الأكاديمية العالمية للوعي السياسي

أولا: أثمن مسعى الثلة الواعية من الشباب الطنجاوي، وأُعَلِّم تفكيرهم بعلامة القيادة النبيهة، وأشد على أيديهم، وأنضم إليهم، وأتمنى تجاوز دعوتهم إلى سائر المدن العربية لأنهم قد فتحوا أكاديمية يمكن أن يدخلها كل راغب في الوعي السياسي، ولكن الوعي السياسي وإن كان هاما في نطاق حصره في العرب والناطقين باللسان العربي إلا أنه يتجاوز ذلك إلى الوعي السياسي عالميا وبكل اللغات، ذلك أن الوعي السياسي بحد ذاته هو وعي لا يعترف بجنس أو دين أو جغرافية ولكنه بالنسبة للمسلمين يتميز بكونه يستند إلى وجهة نظر كلية عن الكون بما فيه من إنسان وحياة وعن علاقتهم بما قبلهم وما بعدهم، وهي أصلا توافق الفطرة وتقنع العقل وتملأ القلب بالطمأنينة الشيء الذي جعل لها مصداقية في ذات الإنسان بصرف النظر عن اعترافه وإنكاره، فهو إذا اعتمد غير وجهة النظر التي يقوم عليها الوعي السياسي الذي نقصد لا يسقط في التضليل السياسي فحسب، بل يسقط في التضليل العَقَدي والفكري، ويسقط في التضليل المعرفي والعلمي، والذي يقابله بالوعي السليم الذي يجعل للحقائق شفافية عند النظر إلى الحوادث والوقائع يمنحه القدرة على زعزعة القناعات التي تم تكوينها عند غيره بمغالطات فكرية وعَقَدِية وسياسية، يجعل قدرته في مستوى مخاطبة العقل والمشاعر بشكل يستجيب للفطرة الإنسانية فيجعل منها حافزا ودافعا على ترك جميع المغالطات والتمسك بالحقائق.
ثانيا: لا يقال أن العالم يستحيل أن يكون موحدا نظرا لقاعدة الاختلاف المؤصلة في الإنسانية لأن الإنسان بطبيعته يختلف عن الآخر في عقائده وأفكاره ومفاهيمه وبالتالي يستحيل توحيد الناس وجمعهم على وجهة نظر واحدة، لا يقال ذلك على صحته لأنه يجعل منا أناسا نسابق الزمن من أجل الحصول على السراب، فالأصل فينا أن نعمل على نشر الوعي وسط هذا الخلاف حتى نتمكن من إيصال الناس إلى إدراك الحقائق والتمييز بينها وبين المغالطات حتى وإن خالفونا عَقَدِيا وفكريا، نشرُ الوعي السياسي فيهم يجعلهم يدركون خبث المتنفذين والحكام وأرباب المصالح والمضلين حتى يحدِّدوا موقفهم منهم ومن ألاعيبهم وتضليلهم فنكون قد قدمنا خدمة للإنسان بصرف النظر عن اختلافه معنا، ونكون قد فتحنا بابا واسعا لدعوتهم إلى مبدئنا بما نقدم من خير للناس، وبما يظهر علينا من سلوك لا يتناقض مع أفكارنا ومفاهيمنا.
ولا يقال بهذا الصدد أني بدعوتي إلى إقامة أكاديمية عالمية للوعي السياسي بديلا عن الأكاديمية العربية للوعي السياسي المقترحة من طرف الدكتور الطنجاوي مصطفى أمزير؛ أسرق من غيري ما ليس لي، لا يقال ذلك لأن بناء الفكر على الفكر أساسي في العقلية الإنسانية التي تستفيد من الأفكار والتجارب الإنسانية وتنتفع بها، وأنا قد بنيت تصوُّري على أفكارهم، وأعترف أن السبق لهم، وأن ما اقترحوه لا بد أن يصل إلى ما ذكرت ولكنني أحببت أن أعجل في زمن لا يحتاج إلا إلى العجلة حتى نتحرر وتتحرر معنا أمتنا والعالم أجمع.
والنتيجة أن خلق أكاديمية للوعي السياسي تتجاوز النادي السياسي بطابع العالمية يجعل منها حصنا للناس من التضليل السياسي، ويجعل منها أمانا من السقوط في مكر السياسيين ودجلهم، كما يفرض على القائمين عليها أن يكونوا أمناء يعملون بشفافية تظهر لكل ذي عين، فتكون الأعمال والأقوال الجارية على جوارحهم تستهدف غاية واحدة هي حماية الناس من الضلال السياسي، إلى جانب دعوة العالم إلى التحصين من التضليل العَقَدي والفكري.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
محمد محمد البقاش
طنجة في: 16 يوليوز 2020م