نحن قوم أعزّ نا الله بالأسلام ومهما أبتغينا العزّه بغيره ...أذلنا الله
اما بعد
فتن النفاق
و النفاق فى كل عهد..و فى كل زمان
قال تعالى" وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {9/46} لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {9/47} لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ {9/48}
وردت هذه الآيات الكريمة فى سورة التوبة التى سميت بالسورة الفاضحة من حيث إنها عنيت بكشف فضائح المنافقين و المخذلين الذين يندسون فى الأمة ليحدثوا بلبلة فى الأفكار و إضطراباً فى النفوس و هلعاً من العدو..إنطلاقاً من طبعهم المتأصل فى نفوسهم، و الذى كان سبباً فى نفاقهم و هو الضعف و الحذر، و الخوف و الجبن عن ملاقاة الأعداء و استرخاص الحياة فى سبيل الله سعياً إلى حياة العز و القوة و المجد..هؤلاء المنافقون فى كل أمة هم آفتها و جرثومة الفتك و الدمار بها..ذلك أن لديهم من فصاحة اللسان، و الكلام المعسول، و التعليلات الملفقة، و القدرة على الإختراع ما يثير الشكوك و الريب، و ما يثبط العزائم و الهمم، و ما يسبب الفرقة و الخلاف بين الصفوف، ما يجعل البسطاء يتأثرون بما يسمعونه منهم دون تحرٍ و لا تدبر.. و هذا ما يقرره القرآن الكريم عنهم:" } وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {9/46} لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {9/47}
و يشتد نشاط هؤلاء فى أيام الحروب..إذ من عادتهم الصيد فى الماء العكر.. و لقد اهتمت هذه السورة الكريمة ببيان مواقفهم السخيفة فى غزوة تبوك..تلك الغزوة التى دعا إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم وقت القيظ و الحر الشديد..ذلك الموعد الذى تميل النفس فيه إلى الراحة، و التمتع بالظل و الماء البارد..دعا المؤمنين إلى هذه المعركة مع أقوى دول العالم حينذاك..مع دولة الرومان العظمى فى وقت كانت هى المنتصرة على منافستها فارس..لما علم تجمع قواتها لحرب المسلمين.. و لأول مرة يعلن رسول الله صلى الله عليه و سلم! عن مقصده فى غزواته.. فقد كانت لديه من الحكمة فى القيادة ما يجعل كل تحركاتها السابقة لهذه الغزوة فى سرية تامة حتى يفاجئه بالضربة القاضية دون تأهب منه و لا استعداد.. حرصاً منه صلوات الله و سلامه عليه على عدم إراقة الدماء، و على رسم الخطط بما يتطلبه المواقف الحازمة.. و لكنه فى هذه الغزوة بالذات أعلن عن مقصده.. إذ إنها بعيدة و شاقة، و الوقت صيف قائظ، و العدو فى أوج عظمته السياسية و العسكرية.. و من ثم كان لابد من إعلام أصحابه حتى يستعدوا استعداداً كافياً.. فليست المعركة عادية كهذه المعارك التى خاضتها من قبل.. و صدر الأمر بالنفير العام، و حرك الإيمان نفوساً بذلت كل ما ما تملك فى سبيل الله، كما فعل سيدنا عثمان بن عفان و غيره من الصحابة البررة.. و هنا.. و أمام هذه الأخطار التى يترقبها دائماً المنافقون انخلعت قلوبهم، و توافقدت على رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم الوفود يعتذرون عن الخروج معه بأعذار واهية حتى بلغت تفاهة أعذارهم أن جاء رجل منهم يعتذر بأنه يحب النساء و أنه لا يطيق إذا رأى نساء الروم أن يفتن بهن..
هكذايدعى أنه يخاف الفتنة بالنساء مع أنه بتقاعسه يدعو إلى فتنة أكبر.. و من هنا قال عنه رب العزة:" وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ {9/49}