أحدث المشاركات

قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قراءة تحليلية لقصة"ذيل الكلب"للمبدع مصطفى صالح /الأردن

  1. #1
    الصورة الرمزية الفرحان بوعزة أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 2,366
    المواضيع : 199
    الردود : 2366
    المعدل اليومي : 0.56

    افتراضي قراءة تحليلية لقصة"ذيل الكلب"للمبدع مصطفى صالح /الأردن

    19 ــــ قصة : ذيل الكلب / مصطفى الصالح/الأردن
    قراءة تحليلية لقصة "ذيل الكلب" تحت عنوان:
    الشخصية المتعددة بين الحضور والغياب
    القصة:
    أزال القناع الأخير،
    ونظر إلى وجهه في المرآة.
    ارتعب وشرع في ابتكار قناع فذ،.. لا يحترق أبدا.
    1 ـــ بوابة النص/ ذيل الكلب
    أول ما يواجه القارئ هو العنوان، كعتبة تكون على مرمى عينيه، إذ لابد أن يمر على العنوان. فإذا كان العنوان محفزا ومثيرا، فإن القارئ قد يتحمس للتفاعل مع النص أو قد يميل عنه ولو كان النص ذا أهمية كبيرة، ويستحق القراءة. العنوان في الأدب بخلاف الفنون الأخرى، كالرسم، النحت والموسيقى، مصنوع من مادة العمل الأدبي، ألا وهي اللغة، التي تلعب دور الوسيط بينه وبين النص.
    فالعنوان /ذيل الكلب/ عنوان معرف بالإضافة، يحمل في طياته سخرية مثيرة، تدفع بالقارئ أن يتخيل توقعات كثيرة لموضوع معين، إلا أن هذه التوقعات قد تخبو وتنكسر عندما يواجه القارئ مضمون النص، ومن تم يطرح عدة تأويلات تبقى عالقة في ذهنه. لكن عندما يتوجه إلى النص قد يتخلى عنها أو يأخذ ما ينسجم مع طبقات النص العميقة. وكل عنوان يتطلب من القارئ جهدا يربط تواصلا فعالا بينه وبـــين النص.
    عنوان يدفع إلى الاستغراب والتعجب، لأنه يبرز جانبا من السخرية المشوقة. فلا بد أن يبحث القارئ عن أمر ما يسكن النص، يتشكل داخل تضاد محتمل، أو يرمز إلى أمر نادر، غالبا ما يكون غير مألوف. فالكاتب مارس نوعا من "التحايل الجميل" في وضع هذا العنوان، وأقصد نوعا من التشويق والإثارة، وجر القارئ ليقرأ النص.
    يقول الناقد المغربي صالح هشام "أقول: لا بد أن يمارس الكاتب نوعا من التحايل، ليجذب القارئ، ويشده إلى نصه ليقرأه، وإلا كانت عملية الإبداع والكتابة برمتها مضيعة للوقت" (1)

    ذيل الكلب/ فما المقصود بهذا العنوان الذي يشكل نصا مستقلا بنفسه، قد يماثل النص الأصلي وقد لا يماثله. لأن عدة جزئيات وتفاصيل غائبة في العنوان، فيحتاج القارئ للبحث عنها عن طريق التأويل لفهم قصدية الكاتب، والدخول مع المبدع في جدلية التساؤل.
    فالمعروف أن للكلب ذيل، وأن الكلب حيوان أليف يعيش مع الإنسان، فالذيل هو آخر كل شيء، ويطلق عليه كذلك "الذنب" ويكون في مؤخرة الحيوانات. فالعنوان يبدو للقارئ بسيطا يدخل في المعنى المباشر، لكن الكاتب لم يختره اعتباطيا، فهو يخفي دلالات عميقة وراء التركيب اللغوي، عنوان لا يدخل في باب التنميق والتزويق وركوب هول الاستعارة، بل يدخل في إيحاء وتلميح مقصود، ورمزية تدفع القارئ أن يركب مطية التخمين والتخييل للوصول إلى الغائب من معاني وراء ظل العنوان.
    هناك تلميح لشخصية ما، تتشابه في السلوك مع حيوان أليف، فهو لا يختلف عن صفاته وسلوكه.. حيوان متخف في صورة إنسان، فمثل هذه الشخصية لا تستقر على حال، فلما تكون في وضعية صعبة يصيبها الخوف والقلق، يعمل على خفض رأسه، ويتحين الفرصة للهرب والتراجع....
    يقول الدكتور مسلك ميمون"فالبطل /الشخصية في النص القصصي ليس بالضرورة أن يكون إنسانا، بل قد يكون حيوانا أو جمادا أو نباتا"(2)
    ويمكن أن نستنبط عدة دلالات مرتبطة بالعنوان، فهي لا تبتعد عن التبعية، والخضوع، والاستسلام، والتذلل، وقبول الإهانة، والشتم، والسب. وبمعنى آخر، لا قيمة له في الحياة، فهو خادم أسياده، يلحس الأحذية كما يقال. مخاتل ومخادع، لا عهد له، ولا وفاء، فلا صدق ولا ثقة فيه، فهو الأدنى، وقد يرتب بين أسافل الناس. فإذا كان خائفا، فإنه يداري خوفه بالصمت والانسحاب، وإذا ما نال شيئا يفرحه رقص بجسمه واهتز تحت ملابسه. وإذا ما اقترب من أحد، فهو يتقرب منه لمصلحة ما. أليست هذه الشخصية مشابهة لهذا الحيوان الأليف.؟
    يقول الدكتور مسلك ميمون: " وأعتقد أن الأهم ليس تحديد عدد كلمات العنوان و حصرها. (....) وكلما كان العنوان قصيرا، و هادفا، و موحيا، ومؤثرا ومحفزا على القراءة، وقابلا للتّأويل و الاستنباط .. كان ذلك أحســــن و أجمل.(3)
    2 ــــ تحليل خطاب النص/ تجزيء وتحليل
    أ ـــ أزال القناع الأخير/ فما المقصود بالقناع؟ فالقناع هو رداء يغطي الوجه أو معظمه وله استخدامات عديدة كالتنكر وغيره، فالسارد لم يقدم شخصية القصة للقارئ، فهو العارف والعالم بها، بل ذهب مباشرة إلى تقديم حدث وقع، من أجل إشراك القارئ منذ اللحظة الأولى وشد انتباهه. فاستعمل الفعل الماضي "أزال" الذي يدل على أن إزالة القناع الأخير قد تم في زمن مضى. وهي بداية سردية ترتكز على إيراد الحدث كتمهيد لصراع محتمل، وانفراج مرتقب. وهي تختلف عن البداية الوصفية التي تسبغ على الشخصية أوصاف خارجية تبين هيأته الخارجية، وصورته الواقعية أو المتخيلة.
    فإزالة القناع الأخير، توحي بأن هذا البطل الذي كان يتخفى ويتنكر بأقنعة متعددة، قد وصل إلى رقم قياسي كبير في ارتداء الأقنعة، فالقناع ما هو إلا وسيلة لإخفاء الشخصية الحقيقية التي تبقى مجهولة للقارئ. فالبطل كان يعيش بشخصيتين: شخصية يظهرها للناس، ويتعايش معهم بها، وشخصية تختبئ وراء أقنعة متعددة ومختلفة. فلكل شخصية صفات ومكونات تتبدل وتتغير وفق الحالات والوضعيات التي تصادفه. فكل شيء في هذا البطل مبني على التضاد والتنافر في السلوك، والتعامل والتواصل.
    سكت السارد عن عدة محطات في حياة البطل، لما كان يرتدي قناعا بعد قناع، فهل كان يرتدي قناعا لكل مرحلة زمنية؟ أم كان يرتدي قناعا لكل حدث؟ فهل كانت أقنعته مختلفة أم متشابهة؟ ولماذا كان يغير أقنعته باستمرار؟ فالنص سكت عن المكانة الاجتماعية والثقافية للبطل، فبقي مجهولا عند القارئ، ولكن بإمكانه أن يبحث عن جزئيات وتفاصيل لفهم نمط هذه الشخصية التي صنعها الكاتب، فهي قد تكون حقيقية أو متخيلة. ولا سبيل للقارئ سوى بناء تأويلات عن طريق مجموعة من الأسئلة: ما هو سبب تدرج البطل في ارتداء الأقنعة؟ ومن كان يسهل له الفعل؟ فهل هو ممثل؟ أو مهرج؟ أو مساعد في إغاثة الناس في الكوارث الاجتماعية والطبيعية؟ فعندما يدخل القارئ لعالم النص، ويتعمق في طياته، قد يتخلى عن بعض التأويلات والتوقعات، أو يعتمد على بعضها.
    يقول الدكتور رشيد بنحدو: "فالقارئ الواعي،عند شروعه في القراءة، يتوقع وينتظر، يتوقع نهاية الجمل(...) وينتظر أن تتأكد هذه التوقعات أو تخيب. إنه دوما سابق للجملة التي يقرأ، سابق لها في مستقبل احتمالي ينهار جزئيا، أو يتدعم جزئيا بمقدار تقدمه في القراءة"(4)
    ب ـــ ونظر إلى وجهه في المرآة./ فالجملة السردية السابقة جاءت تحمل الخبر عن فعل البطل وتصرفه الذي أفضى إلى إزالة القناع الأخير، فكلمة "الأخير" قد تفيد التعدد في الأقنعة، كما تفيد الترتيب للأصلح والأجود، والمناسب لكل حالة سلوكية وتصرفات خفية، وكلما أحس بقرب كشفه أمام الناس.غير القناع القديم بقناع جديد.
    فبطل القصة هو شخصية واحدة،"منحوتة من تركيبة جديدة، تجمع بين الواقع والخيال، بين الوهم والحقيقة، وتصبح ملامح الشخصية مزيجا من أسئلة الواقع وأسئلة الكاتب والقارئ، بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون." كما يقول الدكتور مسلك ميمون. فشخصية القصة تتفرع عنها عدة شخصيات ككائنات حية لا ترى، ولكل شخصية قناع حسب الزمان والمكان، والظرف الذي توجد فيه. فلما أزال البطل قناعه، ونظر إلى المرآة، أحس كأنه يرى وجها غير وجهه. فرق بين الوجه الذي يوجد خلف القناع، والوجه الذي يوجد خارج القناع. وقد توسل السارد بالمرآة للكشف، والبحث والاستنتاج، رغم أن المرآة لا تكشف حقيقة الشخصية، فهي تكتفي بإبراز المظهر الخارجي، ولا تستطيع أن تصل إلى خبايا النفس، وما يضمره الإنسان من أفكار وشعور وإحساس... فالبطل يتساءل في نفسه ويقول: من أنا؟ أهذا وجهي؟ أم وجه آخر؟ هل نفس الوجه الذي خلقت به؟ أو الوجه المستعار الذي يختبئ تحت تلك الأقنعة؟
    ج ـــ ارتعب / فما الذي وقع؟
    اختار السارد فعل "ارتعب" دون أن يشير إلى قوته، أو تأثيره على نفسيته الداخلية، ودون أن يصف التغيرات الطارئة على وجهه. فعمل على تسريع الحالة، والانتقال إلى حالة أخرى لها أهمية في حياة البطل، ويمكن أن يتساءل القارئ، وعن طريق أسئلته المتنوعة قد يقترب من صورة الرعب الذي أخذ البطل واستولى عليه. لماذا ارتعب البطل لما رأى وجهه في المرآة؟ أهو الخوف من افتضاح أمره؟ أم أن قناعه تهرأ ولم يعد يساير الأحداث بكفاءة؟ أم يريد تجديده ليتطابق مع الحالات والوضعيات التي استجدت مع الزمن؟
    أسئلة قد تقرب القارئ من شخصية البطل المتشظية، المتغيرة والمتحولة في كل زمان ومكان، مخافة افتضاحه واكتشافه على حقيقته. وفي التنزيل العزيز: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ.) سورة:آل عمران/ الآية:151 ويقول كذلك (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) سورة الأحزاب /الآية 26

    فمسار البطل كان مستقرا وثابتا، لكن فعل إزالة القناع الأخير غير مساره، ولما نظر إلى وجهه أدرك الاختلال الذي وقع فيه، فسارع إلى ابتكار طريقة من طرقه التنكرية والمخادعة لإعادة التوازن الذي كان عليه فيما قبل، حتى لا يفقد قيمته الهشة والمبعثرة أمام من يتبعهم كذيل كلب الذي يرضى بالقليل. ويطيع أوامرهم دون اعتراض.
    د ــــ وشرع في ابتكار قناع فذ،../ فعل "شرع" يدل على استئناف العمل دون تباطؤ وتراخي، فالرعب الذي استولى عليه كاد أن يحد من طاقته وقدرته على الفعل، لكن البطل تحدى الخوف، فغير طريقة عمله بناء على ما اكتسبه من تجربة سابقة./ ابتكار قناع فذ،../ فالقناع الفذ، كناية عن تغيير طريقة التعامل القديمة بالطريقة الجديدة التي تعمل على تطور كيفية التعامل والسلوك المستجد، وإتقان الكذب والنفاق والمراوغة الصامتة، قبل أن يفتضح أمره. ختم السارد هذه الجملة بنقط الحذف (...) دلالة على كلام مغيب، يمكن أن يتداركه القارئ من خلال توقع الدلالات المسكوت عنها، ومن خلال ما تطويه اللغة من معاني بعيدة. والسؤال الملح في هذه الحالة: من تكون هذه الشخصية المتحولة والمتغيرة؟ وهل وظف السارد القناع الحقيقي أم الرمزي؟
    فالأقنعة التي يتحدث عنها الكاتب هي أقنعة غير محسوسة، وغير قابلة للتشخيص، هي ممارسة ونهج وسلوك... بل هي أقنعة مشكلة من تقلبات الإنسان في سلوكه وتصرفاته، وعدم الثبات على مبادئ أو مواقف محددة، فهذا يلبس قناع الدين، ويظهر الصلاح والخير للناس، فهو يتقنع بالتقوى كمطية للوصولية والانتهازية، وهذا يتقمص شخصية المتسول، وهو مخبر وجاسوس؟ وهذا يوزع الأموال بزمن، تمهيدا للترشح للانتخابات المقبلة؟...وهذا وذاك..
    فالسارد اختار شخصية من شخصيات عديدة، جعلها تتحرك، وتتطور، وتنتقل من حالة إلى حالة، فالسارد لم يقل كل شيء في هذه القصة، فهو يرمز، ويوحي إلى الفعل والسلوك عن طريق المجاز والكناية. فابن منظور يعرف الكناية بقوله: "هي أن تتكلّم بشيء وتُريد به غيره"، فالقصة القصيرة جدا لا تحتمل الإضافات اللغوية، والشروح والتفسيرات. لذلك نجد السارد قفز على معطيات عديدة، معتمدا على تقنية الحذف والإضمار، من أجل التواصل مع المتلقي، ودفعه إلى تشغيل مخيلته وعقله، لملء الفجوات الغائبة، وتأويل ما يمكن تأويله.
    3 ـــ نهاية القصة
    لا يحترق أبدا./ فالسارد قاد القارئ بسرعة نحو نهاية مفاجئة تجلت في الجملة التالية/ لا يحترق أبدا". فالقارئ كان ينتظر من السارد أن يفضح البطل ليسقط في الفخ، أو الدفع بالبطل إلى أن يتراجع عن سلوكه، أو يندفع ويثور من أجل استرجاع شخصيته، فيكون هذا التحول معارضا لتيمة العنوان "ذيل الكلب". لكن الكاتب خيب ظن القارئ، فأراد السارد أن يخلق من البطل نموذجا لا يتغير في طبعه، ولا في تربيته، ولا في سلوكه، فهو مطبوع على التبعية، والتمسكن ، والتلون مع المواقف.... كأنه حرباء لا تستقر على لون في حياتها.
    فنهاية القصة جاءت مبنية على الفعل المضارع،"يحترق". فالاحتراق سوف يتم ابتداء من زمن النطق بالفعل. ويقع الاحتراق في الحاضر والمستقبل. لكن، لما دخل النفي على الجملة "لا يحترق أبدا" تغير المعنى. فالاحتراق لن يقع أبدا في المستقبل، وتستمر هذه الحالة ثابتة إلى ما نهاية. فكيف تبقى عملية عدم الاحتراق ثابتة وغير متغيرة؟ وما هي الوسيلة لضمان صيرورة عدم الاحتراق؟ فالبطل تجهز جيدا، وأصبح حذرا من الافتضاح والكشف، يستمر في التقنع، ولكن بشكل مغاير. إما أن يخفض من حركاته وتحركاته، وإما أن يسلك مبدأ "التقية". وإما أن يتخلى عن مواقفه وسيرته في الحياة، وإما أن يغير من طباعه التي ورثها من تربيته وثقافته. فمن الصعوبة أن يغير طباعه، وكما يقال: "الطبع يغلب التطبع". وكما يقول المثل الشعبي " ذيل الكلب عمره ما يتعدل" والمثل العربي يقول (ذيل الكلب أعوج ولو وضعوه في القالب لمدة أربعين سنة) والمعنى المقصود هو أن الإنسان المعوج يبقى معوجا، فاللئيم يبقى طول عمره لئيما مهما حاولت إرضائه أو تعديله.
    4 ــــ البناء الفني في القصة
    حشد الكاتب مجموعة من الأفعال الماضية/أزال/ نظر/ ارتعب / شرع/ وهي صيغ بنيت للدلالة عما مضى من الأحداث، فلعبت دورا فعالا في بناء الخبر، وبذلك يكون السارد قد مهد لقصته بإخبار القارئ بأحداث قام بها البطل في الزمن الماضي،/ إزالة القناع/ النظر إلى الوجه في المرآة/ وقوع البطل تحت الرعب/ الشروع في ابتكار قناع جديد/ فأهمية الأفعال الماضية المستعملة لها فاعلية في بناء الخبر كما قلت سابقا، فأحداث القصة جاءت متلاحقة، كمشاهد قصيرة، فبين المشهد والمشهد زمن قصير جدا، قد لا يدركه القارئ إلا بعد أن يتوقف عند نهاية الخبر، مما يفسح له المجال للتأمل، واسترجاع ما زودته اللغة من أخبار عن هذه الشخصية، ومن تم يمكن للقارئ أن يصنف هذه الشخصية التي صارت على خطية سردية لا تتغير ولا تتبدل في الحاضر والمستقبل، فما قامت به هو تحسين فعل القناع، وتجديده لمواجهة المستجد في حياته، وتغيير علاقته بالناس، ومن يحيط به بطرق ملتوية جديدة.
    فالذي يقوم بالعمل والفعل هو بطل متحرك ومتطور، له طاقات في خلق حيوات متباينة، فهو يتشكل كرمز، كخيال، كشبح، كحيوان...كشيء.. ويتلون حسب الموقف والحدث. شخصية تقوم بدور المخادع، والمتحايل، والمنافق، والمتحرك داخل مساحات متعددة، أقواله شيء، وأفعاله هي شيء آخر. بطل يعمل خلف الستار، له عدة أوجه، وكل وجه صالح لظرف معين، وحدث معين، شخصية قد تخدع القارئ في بداية النص، وما أن يتوغل في عالم النص، يدرك نمط الشخصية التي يتعامل معها، سواء كانت حقيقية أو متخيلة. شخصية تتميز بالذكاء والنباهة. بطل يظهر شيئا ويبطن شيئا. فكثرة الأقنعة التي يغيرها من حين إلى آخر، أكسبته خبرة بنفوس الناس، لذلك كان ينجح في إخفاء حقيقة شخصيته.
    5 ــــ بناء وتركيب
    بطل جرب كل الأقنعة التي ساعدته على التخفي وعدم الظهور على حقيقته، يقال:" ليس من قناع يطول لبسه" فتعداد أقنعته واختلافها هي التي ساعدته على البقاء والاستمرار في الحياة. في كل مرة يلبس قناعا يتشكل داخله حسب الوضعية التي تواجهه، مع الحرص على عدم انكشاف ضعفه وتخاذله أمام الناس..فهو يهاجم ، يطارد، يسابق، يتأهب ، يتقدم، ويتراجع ..
    بطل يلين الكلام، يحسن القول، يتنازل، يكشف عن نوايا جديدة، له طرقه كيف يقنع الناس لكي يتمكن ويصل، ولا يخسر مكانته فيستفيد. فهو لا يختلف عن الحيوان الذي يأكل ويشرب وينام، فعندما يكون في وضعية تسمح له بالهجوم يهيئ نفسه للتحكم في الوضعية، وعندما يطارد خصومه يقد من شراسته قوة، وعندما يصيبه الخوف يرتعد ويخبئ رأسه فوق صدره. فالإنسان المتملق، الكاذب، المنافق له أقنعة متعددة، وسلوكات غريبة وملتوية تتماشى مع كل سلوك وفعل يكون في صالحه. أقنعة البطل متعددة، فكلما انكشف سلوكه اللئيم، استبدله بآخر شديد القوة. فكلما أعاد القارئ بداية القصة: "أزال القناع الأخير" قد يتساءل عن السبب، أهي توبة ؟ أهي خدعة؟ أهو خائف من الانكشاف، أم أراد أن يستبدل شخصية بشخصيته أخرى؟...
    كل قناع صالح لكل وضعية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، أقنعة تساعده على المداراة والمناورة، وجر الأيام إلى الأمام لتكون في صالحه ..
    بطل قادر على أن يتشكل مع كل وضعية طارئة، من أجل تعزيز سلطته وسيطرته، ليؤكد مهارته وذكاءه وحنكته في التسيير والتدبير، ومواجهة كل طارئ من الأحداث بقناع مناسب... قادر على التنكر والتلون، قادر على المراوغة والخداع.. فلما أحس أن أقنعته باتت باهتة، قد اعتراها الترهل والتقادم، فاخترقتها ثقوب قد يطل منها الناس على عيوبه الخفية، ونواياه السيئة أمام الناس. فماذا وقع؟

    استعان البطل بالنظر في المرآة ليتأكد من صورته، أهو وجهه القديم أم وجهه الجديد؟ أصابه الذعر والخوف، توجس الانحدار والاندحار، سوف يفقد مكانته بعدما يطلع الناس على أسراره وخباياه. فماذا فعل؟
    لم ينهزم، ولم يعترف بفشله، بل طور مكره ودهاءه، حتى يكون مناسبا وفعالا للمرحلة الجديدة. شرع في صناعة قناع جديد يتميز بالصلابة، كناية عن مناورات جديدة، وأقوال محكمة لكنها نابعة من الفراغ والتضليل. خطب متآكلة، وتدبير مدنس برغوة سياسية متحولة، كلما وضعت في المغسل الفكري والثقافي، تبخرت قطراتها في أعين الناس. بطل أصبح قادرا أكثر على إتقان المكر والتدليس والتحايل بعدما غير طريقة تخفيه تحت قناع التدلل والتودد والتقرب.
    استعمل الكاتب كلمة "الفذ " وهي مصدر فَذَّ. صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت والاستمرار، بمعنى أن البطل متفرِّد في كفاءته ومكانته، وليس له نظير أو مثيل في الناس. اختيار موفق لهذه الكلمة الممتلئة بالمعاني والدلالة التي تميز هذا البطل المهووس بالظهور والبروز دون اعتبار لأي وازع أخلاقي وديني.
    الكلب عندما يشبع لا ينبح إلا نادرا، والإنسان المنافق عندما يشبع يطلب المزيد. فالكاتب لم يشبه هذا الإنسان بالكلب، بل شبهه بذيل الكلب، وكم نجد من ذيول بشرية تستبدل أقنعتها كلما أتيحت لها الفرصة. قصة مرتبطة بما هو اجتماعي وسياسي وأخلاقي، فكم من عضو لبس مبادئ حزب ما، وظهر كإنسان مناضل وتقدمي، يملأ الساحات العمومية بالقول، والخطابة المنمقة والملفوفة بمصطلحات سياسية معقدة وغامضة. فما أن يصل إلى مراده، ويضع رجليه على بساط مكتب فاخر، يغدر، يهرب... ويتوارى عن الأنظار... فبطل القصة ثبت قدميه من جديد لما صنع قناعا سميكا وصلبا لا تدخله الريح، ولا تهزه عاصفة، ولا يبلى أبدا ولا يحترق أبدا... !؟
    الجملة الأخيرة "لا يحترق أبدا" هي شارحة ومفسرة لحالة القناع الأخير، فما دام أن القناع الأخير"فذ" فهو غير قابل للتمزيق والاحتراق والإتلاف. فجملة " لا يحترق أبدا." يمكن أن تكون منطوية على معنى آخر، وقد تحفز القارئ على الامتداد في التفكير والتأويل، فيكشف عن دلالات أخرى، وهي أن انتقادات الناس، وكلامهم، وأقوالهم لا يمكن أن تجبره على المغادرة، أو التخلي... ولا تجبره على الاستقالة أو المحاسبة. فهو بعيد عن الاحتراق بما تكتب عنه الصحف والإعلام المحلي والدولي، وقد يعدون تقارير مفصلة لفضائحه، لكنها تبقى حبيسة الرفوف.
    نص محفز للقراءة، له رمزية وإيحاءات متعددة يصعب مطاردتها، لكن بالقراءة المتكررة، والقراءات المختلفة، نستطيع أن نتحسس جغرافية النص بحذر خوفا من الانزلاق نحو تأويل لا يخدم النص. " ففي القراءة وبالقراءة، يكتسب النص أدببته".. نص مشاكس على مستوى قصدية الكاتب العميقة، سهل في الظاهر، وصعب لما يتعمق القارئ في ثغراته وشقوقه، ولا يقاس الإبداع الجيد باختيار الموضوع المهم في الحياة، فكل المواضيع صالحة لإبداع الكاتب، وهو الذي يجعلها ذات قيمة. يقول تولستوي "إن الكاتب الجيد يستطيع أن يكتب قصة كاملة من شجار في الشارع." وأخيرا، ليس هناك نظام للإبداع، يكون في مستوى تطلعات كل القراء، فإلهام المبدع وخياله هو الذي يساهم في خلق وإنشاء نص فني تستوعبه شرائح كبيرة من القراء.

    .............................................
    1 ـــ الناقد المغربي صالح هشام/أهمية العنوان في القصة القصيرة/ مجلة عالمي/28/11/2015
    2 ـــــ الدكتور مسلك ميمون/الشخصية /دراسة في البنية والنوع والوصف والتواصل/الطبعة الأولى/2015/مطبعة الخليج العربي / مدينة تطوان/ ص:71
    3 ـــ الدكتور مسلك ميمون/ قراءة نقدية/ العنوان/ النص الموازي/مقالات الدكتور مسلك ميمون في القصة القصيرة جدا/18/يناير/2013
    4 ـــ الدكتور رشيد بن حدو/ العلاقة بين القارئ والنص في التفكير الأدبي المعاصر/ عالم المعرفة/المجلد الثالث والعشرون/العددان: الأول والثاني /يوليو /سبتمبر /أكتوبر/ 1994/ ص:474

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,063
    المواضيع : 312
    الردود : 21063
    المعدل اليومي : 4.96

    افتراضي

    غوص عميق في ما وراء الكلمة والمعنى لتخرج لنا خبايا النص
    وتضع يدك على ملامح الإبداع القصي.
    قراءة نقدية قيمة تضئ جوانب النص وتبرز جمالياته
    فبوركت جهودك الرائعة وتحليلاتك المبهرة
    أصبحت الومضة بعد قراءتك أوضح وأجمل.
    فشكرا لك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي