نقد كتاب ارشاد المهتدين إلى نصرة المجتهدين
الكتاب تأليف جلال الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي وهو يدور حول أمر لا وجود له وهو الاجتهاد فى استخراج الأحكام من قبل الفقهاء وهو شىء طبقا لقوله تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وقوله:
" ما فرطنا فى الكتاب من شىء "
وقوله:
" وتفصيل كل شىء"
لا وجود له لأن فى كل مسألة نص بلا استثناء لقوله كل شىء وطبقا لكلام الفقهاء :
" لا اجتهاد مع نص "
يبقى الاجتهاد لا وجود له على الإطلاق والرواية التى يعتمد القوم رواية متعارضة متناقضة مع الإسلام وهى :
" من اجتهد فأصاب له أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد"
وقاعدتا الأجر هى :
عشر حسنات لكل عمل غير مالى كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ولكل عمل مالى 700 حسنة أو الضعف1400 حسنة كما قال تعالى :
" مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
وقد بين السيوطى ثلاث مسائل فى الاجتهاد فى مقدمته فقال :
"وبعد،،،فقد وقع الكلام الآن في ثلاثة مسائل متعلقة بالاجتهاد:
أحدها : هل الاجتهاد موجود الآن، أو لا؟
والثانية: هل المجتهد المطلق مرادف للمجتهد المستقل، أو بينهما فرق؟
والثالثة : هل المجتهد له أن يتولى المدارس الموقوفة على الشافعية مثلا، أو لا؟
وكل من المسائل الثلاث جوابها منقول، ومنصوص للعلماء، بل ومجمع عليه، لا خلاف فيه، صادر من عالم، وإنما فيه نزاع ومكابرة من غير العلماء الموثوق بهم، وقد كنت ألفت في العام الماضي كتابا سميته (الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض)، وهو كتاب جليل حافل، فيه نفائس متعلقة بالاجتهاد، وألخص هنا منها ما يتعلق بهذه المسائل الثلاث، فنقول:
أما المسألة الأولى: فالجواب عنها من وجهين:
أحدهما: أن العلماء من جميع المذاهب متفقون على أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات، في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به بعضهم، وأنه متى قصر فيه أهل عصر، بحيث خلا العصر عن مجتهد أثموا كلهم، وعصوا بأسرهم، وممن أشار إلى ما ذكرناه الإمام الشافعي رضي الله عنه، ثم صاحبه المزني ، وصنف ـ أعني المزني ـ كتابا في ذلك سماه فساد التقليد، وممن نص على ما ذكرناه من الفرضية، وتأثيم أهل العصر بأسرهم عند خلو العصر عن مجتهد نصا صريحا الماوردي / في أول كتابه الحاوي، والروباني في أول البحر، والقاضي حسين في تعليقه، والزبيري في كتاب المسكت، وابن سراقة في كتاب الاعتداد ، وإمام الحرمين في باب السير من النهاية، والشهرستاني في الملل والنحل، والبغوي في أول التهذيب، والغزالي في البسيط، والوسيط، وابن الصلاح في أدب الفتيا، والنووي في شرح المهذب، وفي شرح مسلم، والشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر النهاية، وابن الرفعة في المطلب، والزركشي في كتاب القواعد والبحر، وذكر ابن الصلاح أن ظاهر كلام الأصحاب أن المجتهد المطلق هو الذي لم يتأدى به فرض الكفاية، وأما المجتهد المقيد فلا يتأدى به الفرض، فهؤلاء أئمة أصحابنا، نصوا نصا صريحا على أن الاجتهاد في كل عصر فرض كفاية، وأن أهل العصر إذا قصروا فيه أثموا كلهم.
وممن نص على ذلك من أئمة المالكية: القاضي عبد الوهاب في المقدمات، وابن القصار في كتابه في أصول الفقه، ونقله عن مذهب مالك، وجمهور العلماء والقرافي في التنقيح، وابن عبد السلام المالكي في شرح مختصر ابن الحاجب، وأبو محمد بن مناذر في المسائل المنثورة، وابن عرفة في كتابه المبسوط في الفقه، وقد سقنا عبارات هؤلاء بحروفها في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض، فليراجعه من أراد الوقوف عليه.
الوجه الثاني: أن جمهور العلماء نصوا على أنه يستحيل عقلا خلو الزمان عن مجتهد، إلى أن تأتي أشراط الساعة الكبرى، وأنه متى خلا الزمان عن مجتهد، تعطلت الشريعة، وزال التكليف عن العباد، وسقطت الحجة، وصار الأمر كزمن الفترة، وممن نص على ذلك نصا صريحا الأستاذ أبو إسحاق / الإسفراييني، والزبيري، وإمام الحرمين في البرهان، والغزالي في المنحول، ونقله ابن برهان في الوجيز عن طائفة من الأصوليين، ورجحه ابن دقيق العيد، وابن عبد السلام من المالكية في شرح المختصر، وجزم به القاضي عبد الوهاب في الملخص، وأشار إليه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع، وهو مذهب الحنابلة بأسرهم، نقله عنهم ابن الحاجب في مختصره، وابن الساعاتي من الحنفية في البديع، وابن السبكي في جمع الجوامع، وقال ابن عرفة المالكي في كتابه في الفقه: قد قال الفخر الرازي في المحصول ، وتبعه السراج في تحصيله، والتاج في حاصله ما نصه: ولو بقي من المجتهد ـ والعياذ بالله واحد ـ كان قوله حجة، قال: فاستعاذتهم تدل على بقاء الاجتهاد في عصرهم، قال: والفخر توفي سنة ست وستمائة، هذا كلام ابن عرفة، وقد وجدت ما هو أبلغ من ذلك، فذكر التبريزي في تنقيح المحصول ما نصه: لا يعتبر في المجمعين عدد التواتر، فلو انتهوا ـ والعياذ بالله ـ إلى ثلاثة، كان اجتماعهم حجة، ولو لم يبق منهم إلا واحد، كان قوله حجة، لأنه كل الأمة، وإن كان ينبوا عنه لفظ الإجماع، وقال الزركشي في البحر: قال الأستاذ أبو إسحاق: يجوز أن لا يبقى في الدهر إلا مجتهد واحد، ولو اتفق ذلك، فقوله حجة كالإجماع، ويجوز أن يقال للواحد أمة، كما قال تعالى: [إن إبراهيم كان أمة قانتا] ونقله الصفي الهندي عن الأكثرين، وبه جزم ابن شريح في كتاب الودائع، فقال: وحقيقة الإجماع هو القول بالحق، فإذا حصل القول بالحق من واحد فهو إجماع، وقال الكيا الهراسي: اختلف هل يتصور قلة المجتهدين، بحيث لا / يبقى في العصر إلا مجتهد واحد؟ والصحيح تصوره.
والمسألة الثانية : وهي هل المجتهد المطلق مرادف للمجتهد المستقل، أو بينهما فرق؟
والجواب أنهما ليسا مترادفين، بل بينهما فرق، وقد نص على ذلك ابن الصلاح في أدب الفتيا، والنووي في شرح المهذب، وذكر هو وغيره أنه من دهر طويل فقد المجتهد المستقل، ولم يبق إلا المجتهدون المنتسبون لى المذاهب، وقدروا أن المجتهدين أصناف: مجتهد مطلق مستقل، ومجتهد مطلق منتسب إلى إمام من الأئمة الأربعة، ومجتهد مقيد، وأن الصنف الأول فقد من القرن الرابع، ولم يبق إلا الصنفان الآخران: المطلق المنتسب، والمقيد، وممن نص على ذلك من أصحابنا أيضا ابن برهان في الوجيز، ومن المالكية ابن المنير، وقد سقت عباراتهم، وعبارات غيرهم في كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض، فلينظر منه.
وأما المسألة الثالثة: وهي هل للمجتهد أن يلي وظائف الشافعية مثلا؟
فالجواب أن المجتهد المطلق المنتسب ، والمجتهد المقيد ، كلاهما يستحقان ولايتها شرعا، بلا خلاف بين المسلمين؛ لأن هذين الصنفين من جملة الشافعية المنتسبين إلى الإمام الشافعي لم يخرجا بالاجتهاد عن الانتساب إليه، ولهذا اعتمد على تصانيفهم وفتاويهم، ونسبت إلى مذهب الشافعي، وما زالوا يولون تدريس الشافعية قديما وحديثا، كما سنبينه.
وأما المجتهد المستقل، غير المنتسب، فذاك هو الذي لا يولاها، إذا كان الوقف ليس مأخذه من بيت المال، ولهذا امتنع السبكي من دعوى الاجتهاد المستقل، مع كونه أهلا للاستقلال، فاقتصر على دعوى الاجتهاد المطلق المنتسب، ولا أعرف أحدا من أصحابنا ادعى الاجتهاد المنتسب / سوى ابن جرير خاصة، وأما بقية الأصحاب الذين ادعوا الاجتهاد فاقتصروا على دعوى الاجتهاد المطلق المنتسب، ولهذا عدوا في الأصحاب، وذكرت تراجمهم في طبقات الفقهاء الشافعية، وحذف منها ابن جرير، فلم يترجم فيها، فكل من ترجمه العلماء في طبقات الشافعية ممن ادعى الاجتهاد، فهو مطلق منتسب، لا مستقل، وهو مستحق لأوقاف الشافعية، وقد قال النووي في الروضة، والرافعي في الشرح: المنتسبون إلى مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك ثلاثة أصناف: أحدها العوام، الثاني البالغون رتبة الاجتهاد، وقد ذكرنا أن المجتهد لا يقلد مجتهدا، وإنما ينسب هؤلاء للشافعي؛ لأنهم جروا على طريقته في الاجتهاد، واستعمال الأدلة، وترتيب بعضها على بعض، ووافق اجتهادهم اجتهاده، وإذا خالف أحيانا، لم يبالوا بالمخالفة ، والصنف الثالث المتوسطون، وهم الذين لا يبلغون رتبة الاجتهاد في أصل الشرع، لكنهم وقفوا على أصول الإمام في الأبواب، وتمكنوا من قياس ما لم يجدوه منصوصا على ما نص عليه ، هذا كلام الرافعي والنووي في الروضة، فانظر كيف قسما أتباع الأئمة إلى ثلاثة أصناف، وجعلا من جملتهم من بلغ رتبة الاجتهاد، ولم يخرجاه ببلوغه الاجتهاد عن انتسابه إلى مذهب الشافعي، وقد نص على هذا أيضا إمام الحرمين، فقال في كتابه الذي ألفه في ترجيح مذهب الشافعي ما نصه: فإن قيل: فابن شريح والمزني ومن بعده كالقفال والشاشي، وغير هؤلاء كان لهم منصب الاجتهاد.
فالجواب أن هؤلاء كثرت تصرفاتهم في مذهب الشافعي، والذب عن طريقته ونصرته، وشمروا عن ساق الجد في تصويبه وتقريره / وتصرفوا فيه استنباطا وتخريجا، وقلت اعتباراتهم الخارجة عن مذهبه، وكانوا معترفين بأنهم من متبعي الشافعي، ومقتفي آثاره، ومقتبسي أنواره، هذا كلام إمام الحرمين، ونص على مثل ذلك أيضا ابن الصلاح، فقال في طبقاته في ترجمة محمد بن نصر ما نصه: ربما تذرع متذرع بكثرة اختياراته المخالفة لمذهب الشافعي، إلى إنكار على الجماعة العادين له في أصحابنا، وليس الأمر كذلك؛ لأنه من هذا بمنزلة ابن خزيمة والمزني وأبي ثور، وغيرهم، ولقد كثرت اختياراهم المخالفة لمذهب الشافعي، ثم لم يخرجهم أحد عن أن يكونوا في قبيل أصحاب الشافعي معدودين، وبوصف الاعتزالية موصوفين ، هذا كلام ابن الصلاح.
إن نصوص العلماء مطبقة على أن المجتهدين من أتباع الأئمة غير خارجين عن الانتساب إليهم، والعداد في جماعة أصحابهم، والاعتزاء إليهم، فيقال لهم الشافعية، والمالكية، والحنفية، ويدخلون في الوقف على هذه الطرائق، وقد استقرينا أمر المدارس منذ بنيت، فلم نجد تولاها في قديم الزمان إلا المجتهدون، فكيف يحرمها المجتهدون في آخر الزمان، ويقدم عليهم المقلدون؟
بيان ما قلناه: إن أول من بنى المدارس للشافعية، فيما نص عليه جماعة، الوزير نظام الملك، وأول مدرسة بناها النظامية التي ببغداد، بناها في سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ووقفها على الشافعية، وأول من ولي تدريسها بتقرير الواقف أبو نصر بن الصباغ، صاحب الشامل، وهو موصوف بالاجتهاد المطلق، كما ذكره ابن السبكي في ترجمته في الطبقات، ثم بنى نظام الملك أيضا / مدرسة بنيسابور، تسمى النظامية، وشرطها للشافعية أيضا، وأول من وليها بتقريره إمام الحرمين، وهو موصوف بالاجتهاد المطلق، وصفه به جماعة، حتى قال ابن السبكي في ترجمته في الطبقات الكبرى: إمام الحرمين لا يتقيد بالأشعري، بل ولا بالشافعي، وإنما يتكلم على حسب ما أدى إليه نظره واجتهاده، وقال الحافظ سراج الدين القزويني في فهرسته في وصف إمام الحرمين: هو المجتهد ابن المجتهد، وقال غيره في ترجمته: بلغ الاجتهاد، وسارت مصنفاته في البلاد، وقال ابن المنير في أول تفسيره: إمام الحرمين له علو همة في مساوقة المجتهدين.
وهاتان المدرستان أول المدارس التي وقفت على الشافعية، وأول من وليها من هو موصوف بالاجتهاد، وممن ولي تدريس الشافعية من المجتهدين حجة الإسلام الغزالي، فقد ادعى هو الاجتهاد في كتابه المنقذ من الضلال، وأشار فيه إلى أنه العالم المبعوث على رأس المائة الخامسة، فيجدد لهذه الأمة أمر دينها، كما وعد به الحديث الشريف، وقد ذكر ابن السبكي في الطبقات أنه ولي تدريس النظامية التي ببغداد، ثم ولي تدريس النظامية التي بنيسابور، فولي المدرستين معا، ومنهم سلطان العلماء الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقد أشار هو إلى دعوى الاجتهاد في قواعده الكبرى، ووصفه بالاجتهاد المطلق ابن الرفعة، وابن دقيق العيد، والسبكي في فتاويه، وولده في الطبقات، والذهبي في العبر، وابن كثير في تاريخه، والأذرعي، وقال الزركشي في شرح المنهاج: لم يختلف اثنان أنه بلغ رتبة الاجتهاد، وكان من الورع / والزهد بالمحل الأعلى، ومع ذلك فقد ولي عدة مدارس شرطها للشافعية، منها بدمشق تدريس الغزالية وغيرها، والخطابة، والإمامة بالجامع الأموي، قال أبو شامة: وكان أحق الناس بذلك، ومنها بمصر تدريس الشافعية بالصالحية وغيرها، ومنهم قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، فقد ادعى هو الاجتهاد في عدة مواضع من كتبه، ونقل الصلاح الصفدي في ترجمته من تاريخه عنه أنه قال: وافق اجتهادي اجتهاد الشافع إلا في مسألتين ، وممن وصفه بالاجتهاد المطلق ابن الرفعة، وأبو حيان مع ما كان بينه وبينه من الوقفة الظاهرة، وابن رشيد في رحلته ، والسبكي في الطبقات، ولسان الدين بن الخطيب في تاريخ غرناطة، والنسخة بخط المصنف في خزانة سعيد السعداء ، والكمال الأدفوي في الطالع السعيد، والإمام ركن الدين بن القوبع المالكي في ضمن قصيدة مدحه بها، قال فيها :
الى صدر الأئمة باتفاق ... وقدوة كل حبر ألمعي
ومن بالاجتهاد غدا فريدا ... وحاز الفضل بالقدح العلي
صبا للعلم صبا في صباه ... فأعل بهمة الصب الصبي
فأتقن والشباب له لباس ... أدلة مالك والشافعي
وقد وصفه بالاجتهاد المطلق جماعة أخر، آخرهم قاضي القضاة حافظ العصر شهاب الدين ابن حجر في خطبة كتابه تعليق التعليق، وقد ولي عدة مدارس للشافعية منها المدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه، والفاضلية، وغير ذلك، ومنهم الإمام كمال الدين بن الزملكاني، وصفه بالاجتهاد الذهبي في معجمه، والسبكي، والأسنوي في الطبقات، وقد ولي / عدة مدارس للشافعية بدمشق، منها: الشامية، والظاهرية، والرواجية، ومنهم الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ سراج الدين البلقيني، لم يختلف اثنان في أنهما بلغا رتبة الاجتهاد، وقد وليا من مدارس الشافعية ما هو معروف، وغير من سمينا ممن يطول ذكرهم، وفيمن سمينا كفاية عمن تركنا، وقد ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه ذم التقليد ما نصه: وقد أنكر بعض المقلدين على شيخ الإسلام في تدريسه بمدرسة ابن الحنبلي، وهي وقف على الحنابلة، والمجتهد ليس منهم، فقال: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد، لا على تقليدي له، قال: ومن المحال أن يكون هؤلاء المتأخرون على مذهب الأئمة دون أصحابهم الذين لم يكونوا يقلدونهم، فأتبع الناس لمالك بن وهب وطبقته ممن يحكم الحجة، وينقاد للدليل أين كان، وكذلك أبو يوسف ومحمد، أتبع لأبي حنيفة من المقلدين له، مع كثرة مخالفتهما له، وكذلك البخاري ومسلم وأبو داود والأثرم، وهذه الطبقة من أصحاب أحمد أتبع له من المقلدين المحض المنتسبين إليه، وعلى هذا فالوقف على أتباع الأئمة، أهل الحجة والعلم أحق به من المقلدين في نفس الأمر، هذا كلامه بحروفه."
وكل هذه المسائل التى طرحها السيوطى مسائل تتعلق بالعراك على أوقاف المدارس وأن الأولى بولايتها هو المجتهد المطلق إن ,جد والمطلق المنتسب وكله كلام خارج عن دين الله فليس فى الإسلام مدارس للمذاهب وإنما مدارس لتدريس أى لتفقيه الناس فى دين الله كما قال تعالى :
"وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
والمدارس كما فى الآية السابقة واجب إنشائها وأكما الحديث عن كن نظام الملك هو أول من أنشأها فكذب محض فالمدرسة الأولى كانت فى المدينة مدرسة كان معلمها النبى(ص) وبعد أن انتهى من تخريج أول فوج أى دفعة قوم كل خريج بإنشاء مدرسة فى بلد قومه علمه فيها الناس ما علمه النبى(ص) إياه
وأما حكاية المجتهد المطلق والمجتهد المنتسب فى وجود لمجتهدين وإنما الموجود مؤولين للنصوص فكل من يسمى مجتهد يفسر النص على هواه أو حسب نيته السليمة
وأما حكاية انتهاء الاجتهاد فهو أمر يحدث نتيجة تراكم كل الآراء فى كل مسألة بحيث أن المجتهد الجديد يكرر قول لمن سبقه سواء علم به أو لم يعلم
وأنهى السيوطى كتابه بالنكت التالية :
"ونختم الكتاب بثلاث نكت:
النكتة الأولى: قال النقشواني: ما رأيت أعجب من رجل قال: أجمع أهل زماننا على أنه ليس في الزمان مجتهد، قال: فيقال له: يا عجيب الحال! كلامك يناقض بعضه بعضا؛ لأنه إذا لم يكن في الزمان مجتهد، فكيف ينعقد الإجماع؟ لأن الإجماع إنما هو اتفاق المجتهدين، فإذا فقد المجتهدون، فقد الإجماع لأن المجتهد هو الذي يعتبر قوله في الإجماع والخلاف.
النكتة الثانية: مثلي ومثل كثير من أهل العصر، مثل شافعي بحث مع حنفي في طهارة المني، فقال الشافعي: ما رأيت أعجب من هذا، لأني ساع في طهارة أصله، وهو ساع في نجاسة أصله، وكذلك أنا، سعيت في رفع الإثم عنهم بأسرهم، ورفعت عنهم الحرج بقيامي عنهم بهذا الواجب، وهم فريقان: فريق يمنع الاجتهاد من أصله، فهو ساع في إثمه، وإثم الناس معه، وفريق يسلمه، ويسعى في عدم استحقاقي، وما هذا جزائي منه، فإن لم أكن أستحق زيادة على الناس لما قمت به مما قصروا فيه، فلا أقل من أن أكون كواحد منهم، وهل زيادة الاجتهاد أورثتني نقصا عما كنت عليه من المعرفة بالمذهب قبل بوغه!!
النكتة الثالثة: ذكر ابن المنير في كتابه المقتفى ما نصه: إذا قيل: أي عبادة يتحقق صاحبها أنه انفرد بها ذلك في وقته دون العالم بأسره، قلنا: الطائف بالكعبة وحده، والقائم بالإمامة العظمى، فيتعذر فيها الانفراد"
إذا الاجتهاد طبقا للقرآن لا يمكن أن يكون له وجود فى الإسلام لأن الله أنزل فى كل مسألة حكم واحد لا اجتهاد فيه
وأما ما حدث ويحدث فهو أن القوم يؤولون معانى ألفاظ النصوص حسب ما فى أنفسهم من حق أو باطل