الأحناف
الكتاب من تأليف عصام الصباغ وقد بدأ الكتاب بداية غريبة فالرجل كما يبدو من الكتاب مؤمن بكتاب الله ولكن هذه الفقرة الأولى تدل على غير ذلك حيث تحدث عن تطورات الإنسان عبر العصور وهو الإيمان بنظرية التطور الكاذبة التى قضى عليها صاحبها فى كتابه لو أن أحد قرأه قراءة واعية فيقول :
" بالنسبة لإنسان العصور القديمة كانت ظواهر الطبيعة تأخذ بعدا تشخيصيا ففى عصر الصيد تعامل الإنسان الأول مع هذه الظواهر من حيث أنها أرواح حية ينبغى التقدم بالهبات لاسترضائها وكسب مودتها وفى مرحلة الحضارات البشرية القديمة اللاحقة بعد أن عرفت الزراعة واستقر الإنسان فى المدن ظلت المظاهر الكونية بحركتها المرتبطة مباشرة بالحياة اليومية مثل تعاقب الليل والنهار الولادة والموت...ظلت هذه المظاهر مرتبطة فى وعيه بحضور شخصى لقوى تقف وراء ما يحدث من نشاط وتبدل فى الطبيعة والحياة وإذا كان الإنسان المعاصر يستخدم تعابير مثل مجموعة القوانين المسئولة عن سقوط المطر لتفسير ما يحدث فى الدورة الحياتية للطبيعى فإن الإنسان القديم كان ببساطة يرى وراء هذه المظاهر فعلا مباشرا لربة الخصب وإذا كان نقول أن القمر يدور حول الأرض بفعل قوانين الجاذبية فإن إنساننا القديم كان يرى فى ظهور القمر واختفائه فعلا مباشرا لنشاط ربة القمر" ص13
الفقرة قطعا تتعارض مع كون الإنسان الأول هو أعلم الخلق لأن الله من علمه كل الأسماء كما قال تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها" فلم يكن هناك عصر صيد أو رعى أو زراعة فكل هذه المهن تواجدت فى كل العصور معا بفضل تعليم الله لآدم(ص) الذى علمها لأولاده من بعده
هذه المقدمة تنفع فى كتاب تاريخى أو فى كتاب عن علم طبقات الأرض أو الجغرافيا ...ولكنها لا تنفع كمقدمة فى كتاب يتكلم عن الدين
الكتاب يتحدث عما سماه هو وغيره ظاهرة الأحناف ويقصد بهم جماعة من الموحدين لله تواجدت قبل عصر النبى(ص) الأخير وقد ذكر تعريفهم عند القدماء فقال:
"الحنيف عند أهل الجاهلية من اختتن وحج البيت فكل من اختتن وحج البيت هو حنيف ويرى الطبرى أن هذا لا يكفى بل لابد من الاستقامة على ملة إبراهيم وإتباعه عليها وقد أضاف بعضهم اعتزال الأصنام والاغتسال من الجنابة إلى ما سبق وجعلوا ذلك من علامات الفارقة التى تميز الحنفاء عن المشركين كما أن أهل الأخبار أضافوا إلى ما سبق الامتناع عن أكل الذبائح التى تقرب إلى الأوثان والأصنام لأنها ذبحت لغير الله كما نسبوا إليهم تحريم الخمر على أنفسهم والنظر والتأمل فى خلق الله ولفظة حنيف بحسب قسم من المستشرقين ذات أصل عربى بمعنى التحنث أى الانقطاع للتعبد والتأمل "ص31
الحنف أو الحنيف لم يكن ظاهرة فى المجتمع قبل النبى(ص) لأن القرآن لم يذكر شىء عن هؤلاء القوم ووصفهم بالموحدين لأن الموحدون كانوا يهودا ونصارى وصابئة كما قال تعالى "إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
ومن ثم فتسميتهم أحنافا ليست موجودة فى كتاب الله وإنما الموجود الصابئون وهم مسلمون يدخلون الجنة مع اليهود والنصارى الموحدين مثلهم كما بينت الآية
كما ان التعريف المذكور فيه مصيبة وهى الاختتان وهو أمر محرم لأنه تغيير لخلق الله ومن ثم فهو استجابة للشيطان الذى قال :
"ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
ولم يذكر الاختتان فى القرآن وإنما ذكر فى رواية وهو مذكور فى العهد القديم
ولو كان الأحناف موجودين بتلك الصورة لم يقل الله "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين أمنوا والله ولى المؤمنين"
فلو كان الأحناف موجودين لقال أنهم أسلموا فى عهد النبى الأخير(ص) كما قال فى القسس والرهبان الذين أسلموا فى عهد النبى(ص):
"وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا أمنا فاكتبنا مع الشاهدين"
فالذين اتبعوا إبراهيم (ص) هم من اتبعوه فى عصره فلو أنهم لم يتبعوا النبى الأخير(ص) لكانوا كفارا ولو كان المراد الأحناف لم يكونوا أولى بالرجل لأنهم لم يؤمنوا بالنبى(ص) الذى طلب وجوده من ذريته
وبين الصباغ فى كتابه أن الأحناف كانوا من الطبقة الغنية أو فوق المتوسطة وأنهم كانوا يجيدون القراءة والكتابة والترجمة وكان رحالة فى بلاد العالم فقال:
"وجل هؤلاء الحنفاء من أسر معروفة وبيوت يظهر أنها كانت مرفهة أو فوق مستوى الوسط بالنسبة لتلك الأيام ولهذا صار فى إمكانهم الحصول على ثقافة وعلى شراء الكتب كما ثار فى إمكانهم الطواف فى خارج الجزيرة لامتصاص المعرفة ويلاحظ أن جميع من حشرهم أهل الأخبار فى الحنيفية كانوا من القارئين الكاتبين وكانوا يشترون الكتب ويترجمونها ويتسقطون أخبار أهل الآراء والمذاهب والديانات ولبعض منهم علم باللغات السريانية والعبرانية قهم بالنسبة لذلك الوقت الطبقة المثقفة التى نادت بالإصلاح ونبذ الأساطير والخرافات وتحرير العقل من سيطرة العادات والتقاليد وذلك بالدراسات والتأمل وقراءة الكتب والرجوع إلى دين الفطرة الذى لا يقر عبادة الشرك ولا عبادة الناس"ص32
بالقطع الأخطاء هنا هى :
الأول كون معظم الأحناف من الأغنياء يتعارض مع قوله تعالى" كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى"
فالأغنياء نادرا ما يخرج منهم أحد ليفكر فى العدل بين الناس وهناك اتفاق غريب بين معظم الأديان على ذلك ففى العهد الجديد كلمة تقول " مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن بدخل غنى إلى ملكوت السموات"
ومن ثم من يفكرون فى العدل غالبا ما يكونون الطبقة الوسطى أو الطبقة الأكثر فقرا
الثانى أنهم كانوا يشترون الكتب ويتسقطون الأخبار والآراء ويرحلون لبلاد العالم وهو كلام ليس صحيحا كله فالوصول للحق ياتى من التفكير أولا كما أن أهل مكة كان الإسلام الإبراهيمى هو من يحكمهم أيامه وأيام إسماعيل (ص)وإسحق (ص) وظل موجودا بينهم طويلا حتى بعد تحريفه كما أن مكة كانت تستقبل الحجاج من كل مناطق العالم ولابد أن منهم من كان يشرح للناس فى موسم الحج دينه كما أن الحجاج من أهل الجزيرة وغيرها كانوا يتوافدون لمكة للحج وكانوا يتحادثون فيما بينهم فى أديانهم وغيرها كما أن التجارة والانتقال من بلدة لأخرى كانت ديدن التجار ومن يعملون معهم من المتوسطين والفقراء الذين يسوقون الإبل ويحملون البضائع ومن ثم كانت معرفة الأديان الأخرى متيسرة من خلال إما مجىء الحجاج وإما من خلال ممارسة التجارة كما أن مكة كان بها يهودا ونصارى وطوائف أخرى كما فى القرآن
وفى الفقرة التالية يبين الصباغ أن الأحناف كانوا فى شبه الجزيرة فى مختلف المواقع فيقول:
" إن الأسماء التى وصلتنا عن حنفاء الجاهلية هى حصرا أسماء الذين عاشوا قبل الدعوة الإسلامية بزمن وجيز والذين عاصر منهم الإسلام وما وصلنا ينبىء أن هؤلاء قد انتشروا فى مختلف أرجاء شبه الجزيرة وعبر قبائلها المختلفة فى الشمال والجنوب وهذا ما نلمسه من أسماء هؤلاء وانتماءتهم القبلية وهم بحسب الإخباريين قس بن ساعدة الإيادى زيد بن عمرو لن نفيل القرشى أمية بن أبى الصلت الثقفى أرباب بن رئاب سويد بن عامر المصطلقى أسعد أبو كرب الحميرى ...سيف بن ذى سزن الحميرى ورقة بن نوفل ...زهير بن أبى سلمى . عبيد الله بن الأبرص الأسدى كعب بن لؤى بن غالب"ص33
وقطعا الأحناف لم يكونوا فى شبه الجزيرة وحدها وإنما كانوا فى أماكن متفرقة من العالم كله فالظاهرة ليست قاصرة على مكان ففى الهند يعتبر إبراهيم (ص) من ضمن الدين الهندوسى تحت اسم براهما كما توجد ديانة تحمل اسمه وهى البراهمية
والصباغ يدخل بعض الأحناف فى عهد النبى(ص) الجنة برغم أنهم لم يسلموا كما زعم فى قوله:
"ومما يؤكد هذه الصفات الحظوة التى نالها بعض هؤلاء فى نظر الإسلام ونبيه الكريم الذى اعتبرهم على الملة الإبراهيمية الحنيفة السمحة وعد مصيرهم الجنة رغم أنهم لم يسلموا "ص38
وهو كلام يتعارض مع أن دين الأحناف هو الإسلام لأن إبراهيم(ص) هو من سماهم كما قال تعالى :
"وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل"
ولو لم يسلموا لكان مصيرهم النار لأنهم فرقوا بين الرسل فى الإيمان كما قال تعالى أن من يفرق كافر يدخل النار كما قال تعالى :
"إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا"
ويعتبر الصباغ مدعوالنبوة مع قتالهم للمسلمين حنفاء فيقول:
"وقد قام هؤلاء بصياغة سجع دينى زعموا أنه كتاب أوحى إليهم وادعى كل منهم أنه رسول الله ...وإن يكن ذكر هؤلاء لم يرد عند الإخباريين الإسلاميين بحسبانهم من الحنفاء فإننا نميل بشدة لاعتبارهم كذلك " ص39 ....مكنتهم من بهر محيطهم القبلى وقيادة أتباعهم فى معارك دامية مع جيوش المسلمين "ص40
وهو جنون فالحنيف لا يكون كاذبا مفتريا على الله بزعمه أنه نبى الله فليس هناك ذنب أعظم من الافتراء على الله والزعم أن ما يقوله وحى من عند الله وليس هو من عند الله وقد توعد كل من يفعل هذا بالويل وهو النار فقال :
"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون"
ويبين الصباغ أن الحنفاء كانوا يعملون فى شكل فرق ويدعون الناس للتوحيد فى شبه الجزيرة وهو كلام ليس عليه دليل فربما اجتمع بعضهم ودعوا الناس للتوحيد ولكن الأشبه أنه كان نشاطا فرديا وفى هذا قال :
"وعليه فإن وحدة الطقس والعقيدة المكتوبة فى كل بقعة حنيفية بالإضافة إلى الحركة الدعوية النشطة للحنفاء يضعنا لشكل لا لبس فيه أما فرق حنيفية اجتمعت على التوحيد وإن اختلفت فى درجة نضجها وتمايزت فى جوانب نشاطها الطقسى بين منطقة جغرافية وأخرى فى شبه الجزيرة العربيةص71
وأما الحنف فى القرآن فهو:
المسلمون حنفاء لله
قال تعالى بسورة الحج " حنفاء لله "أى مطيعين لله والمراد متبعين حكم الله فى كل أمر
قال تعالى بسورة البينة "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين "وضح الله للمؤمنين أن الذين أوتوا الكتاب ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء والمراد وما أوصوا إلا ليطيعوا حكم الله مؤمنين بالحكم متبعين له
إقامة محمد (ص) وجهه حنيفا
قال تعالى بسورة يونس "وأن أقم وجهك للدين حنيفا "يخاطب الله نبيه (ص)فيقول وأن أقم وجهك للدين حنيفا والمراد وأن أخلص نفسك للإسلام قاصدا والمراد اتبع بنفسك حكم الله قاصدا إياه بإتباعك
قال تعالى بسورة الروم "فأقم وجهك للدين حنيفا "يطلب الله من نبيه (ص)أن يقيم وجهه للدين حنيفا والمراد أن يسلم نفسه للإسلام مصدقا به مصداق لقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه إلى الله"والمراد أن يطيع حكم الإسلام وهو مصدق به ،
إبراهيم الحنيف
قال تعالى بسورة البقرة
قال تعالى بسورة آل عمران"وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين "نادى الله نبيه (ص) وأن أقم وجهك للدين حنيفا والمراد وأن أخلص نفسك للإسلام قاصدا والمراد اتبع بنفسك حكم الله قاصدا إياه بإتباعك
قال تعالى بسورة آل عمران إن إبراهيم كان أمة قانتا حنيفا ولم يكن من المشركين " وضح الله لنبيه(ص)أن إبراهيم(ص)كان أمة أى إماما والمراد رسولا قانتا لله أى متبعا لدين الله وفسره بأنه حنيفا أى مستقيما والمراد مطيعا لدين الله ولم يك من المشركين وهم المكذبين بدين الله
قال تعالى بسورة النساء"ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وضح الله لنبيه(ص)أنه أوحى له أى ألقى له والمراد قال له التالى :اتبع ملة إبراهيم حنيفا والمراد أطع دين إبراهيم(ص) عادلا والمراد اعتنق دين إبراهيم (ص)المستقيم وفسر هذا بأنه ما كان من المشركين أى الكافرين بدين الله
قال تعالى بسورة الأنعام
"قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" طلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم والمراد إننى أرشدنى إلهى إلى دين عادل وفسره بأنه دينا قيما أى حكما سليما هو ملة إبراهيم حنيفا والمراد دين إبراهيم(ص)مسلما وهذا يعنى أن دين محمد(ص) هو نفسه دين إبراهيم (ص)وما كان إبراهيم(ص)من المشركين أى الكافرين بدين الله
قال تعالى بسورة النحل"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " طلب الله من نبيه (ص)أن يقيم وجهه للدين حنيفا والمراد أن يسلم نفسه للإسلام مصدقا به مصداق لقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه إلى الله"والمراد أن يطيع حكم الإسلام وهو مصدق به ،ووضح له أن الإسلام هو فطرة أى دين الله أى "صبغة الله"كما قال بسورة البقرة وهى التى فطر الناس عليها والمراد وهو الدين الذى كلف الخلق به منذ أولهم آدم(ص)
قال تعالى بسورة الأنعام
"إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " وضح الله أن إبراهيم (ص)قال لقومه :إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض والمراد إنى أسلمت نفسى للذى خلق السموات والأرض حنيفا أى مسلما والمراد مستمر الإسلام له وما أنا من المشركين أى الكافرين بدين الله
"فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها " طلب الله من نبيه (ص)أن يقيم وجهه للدين حنيفا والمراد أن يسلم نفسه للإسلام مصدقا به مصداق لقوله بسورة لقمان"ومن يسلم وجهه إلى الله"والمراد أن يطيع حكم الإسلام وهو مصدق به ،ووضح له أن الإسلام هو فطرة أى دين الله أى "صبغة الله"كما قال بسورة البقرة وهى التى فطر الناس عليها والمراد وهو الدين الذى كلف الخلق به منذ أولهم آدم(ص)