بحر الكامل بأعاريض مقطوعة والشاعر غازي المهر

نشر الشاعر القدير غازي المهر قصيدة بعنوان (أهل الفداء) ومطلعها:
تَصحو القلوبُ على نَدى الأنسامِ
تخلو منَ الأدرانِ والآثامِ
وهي كما يبدو المطلع من بحر الكامل بضربه الثاني المقطوع:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن * متفاعلن متفاعلن (فعِلاتن)
أي أن الضرب مقطوع العين (متفالن) ويقلب إلى (فعِلاتن) ويجوز الإضمار بتسكين المتحرك الثاني في السبب الثقيل ليصبح (مفعولن).
قواعد العروض التي استنبطها الفراهيدي مما موجود من شعر قاله الشعراء الأوائل ولم يرد فيه أن تكون العروضة مقطوعة كالضرب إلا في التصريع.
لكن القصيدة التزم فيها الشاعر بأن تكون الأعاريض كلها مقطوعة الوتد لتأتي كالضروب فأصبح الوزن:
متفاعلن متفاعلن فعِلاتن * متفاعلن متفاعلن فعِلاتن
واعتمد الشاعر زحاف الإضمار في متفاعلن لتأتي مستفعلن كما اعتمد الإضمار في كافة الأعاريض والضروب.
والسؤال الآن: هل خالف الشاعر قواعد العروض وما نظم عليه الشعراء سابقا؟
وللإجابة على السؤال أكرر قولي السابق أن الشعر هو من تنتج عنه العروض وليس العكس.
ولنتوقف قليلا في البحث عن مجي الأعاريض المقطوعة في الشعر العربي, ولنأخذ المثال الآتي:
ما هَيَّجَ الشَّوقَ من أطلالٍ ... أضحَتْ قِفاراً كَوحيِ الواحي
وهذا البيت شاهد من مراجع العروض وهو من مجزوء البسيط ووزنه:
مستفعلن فاعلن مفعولن * مستفعلن فاعلن مفعولن
والبيت ليس مطلعا مصرعا وورد ضمن أوزان بحر البسيط في المراجع.
أصبحت والشيبُ قد علاني * يدعو حثيثًا إلى الخضابِ
مستفعلن فاعلن فعولن * مستفعلن فاعلن فعولن
وهو من مخلع البسيط , والعروضة والضرب مقطوعتا الوتد أي هما في الأصل (مستفعلن) وبعد قطع الوتد تصبحان (مستفلن) وتقلب إلى (مفعولن) ثم بخبنهما بحذف الثاني الساكن تصبحان (فعولن) والتي تساوي سببا مزاحفا وسببين خفيفين أي ( ف + عو + لن )
كما جاء القطع أيضا في قصيدة لنزار قباني:
لا تسألوني ما اسمهُ حبيبي * أخشى عليكم ضوعةَ الطيوبِ
مستفعلن مستفعلن فعولن * مستفعلن مستفعلن فعولن
واعتمد الشاعر العروضة والضرب مقطوعي الوتد (مفعولن) ثم مخبونتين (فعولن) والتزم بالعروضة المقطوعة والمخبونة كما في الضرب في كافة أبيات القصيدة. وهذا الوزن أطلقت عليه تسمية مخلع الرجز.
ومادمنا قد اعتمدنا القطع في أعاريض الرجز كما هي الضروب فما الذي يمنع اعتمادها في الكامل (المطابق) للرجز.
كما جاء في سريع المشتبه مشطوره (رغم أني لا أعترف بالمشطور لأنه لا يشكل بيتا شعريا):
يا صاحبَي رحلي أقِلّا عذلي
مستفعلن مستفعلن مفعولن
وفي المشطور تعتبر العروضة والضرب آخر تفعيلة فيه وهي هنا مقطوعة الوتد المفروق أي أن أصلها (مفعولاتُ)
ولو أردت أن أنظم بيتا بشطرين منه سيكون:
مستفعلن مستفعلن مفعولن * مستفعلن مستفعلن مفعولن
علما بأن هذا البيت يمكن أيضا نسبه لمشطور الرجز بعروضة وضرب مقطوعين أيضا.
كما يمكن نسب الوزن للبيت من شطرين للرجز أيضا.
ولأن الكامل لا يختلف عن الرجز إلا بالأسباب الثقيلة التي تنجم عن تثقيل في الأسباب الخفيفة يمكن أن يتطابق الوزن مع وزن القصيدة والتي جاءت معظم تفعيلات متفاعلن مضمرة أي (مستفعلن) ولولا العدد القليل من (متفاعلن) لكان يمكن أن تنسب للرجز بعروض وضرب مقطوعين.
وفي القصيدة كما لاحظنا أن المطلع بعروضة مقطوعة كالضرب لكن بدلا من أن يعود الشاعر للعروضة السالمة اعتمد الأعاريض المقطوعة أي بدلا من أن تكون (متفاعلن) جاءت كلها ( فعِلاتن) أو (مفعولن) بعد إضمارها.
كإيقاع استساغه الشاعر ويترك أمر استساغته للشعراء الآخرين.
إذن نحن هنا أمام إضافة جديدة للكامل وهي باعتماد العروضة المقطوعة كالضرب, وهذا أيضا سيجرنا إلى وزنين آخرين ناجمين عن الفطع وهما:
متفاعلن متفاعلن فعولن * متفاعلن متفاعلن فعولن
وهو المقطوع المخبون أسوة بمخلع الرجز.
متفاعلن متفاعلن فاعلن * متفاعلن متفاعلن فاعلن
وهو المقطوع المطوي والذي (يكافئ) سريع المشتبه والذي فيه (فاعلن) تتكون من سبب + سبب مزاحف + سبب (فا ع لن)
وهو يختلف عن أحذ الكامل بعروضة وضرب حذاء بعد حذف الوتد منهما.
تم وضع المطلع في لوحة تقطيع عروضي باعتماد الرؤية في العلاقة بين السلم الموسيقي والشعر العربي , وهي اللوحة الأولى ويظهر باللون الأحمر موقع السبب الثقيل والذي جاء في تفعيلة واحدة في المطلع, كما أعدت اللوحة الثانية للمقارنة بين وزن الكامل والرجز ويظهر باللون الأحمر مواقع الأسباب الثقيلة في الكامل بينما الأخضر يبين الأسباب الخفيفة في الرجز.

القصيدة كاملة للشاعر غازي المهر
أهل الفداء
تصحو القلوب على ندى الأنسامِ
تخلو من الأدران والآثامِ
مع نفحها نرجو المنى نبراسا
يدعو شموسا من دجى الأحلامِ
نمضي إلى الأهوالِ لا يثنينا
عن حقّنا ضعفٌ من الإحجامِ
بالعزم نمضي دونما إعياءٍ
أنفاسه من قوّة الإسلامِ
يسمو بنا جدّا فما تلقاها
في ديدن الإذلال والإحجامِ
والوعد من رب الورى في حفظٍ
من ظلمة الأحوال والأيام
والنصر لا تمحى له راياتٌ
يزهو بشعبٍ دائم الإقدامِ
شعبٌ أبيٌ ما ابتغى اذعانا
ما طاب في عيشٍ مع الأقزامِ
ما كان يرضى في أذى أوغادٍ
لم ينعطف دوما إلى الأزلامِ
ما همّهُ من خانعٍ كم يهوى
ذلّ الدنى مع زمرة الإجرامِ
هم بالفدا قد أقبلوا في بذلٍ
ما فرّطوا في الأرض والأعلامِ
هبّوا الى الأقصى كما إعصارٍ
في ثورةٍ أذكت لظى الأقلام

*******
تحياتي وتقديري

وللإطلاع على المخططات يمكن فتح الرابط التالي

https://web.facebook.com/groups/rabi...1/?_rdc=1&_rdr