أحدث المشاركات

سألوني: لمَ لم أرثِ أبى ؟» بقلم هشام النجار » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: غلام الله بن صالح »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: غلام الله بن صالح »»»»» مختارات في حب اليمن» بقلم محمد نعمان الحكيمي » آخر مشاركة: أسيل أحمد »»»»» نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قراءة تحليلية لقصة "المسالك" للمبدع، عباس العكري/ البحرين

  1. #1
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,366
    المواضيع : 199
    الردود : 2366
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي قراءة تحليلية لقصة "المسالك" للمبدع، عباس العكري/ البحرين

    9 ـــ قصة : المسالك / عباس علي العكري – البحرين
    قراءة تحليلية لقصة "المسالك" للمبدع، عباس العكري/ البحرين
    تحت عنوان: البنية المضمرة بين الصيغة الفعلية وتتابع الحالات والأحوال
    القصة
    يسير حافيا بروية، ثم ينتعل حذاء غيره؛ ليركض بسرعة فرحا! ينحرف حينها عن مساره..
    فيتعثر ويرتج دماغه...
    1 ـــ دلالة العنوان
    جاء العنوان على صيغة الجمع، ومفتوحا على عدة دلالات. فكلمة "المسلك "تأخذ معناها حسب استعمالها في الجملة، والسياق هو الذي يحدد معناها. فالعنوان يمثل عتبة للنص، وما أن يتخطى القارئ العتبة يجد نفسه أمام جسد النص. فيتساءل: ما نوع المسالك التي يتحدث عنها النص؟ ولماذا اختار الكاتب عنوان "المسالك" جمعا، بدل "المسلك" كمفرد؟
    قد تتشعب المسالك وقد تتداخل، فالمسلك هو الطريق، والتصرف، وطرق كل السبل، والدخول إلى المكان، والنفاذ إليه، والنهج.. فقالوا: كُلٌّ وَمَسْلَكُهُ، أي كُلٌّ وَطَرِيقُهُ، ونَهْجُهُ.
    2 ــــ تحليل خطاب النص
    اـــ يسير حافيا بروية،/ دون أن يقدم السارد الشخصية للقارئ، ودون أن يطلعه على ملامحها الخارجية، سوى ملمح واحد نصت عليه كلمة "حافيا". مما يدفع بالقارئ إلى الاستغراب والتشويق، والتساؤل. ما سر هذا الرجل الذي يسير حافيا؟ لماذا؟ أهو لا يملك حذاء؟ هل ضاع منه حذاؤه؟ هل يعاني من عيب في رجليه؟ كل هذه الأسئلة هي تأويلات وتوقعات، قد يعززها القارئ لما يلج إلى النص، أو يتخلى عن بعضها. فشخصية القصة تبقى مجهولة نكرة، بدون هوية تحددها، هي كشيء، كرقم، قد تكون حقيقية أو متخيلة، وهي الفاعل في تشخيص الحدث /السير بدون حذاء على مهل/ كصورة، أو كلقطة، أو لوحة.
    فالسارد يتابع، ويرصد، وينقل مشهد الشخصية من زاوية رؤية معينة، فشخصية القصة تتحرك في فضاء قابل للرؤية. فالمسافة المكانية التي تفصل بين الشخصية والسارد مسافة قصيرة. فعمل على نقل صورة الحدث باختزال شديد للقارئ حتى تستقر في ذهنه، فتتحرك عاطفته، ويعلن عن موقفه من المشهد. فلم نجد تفصيلات ولا جزئيات تتصل بالزمان والمكان. لأن هدف الكاتب هو أن يؤسس وحدة الحدث بكل العناصر المكونة له.
    فالسارد رسم الصورة بلغة يسيرة، لكنها ممتلئة بالدلالات التي تدفع القارئ ليبحث عن الغامض والمغيب من معاني محتملة. كيف يمشي الإنسان حافيا في عصر التقدم والحضارة؟ أهي عودة إلى الحياة البدائية؟ أهو الفقر؟ أهو التقدم في السن؟ أهناك دمل في رجليه لا تسمح له بارتداء الحذاء؟... كل هذه الأسئلة مغيبة كفجوة داخل هذه الجملة القصيرة، وهي محفزة للقارئ كقوة فاعلة لها طابع التوتر والانفعال.
    يقول الدكتور رشيد بنحدو:"على القارئ أن يرتبط بالنص المقروء،.... وأن ينجذب إلى الأمام على امتداد النص بفعل قوة خفية لها طابع التوتر، وكلما تقدم في القراءة استنزف النص، وفي استنزافه تكمن اللذة"(1)
    ب ـــ ثم ينتعل حذاء غيره؛/ بدأ زمن آخر للحدث، يتجسد في فعل "ينتعل" والربط تم بين زمن السير بالحفاء، وهو المشي بدون خف أو نعل، وزمن انتعال الحذاء بحرف العطف" ثم" التي تشير إلى الترتيب مع التراخي؛ مع مهلة زمنية بينهما.
    وهنا قد تبرز حيرة للقارئ في تأويل دلالة الجملة، فكلمة "غيره" قد تخلق للقارئ توترا من ناحية الشكل، "غيره" بكسر الراء، أو "غيره" بفتح الراء. فالأولى تعني أن هذا الحذاء هو لشخص آخر، لمن يكون هذا الحذاء؟ أهو من المسروقات؟ أم عثر عليه أثناء سيره؟. وإذا كان الكاتب يريد المعنى الثاني، فإن الحذاء كان بحوزة هذه الشخصية، فتصنع الحفاء لقصد يوجد في نفسه. اللهم إن كان أحمق أو متشردا، ولكن الغالب في تأويل المعنى المراد، هو أن الحذاء كان لغيره، أي كان يمتلكه شخص أخر.
    فالكاتب ركز على القضية المحورية، فجعلها تتجلى في قضية تنقل الشخصية بين "الحفاء والانتعال" سلوك له مبررات ودواعي، فالكاتب له إلمام بجزئيات الحدث، وتفصيلات مغيبة عن القارئ. فسكت عن ذلك. فلم يفسر، ولم يشرح تجنبا للملل، وإبعاد الإضافات اللغوية الزائدة. فالكاتب واع بفن القص القصير والوجيز ومكوناته. فعمل على التشويق وإثارة فضول القارئ، وجره لمناقشة الكاتب.
    ج ـــ ليركض بسرعة فرحا!/ لنتأمل فعل "يركض" المقترن بلام التعليل، ويكون المصدر المؤول من أن المضمرة والفعل. فاستعمال "لام التعليل" ساعد على بناء حالة منقطعة عن زمن انتعال الحذاء الذي لم يستغرق مدة طويلة. فبدا مشهد الركض منفصلا عن مشهد "السير بالحفاء بروية"، يفصل بينهما زمن التوقف لانتعال الحذاء. والمفارقة الغريبة تتجلى في بداية القصة ووسطها، مفارقة تتجلى بين زمن التروي وزمن السرعة، فبين الزمنين، حدثت فجوة لم يتحدث عنها الكاتب، حتى يدخل القارئ في جدلية التأويل مرة أخرى. فحصول البطل على الحذاء كان مفاجأة. من أين أتى بهذا الحذاء؟ هل البطل سارق للأحذية من المساجد؟ هل أهدي له من أحد المارة؟ أم سرقه من رجل مخمور؟...

    جاءت كلمة " فرحا! " تحمل نوعا من انفراج أزمة البطل. فرح موسوم بعلامة التعجب التي تدل على الانفعال والتوتر والتحول النفسي والعاطفي. فالاستغراب يدفع القارئ للتساؤل: أهو انفراج مبني على مسلك مشروع؟ أم على مسلك منحرف؟ وبذلك يحس القارئ بالاستفزاز بعدما يختلط عليه تنافر المسالك واختلافها: مسلك السرقة، ومسلك التبرع والإهداء، ومسلك العثور على الحذاء في الطريق.

