الإصلاح الفاسد


الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ( قـُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِيْ إِلَىْ الْحقِّ، قُل ِاللهُ يَهْدِيْ لِلْحَقِّ، أَفَمَنْ يَهْدِيْ إِلَىْ الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُـتـَّبَعَ أَمَّـنْ لا يَهِدِّيْ إلِاَّ أَنْ يُهْدَىْ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ{35} ) يونس .
أيها الإخوة الأكارم : إن من أعظم ما ابتلي به المسلمون بعد هدم دولتهم حكام خائنون لله ولرسوله وللمؤمنين .لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، جبارون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم رؤوفون رحيمون بأعدائها، لا يتقون الله فيها ولا يخشونه، بل ترتعد فرائصهم وترتجف أوصالـهم خوفا من أمريكا وأوروبا وحتى من يهود، طائعون لهم، أشد ما تكون الطاعة، تلهج ألسنتـهم مسبحة بحمدهم، معظمة لأمرهم .
وصدق الله فيهم إذ يقول:( فَتَرَىْ الَّذِينَ فِيْ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ نَخْشَىْ أَنْ تُـصيِبـَنا دائِرَة ٌ، فَعَسَىْ اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْح ِأَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَيُصْبِحُوا عَلَىْ مَا أَسَرُّواْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ{52} ) المائدة .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول محذرا الأمة:( لَتَتَّبِعُنَّ سَنـَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِراعاً بِذِراعٍ، وَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمْ جُحْرَ ضَبٍّ لاتـَّبَعْتُمُوهُمْ!! قالُواْ يَا رَسُولَ اللهِ : الْيَهُودُ وَالنَّصارَىْ؟؟ قالَ فَمَنْ!! أَيْ مَنْ غَيْرُهُمْ ) وفي رواية ( وَحَتَّىْ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ جامَعَ امْرَأَتـَهُ بِالطَّرِيق ِ لَفَعَلْتُمُوهُ ) .
فحكامكم ورجال سلطتكم يسيرون خلف الكفار حذو النعل بالنعل، ويخشونهم أشد خشية من العظيم الجبار. فقد عزفوا عن أمر ربهم وتركوه وراءهم ظهريا. جاعلين أصابعهم في آذانهم، مستغشين ثيابهم ومتكبرين. ميممين وجوههم شطر أهل النار، يوم دعوهم للإصلاح فلبـوا طائعين صاغرين. فعقدوا الندوات وأعدوا المؤتمرات وألقوا المحاضرات بغية الإصلاح !! وأي إصلاح ؟ فوالله ما هو إلا حرف للأحكام الشرعية عن وجهها، وصرف عن حقيقتها، وهذا دليل بائن على أنـهم أهل فساد وإفساد، وقد زادوا فوق طغيانهم طغيانا، حتى بدت للناظرين سوآتـهم بقولهم: أن احتكار الحكمة لا يجوز، بمعنى أنـه لا يحق أن يدعي المسلمون الحق لأنفسهم ومعتقدهم ويبطلون غيره ، يوم أن دعا هؤلاء الحكام إلى حوار الأديان تحت الشعار السالف الذكر.
تلك الحوارات المغرضة الهادفة إلى تغيير المفاهيم المتعلّقة بعقيدة المسلمين، وما انبثق عنها من أنظمة وأحكام وأفكار ومنهاج حياة، من خلال ما يطرحون في تلك الحوارات المشبوهة بحجة الإصلاح ، وما الإصلاح بعرفهم إلا ما يوافق مصالحهم .
فأول طرحهم تنحية العقيدة الإسلامية وعدم جعلها مصدراً أوحد للتشريع، فإذا أردنا أن نـغير ما بأنفسنا فما علينا إلا أن نربط قضايانا بأذيالهم. فلا حل لمشاكلنا ولا مخلص لنا إلا عبر هيئاتهم ومجالسهم، وأخشى ما أخشاه! أن يكون وفق رؤى حاخامات يهود وقساوسة بني الأصفر .
وثانيه: الدعوة إلى الحريات والانسلاخ من القيود الشرعية . فلا ضير برفع القـوامة عن المرأة ، ولا ضير بتنصيبها حاكما, ولا ضير بأن تكون عشيقة أو خليلة تـنادم الرجال وتـخادنـهم، وإن كان لها زوج تستظل به, فلا سلطان له عليها، وقد نـزعت القـوامة وحلـت بينهما المساواة , نزولا عند مناداتهم بالحرية الشخصية .
أما حرية الرأي: فهي أشد من سابقـتها خطرا, فـمن طعن بدين الله واجتراء عليه . إلى تطاول على رسوله صلى الله عليه وسلم وسخرية من كتابه، ليصبح من تطاول على أنبيائه وسخر من شريعته، واستهزأ بكتابه، فقد أبدى رأيه وتحرم محاسبتـه, ومثلـه كذلك من تـقول على الذّات الإلهية. أما من يقول بالجهاد, فإرهابي متشوق لسفك الدماء, وحتى من فكر فيه, فالقتل أو سجن يؤويه!!
فإذا كان هذا هو الإصلاح المنشود فلا غرابة أن يتطاول أحد أحفاد يهود على دين الله يوم طالب بمنح جائزة لمقدم برامج دينية نصراني, ثم أردف يقول: على هذا المقدم أن يذهب لمساجد المسلمين مسجدا مسجدا ليـنير الطريق أمام المسلمين!!
لا تستغربوا ولا تعجبوا من هذا الأفاق، فقد سبـق الأجداد الأحفاد يوم أن سأل كفار مكة ذاك الأفّاق كعب بن الأشرف وهو من أحبار يهود, أدين محمد خير؟ أم عبادة الأوثان ؟ فقال بل ما أنتم عليه!!! لينزل فيه قول الله {أَلَمْ تَرَ إِلَىْ الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجـِـبْتِ وَالطّاغُوتِ, وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَىْ مِنَ الَّذِينَ أَمَنُواْ سَبِيلاً{51}) النساء
وثالثه: إصلاح حال الأمّة بتغيير قناعاتها الضيقة الناظرة إلى المحتلين من الملاحدة وعـباد الخشبة وبني يهود على أنـهم مغتصبون ومنتهكون لحرمات المسلمين إلى مفهوم مغاير يجليهم ويجعل لهم في النفوس مكانة, وفي القلوب رزانة, فهم ليسوا إلا مصلحين ومحررين!! وكذلك لا يجوز نعتـهم بالكفر! بل هم أبناء عمومة وإخوة في الإنسانية !!!
أيها الإخوة الأحبة : اعلموا عباد الله يرحمكم الله إنّ صلاح أمركم ما وافق الحق وأرضاه, وإن فساده بكل ما جانبه وركن إلى سواه, فاعملوا على صلاح أمركم وعزة دينكم بالعمل مع المصلحين الذين يصلحون ما أفسد الناس.
وصدق الله:( وَيَسْتَنْبِئـُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ، قُلْ إِيْ وَرَبِّيْ إنِـَّهُ لَحَقٌّ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ{53} ) يونس
أما رابعه وأخطره فهو ما تقوم به أمريكا بذريعة الإصلاح كذلك , من إثارة للنعرة الطائفية والعصبية القبلية وإيقاد لنار الفتنة بين أتباع المذاهب الإسلامية عن طريق فتح الملف الطائفي المذهبي لهدر القوى الإسلامية وإشغالها بنفسها عن عدوها , خشية وصول المخلصين من أبناء الأمة لسدة الحكم . لذلك فهي تسعى جاهدة حيثـما أعطيت الولاء من أجل سيطرة من يسمون بالإصلاحيين على الأقاليم الإسلامية إمعاناً في تمزيقها رغم ما تـعانيه تلك البلاد من جراح تسببت بها معاهدة سايكس بيكو الخبيثة .
إخوتي في الله وأحبتي : إن ما تقوم به أمريكا من تعرية لحكام المسلمين عموماً وعملائها خصوصاً إلا لفرض سياسة الإصلاح التي تسعى إليها , فتعمل على قلقلة كراسي هؤلاء الحكام , كمن يمسك بإحدى يديه عصاً ، وبالأخرى جزرةً , فلا تجعلوا الحيلة تنطلي عليكم , وهذا غيض من فيض . وصدق الله وقد وصفهم : ( إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس81
اللهم أصلح لنا دينـنا الذي هو عصمة أمرنا , وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشـنا , وأصلح لنا آخرتـنا التي إليها معادنا , واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير, واجعل الموت راحة من كل شر, وأحسن اللهم ختامنا , واحشرنا في زمرة نبيـنـا , واسقنا بيده الشريفة شـربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا .