قال :
"الحاجة إلى الخدم:
إن سبيل سياسة الخدم والقوام من الإنسان سبيل الجوارح من الجسد وكما أن قوما قالوا حاجب الرجل وجهه وكاتبه قلمه ورسوله لسانه كذلك نقول إن حفدة الرجل يده ورجله لأن من كفاك التعاطي بيدك فقد قام عندك مقامها ومن كفاك السعي برجلك فقد ناب عنك منابها ومن حفظ لك ما تحفظه عينك فقد كفاك كفايتها فغناء الخدم عنك أيها الإنسان كثير ونفع القوام إياك جزيل ولولاهم لأرتج دونك باب من الراحة كبير ولأنسد عنك طريق من النعمة مهيع ولاضطررت إلى مواصلة القيام والقعود وإلى مواترة الأقبال والأدبار وفي ذلك اتعاب الجسد وهو يعد من إمارات الخفة ودلائل النزق وسبل المهانة والضعة وفيه سقوط الهيبه وذهاب الرزانة والركانة وبطلان الأبهة وطرح السمت والوقار وبثبات هذه الخصال
يباين المخدوم والخادم والرئيس والمرؤوس
واجب السيد نحو الخدم
فينبغي لك أن تحمد الله عز وجل على ما سخر لك منهم وما كفاك وأن تحوطهم ولا تقصيهم وتتفقدهم ولا تهملهم وترفق بهم ولا تحرجهم فإنهم بشر يمسهم من الكلال واللغوب ومن السآمة والفتور ما يمس البشر وتدعوهم دواعي حاجاتهم وإرادات أجسامهم إلى ما في طباع البشر إرادته والحاجة إليه
طريق اتخاذ الخدم
وطريق اتخاذ الخدم أن لا يتخذ الإنسان خادما إلا بعد المعرفة والاختبار له وإلا بعد سبره وامتحانه فإن لم تستطع ذلك فينبغي أن تعمل فيه التقدير والفراسة والحدس والتوسم وأن تضرب عن الصور المتفاوتة والخلق المضطربة فإن الأخلاق تابعة للخلق ومن أمثال الفرس أحسن ما في الذميم وجهه وإن تجانب ذوي العاهات كالعوران والعرجان والبرصان ونحوهم وأن لا تثق منهم بذي الكيس الكثير والدهاء البين فإنه لا يعرى من الخب ولا يسلم من المكر ويؤثر اليسير من العقل والحياء على كثير من الشهامة والخفة
اختيار ما يصلح الخادم
فإذا فرغ من ذلك فلينظر لأي أمر يصلح الخادم الذي يتخذه وأي صناعة ينتحل وما الذي يظهر رجحانه فيه من الأعمال فليسنده إليه وليستكفه إياه ولا ينقلن الخادم من عمل إلى عمل ولا يحولنه من صناعة إلى صناعة فإن ذلك من أمتن أسباب الدمار وأقوى دواعي الفساد وما يشبه من يفعل ذلك إلا بمن يكلف الخيل الكراب والبقر الأحضار لأن لكل إنسان بابا من المعارف وفنا من الصناعات قد سمح له به طباعه وإفادته إياه غريزته فصار لديه كالسجية التي لا حيلة في تركها والضريبة التي لا سبيل إلى مفارقتها فمتى نقل الإنسان الخادم مما قد أحسنه وأتقنه ومارسه ولابسة وألفة واعتاده إلى ما يختاره له برأيه وينتخبه له بإرادته مما ينافر طباعه ويضاد جوهره أفسد عليه نظام خدمته وجبره في طريق مهنته فعاد كالريض ثم لا يفيده مما نقله إليه بابا إلا بنسيان أبواب مما نقله عنه ومتى عاد به إلى الأمر الأول وجده فيه أسوأ حالا منه فيما نقله إليه
الخادم شريك سيده في النعمة
ولا ينبغي أن يكون نكير الإنسان على الخادم إذا أراد الإنكار عليه صرفه عنه فإن ذلك من دلائل ضيق الصدر وقلة الصبر وخفة الحلم ولأنه إذا صرفه احتاج إلى غيره بدلا منه وخلفا عنه وغيره مثله أو قريب منه وإذا استمرت به هذه العادة أوشك أن يبقى بلا خادم بل ينبغي له أن يقرر في قلوب خدمه أن أحدا منهم لا يجد إلى مفارقة رحله والخروج عن داره وكنفه سبيلا فإن ذلك أتم للمرؤة وأدل عل الوفاء والكرم
وبعد فإن الخادم لا يتوالى ولا يناصح ولا يشفق ولا ينظر ولا يحتاط ولا يحامي ولا يذب حتى يتحقق عنده ويصح لديه أنه شريك صاحبه في نعمته وقسيمه في ملكه وجدته حتى يأمن العزل ولا يحذر الصرف ومتى ظن الخادم أن أساس حرمته غير واطدة ووشائج ذمامه غير راسخة وإن مكانه ناب به عند الذنب يوافقه والحزم يفارقه كان مقامه على صاحبه كعابر سبيل فلا يعني بما عناه ولا يهتم بما عراه ولم يكن همته إلا ذخيرة يعدها ليوم جفوة صاحبه وظهره يرجع إليها عند نبوته وأزورار جانبه وليكن عند الصاحب لخدمه دون صرفهم وإخراجهم وسوى نبذهم وإطراحهم منازل من الاستصلاح والتقويم فمن استقام له بالتأديب عوجه واعتدل بالثقاف أوده فليشدده يدا ويوسعه عند الزلة عفوا ومن راجع الذنب بعد التوبة ونقض العهد بعد الإنابة فليذقه طرفا من العقوبة وليمسه ببعض السطوة ولا ييأسن من رشده ما لم تنحل عقدة حياته ويكاشف بإصراره ومن عصاه معصية صلعاء يلتف دونها أو جنى جناية شنعاء لا بقيا معها ولا في شرطه السياسة اغتفارها فالرأي للصاحب البدار إلى الخلاص وإلا أفسد عليه سائر الخدم"
وما سبق من كلام فى وجود الخدم فى المجتمعات هو ضرب من الخبل فلا يوجد فى المجتمع المسلم خدم وإنما المسلمون معا يتعاونون فى أمورهم كما قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "
فإنما فسدت المجتمعات بوجود خدم ومخدومين يظلمون الخدم وإنما الكل فى المجتمع المسلم حتى ولو كان بعضهم عبيدا اخوة لبعضهم البعض ووجود الخدم ينتج أنواعا من الناس المتعودين على الراحة وهدم العمل وهو مالا وجود له فى الإسلام فمن لم توجد له وظيفة يعمل بها فهو كافر لأنه عضى أمر الله فى قوله " وامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه"
ونجد ابن سينا كما أخطا فى ذوى العاهات قبل هذا يهطىء فيهم فى الكلام عن عدم اتخاذهم خدوم لسوء أخلاقهم جميعا بلا استثناء وهو كلام لا يمكن أن يصدر من مسلم يعرف قوله تعالى " ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج"
وقال ابن سينا أنه لم بفصل الله الكلام فقال فى خاتمة الكتاب:
"وانقضت الأبواب التي مثلنا فيها ما يحق على الرجل فعله في تدبير نفسه وما يشتمل عليه منزلة وإنما ذكرنا القليل من الكثير والجمل دون التفسير ولو شرحنا كل باب بما يشاكله من أخبار الناس وأشعارهم لكان الكتاب أحسن وأكمل إلا أنه يكون أكبر وأطول فآثرنا التخفيف على القارئ والتسهيل على الناظر ولرب قليل أربع من كثير وصغير أتم من كبير والله ولي التوفيق والتيسير"