بَعُدتُمْ.. وليلُ البُعدِ مازالَ مُفْزعي
ونالَ النَّوى من خافقي المُتَزَعْزعِ
أُنادِي ونارُ الشوقِ تحرقُ مَضْجَعي:
"رُوَيدَكَ قَد أَفنَيتَ يا بَينُ أَدمُعي
وَحَسبُكَ قَد أَضنَيتَ يا شَوقُ أَضلُعي"
**
كأني بكَفِّ الدَّهْرِ دَفْترُ غُربَةٍ
وعمريَ يُطوى صَفحةً تِلْوَ صَفْحَةٍ
أعيشُ بنيرانٌ على شَكلِ جنَّةٍ
"إِلى كَم أُقاسي فُرقَةً بَعدَ فُرقَةٍ
وَحَتّى مَتى يا بَينُ أَنتَ مَعي مَعي"؟
**
بُلِيْنَا بِليلٍ أثقَلَ الصَّدْرَ طُولُهُ
وليلُ المُعنَّى ليسَ يَهْنَا خَليلُهُ
فَجَادَ بِوصْلٍ ما رَوتْكَ طلولُهُ
"فَيا راحِلاً لَم أَدرِ كَيفَ رَحيلُهُ
لِما راعَني مِن خَطبِهِ المُتَسَرِّعِ"
**
أيا مالكاً قلبي بُحسْنِ طباعِهِ
ويا مُبحِراً والرُّوحُ فوقَ شراعِهِ
ويا واصلاً والموتُ يومَ انقطاعِهِ
"يُلاطِفُني بِالقَولِ عِندَ وَداعِهِ
لِيُذهِبَ عَنّي لَوعَتي وَتَفَجُّعي"
**
فقُلْتُ: أيَا مَنْ قدْ أطَلْتُ رجَاءَهُ
فكيفَ بجُرمٍ إنْ أضاعَ فضَاءَهُ؟!
فقَالتْ: بِقلبيْ قَدْ أقمْتُ سَمَاءَهُ
"وَلَمّا قَضى التَوديعُ فينا قَضاءَهُ
رَجَعتُ، وَلَكِن لا تَسَلْ كَيفَ مَرجِعي"
**
فيَا سَامعيْ وجدِيْ وقلبي عندَكُمْ
علامَ التَّجَافِي؟ قد أطلتَمُ ردَّكُم!
وما لذَّ عيشي مُذُ تذوَّقتُ بُعدَكُم
"عَتَبتُم فَلا وَاللَهِ ما خُنتُ عَهدَكُم
وَما كُنتُ في ذاكَ الوَدادِ بُمِدَّعي"
**
وليسَ لبدرٍ بعدَ وجهِكِ مَطْلَعُ
وليسَ لشمسٍ بعدَ حسنِكِ مَضْجَعُ
وأَيُّ جمَالٍ مِن جمالِكِ منبَعُ
"مَلَأتُم فُؤادي في الهَوى فَهوَ مُترَعُ
وَلا كانَ قَلبٌ في الهَوى غَيرَ مُترَعِ"
**
أَموْتُ غَراماً والمحِبُّ مُلوَّعٌ
وأقضي الليالي والهوى مُتَضَرَّعٌ
فقلبٌ قضى شوقاً وجسمٌ مُودَّعٌ
"لَئِن كانَ لِلعُشّاقِ قَلبٌ مُصَرَّعٌ
فَما كانَ فيهِم مَصرَعٌ مِثلُ مَصرَعي
**
مخمَّسات (عن البهاء زهير)
10/6/2009