بُرُوجًا فِي عُرُوجِ الذَّاتِ نَحْوَ غَدٍ تَلَاقَينَا
وَكُنَّا قَبْلُ بَيْنَ أَزِقَّةِ الأَحْلَامِ مَحْضُ رُؤًى بِرَحْمِ الغَيْبِ
نَمْحوُ مِنْ سُطُورِ العُمْرِ أَجْوِبَةً بِلَا فَحْوَى
ونَمْضُغُ كِسْرَةَ الأَمَلِ المُحَدِّقِ فِي عُيُونِ الغُرْبَةِ الثَّكْلَى
وَبَعْضًا مِنْ فُتَاتِ الصَّبْرِ صَغْوَ طُوَى
تَلَاقَينَا
وَكُنَّا فِي خِضَمِّ الدَّهْرِ أَشْرِعَةً مُمَزَّقَةً
زَوَارِقُ حلْمِنَا الأَزَلِيِّ تَجْأَرُ كُلَّمَا اهْتَرَأَتْ
وَتَجْحَدُنَا مَرَافِئُنَا التِي عَنْ شطِئِهَا انْكَفَأَتْ
تَلَاقَينَا
عَلَى قَدَرٍ
فَذَابَ القَلْبُ مُتَّكِئَ الحَنِينِ
عَلَى نَمَارِقَ مِنْ حَرِيرِ العِشْقِ دِيَباجِ التَّبَتُّلِ
أُرْجُوَانِ الذَّوْقِ قِنْدِيلِ التَّأَمُّلِ
مُسْتَلَذِّ سُرَى
وَلَوْلَا أَنَّنَا بَشَرٌ
لَطِرْتُ إِلَيْكِ مُمْتَطِيًا بُرَاقَ الشَّوْقِ فِي شَغَفٍ
لَوَضَّأْتُ الهَوَى بِدَمِي لِمِيقَاتٍ مِنَ الذِّكْرَى
تَطُوفُ عَلَى قِبَابِ سَنَاكِ فِي رَهَفٍ
تُصَلِّي فِي رِحَابِ أَنَاكِ فِي هَرَفٍ
وَتَسْمُو فِي صَفَاءِ الرُّوحِ
تِلْكَ حَقِيقَةٌ أُخْرَى


أَنَا أَدْرِي بِأَنَّكِ لِي
وَلَكِنْ أَنْتِ لَا تَدْرِينْ
وَأَدْرِي أَنَّكِ الأَقْصَى وَأَنِّي التِّينُ والزَّيْتُونْ
وَأَنَّكَ سدْرَةُ المَعْنَى وَعِطْرُ حَدائِقِ النِّسْرِينْ
أَنَا أَدْرِي بِأَنَّكِ فَوْقَ أَحْلَامِ المَدَى
أَدْرِي بِأَنَّكِ فِي الصَّدَى مَعْنَى أَرَقُّ مِنَ النَّدَى
أَدْرِي بِأَنَّكِ فِي ذُرَاك الفَذِّ أُمْنِيَةٌ تَعِزُّ
وَإِنْ مَدَدْتُ لَهَا اليَدَا
أَدْرِي بِأَنَّكِ مهْرَةٌ عَرَبيَّةُ القَسَمَاتِ
لَكِنْ أَنْتِ لَا تَدْرِينَ أَنِّي فَارِسُ الكَلِمَاتِ
أَنِّي بُحَّةُ النَّايَاتِ
أَنِّي سَرْمَدِيُّ الذِّكْرِ
رَبُّ الشِّعْرِ
بَرُّ الفِكْرِ
أَنِّي عَبْهَلُ المَثْوَى .. وَأَنَّكِ جَنَّةُ المَأْوَى
وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ أُخْرَى


وَمَا انْفَكَّتْ تُنَاجِينِي
عُيُونُكِ يَا سِرَاجَ النَّفْسِ نِيسَانِي وَتِشْرِينِي
وَثَغْرُكِ نَحْلَةٌ حَامَتْ عَلَى خَدِّ الرَّيَاحِينِ
أُحَلِّقُ كُلَّمَا حَطَّتْ عَلَى فَنَنِي
وَأَنْضَحُ نَكْهَةَ النَّارَنْجِ فِي عُذْرِيَّةِ الزَّمَنِ
وَأَحْضِنُ بُرْجَكِ العُلْوِيَّ فِي عُنْفِي وَفِي لِينِي
فَأَنْتِ أَنَا؛ كِلانَا مُهْجَةٌ وَدَمٌ
كِلانَا بَعْضُ أُحْجِيَةٍ
كِلانَا طِفْلُ أُمْنِيَةٍ
كِلانَا مُضْغَةٌ عَلِقَتْ بِرَحْمِ الوَجْدِ وَالنَّجْوَى
وَأَلْفُ مَدِينَةٍ بَينِي وَبَينَكِ
حِضْنُ كُلِّ مَدِينَةٍ فِيهَا بِرَغْدِ العَيشِ يُغْرِينِي
سَأَخْرُجُ مِنْ مَدَارِ السَّبْتِ رَغْمَ الكَبْتِ فِي مَوْرُوثِنَا الجِينِي
وَأُوْلِجُ صَوْلَجَانَ الأَمْسِ كَهْفَ الشَّمْسِ أَرْوِي لَهْفَةَ الطِّينِ
خُرُوجًا أَوْ وُلُوجًا لَيْسَ يَعْنِينِي
بِدُونِكِ؛ لَنْ يَكُونُ البُرْءُ لِلْجُرْحِ الفِلسْطِينِي
وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ أُخْرَى


أَمِنْ حَرَضٍ؛ صَبَبْتِ دِمَاكِ فِي جَمْرِي؟
أَمِنْ مَضَضٍ؛ حَصَبْتِ مَدَاكِ فِي صَدْرِي؟
سَأَغْرِسُ فِي رُبَى حُزْنِي بَنْفَسَجَةً
وأَقْطفُ مِنْ شَذَى سَلْوَاكِ سَوْسَنَةً
وَأَمْلَأُ مِنْ جِرَارِ النَّوْحِ إِبْرِيقِي
وَأَرْوِي الصَّمْتَ مِنْ رِيقِي
وأَثْمَلُ مِنْ حُمَيَّا الرَّشْفِ حَتَّى مُنْتَهَى ضِيقِي
رَحِيقُ هَوَاكِ
رَوْعُ نَوَاكِ
نَوَارِسُ طَيْفِكِ العَسَلِيِّ
تُشْعِلُنِي وَتُطْفِئُنِي
تُغَنِّينِي وَتُغْنِينِي
وَتُسْرِجُ كُوَّةَ المِحْرَابِ فِي لَيلِي إِلَى حِينِي
وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ أُخْرَى


غِيَابُكِ مُوْجِعٌ جِدًّا
أَلِيمٌ كَانْتِزَاعِ الحَوْلِ مِنْ جَسَدٍ
بَهِيمٌ كَامْتِدَادِ الظِّلِّ فِي أَبَدٍ
نِدَائِي بِاسْمِكِ الدُّرِّيِّ لَا يَعْفُو
وَلَا يَنْفَكُّ قَلْبِي مُثْخَنًا بِالضَّوْءِ
يَبْتَكِرُ المُنَى
واللَّيْلُ فَوْقَ أَنِينِنَا يَغْفُو
هُنَاكَ أَنَا، وَأَنْتِ هُنَا
نُضَمِّدُ بِانْكِسَارِ الضَّوْءِ عَتْمَةَ لَيْلَةِ المِيلَادِ
نُنْفِجُ دَمْعَنَا المَصْلُوبَ فِي مُدُنِ الوَفَاءِ
وَنَسْتَحِثُّ الوَقْتَ بَعْدَ المَقْتِ أَنْ يَصْفُو
خُيُوطُ البَوْحِ عَالِقَةٌ بِحُنْجَرَةِ الأَسَى
بَوْحًا يَزِفُّ إِلَيْكِ عِطْرَ شَقَائِقِ النُّعْمَانِ
فَاتَّخَذِي لِهَذَا البَوْحِ رُوحَ فَراشَةٍ
يَصْبُبْكِ نَخْبًا مِنْ سُلَافِ الدَّهْشَةِ السَّكْرَى
وَيَسْقِي جُلَّنارَ الشَّاطِئِ الغَرْبِيِّ مِنْ غَدِنَا
حَنِينَ العَوْدَةِ الكُبْرَى
بِإِيجَازِ الرُّؤَى الحَيْرَى
أَنَا رَجُلٌ يَحِنُّ إِلَيْكِ يَا وَطَنِي
وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ أُخْرَى