الجائزة الأمريكية الكبرى للمغرب مقابل التطبيع

أقدم المغرب على التطبيع مع إسرائيل يتبع الإمارات والبحرين، طبّع الخليجيون بوقاحة متحدين إرادة الله ورسوله وأمة الإسلام، بينما المغرب طبّع على استحياء، والغريب غياب النهج السياسي الذي يتبعه المغرب بين الحين والآخر للتملص من الضغوطات السياسية الأمريكية والدولية وذلك مثل دفع السلطات إلى تحريك الأحزاب الوطنية والمجتمع المدني للقيام بتمثيليات تتجلى في المظاهرات والاعتصامات وما إلى ذلك.
إن التطبيع مع إسرائيل بتاريخ 10 دجنبر سنة: 2020م ليس له مقابل اقتصادي، بل له مقابل سياسي يتجلى في الإبقاء على الأنظمة، وحمايتها من الزوال، فالتجربة المصرية والتونسية والسورية والسودانية ماثلة للعيان، ونفس الحكام في تلك البلدان لم يكونوا عاقين للأجنبي، بل كانوا عملاء له يحتمون به وينفذون سياسته، ومع ذلك أطيح بهم على مرأى ومسمع من أسيادهم الذين لم يحموهم، بل انتظروا سقوطهم لتنصيب غيرهم مكانهم، ولكن الغريب هو أن الاستفادة من خيانة الأجنبي للأنظمة العربية ليست واردة ذلك أن الوعي السياسي غائب عن الحكام.
والتطبيع الجديد لم يأت من فراغ، وليس هو وليد الصدفة فهناك سمسار له هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يكدّ ويجد ويأمل أن ينجح في حمل إندونيسيا ومالي وباكستان على التطبيع مع إسرائيل.
ومن أسخف أنواع التضليل السياسي استغباء الناس بتصريح لوزير خارجية المغرب ناصر بوريطة حين اعتبر التطبيع المغربي مع إسرائيل مجرد إعادة الاتصال الذي ((انقطع)) منذ سنة: 2002م.
إن الأغرب في واقع الأمة الإسلامية هو أنها وإن أبعدت عن حضارتها وثقافتها كما حصل بعد سقوط الخلافة العثمانية لم يُجْد في تحويل الشعوب الإسلامية إلى شعوب غير إسلامية على الرغم من الجهود الكبيرة من أجل الغاية التي رسمت لها، فلا أتاتورك حول الشعب التركي عن دينه، ولا بورقيبة نجح، لا القذافي ولا غيره حولوا وجهة الأمة عن دينها الشيء الذي يؤكد استحالة تحويل المسلمين عن الارتباط بدينهم، صحيح أن المغالطات قد تضخمت ولكن مهما كان فلن يتحول شعب من شعوب الإسلام عن قضيته، وعليه مهما تم التفريط في بلاد المسلمين فإنها تظل في حكم ثقافتنا وحضارتنا ثابتة، فلا التطبيع يغير منها، ولا الاتفاقيات بشأنها يكون لها مصداقية، فالحق وإن تم التعدي عليه يعود إلى أصحابه حين يوجد خَيِّرون يقفون للظالم ويمنعون اعتداءه.
والسؤال الذي أحب طرحه هو:
هل نال المغرب جائزة على تطبيعه حين طلع علينا سياسيون يضعون الاعتراف بالصحراء الغربية مقابل الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع معها؟
لقد نشرت جريدة المدن أون لين الإلكترونية نقلا عنن صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، قالت: إن الإعلان عن التوصل لاتفاق للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، جاء مقابل اعتراف أميركي بسيادة المغرب على الصحراء وتزويد المغرب بأربع طائرات من دون طيار، من الطراز الهجومي، "ريبر إ كيو 9".
لقد خسر المغرب كل شيء مقابل التطبيع مع إسرائيل، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعترف بالصحراء الغربية للمغرب لأن الرئيس "ترامب" لم يعد رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الاعتراف له ما بعده، ذلك أن الإدارة الأمريكية لها بتصريحه خط رجعة عنه إذا رأت ذلك وستراه لأن قضية الصحراء أصبحت قضية دولية، ويدل على ذلك ماض استلام أمريكا لها وإدارتها سابقا بسياسي أمريكي هو جيمس بيكر، وتديرها الآن ومنذ أصبحت دولية بهيئة الأمم المتحدة، فيكون التسرع في التطبيع تسرع غير محسوب مادام "ترامب" لا يمثل الولايات المتحدة الأمريكية الآن، ويكون بلا مقابل، ولا يقال أن استلام المغرب لأربع طائرات دون طيار مكسب كبير، لا يقال ذلك، بل لا يقول به إلا أبله جاهل، فالطائرات التي تعمل دون طيار يستطيع طالب مبتدئ في علوم الكهرباء والإلكترونيات أن يصنعها، وإذا ارتقى طورها تطويرا لافتا وجعلها فوق مستوى الطائرات الأمريكية والروسية والصينية وغيرها، كما لا يقال أن تنصيب الرئيس الجديد لم يحن بعد، لا يقال ذلك فالإدارة الأمريكية تكاد تكون مشلولة أو تكاد تكون واقعة في فراغ سياسي، المهم أن المغرب لم يجن من التطبيع شيئا.
إن الذي يؤكد سوء تدبير ملف الصحراء الغربية منذ بدء الأزمة المفتعلة مع الجزائر هو أن المغرب والجزائر تورطا حين لم يحسما أمرها فتدخلت قوى أجنبية وحولتها إلى قضية دولية، ولا يحسن إدارتها اليوم إلا أن يتفق المغرب والجزائر على تسويتها دون تدخل أجنبي، والتسوية لا تعني إيجاد كيان جديد في المنطقة فهذا خيانة لله ورسوله ولأمة الإسلام لأن التمزق والتشرذم ممنوع في حضارتنا وثقافتنا، فالأصل أن نتجمع كما كنا لنكون لحمة فيكون من سبق إلى هذه الفكرة هو صاحب الحق، وما على الطرف الآخر إلا أن يسانده ويسهل بسط سيادته، وإذا قرر أن يلحم المغرب بالجزائر فما على الجزائريين إلا أن يقبلوا بذلك لأنه هو الأصل، ولا أعني بهذا إحياء دولة الموحدين أو دولة المرابطين، بل أعني أن ما قاد إلى جمع المسلمين تحت قائد واحد وراية واحدة وإعادتهم إلى لحمتهم هو الذي يجب أن يكون، وهو يجب أن يعمل من أجله، وهو الذي يجب أن لا يقف في وجهه أحد باسم الوطنيات والقوميات وما إلى ذلك.
يبقى شيء هام جدا يجب التنبه إليه وهو أن المغرب والجزائر لن يستمرا هكذا دون حرب بينهما، صحيح أن الحرب مرفوضة من طرف المغرب والجزائر، من طرف الشعب الجزائري والشعب المغربي يجب قطع الطريق على كل من يرد اندلاعها بينهما لأنهما شعب واحد، ولكن الأجنبي لن يمكث على حال إبقاء الدولتين دون إشعال حرب بينهما، ولن يصبر على إبقاء حال السلام بينهما وهذا هو الخطر، وقضية الصحراء هي الوقود الذي يشعل الحرب فحذار أن نتورط في حرب، حذار أن يسقط المغرب والجزائر في اللعبة القذرة التي يلعبها الاستعمار، فبلادنا وشعوبنا مستهدفة، والمغرب والجزائر ليسا استثناء، والنتيجة أن ما قدمه "ترامب" للمغرب من اعتراف له بسيادته على الصحراء الغربية لا معنى له ما دام الاستعمار والأجنبي يريدان تدمير الدولتين والشعبين ليعودا بهما إلى الوراء كما فعل بالشعب العراقي والسوري والليبي مثلا، سياسة إشعال الحرائق لم تتغير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ولا سياسة أوروبا، وأما روسيا والصين فهما علينا دائما وأبدا ولن يكونا معنا مهما كان، وعليه فالتعقل التعقل أيها العقلاء، الإقصاء الإقصاء للسفهاء من بيننا حتى لا ننجر إلى حرب يورطنا فيها أحمق، يورطنا فيها منتفعون بالدم الغالي ولا يكون فيها رابحا دنياه ولا آخرته، ومن يقف مع هذا أو ذاك دون أن يكون له إذن من الله ورسوله يكون مشاركا في قتل الشعبين الشقيقين؛ المغربي والجزائري.
إن الجائزة الكبرى التي ستمنحها الإدارة الأمريكية في المدى المنظور للمغرب هي الحرب بينه وبين والجزائر، هي إشعال الحرب بين شعبين شقيقين والاتجار في دمائهما، وسواء طبعت الجزائر أم لم تطبع فجائزتها هي أيضا من جنس جائزة المغرب.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
طنجة بتاريخ: 12 دجنبر سنة: 2020م