الترفيل في مجزوء الكامل بين العروض وذائقة الشعراء

نشر الشاعر حاتم السقاف قصيدة (شوقي فتى وهواي كهل) وقد سبق نشرها حديث بيني وبينه عن الوزن وإجازته, فأجبته بأن الوزن هو من مجزوء الكامل بضرب مرفل أما الأعاريض فتأتي مرفلة في التصريع ثم سالمة بدون ترفيل بعد التصريع وهذا ما تنص عليه مراجع العروض.
لكنه أجابني لاحقا أنه استساغ الوزن المرفل في الأعاريض أيضا ولم أخطئه في ذلك.
وجهة نظري ومنذ فترة أن العروض لا تصنع الشعر وإنما الشعر هو الذي ينتج العروض, بمعنى آخر لا يمكن أن نقول لشاعر أنه أخطأ إن استساغ وزنا معينا ولابد لنا من إيجاد السند العروضي له إن كان أسلوب البناء الشعري يتطابق مع القواعد الأساسية , كما أنني مع فكرة أن الشعراء المعاصرين ليسوا مطالبين بالجمود والتقليد الأعمى لذائقة الشعراء قبل عشرات القرون, وليس كما يدعو بعضهم أن الشاعر يجب أن يقلد تقليدا أعمى.
ذائقة الشعراء وما يستسيغونه الآن ليس بالضرورة أن تتطابق مع ذائقة الشعراء الأقدمين, فالذائقة الشعرية تتطور حتما وفق التطور الحاصل في بيئتها ومؤثراتها العصرية بشرط المحافظة على الأسس والقواعد الهندسية في بناء البيت الشعري.
قصيدة الشاعر حاتم السقاف
شوقي فتًى وهواي كَهْلُ
فتخاصما شيخٌ وطفل
ضِدّانِ في قلبِ المعنّى
فهما بهِ هجرٌ ووصلُ
الشوقُ ملّ من اصطباري
وشكا إلى من لا يملُّ
أتقول لي يا حب صبرا
والصبرُ عندُ الضيمِ ذُلُ
نهَبَ الحنينُ متاعَ قلبي
قُلْ, هل ترى نهبي يحلّ
تهوى التّمَسُكَ وَهْوَ صَعْبٌ
تأبى التخليَ وَهْوَ سَهْلُ
زالَ الحبيبُ وكان ظلا
فإلى متى لا تستظلُ
ثُرْ, إنني أُرْهِقتُ قهرا
وطفحتُ مِنْهُ سأستقلُ
في الناس أبدالٌ وفيهم
عن كُلّ ما يُعْييكَ حَلُّ
***
يا شوقُ أنتَ وَلِيدُ وصلٍ
وكذاك بعدُ الهجرِ وصلُ
دُنياكَ شيءٌ من عذابٍ
حتّى الغيابُ بها يعلُّ
إن كنتَ تجفو من تجافى
يوما ...فلن يُرضيكَ خِلُّ
*******
كما نلاحظ أن الوزن :
متفاعلن متفاعلاتن * متفاعلن متفاعلاتن
أي أن الأعاريض والضروب جاءت مرفلة بزيادة سبب عليها في مجزوء الكامل.
بينما قواعد العروض تقول أن الترفيل يأتي في الضروب فقط وتأتي الأعاريض مرفلة في التصريع وتخلو الأعاريض بعد التصريع من الترفيل.
ولو نلاحظ أن هناك فرقا سيكون في الإيقاع بين بيت التصريع وما بعده, إضافة للفارق في الإيقاع بين الشطر الأول غير المرفل والشطر المرفل بسبب زيادة سبب في الضرب.
ومن الجدير بالذكر أن العروض هي ناتجة عما كان يقوله الشعراء العرب قبل ظهورها لكنها ليست دستورا لا يمكن التطوير به.
أبو العتاهية قال بيتين من الشعر مرة وقيل له أنهما لا يخرجان من العروض فأجاب " إنني أكبر من العروض" , وهذا يسجل رأيا له, وأنا صغته بأسلوب ثان وهو أن الشعر هو من ينتج العروض وليس العكس.
والنابغة الذبياني أنشد مرة :
جزى اللهُ عبسًا عبسَ آلِ بُغيضٍ * جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وقد فعلْ
فعولن مفاعيلن فعول فعولن * فعولن مفاعيلن فعول مفاعلن
وهو من الطويل لكن النابغة جاء بعروضة فعولن فهل نقول أن النابغة أخطأ, أم فتح للعروض بابا جديدا باعتماد عروضة فعولن والتي يمكن أن تأتي أيضا حين يكون الضرب فعولن. وقد أجاز الأخفش هذا وقارنه بالمتقارب ومجيء فعل أو فعول مع الضرب فعولن.
وهذا أيضا يطرح موضوعا آخر وهو عندما يكون الضرب في الطويل فعولن فلماذا لا تكون العروضة فعولن أيضا كما هو جائز في التصريع بدل مفاعلن.
أما في الكامل فقد أنشد الربيع بن زياد العبسي من الكامل :
أفبعدَ مقتلِ مالكِ بنِ زُهيرٍ * ترجو النِّساءُ عواقبَ الأطهارِ
متفاعلن متفاعلن فعلاتن * مستفعلن متفاعلن مفعولن
وكما نرى العروضة فعلاتن مع الضرب المقطوع المضمر مفعولن والذي هو أصلا فعلاتن, بينما لم يأت في العروض أن يكون الضرب مقطوعا إلا في التصريع وهذا أيضا يفتح للشعراء بابا لاعتماد العروضة المقطوعة في الكامل حين يكون الضرب مقطوعا.
وأمثلة أخرى لا مجال لذكرها الآن.
تم وضع المطلع في لوحة تقطيع عروضي وكما يبين المخطط وهو الذي ينطبق على كافة أبيات القصيدة , ويظهر تناسق الشطرين بالمقارنة مع ما كان يفترض أن تكون عليه الأعاريض غير مرفلة بعد المطلع المصرع كما هو واضح في اللوحة الثانية.
ويمكن المقارنة بين المخططين , علما بأن اللون الأحمر في اللوحة الأولى يبين مواقع زحاف الإضمار التي اعتمدها الشاعر في المطلع.
وأقدم اللوحتين هدية مني ومن رابطة الواحة الثقافية للشاعر القدير حاتم السقاف .
وآمل أن تروق له ولكم...
كما وأطرح موضوع الوزن وترفيل الأعاريض للنقاش وحبذا لو أدلى شعراؤنا برأيهم, وأيضا ما ورد في الطويل والكامل التام.

تحياتي وتقديري

وللإطلاع على المخططات يمكن فتح الرابط التالي :

https://web.facebook.com/groups/rabi...2051385203297/