وتناول طول العمر أى كثرة مدى الغيبة فقال :
"الكلام في الفصل السادس:
تعلق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره، وبقائه على تكامل أدواته منذ ولد على قول الإمامية في سني عشر الستين والمائتين وإلى يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة، وفي حملهم في بقائه وحاله وصفته التي يدعونها له بخلاف حكم العادات، وأنه يدل على فساد معتقدهم فيه
فصل:
والذي تخيله الخصوم هو: فساد قول الإمامية بدعواهم لصاحبهم طول العمر، وتكامل أدواته فيه، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالأمة، على حال الشبيبة، ووفارة العقل والقوة والمعارف بأحوال الدين والدنيا
وإن خرج عما نعهده نحن الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وأمثالهم في الإنسانية وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان ولو لم تجر عادة بذلك جملة لكانت الأدلة على أن الله تعالى قادر على فعل ذلك تبطل توهم المخالفين للحق فساد القول به وتكذبهم في دعواهم وقد أطلق العلماء من أهل الملل وغيرهم أن آدم أبا البشرعمر نحو الألف، لم يتغير له خلق، ولا انتقل من طفولية إلى شبيبة، ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوة إلى عجز، ولا عن علم إلى جهل، وأنه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز وجل إليه
هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من غير بدو وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الانسانية، ولا واسطة في صنعته على اتفاق من ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيناه
والقرآن في ذلك ناطق ببقاء نوح نبي الله في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للإنذار لهم خاصة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بعث نبيا من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجز ولا جهل، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه
وأن الشيب أيضا لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه وهذا ما لا يدفعه إلا الملحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريين، فأما أهل الملل كلها فعلى اتفاق منهم على ما وصفناه
والأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمرين من العرب والعجم والهند، وأصناف البشر أحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم، والمأثور من تفصيل قصاتهم من أهل أعصارهم وخطبهم وأشعارهم، لا يختلف أهل النقل في صحة الأخبار عنهم بما ذكرناه
وصدق الروايات في أعمارهم وأحولهم كما وصفناه وقد أثبت أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بـ الإيضاح في الإمامة، وأخبار كافتهم مجموعة مؤلفة حاصلة في خزائن الملوك وكثير من الرؤساء وكثير من أهل العلم وحوانيت الوراقين، فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه من الجهات المذكورة، يجدها على ما يثلج صدره ويقطع بتأمل أسانيدها في الصحة له عذره، إن شاء الله تعالى
وأنا أثبت من ذكر بعضهم ها هنا جملة تقنع، وإن كان الوقوف على أخبار كافتهم أنجع فيما نؤمه بذكر البعض إن شاء الله
فمنهم:
لقمان بن عاد الكبير وكان أطول الناس عمرا بعد الخضر ، وذكر أنه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، وقيل: إنه وهو غير لقمان الذي عاصر النبي داود ، وكان من بقية عاد الأولى، وكان وفد عاد الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، واعطي من السمع والبصر على قدر ذلك، وله أحاديث كثيرة
عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فرباه، حتى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمرا، فقيل: طال الأمد على لبد
وفيه يقول الأعشى:
لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسر
فعمر حتى خال أن نسوره * خلود وهل تبقى النفوس على الدهر
وقال لأدناهن إذ حل ريشه * هلكت وأهلكت ابن عاد وما تدري
ومنهم:
ربيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يسلم وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:
أصبح مني الشباب قد حسرا * إن ينأ عني فقد ثرى عصرا
والأبيات معروفة وهو الذي يقول أيضا منه:
إذا كان الشتاء فأدفئوني * فإن الشيخ يهدمه الشتاء
وأما حين يذهب كل قر * فسربال خفيف أو رادء
إذا عشا الفتى مأتين عاما * فقد أودى المسرة والفتاء
ومنهم:
المستوغر بن ربيعة بن كعبعاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة
وهو الذي يقول:
ولقد سئمت من الحياة وطولها * وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي * وعمرت من عدد الشهور سنينا
ومنهم:
أكثم بن صيفي الأسدي
عاش ثلاثمائة سنة وثمانين سنة، وكان ممن أدرك النبي صلى الله عليه وآله وآمن به ومات قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحكم وبلاغات وأمثال
وهو القائل:
وإن امرأ قد عاش تسعين حجة * إلى مأة لم يسأم العيش جاهل
خلت مائتان بعد عشر وفائها * وذلك من عدى ليال قلائل وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم أيضا من المعمرين
عاش مائتين وستة وسبعين سنة، ولا ينكر من عقله شيء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمس اليشكري: لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان إلا ليعلما
ومنهم:
ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمر وعاش مائتي سنة وعشرين سنة، فلم يشب قط، وأدرك الاسلام ولم يسلم وروى أبو حاتم و الرياشي، عن العتبي، عن أبيه أنه قال: مات ضبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر صحيح الأسنان
ورثاه ابن عمه قيس بن عدي فقال:
من يأمن الحدثان بعـ * ـد ضبيرة السهمي ماتا
سبقت منيته المشيـ * ـب وكان ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا * من دون أهلكم خفاتا
ومنهم:
دريد بن الصمة الجشمي عاش مائتي سنة، وأدرك الاسلام فلم يسلم، وكان أحد قواد المشركين يوم حنين ومقدمهم، حضر حرب النبي صلى الله عليه وآله فقتل يومئذ ومنهم:محصن بن عتبان بن ظالم الزبيدي عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة ومنهم:عمرو بن حممة الدوسي عاش أربعمائة سنة وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتى كأنني * سليم أفاع ليله غير مودع
فما الموت أفناني ولكن تتابعت * علي سنون من مصيف ومربع
ثلاث مئات قد مررن كواملا * وها أنا هذا أرتجي نيل اربع
ومنهم:الحرث بن مضاض الجرهمي عاش أربعمائة سنة
وهو القائل:
كأن لم يكن بين الحج ونإلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر
وفي غير من ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب والفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدت وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أن من جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان، عاش الفي سنة وخمسمائة سنة لم نتعرض لشرح أخبارهم، لظهور ما قصصته من أمر العرب من أعمارهم على ما تدعيه الفرس، ولقرب عهدها منا وبعد عهد أولئك، وثبوت أخبار معمري العرب في صحف أهل الإسلام وعند علمائهم وقد أسلفت القول بأن المنكر لتطاول الأعمار إنما هم طائفة من المنجمين وجماعة من الملحدين، فأما أهل الكتب والملل فلا يختلفون في صحة ذلك وثبوته
فلو لم يكن من جملة المعمرين إلا من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي ، وأكثر أهل العلم يقولون: بأنه رآى المسيح، وأدرك النبي (ص) وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في المدائن، ويقال: إنه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصح"

الرجل هنا يقول أن عمر المهدى قد يكون طويلا وذكر أمثلة كثيرة من ألمم المختلفة وبعضهم أمثلة كانت لأنبياء كآدم(ص) ونوح(ص) ولا يجوز الاستشهاد بأى إنسان قبل البعثة نظرا لوجود اختلاف فى سنن الحياة قبل بعثة محمد (ص) بما بعده وإذا كان الكتاب يتحدث عن غيبته قرن أو أكثر فقد مرت أكثر من عشرة قرون على الغيبة ومات أعداء المهدى العباسيين والأمويين ولم يعد لأى منهم سلطة ومع هذا لم يظهر المهدى
ولوعاد المفيد لكتب الأخبار أى الحديث الشيعية لوجد حديث يقول أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين ومن ثم طبقا للرواية فلابد أن يكون قد مات منذ زمن بعيد
ثم تحدث عن ابطال حجة وجود المهدى بعدم اقامة الشرع فقال :
"الكلام في الفصل السابع

فأما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الإمام على الوجه الذي تعتقده الإمامية ـ فلم يظهر له شخص، ولا تولى إقامة حد، ولا إنقاذ حكم، ولا دعوة إلى حق، ولا جهاد العدو ـ بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع والملة، وكان وجوده في العالم كعدمه
فصل:
فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له، وتكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمة، وتمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره كافة رعيته ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء (ص) تظهر نايبا عنهم والمقرين بحقهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم (كذا) ومستقرهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضا نايبا عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولاها أمراء الأئمة وعمالهم دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء (ص) وولاتهم ولا يخرجونهم إلى تولى ذلك بأنفسهم، وكذلك القول في الجهاد، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم، ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه (آدابه) فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الإستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه وهذا بين لمن تدبره وشيء آخر، وهو: أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز أسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه فلوا أماته الله تعالى وأعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع ما يرفع الصلاح فوضح بذلك الفرق بين موت الإمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات"

بالقطع حجة ساقطة فلا الإمام أقام الدين ولا نوابه فى حالة استتاره وما زال الكفار يحكمون بلاد الأرض قاطبة بغير شرع الله ثم أين الحق الذى أوصله نوابه والدين ما زال فيه الخلاف فيه حتى بين الشيعة أنفسهم فمنهم من يعترف به ومنهم من لا يعترف به
ثم ما الحاجة أساسا له وللأئمة والله تعهد بحفظ دينه فقال " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "؟
فالإمام يكون موجودا إذا كان دين الله غير محفوظ فهو يبين عن طريق الوحى الدين الصحيح بعد أن حرفه البشر
ثم تحدث عن الفرق التى لديها غيبة فى أصحابها فقال :
"الكلام في الفصل الثامن
فأما قول المخالفين: إنا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا السبائية في قولهم: إن أمير المؤمنين لم يقتل وأنه حي موجود، وقول الكيسانية: في محمد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أن الصادق جعفر بن محمد لم يمت، وقول الممطورة: في موسى بن جعفر أنه لم يمت وأنه حي إلى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيلية وأسلافها: أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم يمت، وقول بعضهم: مثل ذلك في محمد بن إسماعيل، وقول الزيدية: مثل ذلك فيمن قتل من أئمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر المقتول بشاهي وإذا كانت هذه الأقاويل باطلة عند الإمامية، وقولها في غيبة صاحبها نظيرها، فقد بطلت أيضا ووضح فسادها
فصل:
فإنا نقول: إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق وظنوه نظيرا لمقالهم: وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان، وشهد به أئمة قاموا بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت إمامة من تقدمهم، والانكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة، فبطلت الشبهة فيه ما بيناه ليس كذلك قول الإمامية في دعوى وجود صاحبهم ، لأن دعوى وجود صاحبهم لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية أو وجود إمامها وغيبته
فأي نسبة بين الأمرين، لولا التحريف في الكلام، والعمل على أول خاطر يخطر للإنسان من غير فكر فيه ولا إثبات
فصل:
ونحن فلم ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الإدراك بالحواس ولأن في جملة من ذكروه من لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى له الغيبة والاستتار ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين إلى الإمامية والزيدية ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه"

المفيد هنا يدافع عن غيبة صاحبه وينكر دفاع القوم عن غيبة أصحابهم مع أن معظم الفرق إن لم يكن كلها القائلة بالغيبة كلها شيعية ولكن كل واحد منهم يدعى غائبا مختلفا والغريب أن الكثير من الغائبين لهم نفس الحجة وهى أنه إمام بن إمام وكان لديه نفس الحكاية وهو الخوف عليه من الأعداء
و حكاية الغيبة لا يقول بها إلا كل مستفيد من الغيبة بمعنى أن النواب استحلوا الخمس لأنفسهم وكدسوا الأموال عندهم كما ضمنوا بحكاية النيابة التى لم يشهد عليها أحد سوى النواب المزعومين طاعة الشيعة لهم باعتبارهم المعروفين وهذا ما حدث فى أثناء وجود موسى(ص) فى الميقات حيث استغل السامرى طول فترة الميقات عن الثلاثين يوما ليستولى على الذهب مع بنى لإسرائيل فيصنع ببعض منه العجل ويستفيد ببقية الذهب وأيضا بكونه كاهن العجل الذى يتولى النذور والقرابين وما شابه هذا من المنافع التى تصب عنده
هذا هو الهدف من اختراع الغيبة
وتحدث عن تناقض المذهب الإمامى باختفاء الإمام مع وجوده الخفى المزعوم فقال :
"وأما الكلام في الفصل التاسع وهو قول الخصوم: إن الإمامية تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة، وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من البلاد والعباد وقولهم مع ذلك: إن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق وسوغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء
فصل:
وأقول: إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادها، بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغير آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده وأحبته وأهله وعبيده وحشمه بما يكسبهم المعرفة والآداب، ويحثهم على الأعمال الحسنات، ليستثمروا بذلك المدح وحسن الثناء والإعظام من كل أحد والإكرام، ويمكنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال، لتتصل مسارهم بذلك، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات، وذلك هو الأصلح لهم، مع توفرهم على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجد فيه، أداموا لهم ما يتمكنون به منه، وسهلوا عليهم سبيله، وكان ذلك هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبوه منهم وأبروه لهم وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم قطع مواد السعة عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإهانة والعقاب وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضاد في صواب التدبير والاستصلاح وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات، ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة، ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام فان تمسكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهل عليهم سبيله، ويسره لهم وإن خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، وتغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب قطع مواد التوفيق عنهم، وحسن منه وذمهم وحربهم، ووجب عليهم به العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد
فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق"

فى رد المفيد" وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات" عدم لمقولة المهدوية فما دامت العقول كاملة فما هى الحاجة للمهدى ؟
إنما يحتاج الناقص للكمال او بتعبير العهد الجديد المرضى من يحتاجون للعلاج والجملة هى "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى لم أت لأدعوا أبرارا بل خاطئين"
المفيد فى الرد يقول ان الإمام علمهم من بعيد ثم تركهم لينفذوا تعليمه مثل الحكيم الذى علم أهل بيته وسبب لهم أسباب السعادة ثم تركهم وهو كلام ما زال يخالف الواقع فالنواب نهبة المال لم يسعدوا تلك الرعية وزادوا الخلافات بينها لأن كل واحد يقول على هواه ومن ثم وجد اختلاف الآراء داخل المذهب الإمامى وغيره فى المسائل المختلفة بعد الغيبة ولو كان المعلم واحد فلن يكون هناك اختلاف فى التعليم
وأكمل المفيد رده فقال:

"فصل:
ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد والإيمان برسله (ص) لمصلحتهم، وأنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال، وكان في تغير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحا منهم ومفسدة يستحقون به العقاب الأليم وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد، فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكف عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الأئمة وتدبيرهم إياهم متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم هو المسبب له بإفساده وسوء اعتقاده ولم يمنع كون الصلاح باستتاره وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وكون ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنه الأصل الذي أجرى بخلق العباد إليه وكلفوا من أجله حسبما ذكرناه"
المفيد يقول أن مصلحة الرعية ان تكفر كفرا ظاهرا إذا خافت على معتقدها وحتى الأئمة إن خافوا من قتلهم من مصلحتهم الكفر الظاهر وهو كلام يتعارض مع إبلاغ الرسالة كما قال تعالى "الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله"
فالإمام ليس كالرعية حتى يخاف على دمه ولو كانت هذه الحجة لتوجب على كل الرسل (ص) ألا يلبفوا الرسالة لأحد لأن لديهم حجتهم وهى الخوف من القتل ولكن الحادث كان هو أن أبلغوا الرسالة فمنهم من قتل شهيدا بسبب الإبلاغ كما قال تعالى" أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون"
ثم بين أن تسليم أهل المذهب بالتناقض يحدث من العميان فقط فقال :
"فصل:
فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أن مذهب الإمامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقض، حسبما ظنوه في ذلك وتخيلوه، لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإمامة، ولا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به: وذلك أنهم بين رجلين: أحدهما: يوجب الإمامة عقلا وسمعا، وهم البغداديون والمعنى: أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة الإمام هو الأصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله
المعتزلة وكثير من المرجئة والآخر: يعتقد وجوبها سمعا وينكر أن تكون العقول توجبها، وهم البصريون من المعتزلة وجماعة المجبرة وجمهور الزيدية وكلهم وإن خالف الإمامية في وجوب النص على الأئمة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنهم يقولون: إن وجوب اختيار الأئمة إنما هو لمصالح الخلق، والبغداديون من المعتزلة خاصة يزعمون أنه الأصلح في الدين والدنيا معا، ويعترفون بأن وقوع الاختيار وثبوت الإمامة هو المصلحة العامة، لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين إليهم العقد والنهوض بالدعوة في سعة من ترك ذلك وفي غير حرج من الكف عنه، وأن تركهم له حينئذ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى لهم التقية في العدول عنه هو الأولى في الحكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الإمامية: في ظهور الإمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان، والإعراض عن ذلك للضرورة إليه، والإمساك عن الذكر له باللسان فيكف خفي الأمر فيه على الجهال من خصومنا، حتى ظنوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضاد، وهو قولهم بعينه على السواء، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان"

المفيد بعد أن أنكر على بعض المعارضين كلامهم فى الغيبة عاد واعترف بصحة رأيهم فى اثبات الإمام والتقية فى امره إن خيف من إعلانه
وتناول فى الفصل الأخير الرد على قول المعارضين أن المهدى المزعوم لا احد يعرفه لأنه من يوم ولادته وهو غائب وقد كبر وتغير منظره ومات من حوله فكيف يعرفه الناس وهم لم يشاهدوه فقال:
" الكلام في الفصل العاشر:
فأما قول الخصوم: إنه إذا كان الإمام غائبا منذ ولد وإلى أن يظهر داعيا إلى الله تعالى، ولم يكن رآه على قول أصحابه أحد إلا من مات قبل ظهوره، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته وإذا لم يكن الله تعالى يظهر الأعلام والمعجزات على يده ليدل بها على أنه الإمام المنتظر، دون من ادعى مقامه في ذلك النبوة له، إذ كانت المعجزات دلائل النبوة والوحي والرسالة، وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الأمة كلها أنه لا نبي بعد نبينا (ص)
فصل:
فإنا نقول: إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الامام المنتظر بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته: منها:
خروج السفياني، وظهور الدجال، وقتل رجل من ولد الحسن بن علي يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان، وخسف بالبيداء وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي (ص) بأكثر هذه العلامات، وأنها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات، وهذا بعينه معجز يظهر على يده، يبرهن به عن صحة نسبه ودعواه"

المفيد يقول أن الروايات بينت علامات ما قبل المهدى مثل خروج السفياني، وظهور الدجال، وقتل رجل من ولد الحسن بن علي يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان، وخسف بالبيداء
حتى لو سلمنا بهذه التخاريف فتلك العلامات حدثت اكثر من مرة فكم من سفيانى خرج وأقام دولة فى كتب التاريخ وكم من دجالين ظهروا وكم من رجال من ولد الحسن خرجوا وقتلوا وكم من خسوفات حدثت بالصحارى ومع هذا لم يخرج المهدى المزعوم مع أن عدد المهديين الذين أعلنوا المهدوية وقتلوا أو سجنوا أو تراجعوا عن الادعاء يعدون بالعشرات والمئات فى كتب التاريخ
تلك العلامات وضعها النواب حتى يأكلوا مال الناس عبر العصور باسم رجل لا وجود له وهذا الرجل وصفه أن يهدم دول الكفر ويقيم دولة العدل ورجل بهذه الصفة يقدر على الخروج فى أى وقت لو كان له وجود لأنه مؤيد كما يقولون بآيات الله ومع هذا لم يخرج لأنه مجرد خرافة لكى تظل دول الكفر موجود ويظل الكافرون يحكمون بلاد الأرض بكفرهم حتى يأتى الرجل الذى لا يأتى لأنه ليس له وجود ولكنه خرافة وضعها الكفار الذين هدموا دولة العدل الأخيرة فى معظم الأديان إلا لم يكن كلها حتى يظل الناس مستسلمين للمجرمين الذين يحكمونهم
وبقول المفيد أن ألائمة لهم آيات معجزات حالا يصدقهم الناس فيقول:
"فصل:
مع أن ظهور الآيات على الأئمة لا توجب لهم الحكم بالنبوة، لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم، لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل فإن دعا إلى اعتقاد نبوتهم كانت دليلا على صدقه في دعوته، وإن دعا الإمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهانا له في صدقه في ذلك، وإن دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوة نبي أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبي أو إمام كان المعجزة على صحة دعواه وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه، وإن كان مختصا بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الآثام، وذلك مما يصح اشتراك أصحابه مع الأنبياء (ص) في صحيح النظر والاعتبار وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم ابنة عمران، الآية الباهرة برزقها من السماء، وهو خرق للعادة وعلم باهر من أعلام النبوة فقال جل من قائل: (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء)ولم يكن لمريم نبوة ولا رسالة، لكنها كانت من عباد الله الصالحين المعصومين من الزلات وأخبر سبحانه أنه أوحي إلى أم موسى: (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)والوحي معجز من جملة معجزات الأنبياء (ص) ولم تكن أم موسى عليها السلام نبية ولا رسولة، بل كانت من عباد الله البررة الأتقياء فما الذي ينكر من إظهار علم يدل على عين الإمام ليتميز به عمن سواه، ولولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم الشبهات المضمحلات"
بداية فى عهد النبى(ص) منع الله الآيات وهى المعجزات بسبب أن الأقوام قبله كذبت بها ومن ثم لا يمكن أن توجد معجزة لإمام أيا كان لقوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثانيا أن الله لم يعط مريم رزقا من السماء ومن يراجع الاية لن يجد فيها اللفظ لا صراحة ولا تلميحا" كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"
ثالثا نزول وحى على بعض النساء هو لأسباب محددة وهو لا يتكرر لأنه متعلق بحدث مستقبلى فسبب الوحى لأم موسى(ص) هو أن يحقق الله الوحى الذى قاله من قبل عن رسولية الوليد فى قوله تعالى "وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"
وتحقق هلاك فرعون ومن معه والذى حاولوه منعه بشتى الطرق ما عدا الطريقة الوحيدة التى تنجيهم وهى توقفهم عن الظلم وإسلامهم كما قال تعالى "ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون"
والأئمة المزعومون لا حاجة للناس بهم لأن الدين محفوظ ومن يؤمن به هو من يقيمه والغريب أن الأئمة الإثنا عشر المزعومين لم يتسن لأى واحد منهم ان يكون إماما حقيقيا سوى واحد بضع سنين وبقية عمره قضاه حسب التاريخ فى صراعات وبقيتهم لم يحكموا بلادا ولم يقيموا دين الله فى التاريخ المعروف وإنما كانوا رعية لغيرهم