تنتابني الحيرة كلما فكرت في حالي .. أنا البائس الضائع التائه .. عشت ماضيًا مؤلمًا أحاول نسيانه.. أنجح أحياناً وأفشل كثيراً .. وتمضي الحياة .. به أو بدونه .. لكن من المؤكد أن النبش في القبور يعكر صفو الهواء النقي بعفن الجثث المتآكلة .. ومن المؤكد أن إسقاطات الماضي من خبرات وتجارب قاسية تعكر على الحاضر والمستقبل صفوهما .. فها أنا ذا كلما مررت بتجربة أتذكر مثيلتها بالماضي مما يوقفني كثيراً حتى يفقدني متعة التجربة والحياة.بين ماضٍ مؤلم وحاضر أسود ومستقبل مجهول
18 /6 / 2018م
وأما عن الحاضر.. فهو واقع أسود .. ويتمركز سواده أنه ثابت لا يتغير .. تلهينا الحياة كثيراً عن ذلك السواد بقليلٍ من الرمادي .. ويحيد الثبات عن موقفه في بعض الأوقات بقليلٍ من الانحناء.. ولكن حتى هذا الحياد غير ثابت .. يأتي ويذهب بغير انتظام .. يقولون إن دوام الحال من المحال .. ولكن يبدو أنه كما لكل قاعدة استثناء .. فهذا هو استثناء قاعدة التغيير في حاضري الحزين .. فها هو ثابت السواد .. حتى بدرجاته الرمادية الغامقة والقليلة جداً .. ومن المضحك أن تعلم أن الحاضر لا تستطيع الإمساك به أصلاً .. فهو اللحظة التي تلي الماضي أو تسبق المستقبل بلحظة أو أقل .. فهو قد يكون مستقبلاً وقد يكون ماضيًا .
وأما المستقبل.. فهو مجهول .. والإنسان دائماً عدو ما يجهل .. فما هو المستقبل الذي ينتظرنا ياترى؟ أهو عدو محصن بأسلحة تفوق قدراتنا على التخيل .. وعلينا أنا نحاربه ونحن لانعلم عنه شيئًا؟ أم هو صديق حميم ينتظر منا أن نكون متفائلين بأنه سيساعدنا في العيش الهانئ الرغيد؟ هل سيكون مستقبلنا صورة عن ماضينا وحاضرنا ؟ أم هل سيكون شكلاً آخر من الحياة ننعم فيها بالخير والسعادة والطمأنينة وراحة البال؟ نحن المسلمين نختلف عن كل البشر بأن ثقتنا بالله راسخة رسوخ الجبال، وأننا نحسن الظن بالله تعالى، وتتجلى الثقة بالله في آية كريمة، (فإن حسبك الله) وهذا معناه أن كل هذا العالم لن يملأ فراغ قلوبنا بما فيه من أشياء وأشخاص وأحداث وأحلام، فقط ما يكفينا هو محبة الله لنا والثقة به بأن نرمي كل همومنا عليه فهذا فقط الذي سيشعرنا بالاكتفاء.
والثقة بالله..أمر عظيم غفلنا عنه كثيراً.. فما أحوجنا اليوم إلى هذه الثقة.. لنعيد بها توازن الحياة المنهار.. ولكن ماهي الثقة بالله.
الثقة بالله.. تجدهافي إبراهيم عندما أُلقي في النار.. فقال بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل..فجاء الأمر الإلهي: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم.
الثقة بالله.. تجدهافي هاجر عندما ولى زوجها وقد تركها في واد غير ذي زرع .. صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة..قائلة: يا إبراهيم لمن تتركنا.. قالتها فقط لتسمع منه كلمة يطمئن بها قلبها.. فلماعلمت أنه أمر إلهي قالت بعزة الواثق بالله.. إذًا لا يضيعنا .. فجَّر لها ماء زمزموخلد سعيها.. ولو أنها جزعت وهرعت لما تنعمنا اليوم ببركة ماء زمزم.
الثقة بالله.. تجدهافي أولئك القوم الذين قيل لهم.. إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم.. ولكن ثقتهم باللهأكبر من قوة أعدائهم وعدتهم.. فقالوا بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل..فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء.
الثقة بالله.. تجدهافي ذلك الذي مشى شامخاً معتزاً بدينه.. هامته في السماء.. بين قوم طأطأوا رؤوسهم يخشون كلام الناس.
الثقة بالله.. نعيم بالحياة.. طمأنينة بالنفس.. قرة العين.. أنشودة السعداء.
اللهم ثبت محبتك في قلوبنا.. وقوها ووفقنا لشكرك وذكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.