أحدث المشاركات

نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قراءة تحليلية لقصة "ميلاد" للمبدع: يحي أوهيبة /الجزائر

  1. #1
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,366
    المواضيع : 199
    الردود : 2366
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي قراءة تحليلية لقصة "ميلاد" للمبدع: يحي أوهيبة /الجزائر

    26 ــــ قصة: ميلاد/ يحيى أوهيبة / الجزائر
    قراءة تحليلية لقصة "ميلاد" للمبدع: يحي أوهيبة /الجزائر
    تحت عنوان: الشخصية المتحولة بين أبعاد التأثر والتأثير.

    القصة:
    ولد لقيطا، غسلوه في صندوق انتخاب، ثم منحوه شهادة ميلاد جديدة.
    .............................................
    1ــ دلالة العنوان/ "ميلاد"
    ميلاد/ هو وقت الولادة، والوليد هو الصبي حين يولد، وينسب إلى والده، وتعطى له شهادة الميلاد، كوثيقة رسمية يدون فيها تاريخ الازدياد، ومكان الولادة، وتتضمن اسم الأب والأم. يقول ابن سيده: "فالأم هي الوالدة على الفعل، ووالده على النسب" (1)
    فالعنوان "ميلاد" هو عنوان إيحائي، إلى حدث الولادة، الذي يحفز القارئ للتخييل والتساؤل، فهو كعتبة لا يمكن أن يتخطاها القارئ، وهو يساعده على منحه لذة البحث والتقصي بما توحي به كلمة "ميلاد". ومن تم يدخل في عالم التأويلات والتوقعات التي قد تغني العنوان قبل الولوج إلى عالم النص. فالعنوان يختزل مضمون النصّ القصصيّ، من هو المولود؟ متى ولد؟ ما هو مكان الولادة وزمنه؟ هل هناك تناص في عنوان "ميلاد؟ ميلاد من؟ ميلاد سيدنا عيسى؟ هل هو عيد من أعياد النصارى؟
    تقول درية كمال فرحات" ويستطيع القاص استخدام التناص إمّا في العنوان أو المتن. وتناصّ العنوان علامة دلاليّة للقصة القصيرة جداً، فالعنوان يختزل مضمون النصّ القصصيّ، وقد يدفع المتلقي إلى التّفكر والتّخيّل. أمّا تناصّ المتن فقد يكون وفق التّناص الدّينيّ والأسطوريّ والتاريخيّ والأدبيّ.(2)
    2 ــ قصة "ميلاد" وسؤال التجنيس
    قبل الدخول إلى عالم هذا السرد القصير، تحضر أمامنا مشكلة التجنيس الأدبي. وقد تشعبت مسميات هذا النوع الأدبي الجديد، مما أدى إلى اختلاف بين النقاد والمبدعين في تحديد هذا النوع من السرد القصير. فهل يمكن اعتبار نص"ميلاد" ينتمي إلى القصة القصيرة جدا، أو ومضة قصصية، أو لوحة قصصية؟... وغيرها من التسميات التي تروج في الساحة الأدبية والنقدية.. فكل من يقرأ هذا النص"ميلاد" يطلق عليه التسمية التي توافق فكره وموقفه، وطريقة تذوقه للإبداع بصفة عامة، ولا يبتعد ذوقه الأدبي أن يعتبر نص" ميلاد" بأنه يدخل في الومضة القصصية.


    ونختصر القول، استنادا على ما جاء به الكاتب عمران أحمد، وفقًا لـ موقع دفاتر: "القصة الومضة، هي قصة الحذف الفني، والاقتصاد الدلالي الموجز، وإزالة العوائق اللغوية والحشو الوصفي ... والحال هذه أن يكون داخل القصة شديد الامتلاء، وكل ما فيها حدثًـا وحوارًا وشخصيات وخيالا من النوع العالي التركيز، بحيث يتولد منها نص صغير حجما، لكن، كبير فعلا كالرصاصة وصرخة الولادة وكلمة الحق "

