من القصص القرآني ( 8 ) مع نوح عليه السلام بقلم / مجدي جعفر

من القصص القرآني ( 8 )
مع نوح عليه السلام
بقلم / مجدي جعفر

مشهد الختام
والوصية.
( 1 )

يقول كاتب السيناريو :
يقول المولى عز وجل :
( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين، وقل ربي أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) .. " المؤمنون : 28 – 29 ".
قيل أنهم عاشوا بالسفينة عامين، أما كيف ساس نوح هذا الأمر، ومعه على السفينة من آمن من البشر، والوحوش والسباع، والحيوانات المتوحشة، والحيوانات الأليفة، والطيور جميعها ومنها الجارحة، والدوّاب، والنباتات، فحمل كل شيء بأمر ربه ليستأنف الحياة من جديد، ولنا أن نتخيل كل هؤلاء على سفينة واحدة، فما شكل السفينة؟ وما حجمها الذي يسع كل هذا؟ وبالتأكيد حمل معه على السفينة من المؤن والعتاد ما يكفي كل هؤلاء لعامين داخل السفينة، كيف كان يدبر أمر المأكل والمشرب والنوم لكل هؤلاء؟ .. حيوات مختلفة لبشر وحيوان وطير ونبات ولكل متطلباته المختلفة، ... عشرات الأسئلة تفرض نفسها ..
يقول الصحفي :
حذف مثل هذه التفاصيل من القصة، يشعل خيال المُتلقي، وهذه فضاءات تركها القرآن في القصة، ليعمل القارئ أو السامع عقله، ويحاول أن يملأ هذه الفراغات بخياله، أليس هذا ما يطلبه النقاد من القصة، وعلى القاص أن يحترم القارئ ويترك له سد بعض الفراغات بالنص، بل القارئ يجب أن يكون مشاركا في إنتاج النص ذاته، المدهش أن القصة القرآنية حققت ذلك وأكثر منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان!.
يقول الشيخ :
وبعد عامين من الحياة داخل السفينة، كانت الأرض بعد الطوفان قد أصبحت صالحة للإقامة والحياة والبناء والتعمير، وتم استئناف الحياة الجديدة، فمن آمن مع آدم، لم يعقبوا، ولم ينجبوا، وماتوا دون أن يكون لهم أولاد، أما أولاد آدم : ( سام وحام ويافث ) هم الذين تناسلوا وتزاوجوا وتكاثروا وعمر نسلهم الأرض.
يقول المولى عز وجل :
( وجعلنا ذريته هم الباقين ) .. " الصافات : 77 ".
وقال رسولنا الكريم :
( سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم ) ..
وآخر ظهور لنوح كما جاء في القرآن الكريم وهو يدعو ربه الذي نجاه ونصره على قومه الكافرين :
( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) .. " نوح : 28 ".
المخرج :
أين استقرت بهم السفينة بعد تلك الرحلة الطويلة؟ .. وهل هناك من دور لنوح بعد الطوفان؟..
كاتب السيناريو :
رست السفينة واستقرت على جبل ( الجودي ) وقيل أنه بالموصل، وقيل بالكوفة، وقيل .. وقيل.. ، وأعتقد أن هذا الأمر ليس من الأهمية بمكان حتى يثير كل هذه الأقاويل.
وأتصور أن الحياة بعد الطوفان كانت هادئة وآمنة ووديعة، وظل نوح يدعو ربه، ومن يدعوهم من البشر، هم بالأساس من آمنوا معه قبل الطوفان، فهم مؤمنون، ويحملون راية التوحيد، والأرض نفسها طهرها الله من نجس وشرك قوم نوح الكفرة الظالمين، ويبدو أن الحياة استمرت على هذا النهج الإيماني النوراني الرباني ردحا من الزمن، حتى عاد الإنسان لغفلته، ليخطئ، ويعصى، ويفسد .. ولا أدري كم من الزمن مر على هذه الحياة التي أتصورها مثالية، فهذه الفترة مسكوت عنها في القرآن، ولا نريد أن نلجأ إلى الإسرائيليات التي تسرد التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل، وكلها من شطح الخيال، ولا تستند لعقل أو منطق، .. وقد استحق نوح أن يكون الأب الثاني للبشرية بعد آدم، أو هو آدم الثاني، فمن نسله ( سام وحام ويافث ) خرجت البشرية جمعاء، ومن ذريته كان الرسل والأنبياء.
الصحفي :
ربما استمرت هذه الفترة حتى حق القول على أقوام أُخر، فسدوا وطغوا وعصوا ووصل فيها الإنسان في عناده وعصيانه، وشركه وكفره، وفساده، إلى المدى الذي وصل إليه قوم نوح، فحق عليهم القول، ونذكر من هؤلاء الأقوام : قوم عاد وقوم ثمود وقوم لوط .. وقد نقيس على قوم نوح الأقوام التي حل عليها القول، وتم إبادتها بالكامل، ونقابل الفعل بالفعل، والعقاب بالعقاب ..
المخرج :
إذن نكتفي بآخر صورة ظهر فيها نوح في القصة القرآنية وهو يبتهل ويتضرع ويدعو ربه.
الصحفي :
هذه الصورة فريدة، ومشهد ختام عبقري، ففيه تتجلى كل العبر والعظات التي نلتقطها من القصة، وفيه أيضا إشارة إلى العلاقة الحميمة التي يجب أن تكون بين الأرض والسماء، فليرفع الإنسان دوما أكف الضراعة إلى السماء و ..
الشيخ ( مقاطعا ) :
أرى أن الوصية التي أوصى بها نوح أولاده وهو على فراش الموت، هي الأجدر بأن تكون مشهد الختام.
المخرج :
الوصية؟! ..
دعنا يا شيخنا نلتقط بعض الأنفاس قبل أن تقرأها علينا، وحتى أعد لكم القهوة، فالقهوة تنشط الدماغ و ..

الصحفي ( مقاطعا وضاحكا) :
عليك بالسندوتشات أولا، فلا يصح أن نحتسي القهوة ونحن جوعى!!

( 2 )

يقول الشيخ :
الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رواه أحمد، وقال ابن كثير : إسناده صحيح ولم يخرجوه.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " :
( إن نبي الله نوحا رضي الله عنه لما حضرته الوفاة فال لابنه :
إني قاص عليك وصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين :
آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفه رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة ضمتهم لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده فإن بها صلات كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر.
قال : قلت : أو قيل : يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنان لهما شراكان حسنان؟ قال : " لا ". قال : هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال : " لا ".قال : هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال : " لا ". قال : هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال : " لا ". قلت أو قيل : يا رسول الله : فما الكبر؟ قال :
" سفه الحق وغمط الناس ".
الصحفي :
وصية (مانعة وجامعة ) وتستحق أن تكون مشهد الختام.

كاتب السيناريو :
أنا أميل إلى أن يكون مشهد الختام هو الصورة التي رسمها المولى عز وجل لنوح في الآية الأخيرة من السورة التي تحمل اسمه، وهو يرفع أكف الضراعة إلى الله، وهذه الصورة كانت بمثابة الظهور الأخير لنوح، وسكت القرآن عنه بعد ذلك، ولم يقدم تفاصيل أخرى، والمولى عز وجل كان يقص لحبيبه وخاتم رسله للأسباب التي ذكرناها في الحلقة الأولى، وأظن أن الرسالة من القصة قد وصلت عند ذلك الحد.
الصحفي :
......
الشيخ :
.....
المخرج :
......

الصحفي :
......
الشيخ :
الأنبياء يقبرون ( يدفنون ) حيث يموتون!
..........
يتبع مع رسول آخر
......
إضاءة :
= ما نكتبه هنا ليس ببحث علمي أو دراسة منهجية، هي محاولة للقراءة ومحاولة للفهم، وقد أفدنا من قراءة العديد من الكتب منها الكتب الدينية ومنها الكتب الأدبية، وآثرنا ألا نغرق القارئ العادي فيها أثناء القراءة، ونعوق تواصله، ولذا سنشير لاحقا وبعد الانتهاء من كتابة قصص الرسل والأنبياء التي وردت بالقرآن الكريم، سنشير إلى أهمها لمن أراد الاستزادة والتعمق، ومن الله التوفيق.

وصية ماتعة وجامعة .
الكبر : سفه الحق وغمط الناس
أي: إنكار الحق، وعدم الأعتراف به او تطبيقه
وغمط الناس: أي تصغيرهم وازدرائهم.
(
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا
خاتمة جميلة لقصة أبدعت في إبراز أهم نقاطها شرحا وتوضيحا
بوضوح وسلاسة باحث ومفكر وأديب قدير
فشكرا لك ـ وبارك الله في مجهوداتك ، ووفقك الله دائما.