كيف تخاطب البشرية :
من المعلوم ان البشرية جميعا الأصل بهم أنهم ليسوا بأعداء
ويبدا العداء عندما تتضارب المصالح وتكون هناك المطامع
لكن الأصل ان البشرية جميعا تبحث عن ان تحيا الكمال من العدل والرحمة والمودة فيما بينهم
وهذا هو الأصل وهذا هو اصل الإسلام
قال تعالى (ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ)
والدعوة ليست كلامية فحسب إذ الكلام هو ادنى درجات الدعوة إن لم يتلبس بالعمل الذي يدل عليه
إذ الكلام مجرد نغمات صوتية قد تفهم وقد لا تفهم
بالتالي فمن جعل بيانه يتوقف على الكلام فحسب فهذا مجرد مطرب جلسات
إنما البيان الحقيقي هو من سبقت افعاله الحسنى اقواله فتتعلق به البشرية محبة له
وبذلك شقت افعاله قناة إتصال بين فمه وبين أذن المتلقي وقلبه
فيبدا بزرع أشجار الإحسان بالقلوب يرويها بكلامه الطيب الدال على فعله الحسن
بالتالي عندما يكون هذا هو الخطاب بين البشرية بمختلف ثقافاتها فإنها تميل إلى الأحسن فعلا والأكمل بيانا
حتى انها من اجل سعادتها تتمنى قلبا الجلوس مع صاحب تلك الدعوة ومصاحبته
بينما لو تم عرض الحق كلاما وكانت افعال المتكلم لا تعبر عن الحق الذي ينطق به فقد هدم الحق الذي يدعوا إليه
فإن صارت تلك هي وسيلة البيان لكل هؤلاء المتكلمة
صار الحق هنا عنوان التخلف وكل ردئ
وهذا هو الخطا الذي وقع به جماعات اليوم
إذ انك تخاطبني عمن له الصفات العلى
بالتالي لابد ان تتحلى صفاتك بالعلو الذي يعبر عمن تخاطبني من اجله
لذلك قال سبحانه في وصف رسوله(وإنك لعلى خلق عظيم)
وقال سبحانه(ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
فشمل الوصف الوصف البياني لحال الرسول والوصف الفعلي له وماذا يحدث إن كانت افعاله من الكمال لا تعبر عن رسالته التي يدعو إليها
كما ان الله سبحانه قبل مطالبة البشرية بطاعته بين لهم صفات علوه في ربوبيته سبحانه وكمال علو صفاته سبحانه وتعالى
وبين لهم ايضا التجربة المادية لهذا الكمال في طاعته ببيان حال الخلق جميعا في كيفية الكمال بين الاجناس المختلفة
فصار خطابه سبحانه وتعالى للبشرية يشمل البيان كلاما مع البيان العملي لعلو صفاته سبحانه مع التجربة المادية لهذا البيان
مع بيان علو فضله على البشرية
كمن دعى كل البشرية إلى مائدة كبرى وهي الارض تأكل منها حيث تشاء وكل من في تلك الارض طاعة لمالك الأرض قدم لها الخدمة المعبرة عن علو مالك تلك الارض و بعد ان ارتوت وشبعت واطمأنت تم عرض مراد صاحب تلك الارض
من الطبيعي بعد بيان ذلك كله وإثباته عمليا ان تُعلِنَ البشرية طاعتها لصاحب تلك الارض
وليس هذا فحسب فقد اجل حساب كل من يخالف امره إلى بعد فترة قضاء هذا المُخالِف جلوسه على تلك المائدة فكان هناك اليوم الاخر
وعقوبة هذا المخالف في الدنيا هي مردود فساده لتلك المائدة الكبرى بان وَضَعَ على تلك المائدة من الماكل والمشرب والملبس والكلام والأفعال ما ليس من قوانين تلك المائدة
فجعل تلك المائدة الطيبة مرقصا ومرتعا لكل خبيث
والله سبحانه الرحمن يدعوه إلى كل طيب من القول والفعل
فارسل لهم رسولا له من علو الصفات ما يُعبِرُ عن كونه رسولا لمن له الصفات العلى
صُبِغَ قوله وفعله بكل طيب لا ينفيه إلا كل سفيه في عقله مريض في قلبه
واتبع قوله و فِعله كل عاقل اتبع سبيله فصاروا محبوبين من اهل الارض جميعا لا ينكرهم إلا غبي ولا يسئ لهم إلا سفيه
فطيبوا مكان جلوسهم على تلك المائدة وبُينَ هذا الطيب لكل من يجلس على تلك المائدة وقدموا لهم من هذا الطيب من القول والفعل والثمر ما جعل البشرية تتمنى قدومهم إلى مجلسهم على تلك المائدة ففتحوا تلك الاماكن وطيبوها وطيبوا من فيها بعد أن فتحوا قلوبهم والتي رفضت صفات ذويهم من النقص
وكانت حروبهم ليست مع الشعوب التي تجلس على تلك المائدة ولكن حروبهم مع هؤلاء الذين يحتكرون تلك المائدة بأهلها وينشرون سوء صفاتهم فهم لا يحاربونهم داخل شعوبهم لكي لا يساء إلى طفل أو إمرأة او بهيمة او شجر فالعشوائية والغوغائية ليست من صفاتهم فهم لا يفعلون فعلا إلا بشرط وليهم(الله ولي الذين أمنوا ) ومعهم حجة فعلهم هذا فهذا( الهرمزان قاتل البراء بن مالك في معركة بين دعوتين متضادتين يطلب الأمان ليحكم امير المؤمنين فيه فيؤمنونه إلى عمر رضي الله عنه فيؤمنه عمر حتى يرتوي من عطشه بعد ان عهد له ذلك فلا يشرب فيحكم انس أخو البراء بن مالك (الذي قتله الهرمزان) بهذا الأمان مبينا علو ما عليه من صبغة الإسلام فيكون حجة للهرمزان ليسلم)
لذلك ما ذكر التاريخ ان هناك شعوبا رفضتهم أو نبذتهم بعد ان ذاقوا صفات علو الخير منهم
فهم كالغيث الذي يروى الشجر الطيب لينتج ثمارا طيبة للخلق جميعا
وكالشمس التي تضئ النهار وكالقمر الذي به يعرف السبيل بالليل
فهم تلامذة خير اهل الأرض وأكرمهم ظاهرا وباطنا
تلامذة محمد رسول الله
فصار فعلهم وقولهم له من الحسن والبيان قولا وعملا ما دلالته أنهم اتباع رسول الله
فقد امنوا بكل اسم لله سبحانه وامنوا بكل صفة له سبحانه وتعبدوا بها بيانا
والكمال والعلو لا يقام بدنوا الصفات فاقاموا الامبراطورية الإسلامية لها من التواصل والترابط ما دلالته انهم يقيمون منهجا واحدا هو علم من له الصفات العلى سبحانه
فرسالة الإسلام غنية عن ان تاخذ كمالا من غيرها لذلك كان رسول الله اميا علمه من له الصفات العلى لبيان غنى الإسلام عن الحاجة لغيره
إلا ان تكون هناك عروض للتجارة تبين علو صفات اهل الإسلام في اقوالهم وافعالهم وحجتهم فهم يستترون ويستنزهون من قطرات بولهم وهي منهم بعد أن فقدت صفة الطهارة
فكيف يغوصون في حقوق غيرهم
فهم غوثا لغيرهم بالحسنى
ومن دعاهم للخير لبوا دعوته لغوثه ونجاته
إذ انهم يؤمنون بصفة الله(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
فمن جاء إليهم يريد خيرا استقبلوه واكرموه دون ان يشترطوا ديانته إذ الخيانة والغدر ليست من صفات من يقيمون مراده فنعم الرياض رياض جنتهم
اقاموا ذكر الله قولا وعملا (هم من لا يشقى بهم جليسهم) فمجيئه صار فرصة لبيان علو صفاتهم فكيف يسيئون إليه فكيف يشقى هذا الغريب وهو يجالسهم ويمر بين ايديهم بعهدهم
فهم يمثلون مراد رب العالمين الرحمن لذا كان لزاما بيان خيرية ربوبيتهم ورحمتهم
ولم يكونوا احزابا وفرقا وجماعات متفرقة
فقد كان تفرقهم وظيفيا كتفرق اجهزة الجسد الواحد كل له ما يخصه من العمل
ولم يتفرقوا لينفصلوا عن هذا الجسد براي او مشورة
فالكل للكل
لذلك فثرواتهم تدور بينهم كدوران الدماء على الجسد ينقل إليهم كل تلك الثروات لينعم بها الجميع في بنيان ذلك الجسد للدولة الكبرى
فلا تجد بينهم من يكنز امواله ولا من يسئ إلى جاره ولا شريدا عنهم فكانوا(كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) وكانوا (إذ اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)
فنعم البشر هم ونعم البشر من تشبه بهم
بشرا يأخذون ظاهرك وباطنك ليسعد ويمرح في كل طيب من الأرض