    فهل يتطابق نص ميلاد" مع هذا التعريف؟ فالاختلاف قد يحدث بين القراء لا محالة، ولا يهم هذا الاختلاف في التسمية، فنص "ميلاد" قد ينتمي إلى القصة الومضة، لاعتبارات فنية وأدبية التي أشار إليها الكاتب، لأن الكاتب رصد فيها حالات إنسانية واجتماعية وسياسية، مبنية على رهان جمالي، يتجلى في تكثيف الدلالات والمعاني، وجعلها مضغوطة تحت طائلة الحذف والإضمار دون إضافات زوائد لغوية.
    3 ـــ تجزيء وحدات القصة الومضة
    ا ـــ ولد لقيطا/ جاء الفعل "ولد" مبنيا للمجهول، الذي استغنى عـن فاعلـه، فـأقيم المفعول مقامه، وأسند إليه معدولا عن صيغة "وَلد" إلى " وُلد"، فالفاعل في الحدث مجهول. حدث ولادة طفل بأب مجهول، مما يقربنا من صورة تعدد الفاعلين، ومشاركتهم في الفعل بامرأة واحدة. ومن هنا يكون معنى كلمة "لقيط" في اللغة، هو الطفل الصغير الذي طرحه أهله خشية الفقر، أو خوفا من تهمة الزنا، وقد يجده الناس مُلْقًى على الطريق لا يُعرف أَبواه.
    "ولد لقيطا"/ فالسارد قدم الشخصية للقارئ، دون أن يدخل في التفاصيل التي تعيق سرعة الحكي، لذلك اكتفى بسرد الخبر، ليدفع بالقارئ أن يتخيل الوضعية الاجتماعية لهذا البطل، الذي لم يكن مساهما في وجوده في الحياة، ككائن حي، أتى على خلفية غير شرعية أو دينية. فالكاتب ترك تلك الفجوة للقارئ، لتحرك انفعاله العقلي والعاطفي كإنسان يرتقي بعقله وعاطفته، فيبدأ في رصد تأويلات وتوقعات من قبيل: ماذا وقع؟ وكيف وقع؟ وما هو السبب؟ ومن الذي كان السبب؟ فمن المسؤول، الإنسان أم المجتمع؟ ومن المخطئ في ارتكاب الجريمة، الرجل أم المرأة، أم هما معا؟
    يقول الناقد حسن ناظم"إن القارئ لا يستهلك النص فحسب، وإنما يشارك بقواه العقلية والوجدانية في صناعة النص وإنتاجه، كما تكون القراءة محكومة بالعقل الذي يضبط توجهات العاطفة، وتكون العاطفة التوجه الانفعالي المقنن، وليس المفرط في عملية تلقي النص الأدبي" (3)
    فهل هناك علاقة انسجام بين المعنى اللغوي لكلمة "لقيط" بمضمون القصة الومضة؟ وهل انزاحت كلمة "لقيط" عن معناها المألوف إلى دلالات إيحائية داخل سياق جديد؟
    فاللقيط قد يكون شخصية واقعية أو متخيلة، يتميز بصفات قدحية، ونعوت تمس أصله وكرامته. ومن هنا أدرك القارئ دلالة العنوان" ميلاد" حدث يتجلى في ولادة "لقيط" مجهول النسب. وبذلك يكون السارد قد وجه القارئ نحو نمط الشخصية التي سوف تدور عليها القصة وأحداثها. شخصية مهينة، ومنبوذة في اعتقاد الإنسان الآخر، وهي شخصية تدخل ضمن الكائنات الحية، لها وجود في الحياة العامة والمجتمع. فبمجرد الانتهاء من زمن النطق والقراءة للجملة السردية/ ولد لقيطا، يسارع القارئ إلى طرح عدة أسئلة، منها: من يكون هذا اللقيط؟ كيف ولد لقيطا؟ هل هناك أطراف تدخلت في جعله لقيطا؟ ما هو مصيره في المستقبل؟ كل هذه الأسئلة تبقى محفزة للقارئ لطرح تأويلات ممكنة، توجهه لفهم وضعية هذا اللقيط داخل عالم القصة. تأويلات وتوقعات قد لا يأخذ بها القارئ كلها، بل يتخلى عنها بعدما يلج إلى عالم النص. فالشريط اللغوي للنص له بنية تحدد المستوى السردي المختزل في عدد الكلمات والجمل، وهذا يساعد على التقسيم السردي للنص مرورا بالحرف والكلمة والجملة، والملاحظ أن التركيب الظاهر للنص يبدو متقلصا في عدد الكلمات والجمل.. ولكنه يشكل بنية عميقة على المستوى الذهني المتمثل في ذهن المبدع، أي البنية العميقة التي تنطوي على عوالم صامته ومتخفية تحت اللغة.
    لقد جاءت كلمة "لقيطا" نكرة، أي مبهمة؛ تدل على مسمى عام وشائع غير معين. ولا تدل على لقيط معين معهود ومعروف، فقد يكون واحدا من اللقطاء، أو غيره من الأشخاص الكثيرة الذين يصدُقُ على كلِّ واحد منهم أنه "لقيط"، والنكرة لا تدل على معين، لذلك استغنى عن صيغة الجملة السردية المعرفة ب"أل" "ولد اللقيط".

    يقول الدكتور جميل حمداوي" ومن هنا، فالنكرة نقيض المعرفة. وهي كذلك بمعنى الجحود، والإنكار، والمعاداة، والدهاء، والفطنة، والخداع، والمحاربة، والقتال، والجهل بالأمر أو الشخص، وعدم الاعتراف بالآخرين. ومن ثم، تتميز النكرة بدلالات سلبية مشينة إلى حد كبير.أي: تحيل الكلمة على الإقصاء، والتهميش، والإهمال، واللامبالاة، وعدم الاعتراف..."(4)
    فالسارد لم يوضح المسار الذي قطعه البطل في حياته، كيف تربى، وكيف نشأ، وما هي المكانة الاجتماعية والثقافية التي احتلها لما بلغ سن الرشد، لم يذكر عمره القانوني ليترشح في الانتخابات، فلم يتحدث عن أمه ودورها في تربيته. لكن السؤال الذي ينتظر القارئ، ما هي الدلالة البعيدة لكلمة اللقيط؟ فمعنى كلمة "لقيط" قد تتحول إلى المفعول "ملقوط،" أي جرى عليه الالتقاط، والاختيار، والاحتواء من طرف جماعة، التقاط مقصود، أتت به لينافس مرشحا آخر في الانتخابات، وهم يعرفون أنه ليس أهلا لهذه المهمة. فهو مجهول النسب والأصل، بدون هوية، ولا مكانة له في الحياة الاجتماعية والثقافية، وقد يكون بدون كفاءة، ولا مستوى ثقافي. فما هي الطريقة؟
    ب ـــ غسلوه في صندوق انتخاب،/ جملة سردية تشكل بؤرة النص، لأن الفعل خلق مرحلة انتقالية بين الميلاد القديم والميلاد الجديد. فبين وضعية اجتماعية متدنية، ووضعية اجتماعية جديدة، كان الغسل فعالا، والغسل كناية عن التزوير في فرز أصوات الناخبين، بمحو وإقبار الأصوات المعارضة له، وهي كثيرة، وترك الأصوات المؤيدة له وهي قليلة، لكن الجماعة نفخت في العدد. جماعة سهلت الفوز غير المستحق لهذه الشخصية الملتقطة من مكان ما...!؟
    رسم السارد في قصته شخصية غير فاعلة، تابعة وخنوعة، وغير مساهمة في صنع حياته بنفسه، فتم محو وإتلاف سيرته الذاتية القديمة، وبناء سيرة مصطنعة وملفقة محلها. فهو بطل تم إنتاجه وصناعته من طرف قوى خارجية لخدمة مصلحتهم وأهدافهم.
    ج ــــ ثم منحوه شهادة ميلاد جديدة./ اكتسب البطل شهادة ميلاد جديدة، فغيروا كل ما يتعلق بسيرته الذاتية القديمة، ونسبوه إلى الأصل الرفيع، أعدوا له تاريخا جديدا، وجعلوه من صناع النضال والمدافعين عن مصلحة أفراد الشعب، تلاعبوا في الوثائق التي كانت تثبت هويته الأصلية، فرفعوا من شأنه سياسيا وثقافيا واجتماعيا، فبدل أن يكون صانعا لتاريخه بنفسه، نجد أن آخرين صنعوا له تاريخا بغسل الوثائق، وغسل أدمغة الناس، فقدر له أن يكون زعيما معروفا. لكنه كدمية من دمى المتسلطين على تدبير شؤون البلاد..
    4 ــــ البناء الفني للزمن في القصة
    قصة "ميلاد " تدخل ضمن القصة الومضة، التي تتميز بالاختزال والتكثيف، والسير دون إبطاء نحو هدف محدد. تعبر عن حالة شعورية مقلقة لحدث ولدته الظروف المتفككة، الناتجة عن غياب الحرية والديمقراطية، كما تعبر في نفس الوقت عن تمزق الهوية الأصلية للإنسان، وحلول محلها هويات متعددة. فشخصية القصة ما هي إلا نموذج لتوالد الجماعات المتناحرة داخل الوطن الواحد، وبروز زعماء مزيفين، كل جماعة تصنع زعيمها بالتدليس والتزوير....
    فالسارد اعتمد في هذا النص القصير على " الخبر" وهو أصل الحكاية، فاستعمل زمن الفعل الماضي/ ولد/ غسلوه/ منحوه/. فزمن ولادة اللقيط غير محدد، وزمن فوزه في الانتخابات يبقى مجهولا. فالمرحلة الفاصلة بين الحدثين قد تكون طويلة، وقد تكون قصيرة، إذا اعتمدنا على أن كلمة "اللقيط" لا تختلف عن معنى كلمة "الملقوط" كما قلت سابقا، فإن الزمن يكون قصيرا./ ثم منحوه شهادة ميلاد جديدة/ فحرف العطف "ثم" قد أفادت الترتيب والتراخي. فبين ميلاده الجديد من صندوق الانتخابات، وبين منحه شهادة ميلاده مهلة زمنية، أي، بمجرد الإعلان عن فوزه، تم منحه شهادة ميلاده الجديدة بزمن قصير.
    فالقصة الومضة تخبر عن حدث تاريخي معين جرى في زمن غير محدد، قد يكون واقعيا أو متخيلا، كما أن الكاتب لم يحدد المكان الذي جرى فيه حدث الانتخابات، وحدث استبدال شهادة الميلاد. فالكاتب لا يهمه تحديد الزمان والمكان في القصة الومضة، فهو يجرد النص من الزمن، من حيث لحظة الوقوع والحدوث، ليبتعد عن الإطالة والتمديد للوصول إلى القفلة الصادمة السريعة.

    يقول الدكتور عبد المجيد المحمود: "ويكاد يكون عنصر الزمن في القصة القصيرة جدا بمثابة العدَّاد الذي يسابق الثواني للوصول للقفلة"(5)."

    فلكل قصة مكان تجري فيه الأحداث، فأين جرى حدث ولادة اللقيط؟ وأين تم التقاطه؟ وفي أي مكان جرت الانتخابات؟ ...

    فمن الممكن أن هذه الأحداث قد تجري في كل مكان، في أي مدينة، في أي بلد، في أي وطن، فالمكان في القصة الومضة "ميلاد" لا يلعب دورا مهما، فالمكان له علاقة قد تتشابك مع شخصية النص، وما تقوم به من فعل داخل الحدث. فالقصة الومضة وغيرها من الأجناس السردية القصيرة تعتمد على الفكرة، أو الحدث، أو الفعل، أو سلوك، أو موقف...يصدر عن الشخصية في أي مكان دون أن يكون محددا. فهي تقوم بالحدث ولا ترتبط بمكان معين.

    يقول عبد المجيد المحمود" فمن النادر جدا أن يتم ذكر اسم مكان ما، لأنَّ المكان حتى يكون له تأثير وفاعلية حاضرة في السرد، فإنه يستدعي بعض التفاصيل أو الوصف المختزل على الأقل، و هذا لا يحتمله زمن القصة القصيرة جدا، و لا التكثيف و الإضمار و الإيحاء أو حتى الترميز، فهيمنة قصر الزمن و قصر النص على الحدث، يكاد يلغي دور المكان في القصة القصيرة جدا."(6)

    فأحداث القصة جاءت مترابطة ومتلاحقة/ ولادة اللقيط/ الانتخابات/ فرز الأصوات/ فوز اللقيط/ إنجاز شهادة ميلاد جديدة/. أحداث مرت سريعة جدا من بدايتها إلى نهايتها، أحداث قد تضمن زمنا طويلا، لكن اللغة اختزلته في مساحة ضيقة، كنظرة أو لمحة، أو التفاتة، أو كنقطة صغيرة، قد ينظر لها القارئ فيوسعها بفكره وثقافته وتجربته ومخيلته، لتصبح كبيرة تشغل مساحة كبيرة من الصفحات، وقد تتحول إلى رواية. فتحفز القارئ أن يدخل في عدة تساؤلات مبنية على تأويلات وتوقعات، من الممكن أن تساعده على فهم قصدية الكاتب. ومن الممكن أن يتخلى عن بعضها. من هو الذي ولد لقيطا؟ هل ينتمي للوطن؟ أم ينتمي إلى وطن آخر؟ هل له هوية أصلية؟ أم له هوية مزورة؟ أهو الإخبار من أجل الاطلاع والمعرفة؟
    أهو الإخبار عن تحول الوطن ......
    غسلوه/ منحوه/ ضمير "الهاء" على من يعود؟ فهو يدل على جماعة ما، من هي؟ ما هي صفاتها؟ فهل هي جماعة من داخل البلد؟ أم جماعة خارجة عن البلد؟ كيف استطاعت في وقت وجيز أن تقوم بغسل الأدمغة، وتمنحه شهادة ميلاد جديدة؟
    من خلال الربط بين هذه الأسئلة يستطيع القارئ أن يدرك الصورة الكاملة لما يجري في الوطن. صورة ترمز إلى فقدان الحرية والديمقراطية، صورة بلد يقف على أشفاء حفر كثيرة، بعدما تحول الوطن إلى مزايدات، وأطماع متعددة مبنية على الانتهازية والوصولية، في ظل التمزق والتشرذم الذي أدى إلى تقطيع أرض الوطن. كل جماعة صنعت زعيما ملتقطا لا هوية له. فظهرت تكتلات وكيانات اجتماعية، لا تحمل نورا تمشي به لتحسين وضعية أفراد الشعب. وإنما أغرقته في ظلام حالك أكثر وأقوى مما كانت تعيش فيه. ولعل القصة الومضة تشير إلى التحولات التي شهدتها بعض الأوطان في العصر الحالي، على خلفية الثورات التي قامت بها بعض الشعوب العربية. فكان من المنتظر أن تجري فيها انتخابات نزيهة، إلا أن الأمر خرج عن السيطرة، بعدما تدخلت أطراف خارجية. فالقصة الومضة لم تقل كل شيء، وإنما أشارت ولمحت إلى حقبة تاريخية عسيرة مرت على بعض الدول، ما زالت تعيش تبعة التشتت والانقسام والسقوط في حرب عبثية.
    بناء وتركيب.
    اكتسب هذا "اللقيط" أو "الملتقط" نفوذا، وأصبح يرتزق بالسياسة، متقلب في مواقفه ومبادئه، يطلب الحماية من جماعته كلما داهمه الخطر. فرغم أن تاريخ هذه الشخصية بقي مجهولا، واستعان بتاريخ جديد، فإن انتماءه إلى جماعة ما، قد تؤثر عليه، وتشكك في هويته و قدراته.... لذلك كان تسريع الجماعة بمنحه شهادة ميلاد جديدة./ الزعيم/ القيادي/ المناضل/ ....
    فما هي الصفات الجديدة للبطل/الزعيم الجديد؟ بطل تعددت انتماءاته، وتشعبت أفكاره، فاضطربت مواقفه، وغرق في تيارات فكرية وإيديولوجية وسياسية عديدة، يميل حيث تميل الريح، تابع للأقوى، فأصبح موجودا في كل زمان ومكان، فأتلف وطنيته، يفتقد النسب الثقافي والسياسي السليم.. بطل غير ثابت. إنه آت من تربة هشة. فالتاريخ ينسى الجزئيات الصغيرة، ولكنه لا ينسى الأحداث المؤثرة.
    فالجملة السردية /منحوه شهادة ميلاد جديدة/ تحتمل وجهين: الوجه الأول: العمل على تغيير شخصيته الحقيقية، وهو غير فاعل في صناعة تاريخ قيمته ومكانته...والوجه الثاني: صناعة سيرة ذاتية حافلة بالتوقد والنباهة، والكفاءة والزعامة، شخصية متحولة من الأدنى إلى الأعلى..فلجأ إلى صناعة تاريخ جديد خاصا به. قد يمتد ردحا من الزمن.
    فالبطل/الزعيم الذي لم يكن موجودا، ولم يكن معروفا في الساحة السياسية، قد اختير من طرف جماعته، بعد تنظيفه من /الخطيئة/، فأشادوا به، وأقاموا له تاريخا مجيدا عن طريق الإعلام والصحافة، خلقوا له صورة جديدة تليق بمقام تقدمه للانتخابات المقبلة.. فهم أعدوه للفوز قبل أن يفتح صندوق الانتخاب، فهم نظــفوه، ومحوا عيوبه، فغلطوا الناس. فكانت النتيجة لصالح البطل في ظل فراغ الوحدة والاتحاد والتوافق، لكن، رغم نجاحه وفوزه المزور، فقد أوقعوه في المصيدة ليكون كضحية وقت المحاسبة كبديل لهم. إنها ولادة جديدة، وشهادة ميلاد جديدة...؟ !
    وختاما
    فالكاتب استطاع أن يحمل هذا النص السردي القصير جدا بدلالات عميقة قد تكون لها علاقة بالواقع، وقد تدخل في التخييل. يمكن أن تجري أحداث النص في كل زمان ومكان. فالسارد اختزل تاريخا سياسيا في هذه القصة الومضة، فلم يشرح ولم يفسر، ولم يوضح، بل ترك الفرصة للقارئ أن يشاركه بفكره وثقافته، ومعاينته لما يحصل في الانتخابات غير النزيهة دون تحديد المكان والزمان. دافعا القارئ أن يشتبك مع نفسه عن طريق طرح أسئلة وتأويلات وتوقعات: لماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟ قضايا كثيرة متشابكة، اختزل أزمنتها في اللغة والأسلوب، اختزل واختصر وأجاز في بضع كلمات، ففتح ثقوبا عميقة في النص، نستطيع أن نطل منها على التاريخ، وما يجري فيه من تغيرات، واختلاط الأوراق، وتطورات فكرية وثقافية وسياسية واجتماعية تمس حياة الإنسان المعاصر.

    .........................................
    1 ـــ معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي

    2 ـــ دريّة كمال فرحات/ تقنيات القصة القصيرة جدًا/البناء/يومية سياسية قومية اجتماعية

    3 ــــ حسن ناظم/مفاهيم الشعرية/ دراسات مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم/الطبعة 1/1994 المركز الثقافي العربي/ص:139
    4 ـــ الدكتور جميل حمداوي/ أسماء الشخصيات في القصة القصيرة جداً بين التعريف والتنكير/ الألوكة الأدبية واللغوية/ تاريخ الإضافة: 21/8/2016

    5 ــــــ عبد المجيد المحمود / الحدث في القصَّة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًّا/ مجلة القصة العربية/ مجلة ثقافية عربية تصدر من اليمن/اكتوبر/02/2017
    6 ـــ نفس المرجع السابق/ عبد المجيد المحمود / الحدث في القصَّة القصيرة والقصَّة القصيرة جدًّا/ مجلة القصة العربية/ مجلة ثقافية عربية تصدر من اليمن/اكتوبر/02/2017

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    رؤية نقدية متعمقة في ومضة مميزة ـ برعت في تحليل النص
    وتفسير معانيه بمنتهى الإبداع ـ وأضأت ما خفى من المعنى بقراءة تحليلية بارعة
    استمتعت بومضة جميلة لكاتب مبدع، ورؤية تحليلية نقدية لناقد قدير
    جعلتني أتذوق الومضة من جديد بفهم واستيعاب.
    بوركت جهودك ـ وبوركت رؤيتك الثاقبة
    ولك كل التقدير والإحترام.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي