أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: من القصص القرآني ( 6 ) مع نوح عليه السلام بقلم / مجدي جعفر

  1. #1
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي من القصص القرآني ( 6 ) مع نوح عليه السلام بقلم / مجدي جعفر

    من القصص القرآني ( 6 )
    مع نوح عليه السلام
    بقلم / مجدي جعفر

    الابن العاق!!

    يقول كاتب السيناريو :
    لما ( فار التنور ) وهي العلامة التي عندها يبدأ نوح في إدخال الركاب إلى السفينة :
    ( فإذا جاء أمرنا وفار التنور ) .. " المؤمنون : 27 ".
    وأمر الله في هذه الآية : هو حدوث الطوفان، وفار التنور : وكلمة ( فار ) كما يقول علماء اللغة : هي الارتفاع الشديد للماء عندما يغلي في القدر، و( التنور ) هو " الفرن " الذي نصنع فيه الخبز.
    ربما تكون من أصعب اللحظات التي مرت على نوح عليه السلام، هي تلك اللحظة التي اكتشف فيها خيانة زوجته وكفر ولده،هي لحظة اكتشاف مفاجئ جاءت لنوح في لحظة فارقة، وفي وقت عصيب، هذه اللحظة كفيلة بزلزلة الإنسان من أعماقه، ولحظة الاكتشاف هذه جاءت عند التأهب للإقلاع بالسفينة، فيكتشف وهو يتمم على من أمره الله بالركوب معه، بأن ابنه في ( معزل )، ولم يجل بخاطره أبدا بأن ابنه يبطن الكفر، وكل ما جال بخاطره في تلك اللحظة بأن ابنه ربما يكون قد شغله شاغل عن ركوب السفينة، فيناديه :
    ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) .. " هود : 42 ).
    وهنا استخدم القرآن الكريم أسلوب المفارقة التصويرية، والمفارقة التصويرية اكتشاف شعري حديث، وقد أفاد منه القاص المعاصر، وقد استخدم القرآن الكريم هذه التقنية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا!.
    والمفارقة التصويرية كما يعرفها د. حسين علي محمد : ( وسيلة فنية، يلجأ إليها القاص، لكي يبرز التناقض بين طرفين متقابلين، ليوضح الحدث ويرسم الشخصية ).
    فالابن من المفروض أن يركب السفينة لأنه من صلب نوح ومن أهله، هكذا كان يعتقد نوح، ولكنه يكتشف وفي لحظة إقلاع السفينة بأن أبنه الذي خرج من صلبه على الكفر " على التناقض تماما مع ما يجب أن يكون عليه " ولهذا كان وقع المفارقة شديدا وأثرها مؤلما، وأوردت هذه الآيات هذا الموقف العصيب على نوح :
    ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) .. " هود : 42- 43 ".
    وهذا الابن العاق لم يستجب لنداء والده وتوسله إليه، ويظن بأن الجبل سيعصمه من الماء، ولكن هيهات، فأمر الله قد نفذ، وكان مع الكافرين من المغرقين.
    ومن لطف الله ورحمته بنوح جعل الموج حائلا وستارا بين نوح وولده، حتى لا يرى لحظة غرق ولده، ويفزع وهو يرى الماء يبتلعه، وحتى بعد إقلاع السفينة يتوسل نوح إلى ربه، ويستعطفه، ويسترحمه في محاولة أخيره لإنقاذ ولده، فالله قادر على كل شيء :
    ( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) .. " هود : 45 ".
    فكان الله قد وعده بنجاته هو وأهله ومن آمن معه، فيقول نوح :
    ( رب إن ابني من أهلي )، فهل كان نوح علي يقين من نجاة ولده؟ .. حتى وهو في لحظة الغرق، فالله وعده بنجاة أهله، فيقول المولى عز وجل :
    ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) .. " هود : 46 ".
    الله صدق وحق ولا يخلف وعده أبدا فيقول :
    ( إلا من سبق عليه القول ) .. " هود : 40 ".
    إذن هذا الابن وهو من صلب نوح عليه السلام قد سبق عليه القول، لأنه من الكافرين، وهنا ينبه المولى عز وجل نوحا إلى هذه الحقيقة، ويخبره بأن ابنه من الكافرين، وهنا يتنبه نوح إلى الحقيقة المفزعة والمؤلمة، ووصفه الله بأنه غير صالح ( أي كافر ) ونفى بنوته عن نوح فيقول تعالى :
    ( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) ..
    والمفارقة الكلية هنا تكمن في هذا السؤال : أيهما أولى؟ .. القرابة في الدين أم القرابة في النسب؟ ..فلا تعد من أهلك يا نوح إلا من آمن بك، وصدق برسالتك، واستجاب لدعوتك، هذا الذي تعده حقا من أهلك، وهو الذي وعد الله بنجاته، وإنقاذ حياته :
    ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) .. " هود : 45 ".
    وهنا بعد التأكد من حقيقة كفر ولده يقول معتذرا ومتأدبا مع الله :
    ( قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) .. " هود : 47 ".
    وهنا يقرر المولى عز وجل حقيقة مهمة وهي أن بنوة الأنبياء في الذين يتبعونهم ويؤمنون برسالتهم، وليس من الضروري أن تكون بنوتهم من أصلابهم، فعمل ابن نوح غير الصالح جعله لا يكون ابنا له، وليس من أهله، وأهله وأبناؤه الحقيقيون هم من اتبعوه، وساروا على منهجه.
    المخرج :
    ربما لا يستغرق هذا المشهد على الشاشة غير دقائق معدودات، ولكنه شديد التكثيف، وفي غاية الثراء الفكري والفني، أحاول أن أتصور الحالة النفسية الصعبة التي كان عليها نوح عليه السلام في هذه اللحظة، وكيف تحركت عاطفة الأبوة في داخله وحالة الحمق والإصرار والعناد والجهل التي كان عليها ولده وكل الكافرين من أمثاله، وفي لحظة الغرق، وهي لحظة رهيبة ومهيبة، نرى كيف تكاتفت كل عناصر الطبيعة في إغراقهم، بأمر الخالق، ومدبر الكون، لتتطهر الأرض منهم ومن رجسهم، مشهد / منظر ثري، مفعم بالدلالات، وفيه إشارات كثيرة، ورموز إيحائية تشي بالكثير من المعاني، وتمدنا برسائل وعظات وعبر.
    .....
    يتبع

  2. #2
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,495
    المواضيع : 243
    الردود : 3495
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    الأبوّة – وما أدراك ما الأبوّة؟ نبع الحنان ودفء الحياة تتجلّى في نداء الأب يرى فلذة كبده يغوص في الماء ويغرق فيه فيناديه :
    أيْ بنيّ ،هلمّ إليّ ، فالنجاه هنا. (اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ). إنه يدعوه إلى الإسلام حتى اللحظة الأخيرة يريده معه مؤمناً بالله ،
    "أب نبيٌّ وولدٌ كافر" .ولن تنفع النصيحةُ من اربَدَّ قلبه واسودّتْ نفسه، فرمى الموجُ ولدَ نوح، وهو يراه يتقطع قلبُه عليه.
    مشهد قوي يحتاج إلى مخرج بارع ليصوره.
    ولك تحياتي وتقديري.

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,209
    المواضيع : 318
    الردود : 21209
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    عن ابن عباس قال، ما بغت امرأة نبي قط. قال: وقوله: (إنه ليس من أهلك)، الذين وعدتك أن أنجيهم معك.
    كان عكرمة يقول: كان ابنه، ولكن كان مخالفًا له في النية والعمل، فمن ثم قيل له: (إنه ليس من أهلك).
    وكلما تمعنا في القصص القرآني وجدناه قد استخدم تقنيات فنية منذ اكثر من أربعة عشر قرنا
    وقد صح سبحانه تعالى بقوله:
    {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا*}
    ومعك اتابع.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي