أَطلِقْ مِدادَكَ والأوراقَ والقلَما
واحبِسْ دموعَكَ والأشواقَ والألما
واركضْ بقلبكَ نحواً أنتَ تعرفُهُ
أو قُلْ لعينِكَ أن تبكي عليكَ دَما
ضاقتْ بكَ الأرضُ من شوقٍ تعيشُ بهِ
حتَّى هَرِمتَ وذاكَ الشوقُ ما هَرِما
وظَلْتَ تذرِفُ صبرَ القلبِ عن قلقٍ
وفي اشتياقِك ولَّى العمرُ وانهزما
قد تَشتهي الموتَ حينَ النائباتِ أسىً
ما أصعبَ العيشَ إن صارَ الردَى حُلُما!
كم أرضعتكَ يدُ الأيامِ علقمَها
وكم وضعتَ على أوجاعِها القَدما!
وكم رفعتَ على أرضِ الهوى عَلَماً
وكم نَكَستَ على أرض النَّوى عَلَما
كلُّ التأني سلامٌ حيثُ تشرحُهُ
ومن تأنَّى بشرحِ الحبِّ ما سَلِما
كم من مُحبِّ كتومٍ في محبّتِه
عضَّ الأصابعَ -من كتمانِهِ- نَدَما
ومَن أقرَّ بما يقضي الفِراقُ له
يمُتْ حزيناً وإنْ في حزنِه ابتسما
وأجملُ العيشِ أن تحيا بلا نكَدٍ
ومَن يظنُّ الدُّنى تَعساً فقد وَهِما
فالمستحيلُ دوامُ الحالِ فارْضَ ولا
تُخففِ العزمَ فالعُقبى لمَن عزَما
وأيُّ شيءٍ عظيم رُحتَ تطلبُه
فاصعَدْ بنفسكَ حتى تبلغَ العِظَما
وإن أَصبتَ برميٍ أو فشلتَ به
فما رميتَ ولكنَّ الإلهِ رمى
وليس أسوءُ من قولٍ بلا عمل
وأقبحُ القولِ ما أوصى به اللُّؤَما
ومن أطال غياباً عن أحبَّتِه
يرجعْ غريباً إذا ما شملُهُ الْتأما
ومن تغرَّبَ عن أهلٍ وعن وطن
يظلُّ يقسمُ شوقَ الروحِ بينهُما
يفديكَ يا وطني روحي وجيشُ دمي
وسدُّ دمعي الذي من بُعدِكَ انثلما
تهبُّ ذكراكَ عَصفاً والهوا رمَدٌ
والعينُ بَعدَك من جورِ الفراقِ عَمى
يا موطناً طُرِّزتْ بالحبِّ رايتُه
والشوقُ أرضٌ لها والعاشقونَ سما
يا موطنا كلما غاصتْ به أممٌ
يعلو ليبنيْ على آثرها أُمما
وكلما فنيتْ في روحها هِممٌ
يسمو وينفخُ في أجسادِها الهِمَما
كم كنتَ تُطعمُ أفواهاً لكَ التجأتْ
وحين دارتْ رحَىً عضّوا عليكَ فَمَا
وكمْ عَلوتَ بوغدٍ يَستهينُ بِنَا
ليَمْتَطينَا ويبني فوقَنا الهَرَما
حتى إذا اشتعلتْ فينا مراجلُنا
صبّ السماءَ – ليطفي نارنا- حِمَما
وثارَ فينا صغيرُ الجمرِ وانتفضتْ
سحُبُ الرمادِ وعرشُ الظالم انهدما
وحينها اجتمعَ الأوغادُ كلُهمُ
ليطفئوا النورَ أو يسترجعوا العَتَما
واستُشهدتْ حرمةُ الأوطانُ وانتُهكتْ
وأُحرقتْ نخوةُ الأعرابِ بالزُّعما
حتامَ يا موطني الأصنامُ تحكُمُنا
والجاهلونَ بها ما حطَّموا صنما
يا موطناً أُفسدتْ "ذاتُ العمادِ" به
فخِلِّهم - إنْ طَغَوا في أرضها- "إِرَما"
ذاتُ العماد - 13/1/2013