بعد عقود، عدت إلى قريتي،وجدت الصخرة نفسها جاثمة،كانت صديقتي...جلست عليها لساعات طويلة كل مساء قبالة الكوخ الذي ترعرعت فيه، بمدخنته المنتصبة، كان الدخان ينبعث منها متصاعدا إلى عنان السماء يخبرني أن أمي تُنضج الخبز على كانون ناره من حطب تجمعه من الجبل القريب منا...فتجعله رحمها الله حزمة كبيرة و تحملها على ظهرها...رائحة الخبز آنذاك كانت تفتح شهيتي ... رائحة غابت إلى غير عودة....
كنت أجلس على تلك الصخرة رفقة مذياعي الصغير يسليني ببرامجه الثرية و المتنوعة و يطربني بأغاني ذلك الزمن الجميل... محلية و شرقية.
الكوخ جرفته السيول ذات تاريخ و لم يبق منه إلى الجدار المتفحم الذي كان يُسند المدخنة...
لكن الصخرة بقيت صامدة و كأنها كانت تنتظر عودتي لتراني من جديد.
جلست عليها ،هذه المرة بدون مذياعي الصغير الأزرق...تراءت لي صورة الكوخ و دخانه يتصاعد كما كان في عزه....لاحت لي فكرة العودةإلى القرية و إعادة بناء الكوخ من جديد بمدخنته...و لكن...هيهات هيهات...
أين هي تلك الأم التي تنضج الخبز على نار من حطب.؟..و أين ذلك " أنا"الصغير...؟