الشعر مادة وصورة وهيئة
عبده فايز الزبيدي
...................
لابد لي من هذه الكلمة ، حتى يفهم عني من يقرأ مشروعي الأدب المقطعي (ASL) .
فبعد تأمل وجدت أن الشعر مادة وصورة وهيئة.
المادة:
مادة الشعر الإيقاع المتتالي المتناسق الذي يشكله توالي الأسباب والأوتاد ، وهذا التوالي بينهما يعبر عنه اصطلاحا بالتفاعيل العروضية ، التي تشكل البحور الشعرية .
الصورة:
لكل بحر صور ،فالكامل _مثلا_ مادته متفاعلن ، ومن صور هذا البحر : الكامل التام و الكامل المجزوء و الكامل المشطور .
وفي كل صورة من تلك الصور ، صور متفرعة عنها .
الهيئة:
وهيئة القصيدة هو شكلها الخارجي ، من طول وقصر و شطر و سطر وتقفية و إرسال بلا قافية ، وهذه الثلاثة أمور _أعني _ الشطر والسطر و القافية هي التي تضبط هيئة النص الشعري والنثري ، والأخير يختص بالأدب المقطعي ( ASL) ،ففيه تتفق هيئة النص الشعري مع النثري ، و يختلفان في المادة .
وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي تفاعيل الشعر كاصطلاح عن ترتيب المتحرك و الساكن في الأسباب والأوتاد ، وضبطا لنغمة البحر.
فقال الطويل وزنه تفعيليا :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
ومن صوره :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
ولكنه حين جاء لهيئة النص ذكر مسألة القافية ، وهذا حس عال في النقد منه .
فالشعر الشطري المقفى ، ذاك الذي به قافية ، وتختلف هيئة النص المقفى ذاته بعدد وتوزيع القوافي فيه ، ولذا عرفنا القصيدة العمودية و الدوبيت والمسمطات والموشحات .
وفي حال غياب القافية يتحول النص لشعر سطري ،كالحال في شعر التفعيلة و الشعر المقطعي .
وإذا عرفنا ما سبق ،أدركنا أن القافية حجر الزاوية في البناء الهيئي الكيفي للنص الشعري ، وتقبلنا تضارب أقوال أهل العلم بالشعر فيها ، قال أبو علي القيسي في إيضاح شواهد الإيضاح : ( واختلف الناس في القافية.
فقال بعضهم: القافية آخر كلمة في البيت، وهذا مذهب الأخفش، قال: وإنما سميت قافية، لأنها تقفو الكلام.
وبعضهم جعل القافية، في كلمتين، قال الأخفش: سألت أعرابياً.. وقد أنشد:
بناتُ وطاءٍ على خدَّ اللَّيلْ
أين القافية؟ فقال: "خذ الليل".
وقال قومٌ: إن القافية هي النصف الأخير من البيت.
وقال آخرون: القافية، البيت بكماله.
وقوم من العرب يجعلون القوافي، القصائد، ويحتجون بقول الشاعر:
نبَّئتُ قافيةً قيلتْ تناشدها ... قومٌ سأتركُ في أعراضهم ندبا
فهذا يعني القصيدة، وبيت الأعشى هذا:
فكيف أنا وانتحالي القوافيَ
أراد: القصائد، لأنه لا يصف نفسه بانتحالي الروي.
وأما الخليل فإنه كان يرى أن القافية هي ما بين آخر حرف [من] البيت إلى أول ساكن يليه، من قبله *، مع المتحرك الذي قبل الساكن، وهو في مثل قوله:
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
فالحرف الأخير الذي هو حرف الروي، وهو "اللام"، و"النون" هو الحرف الساكن، فالحرف الذي قبله، هو "الميم" فكان القافية على مذهب الخليل، هي "من الميم إلى اللام". وقوله:عفتِ الدَّيارُ محلُّها فمقامها،
فالقافية عنده من "القاف" لأن حرف الروي "الميم".)
قلت وقد أحسن إذا ختم تعريف القافية برأي الخليل ، وكأنه يقول وهذا هو الفيصل فيها .
ومن ذكاء الخليل الفراهيدي أنه اعتنى بتحديد القافية، تحديدا يعتمد على ترتيب الساكن والمتحرك ، كما فعل في التفاعيل ، وتحديده لها من الخلف إلى الأمام ، أشعرني أنه يشير بطرف خفي لمسألة المادة والهيئة في الشعر كما ذكرت آنفا.
ولذا وضعت قانون مقطع فايز faiz syllable ، لضبط هيئة الأدب المقطعي ASL، وقلت في تعريفه : من أول متحرك لأول ساكن.
ختاما :
لا يخفى أن عبقري العربية أدرك الفرق بين صورة النص الشعري وهيئته ، فجعل العروض والضرب للتفريق بين صور البحر الشعري الواحد ، وجعل القافية مقياسا لتسمية الهيئة الشعرية كافة ، وإن لم يكن قد شاهد ما أحدثه الأدباء العرب من بعده في هيئةالشعر .
...... ................................................
* وردت في نسخة المكتبة الشاملة الحديثة ج: (١) ، ص:(٣٨٨) : (قلبه ) ،وهو تصحيف.