نقد كتاب القذاذه في تحقيق محل الاستعاذة
الكتيب هو من ضمن كتب عبد الرحمن السيوطي وهو من الكتب قليلة الصفحات والتى تتحدث عن ثلاث مسائل وتجيب عليها وقد استهل الكتاب بذكر السؤال ألأول وهو ما سمى به الكتاب وهو :
"وقع السؤال عما يقع من الناس كثيرا إذا أرادوا إيراد آية قالوا قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويذكرون الآية هل (بعد) هذه جائزة قبل الاستعاذة أم لا وهل أصاب القارئ في ذلك أو أخطأ."
وبعد ذلك أجاب السيوطى من خلال نقل الروايات فى المسألة فقال :
"فأقول الذي ظهر لي من حيث النقل والاستدلال أن الصواب أن يقول قال الله تعالى ويذكر الآية ولا يذكر الاستعاذة فهذا هو الثابت في الأحاديث والآثار من(ص) فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فمن بعدهم:
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أنس قال:
قال أبو طلحة يا رسول الله إن الله يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء الحديث
وأخرج عبد بن حميد والبزار عن حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال عبد الله بن عمر حضرتني هذه الآية: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) فذكرت ما أعطاني الله فلم أجد أحب إلي من جارية لي رومية فأعتقتها، وأخرج ابن المنذر عن نافع قال كان ابن عمر يشتري السكر فيتصدق به فنقول له لو اشتريت لهم بثمنه طعاما كان أنفع لهم فيقول إني أعرف الذي تقولون لكن سمعت الله يقول (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن ابن عمر يحب السكر
وأخرج الترمذي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك زادا وراحلة ولم يحج بيت الله فلا يضره مات يهوديا أو نصرانيا وذلك بأن الله تعالى يقول ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله قضى على نفسه أنه من آمن به هداه ومن وثق به نجاه" قال الربيع وتصديق ذلك في كتاب الله (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط المستقيم) وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك بن الوليد أنه سأل ابن عباس ما تقول في سلطان علينا يظلمونا ويعتدون علينا في صدقاتنا أفلا نمنعهم قال لا الجماعة الجماعة إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها أما سمعت قول الله (واعتصموا بجبل الله جميعا ولا تفرقوا) وأخرج أبو يعلى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تستضيئوا بنار المشركين) قال الحسن وتصديق ذلك في كتاب الله (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم)
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجمعة (هي كفارة إلى الجمعة (ص) التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك لأن الله يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)"
والكثير من تلك الروايات تخالف كتاب الله
1-روايات نيل البر بسبب النفقة لم تحدث لأن البر وهو الجنة لا ينال بنفقة المال وحده والمال غير مذكور فى ألاية وإنما المراد أن الجنة سببها هو العمل مما يحب المسلم والمراد العمل بما يصدق المسلم وهو القرآن وهو الخير كما قال تعالى " ما يود الذين كفروا أن ينزل عليكم من خير" وفسر الله" وما تنقفوا من شىء" بقول"وما تفعلوا من خير"
2- رواية أن الذى لا يحج سموت يهوديا أو نصرانيا فقط وهو كلام لا يقوله النبى(ص)لأنه لو قال سيقول كافر بدون تحديد خاصة مع أن اليهودية والنصرانية فيهما الحج واجب
3-البقاء فى الجماعة رغم ظلم الظالمين وهو ما يناقض قوله تعالى "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"
4-رواية أن الجمعة كفارة إلى الجمعة (ص) التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وهى مناقضة للآية التى ذكرتها الرواية فالأجر هو حسنات بينما الرواى يتكلم عن كون ألأجر أيام زد على هذا أن العمل السابق لا يكفر الذنوب اللاحقة وإنما العكس العمل الصالح وهو الحسنة تكفر ما قبلها من السيئات كما قال تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات"
ولو اعتبرنا هذا الكلام صحيحا لكان المنسلخ كالكلب من آيات الله فى الجنة مع كفره لأنه عمله حسنات كثيرة فى حياته وفى نهاية عمره كفر فدخل النار
ومن ثم فما استدل به السيوطى كله ليس فيه دليل صحيح وكان الأولى به أن يعود للآية التى ذكرت فيها الاستعاذة لكونها أصل المسألة وهو ما فعله فقال:
"والأحاديث والآثار في ذلك أكثر من أن تحصر فالصواب الاقتصار على إيراد الآية من غير استعاذة اتباعا للوارد في ذلك فإن الباب باب اتباع، والاستعاذة المأمور بها في قوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ) إنما هي عند قراءة القرآن للتلاوة أما إيراد آية منه للاحتجاج والاستدلال على حكم فلا، وأيضا فإن قوله "قال الله تعالى بعد أعوذ بالله" تركيب لا معنى له وليس فيه متعلق للظرف وإن قدر تعلقه بقال ففيه الفساد الآتي، وإن قال: قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وذكر الآية ففيه من الفساد جعل الاستعاذة مقولا الله وليست من قوله، وإن قدم الاستعاذة ثم عقبها بقوله قال الله وذكر الآية فهو أنسب من الصورتين غير أنه خلاف الوارد وخلاف المعهود من وصل آخر الاستعاذة بأول المقروء من غير تخلل فاصل ولا شك أن الفرق بين قراءة القرآن للتلاوة وبين إيراد آية منه للاحتجاج جلي واضح."
والغريب فى الأمر هنا أن الناس ومنهم السيوطى فهم الآية على عكس ما أراد الله فالآية تطلب الاستعاذة بعد القراءة وليس قبلها وهو قوله تعالى : "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم"
ومن ثم لا يمكن أن يكون مراد الله الاستعاذة القولية أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإنما المراد فاحتمى بطاعة وحى الله من طاعة الشيطان وبألفاظ اخرى الانصات للقرآن بمعنى طاعة القرآن بعد سماعه
وتعرض السيوطى لمسألة ثانية فقال :
مسألة - إذا قرأ كلمة ملفقة من قراءتين كالرحيم مالك بالإدغام مع الألف وترى الناس سكرى بترك الألف وعدم الإمالة هل يجوز أم لا وإذا قلتم يجوز فهل ذلك جائز سواء أخل بالمعنى أم لا غير نظم القرآن كقوله لقضى إليهم أجلهم ببناء الفعل للمفعول مع نصب اللام أم لا، وما معنى قولهم القراءة سنة متبعة."
وأجاب السيوطى فقال:
الجواب - الذي اختاره ابن الجزري في النشر أنه إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى منع التلفيق منع تحريم كمن يقرأ (فتلقى آدم من ربه كلمات) برفعهما أو بنصبهما ونحو ذلك مما لا يجوز في العربية واللغة وإن لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية وغيرها فيحرم في الأول لأنه كذب في الرواية وتخليط ويجوز في التلاوة - هذا خلاصة ما قاله ابن الجزري، وذكر ابن الصلاح والنووي أن التالي ينبغي له أن يستمر على قراءة واحدة مادام الكلام مرتبطا فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرا بقراءة أخرى، وهذا الإطلاق محمول على التفصيل الذي ذكره ابن الجزري وأما قولهم القراءة سنة متبعة فهذا أثر عن زيد بن ثابت أخرجه سعيد بن منصور في سننه وغيره قال البيهقي في تفسيره أراد أن اتباع من قبلنا في الحروف سنة ولا تجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة انتهى."
وقطعا لا يجوز أن يتم تلفيق القراءات وإنما المباح قراءة القرآن على المعنى الصحيح لأن الكثير من القراءات خاطىء لأنه يخالف المفهوم من القرآن كقراءة ملكين بفتح الميم فى قصة آدم(ًص) لأن الآية المفسرة لها تقول "وملك لا يبلى" وكقراءة عمل غير صالح بضم لام عمل لأن معناها تكذيب القرآن فى كون ابن نوح(ص) ليس ابنه وإنما ولد زنى بينما القراءة الصحيحة عمل بفتح العين واللام فالولد هو من فعل الكفر وهو العمل غير الصالح
وتعرض السيوطى لمسألة أخرى فقال :
مسألة - الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن الشريد بن سويد قال رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا وقد اتكأت على الية يدي اليسرى ووضعتها خلف ظهري فقال "أتقعد قعدة المغضوب عليهم" من هم المغضوب عليهم هل هم المذكورون في قوله تعالى (غير المغضوب عليهم)."
ثم أجاب :
"الجواب - نعم المراد بالمغضوب عليهم في الحديث المذكورون في سورة الفاتحة وهم اليهود وقد أورده النووي في شرح المهذب مستدلا به على كراهة هذه القعدة لفعل اليهود لها وأورد بعده حديث البخاري عن عائشة أنها كانت تكره أن يجعل الرجل يده في خاصرته وتقول أن اليهود تفعله فدل على أن المقصود كراهة التشبه باليهود في كيفية قعودهم"
الغريب أن الإجابة كانت عن جعل الرجل يده في خاصرته بينما السؤال عن الاتكاء على إلية اليد اليسرى موضوعة خلف الظهر وهى وضعية غريبة كما أن الجلوس غير الاتكاء وتبدو الرواية محالة بتلك الصورة فإما هى جلوس وإما هى إتكاء وإما استناد على اليد ولكن دن وضع اليد خلف الظهر لأن الاتكاء هناك يكون بالاستناد على الأرض وليس بوضع اليد خلف الظهر