لقد ابتلاني الله بِداءٍ مزمن إسمه البحث ... فلو قدَّمَ أحدهم لي فنجان شاي .. بالطبع أُسَرُّ بلونه البرونزي المشرئب للحمرة ويزيد بي الفضول لسؤال مضيِّفي عن كيفية عمل كوبا من الشاي بنفسي .. وألِحُّ في السؤال حتى أحصل منه على حفنة من الشاي وسرعان ما أذهب للمختبر – المطبخ – لأغلى الماء وألقمه الشاي وأسكبه في الكوب وهكذا أتوصل لليقين ...
وبالأمس أهداني أحدهم دينارا عراقيا .. فسألته كم دولارا يساوى هذا الدينار ؟ فضحكَ وقال لي لعلك أردت ان تسأل كم دينارا يساوي دولارٌ واحدٌ !!؟؟ فقلت ليكن كما قلتَ .. فما الجواب ؟ فقال :
دولار واحد = 3400 دينارا عراقيا ..
ما إن سمعت هذا الرقم الفلكي حتى اعتقدتُ بأنه تاريخ موقعة ميسلون التي سبقت ميلاد المسيح بألفي عام ,, وفجأة بدأت أعراض مرض البحث تداهمني , وقلتُ ببالي لمَ لا أستغلُّ هذه المهارات البحثية في الإثراء " والكسب الحلال " !!؟؟
أخذت ذلك الدينار وذهبت لمحل للطباعة وتصوير المستندات , وطلبتُ من صاحب المحل أن يطبع لي 3400 نسخة منه .. أخذ صاحب المطبعة الدينار وقال لي عُـد بعد ساعتين لاستلام الطلبية ... وهكذا كان وعُدتُ لاستلام " الطلبية " ومعها فاتورة بتكلفة الطباعة بـ 200 كرونة سويدية ..
دفعتُ المبلغ وأخذتُ أحسب كم دولارا تساوي الـ 200 كرونة فوجدتها 25 دولارا ..
بعد هذا الإستثمار " المربح " في الأبحاث , وجدتُ أخيرا العذر لحكام البلدان العربية في تجاهلهم للعلماء وهرطاقاتهم المسماة بالبحث العلمي ... وأدركتُ مدى الذكاء الفطري للحكام في عدم إهدارهم للدخل القومي .. فبحسبة بسيطة لو طبقنا هذه النظرية على " اختراع " رغيف خبز فسوف تكلفنا زراعة القمح , وسقيته , وحصاده , وطحنه , وعجنه , وخبزه , ونقله ... حتى يصبح رغيفا ويصل لفم جائع حوالي درهما إماراتيا أو ريالا حجازيا - هذا لو فرضنا - جدلا - أننا وجدنا أرضا لزراعة القمح - ... بينما لو استوردنا الرغيف من النمسا أو الصومال فسوف تصل كلفته نصف ريال .. وبذلك نستغل " فرق العملة " في شراء الصقور لصيد الحباري , أ و استيراد الجواري ..
يقولون شر البلية ما يضحك ... ولكن أحد أحبَّائنا الصعايدة أثبتَ العكس ... فقد وقعت في يده " تعريفة " مخرومة فقام بلحمها " بربع جنيه " ... فربما قصة أخينا الصعيدي تبكي كما هي قصتي في استثماري في الدينار العراقي , وربما تُضحك كما ضحكَ علينا من يبنون السدود على الأنهار خشية الطوفان ويستوردون المياه المعدنية .
وعطر الله أنفاسكم !!!!
مع تحيات
جمال حمدان