نقد مسرحية الحاكم بأمر الله
الكتاب تأليف نوال السعداوي وهى تتناول فيها شخصية الحاكم بأمر الله وقد قالت فى مقدمة الحكاية أو المسرحية :
"قد يصدم معنى من معاني هذه المسرحية بعض القراء أو المشاهدين وخاصة ذلك الذي يتعلق منه بالنواحي الحساسة في العلاقات الإنسانية وبالذات علاقة الرجل والمرأة ولكني أعترف بأن الأفكار والحوادث التي وردت في المسرحية ليست بالجديدة وليست من خيالي، فقد أخذتها من التاريخ وأنا لست من حفظة التاريخ لكن الذي يرجع إلى قراءة التاريخ يجد أن الإنسانية مرت بأزمنة غريبة كان هناك زمن الرقيق والعبيد وكان هناك زمن يخصى فيه العبد ليخدم حريم السلطان بغير خشية على الحريم وكان هناك زمن الحاكم بأمر الله الذي أدعى الألوهية وقدسه بعض الناس وكان هو يقدس الحمار وقد استهواني التاريخ بحوادثه الغريبة التي تكشف عن بعض الخبايا والناقضات التي تنطوي عليها النفس المعقدة لذلك المخلوق – الإنسان- ورغم دراستي للطب والجراحة وإدراكي العلمي لجسم الإنسان إلا أن فكرة إحصاء العبيد التي حدثت في التاريخ ظلت بالنسبة لي غامضة وشاذة توحي إلى بان إخصاء الرجل ليس هو الجراحة أو ما ينتج عنها من عقم مادي بقدر ما هو الإخصاء الفكري أو النفسي وما ينتج عنه من عقم في الفكر أو النفس "
المسرحية بالقطع أحداثها ليست كما قالت نوال من التاريخ فهى فى الغالب من خيال المؤلفة فنوال قالت أن الرجل كان عقيما وعلى أمر العقم تدور كل أحداث المسرحية وفى هذا قالت:
"يجلس رجل الكوخ العجوز ويجلس إلى جواره الرجل وعبيد
الرجل العجوز يمسك مزماره ويرن فى هدوء الليل لحن راقص طروب الرجل العجوز يغنى
سيعم الخير بلدتنا والعقم راح وزال الهم "
وقالت فى موضع أخر :
"عبيد والرجل العجوز يرقصان ويغنيان معا
سيعم الخير بلدتنا والعقم راح وزال الهم
فالمرأة منا انجبتنا ولدا حرا يصرخ هم هم
تخرج الأم العجوز من الكوخ تبتسم فى سعادة تنضم إلى عبيد والرجل العجوز فى الغناء والرقص
الكل يغنون ويرقصون سيعم الخير بلدتنا والعقم راح وزال الهم
فالمرأة منها أنجبتنا ولدا حرا يصرخ هم هم "
بينما كتب التاريخ تقول أنه كان له ابنه والظاهر إعزاز دين الله وهو الذى تولى الخلافة بعده واسم الولد على وبها تكنى الحاكم حيث كان ينادى بأبو على
ونوال لم تجد فى الحاكم سوى الحديث عن عجزه الشهوانى أو ما يسمى العجز الجنسى وأنه كان يدارى ذلك بكتابة رسائل الحب لزوجته جنات والتى يقرأها لها كل ليلة وفى هذا قالت نوال :
"الملك (فى تودد) أنت لست في حالتك الطبيعية يا حبيبتى ربما لم تنامى نوما كافيا أو لعل أعصابك مرهقة لأننى
(يقترب منها في تودد شديد وهى تبتعد عنه) لأننى لم أقصد لأننا لم نجلس معا ليلة الأمس جلستنا الغرامية المعتادة ولكن ماذا أفعل يا حبيبتى كنت مشغولا جدا ليلة الأمس ولم يكن فى استطاعتى أن أترك مجلس البلاط مجتمعا ثم آتى اليك
الملكة لا ترد ويبدو عليها أنها منشغلة بالبحث عن الصوت الغريب
الملك (فى رقة) ولكن هذه هى الليلة الوحيدة التى لم نجلس فيها معا الليلة الوحيدة التى مرت من حياتك دون ان تسمعى
(يقترب منها وهى تبتعد عنه) الليلة الوحيدة التى لم تسمعى فيها كلام الحب ولكن ولكنك ستغفرى لى حين أسمعك الآن لماذا تبعدين عنى هكذا يا جنات الملك وهل رسائلى كلام يا حبيبتى؟ رسائلى التى أكتبها لك بكل أحاسيسى وجوارحى رسائلى التى أنفقت فى كتابتها نصف عمرى رسائلى التى تملأ هذا الصندوق الكبير
يشير إلى الصندوق الكبير فى الركن
هل هناك امرأة فى العالم تلقت من زوجها كل هذه الرسائل؟
الملكة ولكن الرسائل لا تفعل شيئا
الملك لا تفعل شيئا؟! هذه أول مرة أسمع منك هذه العبارة لا يمكن أن تكونى فى حالتك الطبيعية لا يمكن لست جنات التى كنت أعرفها ماذا حدث لك يا عزيزتى؟ "
وتكرر نفس الكلام فى موضع أخر على لسان أسخاص أخرين فتقول:
"الأم ماذا حدث يا جنات؟
الملكة يبدو عليها الاضطراب والحرج
الأم تكلمى يا ابنتى هل حدث شىء؟
الملكة لم يحدث شىء يا أمى ولكن
الأم ولكن ماذا؟
الملكة (فى ارتباك) ولكن لا أعرف كيف أعبر لك أننى تعيسة يا أمى تعيسة!
تبدأ الملكة فى البكاء
الأم (فى دهشة) تعيسة؟ لماذا يا أبنتى؟ ماذا حدث؟
الملكة تبكى ولا ترد
كنت أظن أنك سعيدة يا جنات صحيح أنه رجل مستبد وغليظ القلب ولكنه يحبك يا جنات وأنت نفسك قلت لى أنه يحبك
الملكة تجفف دموعها
الملكة أنه يحبنى أو هذا ما أظنه على الأقل فهو ينادينى دائما يا حبيبتى وكل ليلة يسمعنى الكثير من عبارات الحب ولكن
(تسكت وتطرق إلى الأرض)
الأم تنظر إليها منصته فى أهتمام
الأم ولكن ماذا يا جنات؟
الملكة ولكن هذا كل شىء
الأم (فى دهشة) كل شىء؟
الملكة نعم يا أمى كل شئ
الأم (مرددة) أتقصدين أنه يسمعك فقط عبارات الحب؟
الملكة كل ليلة يجلس إلى جوارى على هذه الشلتة ويقرأ لى رسالة غرامية
(فى غضب)
الأم (فى دهشة) يقرأ لك رسالة غرامية؟
الملكة نعم يا أمى يقرأها لى "
وتبين نوال أن الملكة كانت جاهلة بما يجرى بين المرأة وزوجها جهى مطبقا وأن السبب هو أمها فهى لم تقل لها شيئا عما يجرى داخل حجرة النوم فقد أوصتها بوصية واحدة طبقتها طوال عشرين سنة وهى طاعة زوجها وفى هذا قالت:
"الأم وماذا بعد الرسالة؟
الملكة لا شىء
الأم (فى دهشة) لا شىء!
الأم تنهض واقفة تنظر إلى ابنتها متفحصة
الأم هذا شىء عجيب! قفى يا جنات
الملكة تقف أمام أمها
الأم دورى يا جنات
الملكة تدور والأم تتفحصها بعينين مدققتين
الأم ليس بك عيب يا ابنتى شابة فى عز الشباب وجسمك فارع خصب كالأرض الطيبة
الملكة (تنفعل) تصورى يا أمى هذا؟ تصورى! ما أنا فيه من تعاسة!
تبكى الملكة مرة أخرى فى عصبية
الأم (تهز رأسها متعجبة) هذا شىء عجيب
ولكن تقترب من ابنتها وتهمس فى أذنها
الأم ربما تكون له علاقة بامرأة أخرى
الملكة ليست هناك امرأة أخرى
الأم وكيف تعرفى يا ابنتى الرجال لهم أسرارهم الرجال بير يا ابنتى بير
الملكة أنا أعرف كل خطواته يا أمى (تهمس فى أذن أمها) أحد الحرس يقول لى كل خطواته
الأم وإذا لم تكن هناك امرأة أخرى فماذا يكون يا ابنتى؟
الملكة لا أدرى يا أمى لا أدرى! هذا ما يحيرنى!
الأم هذا شىء غريب والغريب أيضا أنك لم تفتحى فمك كل هذه السنين
الملكة وماذا كنت اقول يا أمى؟
الأم ماذا كنت تقولين؟ هل هذا شىء تخفيه امرأة؟ وإذا أخفته سنة أو سنتين
(تجلس) أو ثلاثة فكيف يمكن أن تخفيه عشرين سنة؟!
الملكة عشرين سنة؟!
الملكة كنت أظن أنه يحدث لكل النساء مثلى لم أكن أعرف شيئا آخر يا أمى لم أكن أعرف وكيف كنت أعرف؟ أنت لم تقولى لى شيئا قبل الزواج سوى أطيعى سيدك وقد أطعته يا أمى
الأم طاعة الزوج واجبة يا ابنتى هكذا قالت لى المرحومة أمى ولكنى لم أتصور أنك تطيعيه إلى هذا الحد
الملكة وكيف كنت أعرف إلى أى حد أطيعه؟ أنت لم تقولى لى إلى أى حد أطيعه
الأم وهل هذه اشياء تقال يا أبنتى؟
الملكة وكيف أعرفها يا أمى؟
الأم كيف تعرفيها؟ هذا سؤال غريب وكيف عرفتها الآن؟"
تبدو نوال وهى الطبيبة التى مارست الطب ودافعت عن حقوق المرأة فى المسرحية وهى تسقط ما يحدث لنساء عصرها الجاهلات على الحاكم وزوجته وعلى حد ذاكرتى الضعيفة انها فى أحد كتبها عن قضايا المرأة ذكرت أنها كانت تدافع عن النسوة اللاتى كان أزواجهن مصابين بالعجز الجنسى وكن لا يستطعن الكلام عن هذا المشكلة لأحد وقد قامت بدورها حيث حصلت لهم على الطلاق ولكن الدور الذى رأته حلا للمشكلة للمسرحية كان مصيبة فاحشة فبدلا من الطلاق والزواح من أخر عملت على جعل المرأة تزنى والأمر أن تقوم أمها بمساعدتها على الزنى وإنجاب طفل فالأم لما عرفت أنها أحبت الرجل الغريب من مجرد سماع صوته ظلت تبحث عن الرجل حتى جلبته لها فى القصر ليضاجعها فى حجرة نوم الحاكم وفى هذا قالت:
"الأم كيف تعرفيها؟ هذا سؤال غريب وكيف عرفتها الآن؟
الملكة لا أدرى ولكن سمعت صوته من وراء الباب فأحسست بشىء غريب يا أمى كأنما كأنما "
وقالت :
الأم سمعت صوته؟ من هذا الذى سمعت صوته؟
الملكة لا أدرى يا أمى إنه صوت غريب صوت ملىء بالقوة له نبرة خاصة نبرة قوية دخلت قلبى فى لحظة واحدة يا أمى الأم أنها تضيع يا ابنتى أعرف أنها تضيع ولكن ما العمل يا ابنتى؟ إنه لن يتركك يا جنات لن يحررك أنت تعرفيه إنه لا يحرر أحدا فما بالك أنت وخروجك من هذا القصر معناه نهايتك
الملكة وبقائى هنا معناه نهايتى أيضا يا أمى
الأم أعرف يا ابنتى
الملكة إنى لا أنام يا أمى لم أعد أنام وكلما نمت (تسير إلى الأمام كالحالمة) هل تسمعى هذا الصوت يا أمى؟
(فى اعياء)
الأم (تتلفت فى دهشة) أى صوت؟ لا أسمع شيئا يا ابنتى
الملكة (كالحالمة تتقدم بخطوات بطيئة إلى الأمام ناظرة إلى أعلى): اسمعى
إنه ينادينى يا أمى
يسمع صوت طفل يأتى من أعلى المسرح (صوت خافت يقول فى نداء ملح) ماما
(الملكة تقترب من مصدر الصوت باسطة ذراعيها إلى الأمام) أنه ينادينى أنا آتية إليك يا حبيبى
(الأم تنظر إلى ابنتها فى دهشة وتقول لنفسها فى ذهول) أنا لا أسمع شيئا ماذا جرى لك يا جنات؟"
وفى بحث الأم عن الرجل لكى يجعل ابنتها تنجب قالت نوال:
"الملكة تفيق إلى نفسها تنظر بين ذراعيها فلا تجد الطفل تتلفت حولها فى فزع وذهول تنهض مذعورة وتدور على خشبة المسرح كأنما تبحث عن طفلها الضائع
الملكة (بصوت مذعور) من أخذ منى طفلى؟ من أخذ منى طفلى؟! كان هنا! كان هنا بين ذراعى تقبض الهواء بين ذراعيها وتلقى بنفسها على أمها باكية منتحبة
الملكة (تبكى فى حزن) كان بين ذراعى يا أمى! كان بين ذراعى! أين ذهب يا أمى؟
الأم (تواسيها) سيعود إليك يا ابنتى سيعود إليك طفلك يا ابنتى
الملكة (تفيق) طفلى؟!
الأم نعم طفلك يا جنات
الملكة طفلى أنا؟ هل يمكن أن يكون لى طفل
الأم طبعا يا ابنتى يمكن أن يكون لك طفل
الملكة كيف يكون لى طفل يا أمى وزوجى يريدنى طاهرة
الأم لعنة الله عليه وعلى طهارته يا ابنتى أهذه طهارة؟! إنه الدنس أنه يخدعك بهذه الطهارة وهو يدنس حياتك يدنسها يا ابنتى وهل هناك دنس أكثر من فقد حياتك دون طفل دون ثمرة
الملكة وماذا أفعل يا أمى؟ ماذا أفعل؟ ما هو الحل؟
الأم رجل آخر يا ابنتى
الملكة تنهض فزعة مندهشة
الملكة (فى دهشة) رجل آخر؟
الأم (بشدة) نعم رجل آخر هذا هو الحل الوحيد
الملكة هل يوجد رجل آخر يا أمى؟ إنه الرجل الوحيد والباقى كلهم عبيد
الأم ربما يكون هناك رجل
الملكة (فى أمل) أقسم لك يا أمى أننى سمعت صوته
الأم ربما يكون هناك رجل يا ابنتى
الملكة لابد أن هناك واحد اقسم لك يا أمى أنه موجود
الأم لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل من رجل واحد على الأقل
الملكة ماذا ستفعلين يا أمى؟
الأم سأبحث عن هذا الرجل يا جنات سأبحث عنه فى كل مكان فى البلد قلبى يحدثنى بأنه موجود فى مكان ما لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل الأم تسير نحو الباب وهى تردد
الأم لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد
الأم (بصوت خافت فيه نداء) رجل واحد يا عباد الله رجل واحد فقط يا عباد الله واحد فقط واحد فقط ألا يوجد رجل واحد فقط فى كل هذه البلد؟"
نوال فى الفقرة السابقة تختزل متعة الجماع فى شىء واحد وهو إنجاب طفل وهو كلام يحسن الزنى للحصول على أطفال ومن المعروف أن المتعة هى هدف الجماع وليس الحصول على طفل
نوال هنا تبدو هنا وكانها تجمل الجريمة أو تبررها وعليها ينطلق المثل:
"جاء يكحلها عماها"
فنوال بدلا من علاج المشكلة أتت بمشكلة عبارة عن مشاكل أى جرائم عدة وهى الزنى ونسبة طفل لغير أبيه
ونلاحظ أنهم يصفون الغريب بكونه الرجل الوحيد فى البلاد لكونه قادر على الإنجاب قادر على عصيان الحاكم قادر على تدنيس فراشه والتمتع بزوجته ويبدو أن هذا عملية اسقاط أخرى فقد استعارت من علم النفس حكاية المحب فالمرأة لا ترى فى الدنيا رجل سوى من تحب والرجل المحب لا يرى فى النساء امرأة سوى من يحبها
وتذكر نوال بحث الأم عن سعادة ابنتها المزعومة فالأم لأنها عرفت أنها كانت السبب فى تعاستها الزوجية أرادت التكفير عن ذنبها بالبحث عن حبيب ابنتها وفى هذا قالت نوال :
"تظهر الأم العجوز من الطرف الاخر للمسرح تحمل شمعتها الصغيرة تسير بعكازها وظهرها منحنى تنادى بصوتها الضعيف الخائر
رجل واحد يا عباد الله رجل واحد فقط يا عباد الله ألا يوجد رجل واحد فى هذه المدينة رجل واحد فقط
الرجل الغريب يهب واقفا
الرجل يبدو أنها تحتاج إلى المساعدة
يسرع ناحية الأم العجوز ومن خلفه عبيد ورجل الكوخ
الرجل ماذا بك يا أمنا العجوز؟
الأم ابحث عن رجل ينقذ ابنتى
الرجل ماذا حدث لابنتك؟
الأم إنها تموت شيئا فشيئا أما من رجل هنا ينقذها؟
الرجل أين ابنتك يا سيدتى؟
الأم فى القصر
الرجل خذينى إليها
يمسك الرجل بيد الأم العجوز ويهم بالمسير معها
عبيد (يخاطب الرجل) انت تخاطر بحياتك إذا ذهبت ناحية القصر
الرجل (باسما) أنا اخاطر بحياتى دائما يا عبيد انتظرنى هنا سأعود إليك يسير الرجل ممسكا بيد الأم العجوز يبتعدان عن الكوخ
الأم بارك الله فيك يا إبنى (تمسح دموعها) بارك الله فيك قلبى كان يحدثنى بأن هناك رجل لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد لا يمكن أن تخلو الدنيا من رجل واحد "
وتقدم الأم الحبيب إلى ابنتها لكى تنجب طفلها وهو تجميل كلامى للفاحشة وهو الزنى الذى يتحدث عنه المشهد التالى :
"تظهر الأم العجوز بالباب ومن خلفها الرجل
الأم تشير إلى ابنتها فى حذر شديد ثم تختفى وراء ستار النافذة
الرجل يقف لحظة ينظر إلى الملكة فى انبهار يتقدم نحوها بخطوات بطيئة
الملكة ترفع رأسها وتنظر اليه فى دهشة وانبهار
الملكة أهو انت؟
الرجل أهى انت؟
تقف الملكة وتقترب منه فى خطوات بطيئة وكأنها مشدودة اليه بقوة خفية ثم يقفان وجها لوجه كل منهما يتأمل الآخر فى دهشة وانبهار
يتعانقان بقوة
الملكة أخيرا اتيت
الرجل كان لابد أن أجئ
الملكة لماذا تأخرت؟
الرجل لم اكن أعرف الطريق
الملكة وهل عرفت؟
الرجل من بعد عناء المسير
الملكة ولن تغيب؟
الرجل كان موعدنا فى الربيع
يسيران وهما متعانقان ويدخلان غرفة نوم الملكة ويغلق خلفهما الباب"
هذا هو أساس المسرحية الذى استغرق الجزء الأكبر منها وهو أساس خيالى لا يستند إلى كتب التاريخ وهو كما قلت عملية اسقاط لبعض مشاكل النساء فى عصر نوال فى شبابها
الأساس الثانى للمسرحية هو الخمار فنوال تظهر الحاكم وكأنه عابد للحمار فالرجل استغنى عن الناس تماما بمصاحبة الحمار مولود وفى هذا قال :
"الملك لست مطمئن لست مطمئن إلى أى شئ يقترب من الحمار الواقف فى ركن المسرح يربت على الحمار فى رقة وحنان
يخاطب الحمار عثمان تأخر يا مولود ماذا حدث؟ خبرنى يا مولود خبرنى لم أعد أطيق الانتظار
(يضع أذنه إلى جوار فم الحمار كانه يسمعه) ماذا تقول تريد أن تتمشى فى الصحراء ثم تخبرنى بكل شئ لماذا تحب الصحراء بهذا الشكل (يبتسم للحمار ويداعبه) أنا أيضا أحب أن أتمشى فى الصحراء برفقتك هيا يا مولود هيا بنا إلى نزهتنا الخلوية معا هيا نتحدث معا فى هدوء بعيدا عن الآذان والعيون تحكى لى وأحكى لك تحكى لى وأحكى لك يسوق الحمار ويأخذه خارج المسرح "
وقالت فى موضع أخر :
" الحاكم آه يا مولود كم أنا متعب
(يكلم الحمار) (يلصق رأسه برأس الحمار ويربت على رقبته) هؤلاء العبيد كالحيوانات أجسام ضخمة بغير عقل أنت الوحيد الذى يمكن أن أكلمه فى هذه المدينة أنت الوحيد الذى يمكن أن يفهمنى الوحيد الذى يمكن أن يجادلنى أما هؤلاء العبيد كم أحتقرهم إن واحدا منهم لا يستطيع أن يجادلنى إن واحدا منهم لا يستطيع أن يقول لى لا كلهم يقولون نعم افندم سمعا وطاعة لا أحد يقول لا كم أحتقرهم! أنت الوحيد الذى أحترمك أنت الوحيد الذى تهز رأسك أحيانا وتقول لى لا هل تذكر حينما غضبت منى حينما نسيت أن اشترى لك العطر؟ هل تذكر حين رفستنى بقدمك حين نسيت أن آخذك معى فى نزهتك المعتادة فى الصحراء؟ كم أحبك وأنت تهز رأسك غاضبا وكم أحبك حين ترفسنى
(يتمسح فى الحمار ويربت على رأسه وعنقه)
كم أستريح وانا أكلمك يا مولود كم استريح وأنا اكشف لك عن نفسى كم أحبك لأننى أتكلم معك بغير قيود أحكى لك بحرية انت تفهمنى وتعرف حقيقتى هؤلاء العبيد كم أكرههم كم اكره ضعفهم أمامى كم أكره ذلهم يتصورون أننى إله تصور يا مولود (يضحك ضحكة قصيرة) تصور يعاملوننى معاملة الإله
(يبدو عليه الإلم والتعاسة فجأة) آه كم أحب عينيك وأنت تنظر إلى بكل هذه الشفقة أنت الوحيد الذى تشفق على فأنا إنسان وحيد تعيس كم أخاف حين يرفع واحد منهم عينيه وينظر فى عينى كم أخاف*كم اخاف ان يكتشف واحد منهم كم أخاف أن يعرف واحد منهم أننى
(يلصق رأسه برجل الحمار وكأنه يحتمى به) آه كم أصبحت أخاف من عينى جنات لقد بدأت ترفع عينيها فى عينى "
علاقة الحاكم بالحمار ليست علاقة عبادة وإنما هى كما فى كتب التاريخ وسيلة الرجل لمعرفة أخبار الرعية حيث كان يركب عليه متنكرا يتتبع أخبار الناس وكانت وسيلته للذهاب للخلاء للتأمل
وأما الأساس الثالث وهو القتل فهو الشىء الوحيد الذى تذكره كتب التاريخ فالرجل كان يسرف فى قتل الناس ومن المواضع التى ذكرت فيها ذلك قولها:
عبيد (يخاطب الرجل الغريب) هل لك فى أن نستريح هنا قليلا
الرجل الغريب هذا الرجل الطيب ما أجمل أن نجلس معه قليلا
يجلس الرجل الغريب إلى جوار رجل الكوخ
عثمان يأخذ عبيد من يده ويسيران بعيدا عن الرجلين ثم يقفان فى الركن الآخر من المسرح يتهامسان
عثمان يجب أن نقتله
عبيد ولماذا نقتله يا عثمان؟ إنه لا ينطوى على شر وسوف يغادر حدودنا ولا نراه بعد ذلك أبدا
عثمان هذا أمر مولاى
عبيد (فى غضب) هذا ظلم هذا استبداد ماذا فعل الرجل ليقتله؟ ماذا فعل؟ ألا يكفيه ما يفعل بنا هذا الطاغية!
رجل الكوخ ماذا حدث يا سيدى
عبيد عثمان ذهب معه ليقتله"
وأما الأساس الرابع فهو إيمانه بالخرافات وهو كلام صحيح وهو ما تعبر عنه الفقرة التالية من المسرحية:
"الملك جالس وسط حاشيته وأعضاء البلاط مروان وعدد آخر من العبيد بعض الجوارى من النساء الملك يشرب الشيشة وجارية من الجوارى تشرب شيشة أيضا الجو معبأ بدخان البخور مختلطا بالمخدرات والنساء فى ركن المسرح البعيد حمار من الخشب له عجل
الملك إنى قلق يا مروان قلق
يتحدث مع مروان
مروان لا داعى للقلق يا مولاى عثمان لم يتأخر
الملك الدنيا أظلمت والليل كاد أن ينتصف وهو لم يعد؟!
يضحك فى سرور جارية ترقص على وقع الطبول جارية أخرى تغنى الملك يدخن الشيشة ويبدو عليه بعد قليل الانشراح والاندماج الكامل فى الجو يبدو عليه السكر وهو يتحدث مع مروان
الملك بصوت مخمور وماذا نفعل يا مروان فى تلك المرأة؟
مروان أى امرأة يا مولاى؟
الملك زوجتى الملكة جنات
مروان ماذا حدث لها يا مولاى؟
الملك لا أدرى ولكنى أشك فى أنها سمعت صوت الرجل من وراء الباب أو ربما رأته من النافذة ولكنها لا تعترف بشئ كل ما تقوله أنها سمعت صوتا غريبا صوتا جعل
(الملك يحاول أن يتذكر) لا أذكر بالضبط كيف نطقت بهذه الجمل ولكنها قالت أن الصوت جعل شيئا فى جسمها ينبض بالحياة
الجارية بعد أن تنام مولاتى سأدخل عليها ومعى البخور أبخرها سبع دقائق ثم أضع قطعة الشبة فى النار وأقص من شعرها سبع شعرات الفها مع فص لبان دكر وأعمل لها الحجاب وأضعه تحت المخدة بعد هذا تفتح مولاتى عينيها فى الصباح فتجد كل شئ قد ذهب من رأسها
الملك أريدها أن تنسى تنسى تماما ذلك الصوت الذى هوسها تنساه كأن لم يكن
الجارية لن يبقى منه فى رأسها شئ يا مولاى
مروان اطمئن يا مولاى "