    فكلما بحث القارئ في الجزئيات والهوامش، والفجوات الخفية، كلما تولدت لذة انتشاء، وهو يتنقل بمخيلته بين المشاهد المترابطة فيما بينها، كلوحة شاملة تساعد على رؤية كل مشهد على حذا، ثم يعمل على تجميع تلك المشاهد الخاطفة، كوحدة ضامة لكل العناصر المكونة للقصة. فينساق القارئ بعاطفته مع موقف الشخصية، إما يؤيدها، أو يشجب سلوكها.

    د ـــ ينحرف حينها عن مساره.. / ففي الوقت الذي كان يركض وهو فرح، انحرف عن مساره بزمن قصير، فأي مسار انحرف عنه هذا البطل؟ فقد تغير المسلك الأول، ودخل البطل في مسلك جديد، فلم يعد يسير على خط المسلك الأول، ولم يعد المسلك ممتدا. هناك تحول على مستوى الصورة التي تكمن في تغيير البطل المسلك القديم بمسلك جديد. فتغيير المسلك جاء بعد انتعال الحذاء. فما هو السبب لتغيير خط الركض نحو اتجاه آخر. أهو الفرح بالفوز والحصول على الحذاء؟ أهو الخوف من القبض عليه؟ أهو مداراة لمحو أثره؟
    ه ـــ فيتعثر ويرتج دماغه.../ فيتعثر/ الفاء: هنا تدل على الترتيب مع التعقيب، فالتعثر جاء بعد الركض، لكن من دون مهلة زمنية، فتولدت حالة ارتجاج الدماغ. فهناك تتابع واتصال بين حالة التعثر وارتجاج الدماغ. فالفعل "يتعثر" و" يرتج" لهما أهمية وفاعلية في بناء الخبر،/خبر التعثر/ وخبر ارتجاج الدماغ/. فالوظيفة الأساسية للغة هي الإخبار. فاختار الكاتب الفعل المضارع، ليؤكد أن الحدث وقع في الحاضر، وقد يستمر في المستقبل. فحدث الركض، والتعثر، وارتجاج الدماغ، أحداث وقعت في الماضي، ولكن الكاتب استعمل الفعل المضارع، كأنه يعيد وقوع الحدث وهو مشخص أمام القارئ. فهناك فصل زمني بين وقوع الأحداث وزمن حكي الخبر. ولو قال السارد:" فتعثر وارتج دماغه.../ فقد تدل الجملة على أن الأحداث وقعت في الماضي.
    يقول الباحث: محمد دلوم :" والسؤال المطروح هو: أيّ الأنواع أصلح وأقوى في بناء الخبر؟ والجواب أنّ أحداث الماضي هي الأصلح، والأقوى في بناء الخبر،لأنّ الأصل في الخبر أنّه حدث مضى، أما المضارع، فدلالته متغيّرة، غير ثابتة، بالنسبة للدلالة الزمنية، يدلّ على الحاضر والمستقبل، وبالنسبة للوظيفة اللغوية، أو الغاية من إدراجه، هي الإخبار وعدم الإخبار. (2)
    و ــ استنتاج
    النص ضم خمسة أفعال مضارعة / يسير/ ينتعل / يركض/ ينحرف/ يتعثر / يرتج/ فوظيفة هذه الأفعال تدل على حدوث الفعل في الزمن الحاضر، وأن أحداث /السير/ والانتعال/ والركض/و الانحراف/والتعثر/ والارتجاج/ لم تقع. فالسارد أراد أن يخبر بوقوعها في المستقبل. فالقارئ يوجد في خضم الأحداث التي تعتمد على عنصر التحول والانتقال من صورة إلى أخرى، صور يتم تعديلها وتشكيلها وفق مواقف تضم نقط ضعف مستمرة. فالبطل انطلق من حالة بدئية شملتها نقطة ضعف /الحفاء/ وانتهى بنقطة ضعف أقوى وأشد /التعثر والارتجاج، وربما الإغماء.
    فقد تعددت مسالك البطل. السير بقدمين حافيتين/الروية في المشي/انتعال الحذاء/ الركض بسرعة/ الانحراف عن المسار/ التعثر/ ارتجاج الدماغ/ . مسالك تشكلت في مشاهد متسلسلة، تشكل وحدة درامية، فنية وتخييلية، غير قابلة للتجزيء، ولكنها قابلة لوضعها تحت مجهر التحليل والتفكيك، للكشف عن العناصر المكونة لوحدة النص، وإعادة بنائها من جديد.
    قصة "المسالك" تروي خبرا عن شخص ما، جعله السارد في حركة دائمة، يتحرك، يتعامل مع كل موقف، يشخص الحدث بتلقائية. شخص غير ثابت، يصنع حيوات متسلسلة، ومشاهد حية قريبة من رؤية المتلقي وتخيله، حتى يصل إلى نهاية ما. ولقد أخفى الكاتب نهاية القصة عن المتلقي، ليفاجئه بنهاية لم تخطر على باله. تاركا للقارئ أن يستكمل ما هو ناقص. فالكاتب لم يصرح بالأسباب التي جعلت البطل يتعثر ويرتج دماغه. أهي حالة ناتجة عن سرعة الركض؟ أم الخوف الشديد من الملاحقة؟ أم أن الحذاء ليس على مقاسه؟ أم هي سقطة ناتجة عن خلل في الجسم؟
    فالكاتب ركز على سمات درامية من بداية القصة إلى نهايتها ، تطفح بالحركة والتوتر والانفعال داخل كل مسلك اتخذه البطل. فرغم أن بوابة العنوان "المسالك" تشير إلى تشعب الحدث إلى أحداث غير متوقعة، فهي تبقى كفكرة عميقة موحدة، تتنامي مع كل حركة يقوم بها البطل، حتى وصل إلى نهاية تتوقف فيها الحركة./ التعثر وارتجاج الدماغ/.
    فهل كل قارئ كان يتوقع هذه النهاية؟ فالنهاية لم تكتمل، فهي توجد بعد حادثة السقوط. فهل مات البطل؟ هل فقد الوعي؟ هل حملته سيارة الإسعاف للمستشفى؟ هل تجمع الناس فوق رأسه؟ هل ساعده أحد على الاستيقاظ؟ هل كان مخمورا؟ وهل كان يتناول المخدرات؟ من خلال هذه الأسئلة، تبقى نهاية قصة "المسالك " غير متوقفة في ارتجاج الدماغ والسقوط.
    يقول وليد أبو بكر" وتعدّ جماليات صدمة القارئ من أهم محفزات الانفعال والإقبال على قراءة القصة القصيرة جدا… بدءا من العنوان الذي ينبغي أن يكون إشكاليا وصادما… وأن تكون النهاية إشكالية مفتوحة» وفق ما يراه المناصرة."(3)
    ن ــ بين بساطة الفكرة وجودتها
    انطلق السارد من نقطة معينة، وهي رؤية الشخص يسير حافيا على مهل، فقد يبدو المشهد عاديا، ولكن الكاتب اعتبره غريبا، كحالة تستدعي الاهتمام والتساؤل، لما له من تأثير على نفسية المشاهد، فعمل على توسيعه وتطويره وفق رؤيته الخاصة بلغة موجزة، فانطلق بخياله ليصور مأساة هذه الشخصية المجهولة، كصورة اجتماعية تستدعي الاهتمام والتنبه إلى التحول الذي لحق الإنسان المعاصر... يقول موبسان : "لعل أكثر الأشياء بساطة وتواضعا هي التي تؤثر فينا تأثيرا حادا عميقا"

    فالسارد سلط ضوءه الكاشف على حدث قد يبدو للبعض أن موضوع القصة بسيط، فالعبرة ليس بالمواضيع المهمة أو البسيطة، أو "التافهة". فالعبرة من الناحية الأدبية هو تحويل الموضوع البسيط إلى موضوع مهم، وإحداث انطباع لدى المتلقي، يتصل أساسا بروح العصر ونبضه. وكل ما عالج المبدع الفكرة معالجة فنية بواسطة نظام خاص، ولغة حمالة للإشارات الخفية، ودلالات تكمن بين المفردات، وتحويل المعنى المألوف إلى معنى جديد، فإن المبدع يؤسس علاقة تشويق وإثارة متبادلة بينه وبين القارئ، ليكون إبداع الكاتب مؤثرا وخالدا..

    يقول الناقد رشيد بنحدو: "بين القارئ والنص إذن علاقة اشتهاء متبادل، لكن أي نص يمنح القارئ متعة؟ إنه ذاك الذي يثير فيه الشعور بالضياع، ويربكه (إلى حد الملل)، ويزعزع قواعده التاريخية والثقافية والنفسية، وكذا وثوقية أذواقه وقيمه وذكرياته، ويؤزم صلته باللغة" (4)
    بناء وتركيب
    السير بالحفاء، وضعية اجتماعية غير متوازنة، تعبر عن مشهد البؤس والفقر والاحتياج، فهو لا يسرع في خطاه، وإنما يسير بروية لعدم قدرته على ملامسة الأرض بقدميه. فالكاتب ركز على هذه الوضعية: الحفاء" دون التطرق إلى اللباس، والهيأة الجسمية. فمن خلال ربط كل الجزئيات المكونة للمشهد / السير/ الحفاء/ التروي/ يخرج المشهد عن ما هو مألوف ليتبين لنا عدة دلالات خفية وراء هذا السلوك. فبقدر ما نستوعب الصورة الخارجية بقدر ما نفكر فيما تخفي وراءها من دلالات. أهو العوز؟ أهو التشرد؟ أهو التسول، أهو هبة ؟ أهو من الصدقات؟ أهو من المسروقات؟ كما قلت سابقا.
    لقد تغيرت الوضعية بحصول البطل على حذاء، فالحالة النفسية والمعنوية قد تغيرت كذلك، من حزن ومذلة وهوان إلى اعتزاز بالنفس ودخوله في حالة نفسية مفرحة. فبدل استمرار التمهل في المشي فتح مسلكا جديدا، وهو الركض بسرعة. فوراء الركض فجوة تثير فضول القارئ للتساؤل، وقد يدخل مع المبدع في نقاش وجدال حول كيفية ملء تلك الفجوة المغيبة في النص. فالسارد لم يلمح إلى سبب من الأسباب، يقنع القارئ كدافع إلى اتخاذ مسلك الهروب، وربما الاختباء عن أنظار الناس. فقد قابل الكاتب بين الصور المولدة لمشاهد تبدو منفصلة، لكنها مترابطة. فكل مشهد يفضي إلى آخر، وذلك من أجل بث الحركة والحيوية في مسالك البطل كلها. وجعل القارئ متابعا وحاضرا بذهنه وخياله. ومن بين المشاهد التي شملها التقابل: / الحفاء، الانتعال/ السير بروية، الركض بسرعة / الألم والحزن، الفرح/ عدم الاستقرار على مسلك واحد، الانحراف/ التعثر، الارتجاج في الدماغ/... فقد ختم الكاتب نهاية القصة بنقط الحذف(...) كفراغ وبياض، ينطوي على كلام مسكوت عنه، أو كرسالة مضمرة، موجهة إلى القارئ بأن يستكمل خاتمة الحبكة السردية، وفق الخطاطة القصصية المقدمة في بداية القصة وعقدتها وجسدها.
    فنهاية قصة "المسالك " يمكن اعتبارها مفتوحة، أضمر فيها السارد عدة معطيات قد توسع مضمون القصة، وقد سماها الدكتور حميد لحميداني ب"القفلة المضمرة"، حيث يلتجئ إليها السارد من أجل تحفيز القارئ، واستدراجه لممارسة لعبة التأويل، وملء الفجوات الغائبة في النص. النص يريد أن يوصل فكرة التغيير المفاجئ والتحول الخاضع لتحول ظروف البطل. تحول غير مبني على مؤهلات نفسية وذاتية واجتماعية ومادية. فالإنسان يسعى دائما نحو التغيير، الذي يأتي عن طريق دعامات منها: التعلم والتربية والتجربة الشخصية والاستفادة من الخطأ، والتدرج في مسالك الحياة.... فالبطل مر بمسالك كلها مؤلمة، فكان مآله التعثر والسقوط والفشل. فالركض بسرعة، والانحراف عن المسار، والخوف والاضطراب، والفرحة الزائدة، والفقر، والعوز، والجوع. عوامل تبين الفرق بين الإنسان والإنسان. فالسارد في قصة "المسالك" فضل الاختفاء التام، فلم يشارك في الحدث، ولم يبد رأيه ولا موقفه من الحدث. فبقي محايدا. لكنه يعرف جيدا شخصية البطل، يعرف أفكاره، وسلوكه النفسي، وكل ما يتعلق به من تصرفات من قبل وبعد. فاتخذ ضمير الغائب الذي يعبر عن سرد موضوعي. وهي نتيجة قاسية جسدتها المتوالية السردية الأخيرة،/ فيتعثر ويرتج دماغه.../ مع أن دلالتها توجد في ما قبلها " ينحرف حينها عن مساره" على فرضية أن من يتعثر ويسقط، قد ينهض من جديد لتصحيح أخطائه، لكن السارد ترك ذلك التأويل للقارئ.
    نص تميز بفنية التقاط الصورة، وتنميطها على مستوى اللغة السريعة، التي توصل القارئ إلى الهدف دون ركوب المجاز الغامض والرمزية المغرقة في الإيحاء، والزيادات اللغوية....
    وختاما
    إن النص يصور حالة البؤس والقهر والاحتياج إلى أبسط الأشياء، قصة قد تكون واقعية أو متخيلة، وهذا لا يمنع أن تكون مرتبطة بالواقع أكثر، قصة مبنية على شخصية مهمشة اجتماعيا ونفسيا، قد تكون قريبة من الواقع أكثر، فقد قامت بأدوار حية منسجمة مع حالتها الاجتماعية المهمشة.. فما قيمة الأديب إن لم يعالج في إبداعه مواضيع ــــ قد تكون كبيرة أو صغيرة، مهمة أو( تافهة) ـــ ترتبط بالواقع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.
    تعتبر قصة "المسالك" للكاتب عباس العكري، تنبيها وتحذيرا لآفة الفقر المستشرية في المجتمعات، والتي تعمل على تقسيم أفراد المجتمع إلى طبقتين: طبقة الأغنياء، وطبقة الفقراء. آفة الفقر قد تقوي الحقد والحسد والكراهية والطمع والسرقة بين الناس .... قصة "المسالك " تحرك العواطف والمشاعر، وتوقظ الأحاسيس من أجل بناء مجتمع قائم دوما على التكافل الاجتماعي. وأختم بقولة على بن أبي طالب"لو كان الفقر رجلا، لقتلته".

    .................................
    1 ــ الدكتور رشيد بنحدو/ العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر/ عالم المعرفة/المجلد الثالث والعشرون/العددان:الأول والثاني /يوليو /سبتمبر /أكتوبر/ 1994/ص:483
    2 ــ الباحث: محمد دلوم/ الفعل دلالته على الزمن ووظيفته الإخبارية عند سيبويه/ المصدر: مجلة الحكمة - مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع- الجزائر، ع9/ تاريخ النشر: 2011
    3 ـــ وليد أبو بكر/ القصة القصيرة جداً من التبعيّة نحو الاستقلال /القافلة/ مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين.
    4 ـــ الدكتور رشيد بنحدو/ العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر/ عالم المعرفة/المجلد الثالث
    والعشرون/العددان: الأول والثاني /يوليو /سبتمبر /أكتوبر/ 1994/ص:486

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    الله .. ما أجملها من قراءة جميلة متوغلة في أعماق النص ، ومفسرة لكل مفردة
    ومتتبعة بالنقد والتحليل ما تعنيه كل كلمة أو ترمز إليه
    قراءة تفصيلية تحليلية أكثر من رائعة
    ما أسعد الواحة بوجود ناقد قدير بارع مثلك.
    لك تحياتي وكل تقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي