أحدث المشاركات

برق الخاطر ... قسم جديد لأعضاء واحة الخير» بقلم د. سمير العمري » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الثعبان الأقرع يداهمني في المنام بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» بعض الحزن موت وبعضه ميلاد.» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الغاية لا تبرر الوسيلة» بقلم جلال دشيشة » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» أمات العربُ؟» بقلم غلام الله بن صالح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» غار النصر في غزة» بقلم احمد المعطي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رواية قنابل الثقوب السوداء .. مسلسلة. التالي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» الموشحات الكشكية 1'2'3» بقلم محمد محمد أبو كشك » آخر مشاركة: محمد محمد أبو كشك »»»»» في شارع واحد» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»» يغمس خبزة بالماء» بقلم عبدالحليم الطيطي » آخر مشاركة: عبدالحليم الطيطي »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة تحليلية لقصة "براءة" للمبدع ،حارس كامل يوسف/مصر

  1. #1
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,366
    المواضيع : 199
    الردود : 2366
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي قراءة تحليلية لقصة "براءة" للمبدع ،حارس كامل يوسف/مصر

    16 ــــ قصة: براءة /حارس كامل يوسف/مصر
    قراءة تحليلية لقصة "براءة" للمبدع ،حارس كامل يوسف/مصر
    تحت عنوان: المتخيل الإبداعي بين الذاتي والموضوعي
    القصة
    عند نهاية الأفق رأته قادما ممتطيا حصانه الأبيض،
    مكللا بتاجه المرصع بأحلامها..
    بفرحة فردت ذراعيها...
    .. لحظة اقترابه استفاقت، وقد توسخ ثوبها خلف القضبان!

    ..................................................
    1 ــــ بوابة العنوان/ براءة
    شكل العنوان "براءة" إشارة لغوية يمكن اعتبارها عتبة لا يمكن أن نتخطاها قبل الولوج إلى النص. فعندما نفكك كلمة " براءة " معجميا وما تحمله من دلالات، نجد أن كلمة "براءة " تتعدد معانيها داخل استعمال سياق معين. كالتبرئة من التهمة، والإبعاد عن الشبهة، والتخليص من الباطل...
    فهل العنوان ينسجم مع مضمون النص؟ أم هو عنوان مراوغ من أجل الإثارة والتحفيز؟ هل العنوان "براءة" يتواصل مع مضمون القصة؟ ذلك ما سوف نكتشفه بعدما نفتح فجوات النص ونطل على فراغاته التي غيبتها اللغة..
    2 ــــ تحليل خطاب النص
    أ ــــ عند نهاية الأفق/صورة تولدت كمشهد طبيعي، فعندما نمدد النظر بعيدا أمامنا، مع خلو الامتداد من حواجز ممكنة، نتصور أو نتخيل أن السماء قد التقت بالأرض، حالة تحد من أفق النظر لا يمكن أن نتخطاها أبدا ونرى ما بعد الأفق. فالأفق يظهر كملتقى الأرض بالسماء. هناك حد فاصل بين ما قبل الأفق وما بعد الأفق، الأول معلوم لدى شخصية القصة، تراه فارغا من كل معيق للرؤية.
    فهل الكاتب يعني بنهاية الأفق الطبيعي؟ أو أن البطلة وصلت نهاية أفق الانتظار والتوقع؟ أي أنها تبني نظاما ذهنيا وفكريا لشيء تحس به، فهي تنطلق من الشعور والإحساس والتخيل، تخيل يتشكل كواقع محتمل قد يتحقق في الزمن القريب، على سبيل اليقين والتصديق والاقتناع، وأن ما تفكر فيه سوف يتحقق، وما يفصله عنها إلا دقائق أو سويعات.
    ب ـــ رأته قادما ممتطيا حصانه الأبيض،/ جملة سردية يخبر فيها السارد القارئ أن ما كانت تتوقعه قد تحقق، دون تحديد الزمن والمكان، فالتوقع لم يكن وليد اللحظة، وإنما يكون قد استمر زمنا طويلا أو قصيرا./ رأته قادما / فهل رأته قادما في الواقع؟ أم تخيلته قادما كصورة ماثلة أمامها، مفصولة عنها بمسافة مكانية، وقابلة للرؤية. فالبطلة طورت حدسها، فاخترقت الزمن في تحد، لاستحضار صورة بطلها بين عينيها، خارجة من ذهنها كواقع حي مكتمل ونابض بالحياة. فالسارد لم يقدم شخصية البطل، كل ما أخبر عنه هو أنه كان يمتطي حصانه الأبيض. من يكون هذا البطل؟ وما هي العلاقة الرابطة بينه وبين البطلة؟ أهي علاقة حب؟ أهو زوجها؟ أهو أحد أفراد عائلتها؟ صورة تدفع بالقارئ للخوض في تأويلات وتوقعات أن يتصور المشهد كلقطة تثير انتباهه، وتشوقه لمعرفة ما سيقع عند اللقاء.
    هناك ترقب وانتظار، وتركيز على صاحب الحصان، كأنه انسل من الأفق وأصبح في مرمى عينيها لا يحجبه أي شيء. فرغم أن بعض الأشياء حاضرة في المكان، فهي لا تراها ولا تعطيها قيمة، فهي تركز على ما يهمها ويشغل بالها. فلقد شدتها صورة الفارس، والحصان الأبيض. صورة تولدت في الغياب خلف الأفق، وأصبحت حاضرة لما ظهرت وبرزت. إنه منتهى التخيل والتصور لبطلها المنشود، وفارسها المفضل. إنها حركة فكرية وذهنية تدخل في التخييل، فتم خرق أفق التوقع. تقنية وظفها السارد للدفع بالقارئ إلى استحضار خبرته الأدبية التي تمكنه من بناء افتراض سابق ينتظر تحققه. افتراض يجعله في حالة انفعال وإقبال على العمل الأدبي، بناء على تجاربه الماضية.
    نهاية الأفق هي بداية للفعل، لقد خلق الكاتب مساحة ممتدة لشخصية القصة، كميدان يسهل عليه الجري والتوجه نحوها. حصان مميز بالبياض، وفارس مكلل بتاج مرصع، فتأرجحت البطلة بين الخيال والواقع. بين التوهم والتصديق للحادث. فكأن أحلامها تولدت من العدم، وكل متمنياتها تجمعت، فتم استنفارها بظهور صاحب الحصان، مما خلق حالة نفسية جديدة قائمة على الارتباك والاضطراب، والتوقع المبني على الواقع الممكن وغير الممكن. شوق وانتظار، ترقب وفرح. وضعية حفزت البطلة أن تستعد لتستقبل فارسها المنتظر بمد ذراعيها لتحتضنه عن قرب.
    ج ــ مكللا بتاجه المرصع بأحلامها../ المكلل بالتاج / المرصع بالأحلام /... إنه الفارس النادر والمتميز، بل المحتمل، له القدرة والاستطاعة لتحقيق أحلامها وإنقاذها، وإخراجها من زمن الترقب والانتظار إلى زمن الفعل والتحقق، عسى أن تتخطى الوضعية المتأزمة، والمنفتحة على مستقبل جديد، محاط بأحلام تدخل في متمنيات كل فتاة في حياتها.
    نقل السارد للقارئ صورة حية للبطلة ـــ كمشهد يبدو مستقلا في البداية عن المشهد التالي ـــ وهي مركزة عينيها على ما سوف يولده الأفق من مفاجآت حددتها في صاحب الحصان الأبيض، الذي ربما يحمل معه بشائر الخير، وبذلك استطاع السارد أن يحدد مجال الرؤية بتحديد المسافة الزمانية والمكانية بين نهاية الأفق ومكان وقوفها، وهي تراه قادما يمتطي حصانه الأبيض.. صورة تحققت في خيال البطلة، فحاولت إخضاعها لواقعها بعدما فتحت ذراعيها لاستقباله بفرحة عارمة.
    إن من يخلخل هذه الصورة/ يجد صورة هذا الفارس الذي يتميز بصفات منها:/ قدرته على امتطاء الحصان الأبيض/ التكلل بالتاج / المرصع بالأحلام / صفات مغلفة بدلالات أخرى سكت عنها النص.
    د ـــ بفرحة فردت ذراعيها.../ صورة حية، لم ترسم بالألوان، ولكن السارد رسمها بلغة بسيطة مرتبطة بحالة البطلة النفسية،/الفرحة/الشوق/ التركيز/ الإقبال/ الإشباع النفسي / الرغبة الجانحة/... حالة نفسية جعلتها في تفاعل مع اللحظة، ونسيان آلامها وأحزانها، فقامت بالحركة والفعل بدون وعي، لأنها تحت تأثير الموقف./فردت ذراعيها/ صورة رسمها السارد بفنية أدبية كأنها لقطة مقتطعة من مشهد مسرحي، أو صورة سينمائية يراها القارئ حاضرة أمامه. فالقارئ كان ينتظر بشوق اللقاء المحتمل، فوزع نظراته بين صاحب الحصان والبطلة. وانتظر بدوره ليلتقط الصورة، فهو تخيلها في ذهنه قبل أن يتم اللقاء.فبنى توقعاته على ولادة سعادة فريدة، بل حالة إنسانية تتميز بالحب الصادق، والعشق الفوار.
    فهل تحقق حلم البطلة؟ فهل تم اللقاء كما سطرته في ذهنها؟ فهل تحول اللقاء إلى وهم كاذب؟
    لكن توقعه لم يتحقق لما رأى البطلة وهي في حالة الصدمة، لما انمحت صورة الفارس من ذاكرتها، فانتقلت البطلة من التخيل إلى الواقع، من اللاوعي إلى الوعي الذي انتشلها من سلطة التصور إلى ميدان الواقع، فتبخر حلمها.
    نعود إلى الجملة السردية السابقة / بفرحة فردت ذراعيها.../نجد السارد ختمها بثلاث نقط للحذف (...) دلالة على أن كلاما غيبه السارد ليحفز القارئ على متابعة القراءة، وتخيل مصير فتح الذراعين للبطلة. فنقط الحذف تدل على الإضمار الذي يمكن أن يحقق تواصلا مع المتلقي، قصد دفعه إلى تشغيل مخيلته وعقله وذهنه لملء الفراغات البيضاء، وتأويل ما يمكن تأويله؛ وهي لعبة فنية تبعد العمل الأدبي عن اللغو، والتفاصيل الزائدة.
    يقول الدكتور جميل حمداوي" تشكل علامة الحذف عالما سيميائيا بصريا لافتا للانتباه، حيث يحضر هذا العالم، فوق صفحة النص، في خطيته المستمرة، في شكل نقط متتابعة، قد تتراوح بين ثلاث نقط أو أكثر، وتحدد هذه النقط الثلاث الفراغ القولي، ووقفة في الكلام، أو تقطيع الكلام بشكل عفوي أو توقيف متعمد. وتحيل هذه العلامة على الفضاء المحذوف أو الفضاء الفارغ أو الفضاء الصفري أو الفضاء الممتد الذي يختزل الكلام والحوار والحقائق. إنها تعبير عن عالم الصمت والبياض والفراغ، ويقابل عالم الكلام والبوح والصراخ الصوتي والخطي."(1)
    فالجملة السردية / بفرحة فردت ذراعيها.../ تجسد عالم الصمت، بعيدا عن الكلام والنطق والترحيب... فالسارد ركز على الصورة الصامتة التي تقول كل شيء في صمت، دافعا القارئ إلى التخييل بذهنه وعينه دون تتبع الكلام عن طريق الإنصات لما سوف تقوله البطلة. ومن تم ينطلق في بناء عدة توقعات وافتراضات، منها: هل وصلت البطلة إلى هدفها؟ هل قابلها الفرس بنفس الفرحة؟؟ هل تحول عنها ولم يعطها اهتماما؟ هل تعثر حصانه فسقط البطل مغشيا عليه؟ هل كانت البطلة تتوقع خيبتها؟ هل كانت في وعها الكامل؟ هل كانت تحلم، أم تعيش في أحلام اليقظة؟
    ه ـــ لحظة اقترابه استفاقت/ كلمة "استفاقت" حطمت كل ما رأته وتخيلته. عاشت لحظة غلفها كذب الخيال والتوهم، أماني مخبأة تشكلت على حلم واقعي نابع من نفسها، تخزن في ذاكرتها، لكن حلمها خرج من ثقب ذاكرتها وتلاشى، ولم يستطع أن يتعايش مع الواقع. فكانت الصدمة قاسية عليها. عجزت البطلة عن تحقيق مبتغاها في الواقع، فلجأت إلى الحلم المبني على اليقظة والإحساس والترقب. نهاية الأفق قد يعني به الوصول إلى العجز، وتسرب اليأس الإحباط في النفس، فضاقت الدنيا بين عينيها. فجملة "نهاية الأفق" لها قوتها في القصة، لها رمزية تنتقل من المعنى الحرفي إلى المعنى الإيحائي المتعدد. تدل على أن نهاية الأفق تقود إلى الباب المسدود لا أمل وراءه، ولا أمل في تجدد الحدث، و تشكيله بطريقة ما، يتحقق فيها حلم البطلة. فبقيت رؤية الفارس محصورة بين الغياب والمجهول، و التوهم والغموض.
    حاولت البطلة أن تخرق الأفق لترى ما خلفه الذي تأمل من خلاله: التغيير، البديل، الانتقال، الطموح، تحقيق الأحلام ....ومجيء فارس أحلامها المتخيل، لإنقاذها وانتشالها من واقع فقدت فيه الصبر وطعم الحياة والمستقبل الغامض. كل هذه الحوافز دفعت البطلة لتخلق صورة فكرية مرتكزة على التخيل والتصور، حشدت فيها مجموعة من الدعامات، حتى تكون الصورة مكتملة الجوانب، وسهلة كإقناع ممكن للنفس والفكر: التدقيق في الرؤية/ القدوم /الامتطاء/ الحصان / البياض/. اختارت البطلة "الحصان الأبيض" لتكون الرؤية واضحة ومتميزة، ليكون حصان فارسها متميزا عن الأحصنة التي يملكها الغير، والبياض يدل على الوضوح والصفاء.
    إن من يتأمل هذه الصورة يجد هناك انتقال من مكان إلى آخر، من واقع إلى آخر. من زمن كاد أن يكون متوقفا إلى زمان تم امتداده، من زمان مضى إلى زمان حاضر قوامه السعادة المنشودة، والحب النقي....
    / بفرحة فردت ذراعيها/ تركيب جميل على المستوى الدلالي والتركيبي، فحالة الفرح ولدت استعدادا داخليا عم الذات والنفس وكل الجوارح والخواطر، فأصبحت البطلة في حالة انتشاء لا حد له، مما أفرز حالة أخرى وهي / فردت ذراعيها / إشارة إلى إمكانية ضمه واحتضانه. فمشهد فتح الذراعين هو استعداد خارجي مبني على محفز داخلي/الفرح/الأمل/ تحقيق أحلامها/ الخلاص/. مشهد شكل صورة، لوحة، رسمها الكاتب بلغة سهلة بسيطة نابت عن الألوان.
    تغير مجرى السرد سريعا وبشكل مفاجئ، فبعدما كاد اللقاء أن يتحقق، استفاقت ورجعت إلى الواقع الذي لم يبرح مكانه، بل بقي جاثما على نفسها وذاتها. وهنا لعب السارد دوره الأدبي إذ استنسخ الصورة الأولى التي كانت على شكل حلم جميل إلى صورة أخرى تستمد قوتها من واقع أصبح مزريا أكثر، يعمل على تلطيخ سمعة البطلة وشرفها ، فأصبحت متهمة لا لشيء لأنها كانت تحلم بواقع أفضل رغم أن من حقها أن تحلم، ما دامت لم ترتكب جرما لتعاقب عليه.
    3 ــــ الفارس المحتمل
    ألا يمكن أن يكون البطل فارس حرب، وقائدا فائزا على الأعداء من أجل إنقاذ البلاد وتحقيق أحلام الشعب، كأن أحلامها جزء لا يتجزأ عن أحلام الأهل وأفراد الشعب، فالأحلام لا تتجلى في الحب فقط، فهي عديدة، ولكل إنسان أحلامه. من الممكن أنها تنتظر هذا الفارس من أجل تحقيق العدل والمساواة والرخاء والسعادة المنشودة لكل أفراد الشعب عامة...؟
    لحظة اقترابه استفاقت/ انتقلت البطلة من حالة اللاوعي إلى الوعي والإدراك/استفاقت/ كانت تعيش في الخيال، تبني وتهدم، جارية وراء أحلامها المجهولة./استفاقت/ حالة صادمة، هجمت عليها فجأة، عملت على عودة الوعي إليها. فأحست بالخيبة وانتكاسة. بددت فرحتها لما فردت ذراعيها، فعانقت الفراغ،
    ولم تجد شيئا سوى السراب، فتحولت أحلامها إلى خيال. فبدل أن ترجع إلى أحلامها لتعدلها وتسد ما حدث من خلل، توسخ ثوبها خلف القضبان. فماذا يعني الكاتب في نهاية القصة بالجملة السردية التالية: و ـــ وقد توسخ ثوبها خلف القضبان!نهاية صادمة للقارئ، ومحيرة، بل مستفزة ودافعة أن يبحث عن مسوغ لقضية توسيخ ثوبها وراء القضبان. أي قضبان يعني الكاتب؟ أهي قضبان السجن وسلب الحرية منها؟ أهي قضبان الزواج بالإكراه؟ أهو المنع من الخروج؟ ما دلالة توسخ ثوبها؟ وما الفرق بين الثوب واللباس؟
    فالسارد استعمل " ثوبها " بدل " لباسها" فالثياب تكون ظاهرة للعيان، وسهلة للارتداء وخلعها. والثياب تستر المفاتن من الجسم. يقول تعالى: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ.)(2)
    أما اللباس هو أقرب ملبوس للجسم وألصقه به، وهو ما يطلق عليه في الوقت الحالي بالملابس الداخلية. فليس من السهل على الإنسان أن يتخلى عن ستر عورته، في حين كان من السهل عليه وضع ثيابه في أوقات مختلفة. يقول تعالى:( يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ) (3) وهناك دلائل كثيرة في القرآن الكريم تفرق بين كلمة "الثياب" وكلمة "اللباس".
    نهاية مضمرة، موجعة وصادمة، كقفلة مفاجئة، لم يكن القارئ أن يتوقعها، فتجعله متوترا ومنفعلا، مما يدفعه إلى التصادم مع التأويل،عن طريق التأمل والتساؤل. نهاية القصة "براءة" متشعبة بالاحتمالات، فمنها ينطلق القارئ للتّأويل والتعليل.
    يقول قاسم شهاب:" يجب أنْ تكون القفلة عصيّة على القارئ ويصعبُ القبض عليها، فهي التي تحرّك في المُتلقي المخزون المعرفيّ والموروث الثقافيّ الجمعيّ والجماعيّ الذي تضمره الذاكرة ، وهي التي ترفعه من مستوى القارئ المستهلك إلى مستوى القارئ الإيجابيّ المنتج للمعنى والمساهم في عمليّة ما بعد القراءة والتأويل. وكلّما كانت القفلة مفتوحة كلما كانت القصّة مُتعدِّدة القراءات، بمعنى ينبغي ترك القفلة مفتوحة على العديد من القراءات الشيء الذي يساعد على تأويلات وقراءات النّص القصصيّ القصير جدًا""(4)
    فما دام عنوان القصة "براءة". فإن البطلة بريئة من كل تهم اقترفتها بيدها، وبعيدة عن تحمل الظلم لنفسها وغيرها. وبصيغة أخرى، فثوبها توسخ لما تزوجت تحت الإكراه ودون استشارتها ومراعاة شعورها برجل لا يرقى إلى مرتبة فارس أحلامها الذي كانت تنشده. فمن خلال هذا التشريح لوضعية القضبان قد يتوافق مع نهاية القصة/ وقد توسخ ثوبها خلف القضبان!/ والاحتمال الممكن أنها تم زفها لرجل وسخ ثوبها ليلة دخلتها، ومن تم أصبحت وراء قضبان زواج مفروض عليها.
    نهاية القصة جسدت مفارقة غريبة، استطاع السارد أن يعمل على تفريغ الذروة وخرق المتوقع، فقد كانت البطلة تراهن على الوصول إلى رغبتها، وإنقاذها على يد صاحب الحصان الأبيض، والهروب بها إلى أبعد نقطة في الكون، لكنها خابت في مسعاها، فأصبحت تحت رحمة رجل آخر تزوجت منه بالإكراه. فالثوب الجميل الذي اختارته للقاء بطلها قد توسخ برجل غريب عنها، فالبطلة كانت طاهرة الثوب، أي خالية من عيوب الجسد والأخلاق. وبريئة في موقفها بالبحث عن بطل تتخيله يليق بها. فالجملة السردية/ وقد توسخ ثوبها خلف القضبان!/ لها معنى خفي وغاطس في أعماق نفسية البطلة وأبعادها الفكرية/ فلم تعد تهتم بزينتها، ولا بجمالها، فقد تخلت عن حلمها قهرا، وبذالك أصبحت حياتها داخل قفص الزواج التي لم تفكر فيه يوما.
    4 ـــ بناء وتركيب
    حالة شخصها السارد لهذه الشخصية البئيسة، بحالة سجين يقضي حياته خلف زواج غير راضية عنه، فكأنها متهمة بجرم هي بريئة منه. كانت تتمنى الأفضل، فليس هناك شخص محدد في حياتها، وإنما رغبت في فارس شديد وقوي يختطفها..بطلة عاشت على التوهم والخيال، فعاشت مدة في الفراغ، تنتظر الفرج. فعن طريق التخييل خلقت قصة الهروب مع صاحب الحصان، فرغم أن السارد لم يعطها الكلمة لتعبر وتبوح، ودون أن يقدمها للقارئ من الناحية الخارجية، وموقعها الاجتماعي والمادي، وعلاقتها مع أسرتها وأهلها، والبيئة التي كانت تعيش فيها. أهي تعيش في بيئة محافظة؟ أهي منغلقة على نفسها؟ هل أسرتها لا تسمح لها بحرية الاختيار؟ فالبطلة تعاني من محنة الظلم والقهر والمذلة التي تلاحق الفتاة والمرأة بصفة عامة، فبعدما تنزع حرية الفرد منه تصبح الحياة عبثية. إنه انتهاك صارخ لحرية البطلة، فلقد كيفوا حرية التصرف على مقاسهم الموروث دون النظر فيما يقول الدين والسنة.
    بعد تفتيش النص وخلخلة مقاطعه وتجزيئه، حاولنا ملء فجواته وثغراته الغائبة. فتبين أن الإنسان الذي يعيش على أحلام مغيبة توجد في عالم المجهول، فإنه لا يمكن تملكها عن طريق التوهم والتصور والتخيل، فانطلاقا من التوهم والتصور خلص الكاتب إلى تعرية واقع ما زال ساريا في مجتمعات كثيرة، لا تعطي للمرأة حرية في اختيار شريكها في الحياة. فكم من فتاة انتحرت بسبب منعها من الارتباط بمن تحب؟ وكم من فتاة قتلها أهلها؟ وكم من فتاة هربت مع عشيقها؟
    نص قيم جمع بين جودة المستوى الدلالي والتركيبي، عمل الكاتب على الانطلاق من قضية عامة /التخيل والتصور/ وهي قضية مشتركة بين جميع الناس، ليصل إلى معتقد ضار بحرية المرأة في العصر الحالي، وهو ما زال مستشريا بقوة رغم ادعاء التحضر والتمدن...

    1 ـــ الدكتور جميل حمداوي/ سيميوطيقا علامات الترقيم في القصة القصيرة جدا ../ صحيفة المثقف ــ أقلام حرة

    2 ـــ سورة الإنسان /الآية 21.
    3 ـــ سورة الدخان/الآية، 53/
    4 ـــ قاسم شهاب/ القصة القصيرة جدا/ مقدمة إلى الدكتور سيف أبو صالح

  2. #2
    الصورة الرمزية حارس كامل أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2013
    الدولة : مصر
    المشاركات : 571
    المواضيع : 66
    الردود : 571
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الاستاذ المبدع والناقد القدير الفرحان بوعزة
    لا اعرف كيف افيك حقك لهذه القراءة الماتعة التي جعلني من نصي العادي نصا باذخا
    وأشكرك لأنك أعدتني لأيام الواحة الجميلة
    تحيتي لك أيها بقدر نبل أخلاقك وكرمك
    لاتأسفن علي غدر الزمان لطالما
    رقصت علي جثث الأسد كلاب

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,035
    المواضيع : 310
    الردود : 21035
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    قراءة مبدعة جميلة لومضة رائعة للأستاذ/ حارس كامل
    قراءة تحليلية نقدية أحاطت ببراعة بكل معطيات الومضة
    وأظهرت خبايا الإبداع الأدبي للكاتب.
    جهد موفق وأداء أكثر من رائع
    تقبل تقديري وإعجابي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي