أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: (سينوفارم)

  1. #1
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي (سينوفارم)

    (سينوفارم)


    لم أتوقع أن ألتقي هذا الرجل مرةً أخرى.. حتى وإن كانت الدنيا عالماً صغيرًا، ولئن قيلَ :مصيرُ الأحياء التلاقي.. فلم أكنْ لأتوقّع لقاءَ رجلٍ مرّ على وفاته تسعةُ أشهر.
    لا بدّ أن يكون شخصاً آخر.. شبيهُه ربما، هكذا حدثتُ نفسي وأنا أتقدم بمركبتي ببطءٍ في السرب المؤدي لفحص (الكوفيد) قبل السفر دون الترجّل من المركبة، أخذتُ وكلما اقتربتُ أكثر أستكشفُ ملامحَهُ وقد ارتدى معطفَ التمريض الأبيض فيتملكني الاضطراب .. يا للعجب! إنه هو! .. هل كانت وفاتهُ محضَ إشاعة؟ .. وكيف تحوّلَ من موظفٍ في قطاع الإدارة العامة إلى فنيّ بفحص الكوفيد؟ لا.. لا يمكن أن يكون هو.. مهلاً!بل هو ذاته.. شاربه الخفيف، حاجباه المتصلان فوق عينين حادتين، شعره المسترسل إلى شحمةِ أذنه..
    الآن لم يبق أمامي من الطابور الممتد سوى ثلاث مركبات حتى أصلَ لدوري إلى الفحص .. مازلت أختلسُ النظر إليه، لم يعدْ بإمكاني أن أستديرَ بمركبتي تخلّصًا من لقاءٍ محرج، ماذا سأنتقي من الكلام لأقول له إذا بادرني بالعتاب وقد مرّ عهدٌ ليس بالقصير من القطيعة قبل وفاته .. بالطبع لن أقول له أنني لا أتواصل مع الموتى.. لكنني بكل ببساطة سأذكّرهُ بأنه هو الآخر كان منقطعًا..
    قبل وفاته المؤلمة كانت الصلةُ خجولةً لم
    تتعدى تطبيق الواتس، كنا نتبادلُ عباراتِ التهنئة بالمناسبات وأغلبها كان بالنسخ واللصق.. حتى المكالمات الهاتفية كانت كشُحّ مطر الخريف.. يالهذا العالم القاسي صنع منا ماكينات متطورة شديدة التنظيم لكنها خاوية من خفقان القلب والتقاء الأرواح..
    أنا الآن أقترب.. سيراني بعد قليل.. سيصبّ عليّ جام عتابه لأنني لم أشجعه على أخذ اللقاح... حين استشارني في اللقاح الصيني - السينو فارم - كتبت له نصّاً على الجوّال أنه ليس أكثر من ملحٍ مُذابٍ ..! وأنّ اللقاح الأمريكي سيعبثُ بتركيبة الحِمض النووي خاصته.. ربما صادف تهكمي خشيةً في نفسه من اللقاحات فتجنبها.. شعرت بالكثير من الندم بعد إصابته، آخر مقطعٍ وصلني كان وهو على جهاز التنفس يطلب منا الدعاء.. حينها شعرتُ بالرعب، نسيتُ كل نظريات المؤامرة فسارعت بدوري لأخذ اللقاح.. بقدر ما نقاسي ثِقلَ أعباء الحياة نتمسك بأطرافها بمجرد أن يصيبنا شعور بأننا والحياة مفترقان.. ترُى.. كيف كان شعوره وهو في مستشفى العزل قبل أن تسوء حالته، لا بد أن الخوف تسلل إليه شيئاً فشيئاً مع أنني عهدت فيها الشجاعة، لا أدري كيف كانتْ لحظاتُ موته.. كلنا يتساءل عن تلكم اللحظات.. لكن ما لا شكّ فيه أنها رحمة للمريض.. هذا إن كان قد مات بالفعل..
    أنا أقف الآن بمحاذاته ..

    -بطاقتك الشخصية ورقم هاتفك المحمول لو سمحت.

    .. تسارعتْ خفقاتُ قلبي.. تصنّعتُ أنني ضعيفُ البصر أخفيت وجهي فيما رحتُ أبحث عن بطاقتي الشخصية
    واكتفيت بمدّ يدي بالبطاقة ليتأكد من بياناتي..

    - ارفع رأسك واسترخِ لآخذَ مسحةَ الأنف إذا سمحت

    رفعتُ رأسي مترددًا وفتحتُ عينيّ لأواجهه بشجاعة.. الآن تنسلّ أشعة الشمس من بين الستائر لتوقظني إلى صباح يومٍ جديد..
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد السلام دغمش ; 09-01-2022 الساعة 06:43 AM

  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,110
    المواضيع : 317
    الردود : 21110
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    أرتج على الأمر أخي/ عبد السلام فهل كان الموضوع كله حلم
    كنوع من المحاسبة أو تأنيب الضمير لأنك لم تشجعه على أخذ اللقاح
    وشعرت بالكثير من الندم بعد إصابته مما أصابك بالرعب فهرعت لأخذ اللقاح.
    قصة من قلب واقع نعيشه لجائحة تركت أثرها في حياتنا
    في مشهد صيغ باقتدار من أديب امتلك حرفا سامقا.
    ولك كل التحية والتقدير.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,447
    المواضيع : 235
    الردود : 3447
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    كلنا مررنا بهذه التجربة ـ التهكم من فكرة التطعيم واستبعادها
    ثم الشعور بالرعب من الأصابة والمسارعة إلى أخذ اللقاح تمسكا بالحياة وخوفا من المرض والموت.
    نص تسجيلي لقصة من قصص الكورونا بلغة شيقة، وواقعية بأسلوب تعبيري جميل التصوير.