ثم ناقش المؤلف عوامل تفشى الرشوة فقال :
"عوامل تفشي الرشوة والبيئة التي تساعد على انتشارها:
ما دامت الرشوة على غير العادة فإن عوامل تفشيها هي أيضا عوامل غير عادية:
- وأهمها وأساسها هو ضعف الوازع الديني للآتي:
1- ما ظهر من ربطها بالصوم
2- ما ظهر من أنها من عمل المنافقين واليهود
3- ما ظهر من أن منهجها الأساسي هو الاستماع للكذب والمسارعة للعدوان والإثم
ثانيا: وقوع الظلم والجور في المجتمعات؛ فيعمد العامة لدفعها خوفا على أنفسهم أو تفشيا في غيرهم
ثالثا: عدم مراقبة العمال وأصحاب الولايات على الرعية من قبل المسؤولين؛ فيتجرأون على أخذ الرشوة على أعماله مرابعا: وجود خلل في نظام السلطة؛ فلا يصل صاحب الحق إلى حقه إلا بها خامسا: وجود الحاجة والفاقة؛ فيعمد المحتاج إليها للوصول إلى أكثر مما له لسد حاجته وفاقته كما فعل اليهود في خيبر
أما البيئة التي تساعد على انتشار الرشوة فيها كالآتي:
بما أن الرشوة داء مرض اجتماعي فهي كأمراض البدن تتفشى في البيئة القابلة للمرض:
- مقدمتها البيئة الفقيرة في حالات الأزمات
ثانيا: البيئة التي لم يتوفر لها الوعي العام؛ فلم تدرك مضار الرشوة فيها، ولم يقو أفرادها على مجابهة من لهم عندهم حقوق في المطالبة بحقوقهم
ثالثا: البيئة التي فقد الترابط ووقع في أفرادها التفكك؛ فلا يلوى أحدهم إلا على مصلحته الخاصة ولو عن طريق الرشوة وعلى حساب الآخرين
وإذا تصورنا عوامل تفشي الرشوة والبيئة التي تساعد على انتشار الرشوة فيها فإنه بقي علينا تصوير وبسط نماذج مضار الرشوة وسط هذه العوامل، ومن خلال تلك البيئة بإيجاز"

بالقطع كلام المؤلف ناقص فالرشوة تتفشى للتالى :
-ظلم الحكام الذين لا يعطون العمال مرتبات متساوية مع مرتباتهم كما أمر الله والتساوى وهو العدل يكون كما قال تعالى " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين "
فالموظف الذى لا يكفيه راتبه يضطر لطلب الرشوة او اخذ جزء من مال العمل ليكمل به ضروريات الشهر وهذا هو اكثر الأسباب لحدوث الرشاوى
-الجهل بحرمة الرشوة
- طمع المراشى فى زيادة ماله وهو المرتشى المعتاد الرشوة
ويجب ان تفرق بين دولة المسلمين وهى دولة العدل وهى البيئة الصحيحة ففيها تنعدم الرشاوى تقريبا وبين البيئات الفاسدة التى نحيا فيها والتى يوزع فيها المال على هوى الحكام ففيها تشيع الرشاوى ولكنها ليست رشاوى إلا فى قوانين الحكام لأن معظمها استكمال لتلك المرتبات الناقصة
وتحدث المؤلف عن أضرار الرشوة فقال:
"مضار الرشوة:
لا شك أن مضار الرشوة مما أجمع العقلاء عليها؛ سواء على الفرد أو على المجتمع، في العاجل أو في الآجل، ولكن هذا الإجماع في حاجة إلى تفصيل وأمثلة في بعض المجالات مما يزيد المعنى وضوحا، وعليه سنورد الآتي على سبيل الأمثلة لا الاستقصاء والحصر، وفي البعض تنبيه على الكل
وأعتقد أن مضار الرشوة تتفاوت بتفاوت موضوعها واختلاف درجات طرفيها، فهي وإن كانت داء واحدا إلا أن الداء تختلف أضراره باختلاف محل الإصابة به
فالداء يصيب القلب وغيره، إذا أصاب اليد أو الرجل، كالجرح مثلا؛ فجرح القلب أو الدماغ قد يميت، وجرح اليد أو الرجل غالبا ما يسلم صاحبه ويبرأ جرحه، وإن ترك ألما أو أثرا في محله
والناس في هذا الموضوع منهم من هو بمثابة القلب والرأس والعين، ومنهم من هو كسائر أعضاء الجسد، وعليه فإذا كانت الرشوة في معرض الحكم فإنها الداء العضال والمرض القاتل؛ لأنها تصيب صميم القلب فتفسده فيختل في نبضاته ويفقد التغذية ويصبح غير أهل للحكم، وقد نص الفقهاء أن الحاكم إذا أخذ الرشوة انعزل عن الحكم؛ لأنها طعن في عدالته التي هي أساس توليته
ب: تفسد منهج الحكم في الأمة أيا كان منهجها؛ فإذا كان يقتضي كتاب الله في بلد إسلامي فإنها ستجعله يغير هذا المنهج ويحكم بهواه وهوى من أرشاه، وهذا أشد خطرا عليه هو، كما قال ابن مسعود: إنه كفر مستدلا بقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}
ج: يفقد المجتمع الثقة في الحكم فلا يعول أحد على منهج القضاء والتحاكم لأخذ الحق، وعندئذ فلا يكون أمام المظلوم إلا أن ينتقم لنفسه، ولا عند صاحب الحق إلا الاحتيال لأخذ حقه بيده وفي هذا كله ما فيه من فساد مالا يعلم مداه إلا الله تعالى
د: وبالتالي ينقلب منهج الإصلاح الاجتماعي، فبدلا من أن يتعاون الناس على البر والتقوى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون على العكس من ذلك كله، وفي هذا مضيعة للأمة كلها كما ضاعت أمة بني إسرائيل كما قال تعالى في موجب لعنهم: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}
?: إعطاء الفرصة والتمكين لكل مبطل ليتمادى في باطله؛ فتسلب الأموال وتنتهك الأعراض وتسفك الدماء بدون أي مبالاة؛ تعويلا على أنه سيعبر على جسر الرشوة دون أن يلقى جزاءه ومن مجموع كل ذلك ستقع الفرقة والشحناء والتقاطع في المجتمع وإذا جاوزنا مجال الولاة والحكام فإننا نجد بساحتهم وقريب منهم قرب الفم من الرأس كل من ولي أمرا للمسلمين فلم ينصح لهم حتى يرى كرشوة يعينه أو ينالها بيده، أو تظهر في نطاق عمله وإن كان هو عفيفا لكنه تغاضى عنها بالنسبة إلى من تحت ولايته، وفي استطاعته منعه منها
وذلك على حد قوله (ص): "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه" الحديث، وقوله (ص): "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، والمفاسد في هذا المجال عديدة منها:

أ: تعطيل الأعمال بغية بذل الرشوة
ب: وبالتالي تكديسها وعدم إنجازها
ج: يترتب عليه كساد العمل في البلدة وقلة الإنتاج والمضرة على المجتمع بكامله
د: ذهاب قيمة هذا الجهاز بكامله أدبيا وخلقيا وقريبا من ذلك رسميا، وقد يؤدي إلى تغيير في الجهاز، ويفشو في الناس أن الرشوة هي السبب فتكون مسبة وعارا
ثالثا: ما يقع في الجمارك وعلى الحدود التي هي بمثابة الثغور؛ فقد تكون سببا في إدخال ما هو ممنوع لشدة ضرره كالممنوعات الدولية من مخدرات ونحوها، أو إخراج ما تمس الحاجة إليه
ففي الأول تمكن عملاء السوء من بث سمومهم في الأمة لإفساد الأبدان وضياع الأديان، بل وإفساد الأموال والعقول، وما يجر فساد الفعل وراءه من ويلات، وكل ذلك بسبب رشوة يدفعها العامل لعامل الجمرك وفي الثاني حرمان الأمة مما هو من حقها أن ترتفق به وتتوسع في استعماله؛ فيتيح الفرصة للمهربين وتحصيلهم مصلحة أنفسهم في اتجارهم في ضروريات الأمة

رابعا: قد تكون في إجراء تعاقد مع العاملين، فقد يتعاقد مع غير الأكفاء بسبب ما يقدمونه من الرشوة، ويترك الأكفاء لتعففهم وعزة نفوسهم، واعتدادهم بكفاءتهم
وفي ذلك من المضار ما يفوت على الأمة الاستفادة من كفاءة، ومعرفة الأكفاء ويمنحهم بمضار وعجز الضعفاء، ومجالات ذلك عديدة؛ فإذا كان في حقل التعليم أضر بالعلم نفسه وبتحصيل أبناء وطنه، وإن كان في الطب فليس هو أقل من غيره، وكذلك في المجالات الأخرى ذات الطابع الفني الذي يرتبط بالمجتمع، وقد يكون في إرساء عطاء لمشروع أو في الإشراف عليه؛ فيتعاطف المرتشي مع الأقل كفاءة وإمكانيات وأسوأ معاملة، وتكون النتيجة على رأس المجتمع، فقد يكون مشروع إسكان أو مد جسور فينهار هذا أو ينكسر ذاك، والضحية من المجتمع، وقد سمعنا على مثل هذا، وأن مشروع الإسكان انهار قبل أن يسكن وقبل أن تستلمه الجهة المختصة؛ فكيف تكون الحال لو سكن بالفعل، ومثل ذلك في الطرق والمنشآت الأخرى
خامسا: وقد تكون في إبرام صفقة لحاجة البلد؛ فقد يقع التساهل في الصنف أو النقص في المقدار، وقد سمعنا عن صفقة حبوب؛ فلما وصلت بلدها فإذا هي تالفة بالسوس، فهل تشتري دولة لنفسها حبوبا مسوسة أم أن الرشوة هي التي سوستها، وقد تكون السلعة سلاحا للدفاع عن الوطن والنفس والأهل والمال والعرض فيأتي إما غير صالح أو غير كاف، وقد سمعنا عن السلاح أول ما دخلت الجيوش العربية فلسطين فكان السلاح يرجع على المقاتلين، فهل كانت الأمة تبعث بأبنائها ليعود عليهم السلاح فيقتلهم؛ فيقتلون بأيدي أنفسهم أم الرشوة هي التي قتلتهم وقد تكون في إفشاء سر الدولة أيا كان موضوعه؛ فيقع على الأمة من الخسارة بقدر موضوع ذلك السر الذي أفشاه؛ فقد يكون عسكريا فيفوت الفرصة على الجيش أو يوقع الجيش في مهلكة ويمكن العدو منه وقضية حاطب بن أبي بلتعة عندما هم بإفشاء سر تحركات المسلمين إلى مكة معروفة، لولا أن تدارك الله المسلمين بمجيء جبريل عليه السلام بالجنود وتدارك الظعينة بالخطاب قبل أن تصل العدو كل هذا من المفاسد على عامة الأمة والمجتمع حكومة وشعبا، وهناك المضار الفردية، وهي بالتالي تعود على المجتمع؛ لأن الفرد جزء منه، وما يؤثر على الجزء يؤثر بالتالي على الكل"

تحدث الرجل عن المضار ولكنه لم يتحدث عن أساس الأزمة كلها وهو الحكام فالرشاوى الموجودة حاليا تعتبر جزء من ضمن دورة الظلم التى تبدأ بظلم الحكام الناس فى مرتباتهم ومعاشاتهم فلكى ينصلح الحال لابد من إصلاح أس الفاسد فالمجرمون أولا ليسوا المرتشين وإنما المجرمون هم الحكام الذى شرعوا توزيع مال الدولة على الهوى وليس بالعدل فمهما حاسبت أو قبضت على مرتشين سيظل غيرهم يظهر لأن أس الفساد موجود وغالبهم مضطر لطلب الرشوة لكى يكمل ضروريات الحياة
وكلمنا المؤلف على تأثير الرشوة على الفرد فقال :
"تأثيرها على الفرد:
أما تأثيرها على الفرد فإن مرد ذلك على طرفيها: الراشي والمرتشي وتقدمت الإشارة إليه في نصوص سورة المائدة من دنس القلب وذلة النفس وصغار المرتشي وأول ما يكون ذلك وصغاره عند راشيه وشريكه، وقد جاء في بعض الأخبار أن شخصا ارتشى وباع سرا من أسرار بلده لملك من الملوك؛ فجاء ليقبض ثمن خيانته وطلب لقاء ذلك الملك وظن أنه سيكرمه لقاء ما أسداه إليه من جميل، فلما حضر طلب مصافحة الملك فأمر الملك بدفع الثمن إليه وقال له: هذا ثمن عملك أما يدي فلا تصافح خائنا
ب: إماتة الضمير في العاملين؛ فلا يخلص في عمله ولا ينجز ما وكل إليه إلا بأخذها
ج: إضعاف الكفاءات فلا يجهد المجد نفسه في تحصيل مقوماته الشخصية لثقته بالوصول إلى مطلبه عن طريقها، كما يعول بعض الطلاب على الغش في الامتحان، أو بعض المشتركين في المسابقات للعمل يعول على ما سيوصله إلى العمل المنشود عن طريقها وبالطرق التي يسلكها وكما أسلفنا نتائج كل ذلك إنما هي على الفرد أولا ثم على المجتمع ثانيا ومن كل ما تقدم يظهر خطر تفشيها ومضار وجودها، مما يحتم محاربتها ومعالجة المجتمع من دائها"

كما قلت كل هذا الكلام عن التأصير فى الفرد والجماعة هو كلام إنشاء لا يعالج المشكلة والذى تحدث المؤلف عنه فقال :
"طريقة علاجها:
طريق علاج أي داء إنما تبدأ من تشخيصه، ثم بمنع مسبباته، ثم علاج أعراضه ومضاعفاته وإذا كان التشخيص قد وضح فيما تقدم، والأسباب قد وضحت، والأغراض ملموسة والمضاعفات تتزايد فلم يبق إلا منهج العلاج ومن المعلوم أن المرض الشخصي يتحمل مسئوليته الشخص المختص به، وإذا كان جماعيا تتحمل الجماعة مسئولية التعاون على علاجه والرشوة جمعت بين الأمرين الشخصي والجماعي؛ فعلى الجميع أفرادا وجماعات واجب التعاون على علاجها، وقد رسم لنا القرآن والحديث منهج العلاج
أولا وقبل كل شيء: القضاء على مسبباتها كما علمنا ضعف الوازع الديني؛ فيعالج بتقويته وتوعية المجتمع توعية دينية، والتحذير من مضارها العاجلة والآجلة من مغبة الأكل الحرام وأثر السحت في النفوس والقلوب مما تقدم
ثانيا: الرقابة على الأجهزة التي تكون مظنة تفشيها في أوساطها حتى يحسبوا لذلك حسابا، وهذا إن لم يمنعها كلية سيخفف من وطئها
ثالثا: مصادرة كل ما ثبت أنه أخذ رشوة، سواء كان هذا المأخوذ مالا أو عرضا أو أي عين مادية، حتى تقلل طمع المرتشين وتسد الطريق على من تسول له نفسه بها، كما فعل (ص) بابن اللتبية
رابعا: ما جاء في نص القرآن الكريم: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار} ، والربانيون هم ولاة الأمر العالمون بحدود الله، والأحبار هم العلماء والمعلمون فيجتمع الوازع الديني من العلماء والوازع السلطاني من الحكام"

كل ما قاله الرجل هنا لا يعالج المشكلة من الجذور فهو كلام للسكوت على ظلم الحكام فالله لا يعاقب مرتشيا لا يقدر على اطعام والباس وعلاج واسكان أسرته وإنما يعاقب الحاكم الذى قلل راتبه حتى يظل فى حالة عوز مستمرة
أساس المشكلة هو تشريعات الحكام وفر الضروريات للكل ثم عاقبهم لو ارتكبوا الجريمة ولو وفر الحكام الضروريات فلن تظهر هذا الجريمة إلا نادرا
وبعد كل هذا الكلام الطويل عاد الرجل بيخبرنا بوجود فرق بين الهدية والرشوة فقال:
"الفرق بين الهدية والرشوة:
ما تقدم أو من خلاله يظهر خيال في الأفق باسم الهدية، ويتساءل من خالط هذا الباب عن الفرق بين الرشوة وبين الهدية وقبل الإجابة عن الفرق الحقيقي نقدم مقارنة واضحة من حيث الموضوع ثم من حيث الحكم لاشك أن المال أو العرض المدفوع هو بعينه؛ فتارة يكون هدية مقبولة، وتارة يكون رشوة ممقوتة والفرق بينهما يظهر من موضوعه والغاية منه، واتفق العقلاء أن الواحد بالجنس يكون بعض آحاده مشروعا وبعض آحاده ممنوعا، كالسجود مثلا؛ فهو جنس يشمل السجود في الصلاة والسجود للسهو وسجود التلاوة وكله عبادة فهو جنس، فإذا وقعت سجدة لله فهي عبادة وفريضة وهي مشروعة، وإذا وقعت سجدة لغير الله فهي شرك وممنوعة، فالسجدة الأولى ليست هي نفسها السجدة الثانية ولكنهما من جنس واحد، أو إن كانتا سجدتان متغايرتان في زمنين مختلفين بل الواحد بالذات يكون ممنوعا باعتبار مشروعا باعتبار آخر، كما في حديث بريرة: تصدق عليها باللحم ووضع على النار للطبخ، ودخل (ص) وطلب الطعام، فقدم إليه خبز وملح أو خل فقال: "ولم وأنا البرمة على النار؟ " فقالوا: هذا اللحم تصدق به على بريرة، فقال: "هو لها صدقة، وهو لنا منها هدية" فأكل منه فباعتباره صدقة حل لبريرة وحرم على رسول الله (ص)، وباعتباره منها وبعد تملكه وإهدائها إياه بعينه لرسول الله صلى اله عليه وسلم صار حلالا، وأكل (ص) منه ومن هنا نقول: إن الهدية مشروعة ومرغب فيها، ولها أثر ضد أثر الرشوة؛ لأنها تؤلف القلوب وتورث المحبة، كما قال (ص): "تهادوا تحابوا" وبين أن الهدية تزيل أضغان النفوس بينما الرشوة على العكس تورث القطيعة وتوقع العداوة، والهدية يدفع المهدي بطيب نفس تقديرا للمهديى إليه أو تطييبا لخاطره أو تأليفا له، وكلها مقاصد حسنة وعن طواعية، ولذا فهو لا يخفيها كما يخفي الراشي رشوته والمهدى إليه قد يكافأ عليها إن عاجلا أم آجلا بينما الرشوة يدفعها الراشي مكرها ويأخذها المرتشي متسترا، وقد جاء الحديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"، وهو موافق للهدية معاكس للرشوة، وكما في قوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} أي لطيب النفس به وقد روي عن علي في الدواء أن تأخذ هبة من صداق زوجتك وتشتري به عسلا، أي لاجتماع الشفاء به
والنصوص في قبول الهدية أكثر من أن تورد هنا، ويكفي إجماع المسلمين على قبولها وهناك ما هو أعم، وهو كل عطاء بغير مسألة سواء قصد بذلك الإهداء والمحبة أو قصد به العطف والمساعدة،كما في حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد والبيهقي أن عبد الله بن عامر بعث إليها بنفقة وكسوة فردته، ثم استدعت الرسول بها وقالت: إني ذكرت شيئا قال لي رسول الله (ص): "يا عائشة من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه، فإنما هو رزق الله تعالى إليك"وعن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: "من عرض له من هذا الورق شيء من غير مسالة ولا إشراف نفس فليتوسع به في رزقه، فإن كان غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه"، رواه أحمد والبيهقي وإسناد أحمد جيد قويوالنصوص في هذا من حلها وجوازها معلومة، بينما الرشوة كما تقدم فالفرق بينهما هو عين الفرق بين الحلال الصرف والحرام البحت
تحذير: وهنا يلزم التحذير الشديد من تسمية الرشوة باسم الهدية؛ لأن من أكلها عالما بها أنها رشوة مستحلا إياها فإنه يخشى عليه الكفر؛ لأنه يدخل في عموم من استحل ما علم تحريمه بالضرورة والسؤال هو: متى يكون العطاء هدية ومتى يكون رشوة؟
والجواب أولا وقبل كل شيء أن الأمور بالمقاصد، بناء على حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وحديث: "البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس" حديث وابصة بن معبد قال جئت رسول الله (ص) فقال: "أتيت تسأل عن البر والإثم؟ " قلت نعم، قال: "استفت قلبك! البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك"هذا بحمد الله مقياس واضح في نفس كل مسلم ولكن مع هذا أيضا فقد يتساءل البعض عن وجود فارق بين الرشوة والهدية ينتهي إليه كل إنسان، بل ونحكم نحن بمقتضاه على ما نقف عليه من غيرنا، ومما يخفى على بعضنا ولا بأس بهذا؛ فقد جاء عن النبي (ص) الجواب الكافي في قوله (ص): "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
ونلاحظ في هذا الحديث تأكيد الأسلوب بـ (إن) في الطرفين الحلال والحرام؛ ليوضح أمرهما ومعرفتهما للجميع، وإهمال الواسطة بينهما عن التأكيد لغموضها، وذلك لأن لا يعرفها كثير من الناس
وعندنا هنا طرفان واضحان الهدية حلال مشروعة نافعة مرغب فيها، والرشوة حرام ممنوعة ضارة منهي عنها، وبينهما نوع من العطاء في صور يتردد النظر فيها هل يلحقها بالهدية أم يلحقها بالرشوة، ن من ذلك على سبيل المثال:
1- تعاقدت مع إنسان على عمل بقدر معلوم إلى أجل معلوم فأنجزه إليك قبل أجله، أو قام به على أحسن ما كنت تتوقعه فطابت نفسك وأعطيته شيئا مقابل ذلك
فلا بأس به؛ لأنه يعتبر من ضمن الأجر ومن المكافأة على الإحسان بالإحسان، وإنما دفعت ما دفعته في مقابل نفع ذلك دون مضرة على غيرك، وهو قدم إليك من المعروف ما ليس واجبا عليه، فكانت منكما معارضة إحسان بإحسان
2- أعطيت إنسانا لك عنده معاملة في جهة من الجهات، وهو مسئول عنها وعن غيرها، وذلك ليسرع لك في إنجازها، أو هو من نفسه أسرع في إنجازها دون أن تعطيه، فطابت نفسك عن شيء فأعطيته إياه وهنا ينظر في كيفية الإسراع لما أعطيته ابتداء منك: هل كان على حساب تأخير معاملات الآخرين أم هو ضمن نطاق عمله وفي نطاق المعتاد؟ فإن كان على حساب تأخير الآخرين فهذا ألصق بالرشوة، بل إنك ستغريه وتدفعه إلى تعطيل المعاملات الأخرى حتى يتقدم إليه أصحابها بمثل ما تقدمت أنت إليه به

وإن كان في نطاق عمله وليس على حساب تأخير معاملات الآخرين فلأي شيء دفعت؟ ولأي شيء هو أخذ؟ ولكنها أخف مما قبلها إلا إذا كانت ستجعله يتطلع إلى مثل ذلك منك أو من غيرك؛ فتمنع سدا للذريعة
1- أشخاص يعملون في دوائر أو مكاتب مختلفة وتمر بهم معاملات لك، وتأخذ طريقها مع غيرها بدون تمييز لها ولا تخصيصها باهتمام من أجل صاحبها، وهو لا يقدم شيئا على تلك المعاملات لكثرتها أو لكثرة من تمر عليهم، ولكنه في المناسبات كالأعياد أو العودة من سفر ربما يقدم هدايا لبعض الناس أو يقدم مساعدات لبعض الأشخاص، فقدم لهؤلاء مع غيرهم من حيث حاجتهم أو صداقتهم لكثرة التعامل معهم
وهنا يقال: إن كان ما يهديه من هدايا أو يسديه من مساعدات من حيث الإنفاق عليهم ومد يد المساعدة إليهم لقلة مرتباتهم وكثرة منصرفاتهم وأعطاهم كما أعطى غيرهم؛ فهذا أقرب إلى الإهداء والمصانعة ولكن لا ننسى ما قدمناه وهو ما لم يكن ذلك لقصد إنجاز عمله وتقديمه على عمل غير عمل الآخرين، وكذلك ما لم يكن ذلك في حسبان العامل واستشراف منه إليه ولعل في هذه الأمثلة بعض الصور التي قد يقع الالتباس فيها على بعض الناس وقد رأينا فيها كلها أن العطاء عن طيب نفس ومن غير سؤال ولا استشراف نفس ولكن هناك مجال آخر، وهو ما إذا كان العطاء لا عن طيب نفس بل عن اضطرار، ومن الجانب الآخر بطلب وإصرار؛ فماذا يكون الحكم بالنسبة لعطاء المعطي في حالات اضطراره وبالنسبة للأخذ في حالات سؤاله واضطراره؟"

ثم كلمنا الرجل عن حكم الحصول على الحق يدفع شىء فقال :
"أقوال العلماء فيمن صانع بماله عند اضطراره:
أولا: عند المفسرين وبإيجاز:قال القرطبي - عند آية المائدة الأولى {سماعون للكذب أكالون للسحت} -: وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له: الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: إنما يكره من الرشوة أن ترشي لتعطي ما ليس لك أو تدفع حقا قد لزمك،فأما أن ترشي لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام قال أبو الليث السمرقندي الفقيه: وبهذا نأخذ؛ أن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة، وهذا كما روي عن عبد الله ابن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا دينارين وقال: إنما الإثم على القابض دون الدافع ا?
ثانيا: المحدثون:
جاء في تحفة الأحوذي على سنن الترمذي - عند حديث أبي هريرة في لعن الراشي والمرتشي المتقدم ذكره - قال: فأما ما يعطي توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه، وساق خبر ابن مسعود في الحبشة، ثم قال: وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم وهذا نقلا منه عن ابن الأثير، ثم نقل عن صاحب المرقاة شرح المشكاة كلام الفقهاء عن ابن الأثيروكذلك الآخذ إذا أخذ ليسعى في إصابة الحق فلا بأس بهلكن هذا ينبغي أن يكون في غير القضاة والولاة؛ لأن السعي في إصابة الحق إلى مستحقه ودفع الظلم عن المظلوم واجب عليهم؛ فلا يجوز لهم الأخذ عليه الخ وفي العارضة لابن العربي على صحيح الترمذي ما يقرب مما تقدم لفظا ويتفق معه معنى
وعند الشوكاني فيها نقاش طويل، من ذلك نقله عن المنصور بالله قول أبي جعفر وبعض أصحاب الشافعي: إنه إن طلب حقا مجمعا عليه جاز، قيل وظاهر المذهب المنع لعموم الخبر الخامس ثم ناقش هذا القول لعدم قيام دليل عليه، ولعمومات النهي عن أكل أموال الناس بالباطل والملاحظ أن كل ما ذكره يصدق على الآخذ، وهذا لا خلاف فيه، إنما البحث في الدافع أيضا؛ فهو يتفق مع الجمهور في تحريمه على الآخذ، وخالف الجمهور في حق الدافع مع الاضطرار، وهو محل البحث

كلام الفقهاء:
الحنابلة: ابن قدامة في المغني؛ يظهر أن ابن قدامة من أشد الناس في باب الرشوة، وقد ذكرها في موضوعين:
الأول: في باب الحج في فصل إمكان السير، قال: فإن كان في الطريق عدو يطلب خفارة فقال القاضي: لا يلزمه السعي وإن كانت يسيرة؛ لأنها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكبيرة، وقال: ابن حامد: إن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج؛ لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها؛ فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم فتراه حكى القولين عنهما ولم يرجح، ولكن في تعليله عند ابن حامد ما يشعر بموافقته عليه، بأن تجوز من المحق وتحرم على المبطل الذي يأخذها بدون حق
والموضع الثاني: في آداب القاضي، فيما نقله قتادة عن كعب: وإن رشاه ليدفع ظلمه ويجزيه على واجبه فقد قال عطاء وجابر بن زيد والحسن: لا بأس أن يصانع عن نفسه، وقال جابر بن زيد: رأينا في زمن زياد أنفع لنا من الرشا، ولأنه يستنقذ ماله كما يستنقذ الرجل أسيره، فإن ارتشى الحاكم أو قبل هدية ليس له قبولها فعليه ردها إلى أربابها
وعند المالكية: قال في الشرح الصغير على أقرب المسالك وفي المعيار سئل بعضهم عن رجل حبسه السلطان أو غيره ظلما، فبذل لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره هل يجوز أم لا؟ فأجاب: نعم يجوز، صرح به جماعة منهم القاضي حسين ونقله عن القفال?
ذكر في حاشيته التفصيل في الأخذ على الجاه التحريم مطلقا، والكراهة مطلقا، والتفصيل إن كان محتاجا إلى نفقة وتعب سفر وأخذ مثل أجر مثله فلا بأس وإلا حرام
عند الأحناف: في فتح القدير شرح الهداية قسم الرشوة أربعة أقسام: الثالث منها أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع، وهو حرام على الآخذ لا الدافع، وحيلة حلها أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة، ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني وفي الأقضية: قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها، فقال: حلال من الجانبين كالإهداء للتودد، وحرام من الجانبين كالإهداء ليعينه على الظلم، حلال من جانب المهدي حرام على الآخذ، وهو أن يهدي ليكف عن الظلم، والحيلة أن يستأجره الخونبه على أن هذا إذا كان فيه شرط بينهما، أما إذا كان الإهداء بلا شرط ولكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي إليه ليعينه عند السلطان؛ فمشى بحثا على أنه لا بأس به، ولو قضى حاجة بلا شرط ولا طمع فأهدي إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به الرابع: ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه وماله حلال للدافع حرام على الآخذ؛ لأن دفع الضرر عن المسلم واجب، ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب?وعند ابن تيمية في المجموع - أي مجموع الفتاوى - في موضعين الأول منهما ج 29 ص 258 أثناء الجواب على المطعومات التي تؤخذ عليها المكس ومحتكرة هل يحرم شراؤها؟ وبعد تفصيل طويل قال: ألا ترى أن المدلس والغاش ونحوهما إذا باعوا غيرهم شيئا مدلسا لم يكن المشترى حراما على المشتري لأنه أخذ منه أكثر مما يجب عليه، وإن كانت الزيادة التي أخذها الغاش حراما عليه، وأمثال هذا كثير في الشريعة ثم قال مبينا قاعدة فقهية بقوله: فإن التحريم في حق الآدميين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر، كما لو اشترى الرجل ملكه المغصوب من الغاصب، فإن البائع يحرم عليه أخذ الثمن والمشتري لا يحرم عليه أخذ ملكه، ولا بذل ما بذله من الثمن، ثم حكى أقوال العلماء في خصوص الرشوة، فقال: ولهذا قال العلماء: يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق وإرشاده حرام فيهما يعني في الأمرين الذين هما دفع الظلم أو منع الحقثم قال: وكذلك الأسير والعبد المعتق إذا أنكر سيده عتقه، ومثل كذلك بالزوجة يطلقها زوجها فينكر طلاقها، فكل منهما يفتدي نفسه بالمال ليحق حقا وهو العتق والطلاق، ومعلوم أنهما حق لله تعالى وإلا بقيت الزوجة على غير عصمة ولذا تجد الفقهاء في مثل ذلك قالوا: لا تمكنه من نفسها باختيارها لتكون في حكم المغصوبة واستدل في هذا المبحث بالأثر عنه (ص): "إني لأعطي أحدهم العطية، فيخرج بها يتلظاها نارا"، قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: "يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله له البخل" وقوله: ومن ذلك قوله: (ما رقى به المرء عرضه فهو صدقة) ، فلو أعطى الرجل شاعرا أو غير شاعر لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره كان بذله بذلك جائزا، وكان آخذ ذلك لئلا يظلمه حرام
وساق كلاما طويلا في ذلك المقام
الموضوع الثاني: في مجموع الفتاوى ج 31 ص 285 في جواب عن سؤال في هدايا الأمراء لطلب حاجة أو التقرب منهم الخف بدأ جوابه بحديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة، قال: "من شفع حبة الشفاعة فأهدي له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا"وساق تحريم الرشوة ثم قال: فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه وذكر الأثر الأول في إعطائه (ص) عن ملح في مسألة المتقدم إبداءه، وذكر أيضا موضوع العتق والطلاق من أسر خيرا وكان ظالما للناس فأعطوه جاز للمعطي حرام على الآخذ، وساق كلاما طويلا في هذا المعنى"

المسلم يفرق بين معيشته فى مجتمع مسلم فكل ما ذكر لا يجوز فيه وبين معيشته فى مجتمع كافر أى فاسد يحكم بغير حكم الله حتى وإن سماه أصحابه مجتمعا مسلما وفى هذا المجتمع يتغير الحكم فالمحرم فى المجتمع المسلم يصبح بعضه حلالا فى المجتمع الكافر اضطرارا
الرشوة كاسم تدل على معانى متعددة المشترك بينها :
أنها أخذ طرف مال أو شىء ليس حقه من طرف أخر مقابل القيام بعمل محرم أو محلل والمثال الشهير هو أن القاضى يأخذ الرشوة مقابل العمل المحرم وهو أن يقضى لدافع الرشوة بشىء ليس من حقه
الحياة الفاسدة أعطتنا المثال الأخر وهو أن يقوم صاحب الحق بدفع مال أو يطلب الموظف منه شىء ليس من حقه فالموظق يقوم بتعطيل تسليمه الحق حتى يقوم بتسليمه هذا الحق ومن أمثلة هذا الطبيب الذى لا يصرف للمرضى العلاج من التأمين الصحى حتى يقوموا بالكشف الخصوصى عنده ومن أمثلة هذا المعلم الذى لا يعطى الطالب درجته التى يستحقها فى المدرسة حتى يقوم بأخذ الدرس عنده ومن أمثلة هذا موظف تنفيذ الأحكام الذى يعطل تنفيذ الحكم حتى يعطيه صاحب الحق شىء ومن أمثلة هذا الضابط الذى يقوم بحجز البرىء كى يعمل مرشدا له ومن أمثلته موظف الميناء الذى يمنع الهارب المسافر من السفر حتى يدفع له ومن أمثلته موظف البلدية الذى يطلب ممن يريد قضاء مصلحته أن يشترى له أقلاما وأوراقا ليست على قاضى المصلحة ومن أمثلته قيام المهندس بإرساء المقاولة على مقاول معين إذا دفع له جزء من مال المقاولة
وقطعا سبب كل هذه الصور هو الحكام والحكومات الفاسدة التى لا تعطى هؤلاء مرتبات تكفيهم ومن ثم يلجئون لتلك الأساليب الملتوية أو يقوم الرؤساء بوضع شرط الترقية أن يقوم الضباط بعمل عدد كبير من القضايا فيقومون بتحريض المجرمين على بعضهم ليرشدوا الضباط على الجرائم التى يقومون بها
وكما سبق أن قلت الرشوة فى حالة الحياة الفاسدة ليس من يقوم بها المجرم وإنما المجرم هو مانع الحقوق وهو الحكام والحكومات فهم المجرمون أولا ولا يعاقب ايا منهم قبل أن يكون العدل سائدا ولكن فى بلاد الكفر يحاسب الضحية ويترك المجرم الحقيقى