نقد كتاب دراسات في أصول اللغة العربية
الكتاب مؤلفه عبد العزيز بن عبد الفتاح بن عبد الرحيم بن الملاَّ محمد عظيم القارئ المدني وهو يدور حول أصول اللغة العربية وفى مقدمته قال المدنى:
"في عدد سابق من مجلة الجامعة الإسلامية أتحفنا محمد تقي الدين الهلالي ببحث قيم عن ما وقع في القرآن بغير لغة العربية، وكانت آراؤه التي أودعها بحثه وتعليقاته على كلام من سبقه من علماء الإسلام مهمة، ولقد استفدت منها كثيرا، وكنت أتتبع هذا الموضوع منذ زمن في غمرة تتبعي ودراستي لحديث " أنزل القرآن على سبعة أحرف "
ومما أعطى البحث المذكور أهمية خاصة إلمام فضيلة كاتبه بعدد من اللغات منها (العبرانية) وهذا مما يسهل مهمة المقارنة بين اللغات المعنية في هذا البحث فأحببت أن أسهم فيه بحلقة أخرى تضم إلى حلقاته يتأمل فيها شيخنا الدكتور ويزودنا بمزيد من آرائه، ويستفيد منها القارئ، وخاصة من أشكل عليه هذا الأمر ولم يفهم سره

الإشكال حول المعرب في القرآن بطريقة تدل على أنه لم يطلع على البحث المشار إليه وتدل على عدم اطلاع كاف في الموضوع
ولقد رأيت من الضروري لاستكمال الصورة الواضحة أن تشمل دراستي موضوعين حيث ينبني أحدهما على الآخر:
- أصل العرب ومنشؤهم
- اللغة العربية: نشأتها، والمراحل التي مرت بها
ولا أدعي أنني آت فيهما بآراء حاسمة ونتائج نهائية، أو أنني مستوف للبحث ومعط له حقه، إنما هي محاولة للدخول في دراسة واسعة متكاملة دقيقة تحتاج إلى جهد عظيم، وعناء شديد ووقت طويل"

ومما لا شك فيه أن البحوث التاريخية حول أصل اللغة هى أبحاث تضييع للوقت والجهد فيما لا طائل من خلفه أولا لأن الشهود ماتوا وثانيا لأن الوثائق والآثار مزورة أو على الأقل اكتشفها كفار الغرب وهم من قاموا بحل شفراتها وثالثا ما الفائدة التى يجنيها الناس من تلك المعرفة؟ ورابعا أن كل الأبحاث هى ترديد لنفس النظريات التى قيلت فى كتب التراث وفى كتب الأجانب وفى النهاية الخلاف يظل قائما ولا أحد يقتنع برأى أحد
المسلم فى تلك الموضوعات ليس له سوى ما قاله الله وإن عارض ما يقوله الباحثون جميعا وقد استهل المدتى البحث بتعريف العرب فقال:
"- العرب:
من المجمع عليه أن القرآن أنزل بلغة العرب، وأن الله عز وجل اختار هذه اللغة العظيمة لتكون الوعاء الذي يحمل كلامه المنزل على رسوله، كما اختار أمة العرب ليكونوا الرسل الذين يبلغون دعوته للأمم و {الله أعلم حيث يجعل رسالته} : فاختياره عز وجل لهذه اللغة يدل بلا ريب على أنها أفضل اللغات وأفصحها , كما أن اختياره لأمة العرب ليكونوا حملة الرسالة ويكون الرسول منهم يدل بلا ريب على أنهم كانوا أفضل الأمم، وأقربها للحق، وأكثرها صلاحية وتهيؤا لحمل رسالة الإسلام إلى العالم"
ما قاله المؤلف هنا عن اختيار العرب كرسل لرسالته هو خبل لأن العرب هم أول من كذبوا النبى(ص)وهم من حاربوه طوال حياته حتى مماته كما يحكى التاريخ
المسلمون هم من حملوا الرسالة ليسوا كرسل وإنما كمسلمين ومنهم من كان يتكلم العربية ومنهم من كان يتكلم غيرها
وأما حكاية أفضلية اللغة العربية فافتراء على الله لأن الوحى الإلهى نزل بكل اللغات كما قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه "
ولم يقل الله فى أى وحى أنها الأفضل وإنما جعل اختلاف اللغات وهى الألسن آية تدل على قدرته فقال:
"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"
صم تساءل المدنى فقال:
"فمن هؤلاء العرب؟
أما تعريف العرب، وتحديد أصل بدايتهم، ونشأتهم ومساكنهم وديارهم التي يتضمنها اسمهم، فهذا مما كثر فيه الاختلاف، وندر فيه القطع واليقين وكل ما قيل فيه يحتمل مزيدا من النقد والتمحيص، ويحتاج إلى دراسة علمية دقيقة تستخدم فيها الوسائل المعاصرة التي هي أكثر فعالية في تحديد مثل هذه القضايا التاريخية ومن هذه الوسائل: إجراء مسح دقيق شامل لديارهم واستخراج بعض الآثار ودراستها، مع أن ما أخرجته الحفريات من آثار قديمة هي في حد ذاتها أيضا لا تعطينا معلومات قطعية في غالب الأحوال، ولذلك فإن الدارسين في هذا المجال والمهتمين بهذه الحفائر سرعان ما تتغير آراؤهم كلما أنتجت الحفائر شيئا جديدا، وقد بذل الغربيون جهدا كبيرا في هذا الشأن وحاولوا الاستفادة منه
ومما ساعد على تشعب الخلاف حول مسألة - أصل العرب - أن تاريخهم قبل الإسلام يلفه غموض شديد حيث لم يدون ولم ينقل إلينا بالقدر الكافي لإيضاح معالمه، لأن العرب في الغالب كانوا أمة أمية لا تدون ولا تقرأ، وقلما تؤرخ، فإن أرخت فبالحوادث المشهورة كقولهم: عام الفيل، وعام الغدر، وعام الماء، وزمن القتاد إلا أن هناك نواحي في هذا التاريخ يكاد ينعقد عليها إجماع علماء الأنساب والتاريخ، وأشارت نصوص القرآن والسنة إلى بعضها، فنحن نلم من هذين المصدرين بما يكفي لإعطاء صورة واضحة، وإلقاء ضوء ساطع على موضوعنا، ولعل استنتاجاتنا إذ حصرناها في ذلك تكون أقرب إلى القطع واليقين منها إلى الحدس والتخمين"

يقر الكاتب هنا بأن البحث فى أصل العرب مختلف فيه اختلافا شديدا ويحتاج لمزيد من البحث العلمى فى الآثار وغيرها وهو كلام يعنى أن لا فائدة مما قاله ومما سيقوله فى الصفحات القادمة
الغريب فى الأمر أن كتاب الله لم يتحدث عن أمة اسمها العرب أو عن عرب وإنما كل ما ورد هو عن الأعراب ويبدو أنهم سكان البادية أو خارج المدن وهذا يعنى أن لا وجود لهؤلاء العرب ورقم ما قاله الرحل عن استحالة الوصول حاليا لأصلهم التاريخى فإنه أكمل البحث فقال:
"أصل العرب:
اتفق علماء الأجناس وعلماء الأنساب على أنهم من - الفصيلة السامية - وكذلك المؤرخون المسلمون أرجعوا أصلهم إلى - سام بن نوح - (ص)وهو أحد الأصول الثلاثة التي تتفرع منها الأمم وهي (سام، وحام، ويافث) ، روى ابن عبد البر في كتابه عن أنساب العرب والعجم حديثا عن سمرة بن جندب عن النبي (ص)أنه قال: "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم" ورواه أيضا الترمذي وأحمد والحاكم عن سمرة، وذكره الحافظ العراقي في كتابه - القرب في محبة العرب - وحسنه
ومن المعلوم أن تمايز الأجناس والأمم إنما حدث بالتدريج ابتداء بهؤلاء الأصول الذين يمثلون ذرية نوح الباقين في الأرض ولكننا لا نستطيع أن نجزم ببداية تميز العرب كأمة مستقلة في أي تاريخ كان فضلا عن أن نحدد لهم أبا بعد - سام - تناسلوا منه: سواء كان هذا الأب هو يعرب، أو قحطان، أو عابر بن شالخ بن أرفخشذ، أو نابت بن إسماعيل، أو حتى إسماعيل (ص)نفسه فالخلاف محتدم في أي من هؤلاء هو الأب الأول الذي يرجع إليه العرب كما سيأتي بيانه عند الكلام على قحطان وعدنان"

ويعود هنا المدنى للإقرار بوجود اختلاف غير محسوم وحتى ما قاله عن كونهم ساميين هو كلام كاذب حتى وإن وردت تلك الرواية التى لا يمكن أن تخرج من فم النبى الأخير(ص) لكونها تكذب أن بنى إسرائيل وهم اصل السامية كما يزعمون لم يكونوا من ذرية نوح(ص) لأن نوح(ص) لم يكن له ذرية ينين بعد الولد الفارق وإنما هو نسل من ركبوا معه فى السفينة وهو قوله تعالى :
"وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح"
ويحدثنا المدنى عن موطن العرب الأول مبينا انه فى مثلث الحضارات والأديان فيقول:
"لكن يبدو أن المنطقة التي عرفت لدى علماء التاريخ اليوم (بالمثلث) هي منشأ الحضارات ومنطلق الأجناس، وهي موطن الحضارة الأولى، وتمتد من أراضي الرافدين بالعراق في أحد ساقي المثلث وواد النيل في الساق الأخرى وبينهما بلاد الشام في قاعدة المثلث وعلى رأسه اليمن وحضرموت فمن هذه المنطقة نزحت البشرية إلى سائر أرجاء المعمورة وانتشرت الحضارة وفيها أنزلت الرسالات التي ذكرها القرآن، ولكن في أي جزء من المثلث كان المنطلق في جنوبه - أي اليمن - أم في شماله أي (العراق) أو (سيناء)
مما يؤيد عندي الرأي القائل بأن (العراق) كان هو المنطلق أن أحدا من المفسرين لم يذكر أن الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح هو في اليمن أو جنوب الجزيرة أو أي مكان آخر، وهذا ابن جرير وهو يستقصي أقوال السلف في تفسيره ينقل بأسانيده عن مجاهد، وسفيان، وقتادة، والضحاك وهم رواد التفسير أنه جبل بالعراق - بل بناحية الموصل منه - ويسند إلى ابن عباس أنه جبل دون تحديد موقعه، وإلى التابعي الجليل زر بن حبيش أنه ناحية بالعراق ولكن ابن كثير يذكر في تفسيره أن بعضهم يرى أنه الطور دون أن يسمي القائل البشر - سواء كان من العراق بالتحديد أو من الطور أو مما بينهما - فإننا نستطيع أن نقول: إنه حدثت عمليات نزوح كبيرة، وحركات هجرة واسعة لأبناء نوح ومنهم - الساميون - إلى سائر الأرجاء شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ومن هذه - الهجرات - التحرك صوب الجنوب حيث أرض صحراوية تحيط بها البحار من الجهات الثلاث، وكانت هذه الهجرات بسبب الحروب والغارات أو بحثا عن الكلأ والماء والأراضي الخصبة ويقول بعض الباحثين إن الإشارة إلى - بدو الآراميين - في التوراة يعني قسما من الآراميين الذين كانوا يسكنون الشام تحركوا صوب الصحراء الجنوبية حيث عرفوا فيما بعد بالعرب، ويرى أن كلمة (عرب) ترجع إلى أصل - آرام – "

أما قوله عن أن العراق وما جاوره كان أصل الرسل المذكورين بالأسماء فى الوحى وليس العرب فهو كلام صحيح وأما العرب فلا ذكر لهم خاصة أن العراق يعتبر شىء خاص حتى الآن فرغم مرور ألف وأربعمائة سنة ويزيد من تاريخ الهجرة المعروف فإن العراق هو البلد الوحيد الذى يضم أكبر عدد من الأديان ولم يتكلم كله العربية بل ما زالت العديد من اللغات موجودة فيه كالكردية والكلدانية ومن المفترض أن يكون بلد استمرت فيه الخلافة قرون طويلة وكان المنطلق للمسلمين إلى فتح الشرق أن يكون عربيا صرفا ومسلما صرفا ولكن هذا لم يحدث
وتحت عنوان القبائل العربية القديمة ردد ما قيل فى كتب اللغة القديمة والجديدة فقال:
"القبائل العربية القديمة:
وفي زمن متقدم جدا عرفت بعض القبائل من هؤلاء التي استوطنت أنحاء من - الجزيرة العربية - كان معظمها في ثلاث مناطق منها حسبما علمنا (اليمامة) و (الشحر) من أرض اليمن و (الحجر) من أرض الحجاز ويسمي المؤرخون والنسابة المسلمون هذه القبائل بـ: طسم، وجديس والعمالقة، وعاد، وثمود ويزيد ابن جرير الطبري وابن إسحاق: أميم، وعبيل، وعبد ضخم، وجرهم الأولى، أما طسم وجديس فسكنوا اليمامة في شرق الجزيرة العربية، وأما عاد فذكر القرآن مساكنهم وأنها (الأحقاف) وهي في جنوب الجزيرة العربية والأحقاف جمع حقف - بكسر الحاد - وهو الكثيب العظيم المستدير من الرمل، قال تعالى: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف} وأما ثمود فذكر القرآن منازلهم وأنها الحجر وهي في الشمال الغربي من الجزيرة العربية قال تعالى: {كذب أصحاب الحجر المرسلين}
أما العمالقة فنزل بعضهم بمكة وبعضهم بيثرب من أرض الحجاز وقد وجدت بعض آثارهم في المنطقة ويذهب بعض علماء الأنساب أن ثمود كانت تسكن اليمن ثم انتقلت منها إلى الحجر
ويمكن القول أن جميع هذه القبائل ينحدرون من أولئك الذين تسميهم - التوراة - بدو الآراميين الذين نزحوا من الشام والعراق صوب الجزيرة العربية وهذا يفسر التشابه الواضح في اللغات ومفرداتها بين الكتابات التي وجدت في العراق وسوريا والتي تعود إلى العصور البابلية والآشورية والآرامية والكنعانية وبين الكتابات التي عثر عليها في منطقة اليمن أو حضر موت والتي تعود إلى العهود الحميرية والسبئية، حيث يدل ذلك على أن هناك أصلا واحدا مشتركا هذا هو ما أمكن أن أجزم به من تاريخ العرب القديم مما يمكن أن يكون ذا علاقة بموضوعنا"

الغريب فيمن تكلموا عن عاد وثمود هو أنهم متيقنون من كونهم عاشوا فى الجزيرة المعروفة بالعربية حاليا رغم أن آثار الجزيرة ليس فيها الأعمدة العظيمة التى عرف الله بها عاد فقال "إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد" ولا يوجد فى الجزيرة المصانع وهى القلاع المصمتة التى هى وسيلة لمنع الموت كما تخيلوا كما قال تعالى ""أتبنون بكل آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" ولا يوجد فى شبه الجزيرة مدن ثمود التى بنيت من حجارة الجبال فى الوادى كما قال تعالى " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد"
إذا نحن أمام أقوال بلا دليل فلو كان هؤلاء عاشوا فى شبه الجزيرة لظهرت تلك الآثار خاصة أن الله لم يدمر تلك المساكن كما قال:
"وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم"
وتكلم المدنى عن القحطانيين فقال :
"القبائل القحطانية:
وهذه فترة أخرى من تاريخ نشأة أمة العرب تلي تلك الفترة الموغلة في القدم وهي الفترة التي وجد فيها ما نسميه - بالعرب العاربة - وفيها ظهرت قبائل عربية أخرى ودول وحضارات وبدأت فيها ما يسمى - بالقبائل القحطانية -ويتركز الضوء في هذه الفترة على الجزء الجنوبي للجزيرة العربية حيث اليمن وحضرموت وحيث استوطنت تلك القبائل
وكان لهم تاريخ وملك وحضارة ذكر القرآن شيئا منها، وكان من أشهر ممالكهم وحضاراتهم: مملكة سبأ، وربما كانت هي أشهرها وأهمها حيث كانت هي المفترق بين مرحلتين والفاصل بين عهدين كما سيتبين
قال تعالى في وصف حضارة سبأ:
{لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} وفي هذه الآيات ما يدل بوضوح على أن مناطق كثيرة من جزيرة العرب كانت عامرة خصبة وهي التي تمتد من اليمن حيث مسكن سبأ إلى الشام التي بها القرى المباركة وذلك في قوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}
فإن معنى وجود قرى ظاهرة آمنة بين اليمن والشام امتداد منطقة خصبة كثرة الزروع والثمار جيدة المناخ كثيرة العمران طيلة المسافة بينهما إذ أن خصوبة الأرض دائما تابعة لجودة الهواء والمناخ وتوفر الأمطار وينتج منهما انتشار العمران ثم أخبرت الآية عن حدوث التحول في هذه الحضارة، بعد انهيار سد مأرب وقضاء السيل على مظاهر حضارتهم، فتبدل حال الأرض من خصوبة إلى جدب تصوره الأنواع المذكورة في الآية: {ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل} فهذه أنواع من النباتات التي لا فائدة منها وتوجد غالبا في الأراضي القاحلة، ومعنى هذا أن المناخ تبدل أيضا وشح المطر، وينتج من هذين العاملين تضاؤل مظاهر العمران ووعورة المنطقة التي تعبر عنها الآية ببعد المسافة: {باعد بين أسفارنا} وكان هذا بداية تفرق هذه القبائل القحطانية ونزوحها من اليمن إلى سائر أنحاء الجزيرة، ولكن ما هذه القبائل؟"

نفس ما قيل عن عاد وثمود يقال عن سبأ فسبأ لم تكن يوما حسب الوصف القرآنى فى اليمن حيث لا توجد نهر فالمفروض حسب الوصف القرآنى أن تكون سبأ بلد فيها نهر على ضفته اليمنى الحدائق وعلى صفته اليسرى الحدائق كما قال تعالى" جنتان عن يمين وشمال" ولكن سبأ الحالية ليس فيها نهر
زد على هذا أن المسافة بين سبأ ومكة الحالية ليس فيها قرى ظاهرة أى قرى كثيرة عندما يخرج الواحد منها يرى بغينيه على مسافة عدة أميال قليلة القرية التالية وحتى لو بادت تلك الدولة فلابد أن تبقى آثار تلك القرى وهو أمر غير موجود حاليا فى تلك المسافة
وتكلم المدنى فى أصول القبائل القحطانية فقال:
"أصول القبائل القحطانية:
روى بعدة طرق عن ابن عباس أن رجلا سأل النبي (ص)عن سبأ ما هو؟ فقال (ص): "رجل ولد عشر قبائل،فسكن اليمن منها ستة والشام أربعة" رواه الترمذي وأحمد وابن جرير وابن أبي حاتم ورواه ابن عبد البر في كتابه - القصد والأمم - من عدة طرق، واستقصى الحافظ ابن كثير طرق هذا الحديث في تفسيره لسورة سبأ وبين أنه حديث حسن وفي بعض ألفاظه سمى بعض هذه القبائل فقال (ص): " تيامن الأزد والأشعريون وحمير ومذحج وأنمار الذين يقال لهم بجيلة وخثعم وتشاءم لخم وجذام وعاملة وغسان"ويفصل علماء الأنساب ذلك فيقولون إن سبأ ولد القبائل القحطانية الكبرى وهي: حمير، وكهلان، وعمرو، وأشعر، وعاملة
ومن هذه القبائل تفرعت العمائر والبطون: فمن (حمير) قضاعة ومن قضاعة جهينة وبلي وكلب وبهراء وتنوخ ونهد ومهره وجرم، ومن (كهلان) جذام ولخم وكنده وطيء ومذحج والأزد وهمدان وبنو صداء وخولان وأنمار أما الأشعريون وعمرو وعامله فلم تتفرع إلى كثير من الفروع والمشهور لدى علماء التاريخ والأنساب أن الأشعريين بقوا في اليمن
أما بقية القبائل فنزحت منها إلى الجزء الشرقي والشمالي من الجزيرة، فالأزد هاجر قسم منهم إلى عمان وقسم إلى الحجاز، وطيء نزلت عند جبلي أجأ وسلمى، وجهينة سكنت منطقة تمتد من ينبع إلى عقبة أيلة، ومن الأزد قسم نزل بيثرب وهم الأوس والخزرج ومنهم قسم نزح إلى الشام وهم غسان، ونزحت إلى الشام أيضا عاملة، أما لخم فسكنت العراق، وأما جذام فتفرقوا في الديار وكان قسم كبير منهم بالشام"

والكلام هنا كله أوهام فالرواية عن النبى(ص) لا تصح لأنها تعارض القرآن فسبأ هلكت كأفراد كما أهلك الله كفار كل الأقوام وفى هذا قال تعالى :
"تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا"
ومن ثم لن يخرج من ظهر هذا الرجل سواء كان كافرا أو مسلما كل تلك القبائل
ونلاحظ تناقض الأسماء فى الرواية مع الأسماء التى ذكرها علماء الأنساب فمثلا فى الرواية لا وجود كطىء وكهلان وعمرو وأشعر ونهد وتنوخ فأيهما يصدق المرء؟
وحدثنا المدنى عن عدنان فقال:
القبائل العدنانية:
"في الوقت الذي كانت تتحرك فيه القبائل القحطانية في هجرتها الكبرى كان منتشرا في القسم الشمالي من الجزيرة العربية ما يسمى - بالقبائل العدنانية - وهي التي تنحدر من عدنان، وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل (ص) فأبو العدنانيين بالإجماع هو إسماعيل (ص)الذي نشأ في كنف جرهم إحدى القبائل العاربة القديمة، وصاهرهم، وإبراهيم (ص)من البابليين، من العراق، وأم إسماعيل (هاجر) من مصر، فكأنما أراد الله عز وجل لحكمة عظيمة أن يغذي أصول العدنانيين بكل ذلك، ثم يشاء أن يكمل صهرهم وتهذيبهم باختلاطهم بالقحطانيين بعد الهجرة الكبرى
ولكن من هو أبو القحطانيين؟ هل هو إسماعيل نفسه؟
هذا هو رأي بعض علماء الأنساب والمحدثين: أن عدنان وقحطان كلاهما من ولد إسماعيل، ومن هؤلاء الزبير بن بكار، وابن إسحاق، وابن حجر العسقلاني، وعلى هذا القول يتخرج قول النبي (ص)لناس من أسلم: "ارموا بني إسماعيل" والمعروف أن أسلم من قبائل الأنصار، والأنصار قحطانيون، وكذلك قول أبي هريرة للأنصار بعد أن روى قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وزوجه سارة: "فتلكم أمكم يا بني ماء السماء"
لكني لا أرى في قوله (ص)المذكور ولا في قول أبي هريرة ما يدل على أن القبائل القحطانية من نسل إسماعيل لاحتمال أن يكون داخل قبيلة أسلم المخاطبين في الحديث من الخلاف في أصلهم مثل ما داخل غيرها من القبائل التي اختلف في نسبتها إلى القحطانيين أو العدنانيين، هذا مع أنه روى ابن عبد البر من طريق القعقاع بن أبي حدرد أن النبي (ص)مر بناس من أسلم وخزاعة وهم يتناضلون فقال: "ارموا بني إسماعيل" فيكون في الخطاب تغليب لخزاعة وفيها خلاف هل هي عدنانية أم قحطانية، وروى أحمد والبزار والطبراني عن عائشة أنه كان عليها رقبة من ولد إسماعيل فجاء سبي من خولان فأرادت أن تعتق منهم فنهانا النبي (ص)ثم جاء سبي من مضر من بني العنبر فأمرها أن تعتق منهم، وفي لفظ أنه (ص)قال: "من كان عليه محرر من ولد إسماعيل فلا يعتق من حمير أحدا" وفي هذا دلالة واضحة أن القحطانيين لا ينحدرون من إسماعيل عليه السلام

أصول القبائل العدنانية:
تنحدر القبائل العدنانية من نزار بن معد بن عدنان ولذلك يقال: كل عدناني فهو نزاري ومن نزار تفرعت القبائل العدنانية وهي:
(مضر) ومنها قيس عيلان التي تتفرع إلى بطون هي: بنو غطفان، و*****، وسليم، وعدوان، (ربيعة) ومنها أسد ووائل، ومن أسد: عنزه، وجديلة، وعميره، ومن وائل: بكر وائل، وتغلب، (خندف) : ومن أشهر عمائرها هذيل (كنانة) : ومن عمائرها بنو مدلج، وقريش، (قريش) وهي أشهر القبائل العدنانية وترجع كما ذكرت إلى كنانة:
روى مسلم في صحيحه والترمذي وأحمد من حديث واثلة بن الأسقع أنه سمع رسول الله (ص)يقول: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم"قال ابن عبد البر: فقريش عمارة رسول الله (ص)، وكنانة قبيلته وعبد مناف بطنه"

وكما وجدت أكذوبة قحطان وجدت أكذوبة عدنان فالروايات التى نسبوها للنبى(ص) زورا متناقضة فحديث تلك أمكم يجعل الأوس والخزرج وهم قحطانيون كما يزعم النسابون من نسل إسماعيل(ص) وحديث حمير والعتق ينفى ذلك
وأما الرواية الخيرة عن اصطفاء كنانةى وقريش وغيرهم من الكفار فهم وهم يتعارض مع أن اللع يصطفى المسلمين وهم الرسل فقط كما قال تعالى " الله يصطفى من الملائكة رسى ومن الناس" فكيف يصطفى عبد مناف وعبد المطلب وهما يحملان أسماء عبودية لغيره وكانوا يعبدون غيره
ثم حدثنا المدنى عن لغة العرب فقال :
" لغة العرب:
اللغة هي القدرة على تسمية الأشياء، وقد أخبر عز وجل أنها مما فضل به آدم (ص)فقال عز وجل: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} فهذه الآيات تشير إلى أن اللغة تعلمها آدم من ربه عز وجل فيحتمل أن يكون ذلك تم بطريق الوحي فتكون اللغة حينئذ توفيقية ولكنني لا أرى في الآية ما يدل بوضوح على ذلك، إذ أن لفظة (علم) ليست صريحة في الوحي ويمكن أن يكون ذلك قد تم بطريق آخر، وهو أنه عز وجل خلق في آدم القدرة على تسمية الأشياء ومعرفتها والإشارة إلى أشخاصها بأسمائها وألهمه ذلك إلهاما لا عن طريق الوحي المباشر، ولا شك أن {الأسماء} في الآية يراد بها أسماء الأشياء حيث أردفها بقوله: {كلها} فلا معنى لحصرها في أشياء مخصوصة، إذ لا مزية حينئذ لآدم يستحق بها التفضيل على الملائكة أن يعلمه الله أسماء عدد مخصوص من الأشياء فالملائكة كذلك جبلهم الله على تسبحه وذكره ففعلوا، لكن المزية التي تستحق هذا الذكر والثناء هي تلك القدرة على تسمية الأشياء والتعرف عليها بتلك الأسماء فلما طلب من الملائكة أن تسمى لكل ما تراه من الموجودات اسما لم تكن قادرة على ذلك فعلمت أن الله اختص هذا المخلوق الجديد الكريم دونها بما جعله أهلا للخلافة في الأرض، وهذا التفسير مروي عن ابن عباس قال: "علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة"
هذه اللغة التي تعلمها آدم ونطق بها هي اللغة (الأم) ، ولا جدوى من أن نقول إنها كانت العربية أو العبرانية أو السوريانية لأن هذه اللغات وغيرها عبارة عن فروع امتدت وتكونت على مر العصور وتعاقب الأجيال من ذرية آدم، فكلها تعود إلى تلك اللغة الأم ولا تعود هي إلى واحدة منها ولذلك فإن الجهد الذي صرفه بعض العلماء لإثبات أن أول من تكلم بالعربية آدم، أو نوح، أو سام، أو جبريل كما يروى عن كعب الأحبار، هو جهد عقيم مبني على التخمين، أو على أخبار الإسرائيلية التي لم تثبت، فلا يثبت بها حكم ولا خبر وقد سبق أن بينا في أول البحث أن الناس تناسلوا من أولاد نوح الثلاثة، الذين ترجع إليهم أصول الأمم بنص الحديث عن رسول الله (ص)وأحدهم (سام ونوح) ، إليه تنسب (اللغة السامية) التي نطق بها ثم انتقلت إلى نسله من بعده
ومع تكاثر (السامين) وتفرقهم في أنحاء مختلفة متباعدة من الأرض بدأت هذه اللغة تختلف لهجاتها وتتحول إلى عدد من اللغات، وهكذا كانت نشأة اللغات السامية وغيرها:

وعلماء اللغات يقسمون اللغات ثلاث فصائل:
- الفصيلة الحامية السامية
- الفصيلة الهندية الأوربية
- الفصيلة الطورانية
أما (الحامية السامية) - وهي الفصيلة التي تعنينا في هذا البحث - فتحتوي على مجموعتين من اللغات:
أ- اللغات السامية: وهي الآشورية، والبابلية، والآرامية، والكنعانية - ويراد بها العبرية - والفنيقية - ثم العربية، والحبشية
ب - اللغات الحامية: وهي المصرية، والبربرية، واللغات الكوشيتية والذي يظهر - والله أعلم بالحقيقة - أن اللغات السامية في بداية نشأتها كانت متقاربة جدا كما أسلفنا، حتى إنه ليمكن القول إنها كانت عبارة عن لهجات للغة واحدة والدارس لهذه اللغات يستطيع أن يلحظ التشابه الشديد بينها، إذ أن أصحاب تلك اللغات كانوا عبارة عن أبناء أمة واحدة تفرقوا في منطقة المثلث (العراق، والشام، ووادي النيل، واليمن وحضرموت) واستوطنوا أنحاء بين هذه المنطقة على مدى حقب التاريخ وأنشأوا ممالك وحضارات واختلط كل قسم منهم بمن جاوره فتأثر به واستفاد منه، وهذا من أهم العوامل لاختلاف اللهجات واللغات وأحيانا لتلاشيها وضعفها، ولذلك فإن كثيرا من الباحثين يعتبر (العربية، والسوريانية، والآشورية، والآرامية، والكنعانية) لهجات للغة واحدة، ثم تمايزت بشكل كبير جعلها تتحول على مدى الأزمنة إلى لغات، والذي حمل هؤلاء على هذا الرأي وجود مفردات متشابهة بمقدار كبير في هذه اللغات (انظر الجدول الملحق بآخر البحث) بل إن بعض الدارسين يقول: إن السوريانية: أو الآسورية أو الآشورية المراد منها اللغة العربية التي كان ينطق بها أهل سورية وأن (آسورية) لهجة محرفة من (سورية) ووجدوا أن وجود التشابه بين (الحميرية) واللغة السوريانية أكثر من وجوه التشابه بينها وبين لغة قريش
أما اللغة الآرامية: فقد سبقت الإشارة في أول البحث أن بعضهم يرى أن كلمة - آرام - تعني - عرب - وأن العين والباء قلبتا همزة وميما، وأنهم ينقسمون إلى حضر وهم سكان (الهلال الخصيب) وبدو وهم سكان الأطراف الجنوبية الصحراوية من منطقة الهلال الخصيب ويسمون بدو الآراميين وأيا ما كان الأمر فإن الذي لا شك فيه أن كل هؤلاء أمة واحدة تسمى - السامية - أما أيهما يرجع إلى الآخر - الآراميين - أو العرب فمسألة ترجع إلى ما سبق أن أشرت إليه - من تحديث أصل بداية العرب كأمة مستقلة معروفة بهذا الاسم -
ولكنني أستطيع أن أجزم بأن أحد تلك الفروع من - السامية الأم - استطاع على مدى التاريخ أن يحافظ على أهم خصائص اللغة السامية على حين فقدت الفروع الأخرى كثيرا استطاع ذلك الفرع أن يطور لغته السامية بشكل ضمن لها النماء والتحسن مع الإبقاء على معظم الخصائص دون أن يفسدها التطوير ذلك الفرع هو القسم من الساميين الذي اتجه إلى الجزيرة العربية وعرف فيما بعد باسم العرب، أما لماذا كان ذلك؟
فإن السبب الرئيسي يرجع إلى طبيعة المنطقة التي استوطنها وهي منطقة صحراوية وعرة بعيدة عن المناطق العامرة بالأمم الأخرى فأعطى ذلك العرب فرصة الابتعاد عن المؤثرات المباشرة على لغتهم وفرصة أخرى لصقل ما يصلهم من الأمم الأخرى من مفردات أو لهجات حتى إنه لا يصل إليهم إلا وقد عبر مناطق صحراوية تحتم عليه التغير بشكل يلائم تلك البيئة، ويناسب أذواق تلك الأمة الفطرية البعيدة عن تعقيدات المدنيات الفاسدة المختلفة"

كلام معاد يكرر فى كل الدراسات اللغوية وكما قلنا هو يعتمد على نصوص العهد القديم فى وجود سام وحام ويافث كأبناء لنوح(ص) بينما القرآن يخبرنا أن ابنه الوحيد غرق ومات كافرا فى الطوفان ومن ثم لم يكن لنوح ذرية اى أولاد بنين بدليل أنه دعا فقال " رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات" فلو كان له أولاد بنين لدعا لهم كما دعا لوالديه أو والده
وكما قلنا أصل الساميين المزعومين وهم بنو إسرائيل ليسوا من ذريته فى القرآن وإنما ذرية أحد المؤمنين معه كما قال تعالى :
""وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح"
وكلمنا عن المراحل التي مرت بها اللغة العربية فقال:
"المراحل التي مرت بها اللغة العربية:
مرت اللغة العربية بأدوار ومراحل، وارتقت في مختلف الفترات درجات التصاعد والتطور، حتى وصلت إلى درجة ومرحلة نهائية وضعتها في القمة بحيث أصبحت أهلا لأن ينزل بها آخر كتب الله المنزلة، ولأن تكون وعاء لكلام الله عز وجل
- مرحلة النشأة: حيث اللغة الأم (السامية) وحيث كانت العربية في مرحلة مخاض كما سبق تفصيله
- لغة العرب البائدة: وقد سبق في أول البحث أنهم: عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وعبيل، والعمالقة، وجرهم وذكرنا أن مساكن عاد كانت بجنوب الجزيرة في طرف من صحراء الربع الخالي وثمود بمالها الغربي، وطسم وجديس بشرقها، والعمالقة وجرهم بالحجاز، وبمكة ويثرب
هؤلاء هم الذين كانوا يتكلمون العربية التي استقلت عن السامية الأم وتطورت إلى أن اتخذت لنفسها شكلا مستقلا ونستطيع أن تعتبر عربيتهم فترة متطورة من العربية الأولى التي وجدت في فترة النشأة
- لغة القبائل القحطانية: ويسميها الباحثون (الحميرية) وهذه القبائل كانت تسكن الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية - حضرموت واليمن - حيث جاوروا أقرب الأمم إليهم وهم (الأحباش) وكثر اختلاطهم بهم فتأثرت لغتهم باللغة (الحبشية) مما جعل بعض المستشرقين يعتبر (الحميرية) و (الحبشية) لغتين شقيقتين لما وجد من كثرة التشابه بينهما في المفردات والخصائص، ولا ننسى أنه لم يكن هناك مفرا أمام (الحميرية) من التأثر بشكل واسع بالحبشية بسبب هجرات اليمنيين والغزوات المتبادلة، وقد أقام (الأحباش) زمنا طويلا باليمن وحكموها فاللغة الحميرية إذن أضافت إلى ما ورثته من لغة العرب البائدة خصائص ومفردات جديدة تأثرت كثيرا بعوامل خارجية فبذلك هي تمثل فترة مهمة من فترات تطور العربية ولم تكن صالحة وحدها وهي في هذه المرحلة لأن ترشح لتلك المهمة العظيمة التي تجعلها - اللغة العربية المتكاملة الواحدة -، ألا وهي مهمة نزول القرآن بها، بل كل ما يمكن أن نقوله أنها كانت مرحلة تهيئ للمرحلة الأخيرة، وإرهاصا من إرهاصات اللغة المختارة الكريمة المبينة التي كانت - العدنانية -
يقول المستشرق - رينان -: إن الحميرية والحبشية لم يكن لهما مكان رئيسي سوى أنهما كانتا أداتين هيئتا لظهور العربية الحجازية
- لغة القبائل العدنانية: وهي لغة القبائل التي تنتسب إلى عدنان بن إسماعيل عليه السلام، وكانت تسكن القسم الشمالي من الجزيرة العربية الذي يشمل: هجر، ونجد، والحجاز
وقد سبقت الإشارة إلى أن إسماعيل (ص)نشأ في كنف إحدى القبائل البائدة - جرهم - أو هي فرع من فروعها، ويشير الحديث الصحيح إلى أنه (ص)- أعجبهم وأنفسهم - أي أنه كما يبدو فاقهم فصاحة في لغته، وقد روي عن النبي (ص)أنه قال: "أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل " رواه الحاكم في مستدركه والزبير بن بكار في كتاب النسب وقال الحافظ ابن حجر في حديث الزبير: إنه حسن
وتأمل قوله (العربية المبينة) تتوصل إلى كل ما نريد قوله عن اللغة العدنانية وأنها تمثل المرحلة النهائية في مراحل تطور العربية المرحلة التي بلغت فيها قمة الفصاحة - والفصاحة هي الإبانة - بعد أن كانت أقل إبانة وفصاحة، مرحلة تفتقت فيها اللغة العربية كأنها هي زهرة كانت منكمشة في كمها ثم انفتحت

حكي عن الشرقي بن قطامي أنه قال: "إن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا جرهم وحمير"
وانظر إلى آثار حكمة الله عز وجل العظيمة لما اصطفى لغة هذه الأمة لتكون وعاء (لكلامه المقدس) سخر لها من عوامل النماء والنقاء ما لم يتوفر لأي لغة أخرى:
أولا: بيئة جغرافية نقية - صحراوية - بعيدة لوعورتها عن مختلف البيئات الأخرى وهذه البيئة هي أواسط جزيرة العرب التي اختارها الله مركزا للغة المصطفاة المتكاملة في خصائصها وثروتها اللغوية والتي تشمل نجدا والحجاز
ثانيا: أوحى عز وجل إلى نبيه - إبراهيم الخليل - وهو بابلي من العراق أن يرحل بزوجه - هاجر - وهي مصرية ليتركها مع وليدها - إسماعيل - في هذه الأرض القاحلة الصحراوية من أرض الحجاز، ثم يتم اتصال - هاجر - بقبيلة جرهم فكأنما صبت الأصول: البابلية، المصرية، العربية البائدة في بوتقة واحدة لتفتق عربية إسماعيل
ثالثا: ثم يسخر الله عز وجل لذرية إسماعيل - العدنانيين - عاملا آخر مهما من العوامل التي ساعدت على نماء لغتهم وهي هجرة - القحطانيين - بعد انهيار سد مأرب واختلاطهم بهم
فبقيت هذه اللغة - العدنانية - تأخذ طريقها إلى النمو والتصاعد لتشكل في نهاية الأمر اللغة العربية الرئيسية المتكاملة التي بقيت إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بينما أخذت اللغات الأخرى ومنها (الحميرية) طريقها إلى الانقراض حتى لم يبق اليوم إلا بقايا أثرية في الأطلال والنقوش وكتب اللغة"

وما قاله المدنى هنا هو مجموعة من الأكاذيب فلا وجود لما يسمى لغة أم تنشق منها اللغات المختلفة وإنما الموجود والذى يصدقه العقل هو وجود لغة لها لهجات مختلفة بحيث يفهم كل أهل اللهجات بعضهم البعض وأما اللغة الأم كاللاتينية التى تفرعت منها الإيطالية وغيرها فهى وهم لأن أهل الفروع لا يفهمون لغات بعض فلو كانت لهجات منها لفهموا بعضهم البعض وكذلك القول فى السامية لفهم متكلمو العربية متكلمى العبرية المزعومة التى ماتت وحلت محلها اليديشية مع قليل من العربية حاليا ولفهموا الآرامية وغيرها ولكن لو وضعت عدة أفراد عاديين من أهل كل لغة فلن يفهموا شىء من بعضهم
وفى نتائج البحث كرر الرجل ما قاله سابقا وسوف نختصره منعا لإطالة الكلام :
"نتائج البحث:
- اللغة العربية: أفصح اللغات البشرية، وأوسعها، وأغزرها مادة وأقواها تكوينا،
- معروف لدى جميع الباحثين من علماء اللغات أن اللغة متطورة متغيرة لأنه يستحيل أن تسلم لغة ما من عوامل التطوير والتغيير...فهناك إذا عوامل أخرى تصحب هذا العامل المهم ويمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
أولا: استعداد اللغة في أصل تركيبها وتكوينها وخصائصها الذاتية للتطور والنمو..
ثانيا: قوة الأمة التي تتكلم بها: حضاريا، وفكريا، وسياسيا....

ثالثا: انتشار هذه الأمة التي تتكلم بتلك اللغة: واتصالها بالأمم الأخرى بشتى وسائل الاتصال: إما بالغزو والفتوحات، أو بالمبادلات والعلاقات التجارية والثقافية، أو بحركات الهجرة والنزوح...

- النتيجة الثالثة والأخيرة وهي أهم نتائج هذا البحث بل هي مقصودة ومرامه، أن - اللغة العربية المتكاملة الرئيسية - التي نزل بها القرآن كانت هي - العدنانية - بسائر لهجاتها وفروعها وكان الفرع الرئيسي الذي حظي بأكبر حظ من الآيات والحروف لسان قريش -..."