قراءة فى كتاب أدب الاختلاف
المؤلفة هند محمد وهو يدور عن الاختلاف المباح والاختلاف المحرم وفى مقدمتها قالت هند:
. وبعد:
فإن من أهم القضايا التي يجب أن تطرح وتناقش في أوساط المجتمعات الإسلامية أسباب تمزق الأمة وضعفها في زمننا هذا بعد ما كانت أمة شامخة بتعاليم دينها، وكيان اجتماعي يضرب فيه المثل للوحدة والترابط الاجتماعي بين أفراده، ... وبعد كل هذه التساؤلات فإن المتأمل في وضع الأمة في الآونة الأخيرة يجد أن ما أصابها هو عدم الامتثال لقول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فهذا التوجيه الرباني العظيم يدعونا للبحث عن الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا النزاع وسد ذرائعه، ولعل من أهمها هو الاختلاف الذي تجاوز حدوده الطبيعية بين أبناء العقيدة الواحدة وأصبح على كل شيء كبر أو صغر .. "
وقد استهلت البحث بالكلام عم معنى الاختلاف اللغوى والاصطلاحى فقالت:
"التمهيد:
حينما نعرف الاختلاف نجد أن هناك عدة تعاريف تشير إلى مفهومه، ومصطلحات مرتبطة به
"فمعنى الاختلاف في اللغة: اختلف / اختلف إلى / اختلف على / اختلف عن / اختلف في يختلف، اختلافا، فهو مختلف، والمفعول مختلف (للمتعدي)
• يقال: اختلفت الأذواق تغايرت، تفاوتت وتناقضت، لم تتفق.
مرادفات كلمة اختلاف: اختصام، تنازع, تباين، مفارقة, تخالف، تضاد, تنابذ، افتراق, خلاف، مخالفة، مضادة، بون, بين, بعد, تباين, تباعد, تباين, تخالف, تغاير, تفاوت, تفاوت, خصومة, خلاف, فارق, فرق, نزاع."
الاختلاف اصطلاحا: "الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله أو قوله"
ثم تحدثت عن الفرق بين الاختلاف والخلاف فقالت:
"الفرق بين الاختلاف والخلاف:
لا فرق بين المصطلحين فكلاهما (الخلاف والاختلاف) يراد به مطلق المغايرة في القول أو الحالة أو الرأي أو الهيئة أو الموقف، وقد ذكر عن ذكره أبو البقاء الكفوي وغيره بعض الوجوه الذي يفرق بها بين المصطلحين إلا تستند إلى دليل لغوي، ولا إلى اصطلاح فقهي.
الاختلاف في الاصطلاح الفقهي: معنى الاختلاف عند الفقهاء والأصوليين فلا يخرج عن معناه اللغوي ويمكن تعريفه بأنه: ذهاب عالم إلى خلاف ما ذهب إليه آخر.
إذن الاختلاف بمفهومه العامة يعني المغايرة بين الأشياء، ولا يوجد فرق بين الاختلاف والخلاف فكلاهما لهما نفس الدلالة في المعنى."
هذا التعريف بانه كل واحد له وجهة نظر مغايرة للأخر هو المعنى المعروف لدى الناس ولكن فى الكون الأمر مختلف وقد تحدثت هند عن الاختلاف الكونى فقالت:
"المبحث الأول:
مظاهر الاختلاف
المبحث الأول: الاختلاف سنة كونية
تتجلى مظاهر الاختلاف في جوانب كثيرة من جوانب الحياة، فالمتأمل في خلق الله يجد أن هناك مظاهر للاختلاف في مخلوقاته كاختلاف السماوات والأرض و الليل والنهار، قال الله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) وهناك الاختلاف بين دواب الأرض؛ قال الله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع ... )
وهناك الاختلاف في النباتات، قال الله تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون)
وهناك الاختلاف في الجمادات؛ قال الله تعالى: ( ... ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود)
وهناك الاختلاف في البحار؛ قال الله تعالى: (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا) "
إذا الاختلاف فى الخلق هو سنة أى قانون كونى فالمخلوقات تختلف فى الألوان والهيئات والأطعمة والنفوس والدين
ثم تحدثت الاختلاف الخلقى فى الناس من حيث اللغات والألوان والمعارف فقالت :
"وهناك الاختلاف الإنساني في اللغة وفي اللون؛ قال الله تعالى: (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) وفي المجتمعات الإنسانية؛ قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وفي الجانب المعرفي؛ قال الله تعالى: ( ... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب) وفي الجانب النفسي فهناك النفس المطمئنة، واللوامة، الأمارة بالسوء؛ قال الله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) الفجر: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) القيامة: ... إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) يوسف: وفي الدين؛ قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد) فالاختلاف ظاهر ومستمر ( ... ولا يزالون مختلفين) إلى أن تقضى الآجال ويرث الله الأرض ومن عليها ويأتي الاختلاف الأبدي؛ قال الله تعالى: (يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد)
فهذه الآيات وغيرها تدل على سنة الله في خلقه حيث أجرى عليهم الاختلاف، فهذه السنة الكونية وضعها الله في هذا الكون ليميز الخير من الشر، الحق من الباطل، والطيب من الخبيث"
ثم تحدثت عن أسباب الاختلاف فقالت:
"المبحث الثاني:
أسباب الاختلاف
المبحث الثاني: أسباب الاختلاف
في بداية الأمر يجب أن نوضح أن الاختلاف الذي أراده الله في خلقه هو أمر حتمي لا بد من وقوعه لحكمة الله وعلمه بخلقه لكن هناك اختلاف نهى الله عنه وهو الاختلاف في شرعه الذي شرع لعباده وتتفاوت أسبابه بتفاوت المتغيرات التي قد يحصل فيها هذا الاختلاف، فالمكان والزمان، وطبيعة الأشخاص، وثقافة المجتمع وغيرها من العوامل المتغيرة التي لها أثر كبير في تعدد الأسباب واتساع رقعة الاختلاف، وسنقتصر على ذكر أبرز الأسباب وأكثرها وضوحا، وقد جمعها الشاطبي في ثلاثة أسباب وهي: "الجهل، والهوى، واتباع الآباء والأشياخ على عمى:
الجهل: وهو أن يعتقد الإنسان في نفسه، أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم، والاجتهاد في الدين، ولم يبلغ تلك الدرجة، فيعمل على ذلك، ويعد رأيه رأيا، وخلافه خلافا ...
اتباع الهوى: سمي أهل البدع أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهوءاهم، واعتمدوا على آرائهم ...
اتباع ما كان عليه الآباء، والأشياخ: فالتصميم على اتباع العوائد وإن فسدت، أو كانت مخالفة للحق هو التقليد المذموم؛ فإن الله ذم ذلك في كتابه بقوله: ( ... إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) " وبعد هذا الإيجاز نخلص إلى القول بأن الاختلاف من حيث أصل وجوده لا يؤاخذ الإنسان به أما الاختلاف الذي تجره الأسباب الآنف ذكرها فهو اختلاف منهي عنه، فالاختلاف يجب أن يكون في نطاقه الطبيعي ولا يفتعل من أجل الحصول على مصلحة شخصية من غير وجه حق أو التعدي على الآخرين."
وما ذكرته من أسباب نقلا عن الشاطبى هو خطأ فمنشأ اختلاف الناس هو حرية المشيئة أى حرية الإرادة كما قال تعالى :
"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وأما الاختلافات داخل الإيمان فسببها العلم أو عدم العلم بحكم الشىء بالاضافة إلى الظنون وأما الاختلاف داخل الكفر فله سبب واحد وهو هوى النفس وهو يسمى بأسماء كثيرة كالظلم والفسق والكفر والظن ...
ويدخله أيضا العلم وعدم العلم والظنون ولكن ليس بمعنى الظن الكفرى
وتحدثت عن وجود نوعين من الاختلاف البشرى فقالت:
"المبحث الثالث:أقسام الاختلاف:
المطلب الأول: الاختلاف المذموم
ذكرنا في المبحث السابق بعض الأسباب التي تؤدي للاختلاف نعرج في هذا الفصل على أقسام هذا الاختلاف الذي قد يكون مذموما وقد يكون محمودا وقد يكون دائرا بين المذموم والمحمود.
أولا: الاختلاف المذموم:
يكون الاختلاف مذموما إذا أدى إلى التعدي على حقوق الآخرين سواء كان الآخر مسلما أو كافرا، فقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ... ) ، وغالبا يكون الدافع لهذا الاختلاف هو إتباع الهوى؛ فقد يكون الاختلاف وليد رغبة في نفس الشخص يسعى لتحقيقها دون وجه حق فتجده يخاصم غيره من أجل ذلك؛ كالذي يتظاهر بالعلم ويريد أن يفرض على الآخرين صواب رأيه أو يرفض التراجع عن رأيه إذا جانب الصواب؛ قال الله تعالى مخاطبا نبيه داود (ص) ( .. ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .. ).
أيضا يكون الاختلاف مذموما على وجه الخصوص في شريعتنا الإسلامية حينما يحدث تنازع وتفرق بين المسلمين كالاختلاف في المسائل الفقهية التي لا يسوغ فيها الاختلاف وفي المسائل التي تتعلق بالعقيدة -سيأتي بيانه في المبحث القادم- فعن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): " (لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) " وهذا توجيه تربوي عظيم من قائد هذه الأمة ومعلمها الأول يحث فيه على عدم الاختلاف الذي قد يؤدي إلى التنافر والتباغض بين المسلمين فيفضي ذلك إلى النزاع والتفرق فالهلاك."
ومما سبق نجدها تفرق بين نوعين من الاختلاف :
-الاختلاف بمعنى التعدى على أحكام الله بمعنى عصيانها وهذا ليس اختلافا وإنما اسمه الخروج على الشرع لأن الحكم يكون معروفا ويخالفه أى يعصاه الفرد
-الاختلاف فى الأحكام وهذا الاختلاف كما هو هذه الأيام راجع إما إلى هوى النفس أو راجع للجهل وهو ما أبان الله الحل فيه وهو العودة إلى حكمه فقال :
"وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وتحدثت عن الخلاف المحمود فقالت:
المطلب الثاني: الاختلاف المحمود
إن الاختلاف يكون محمودا إذا أدى إلى كل خير ولم تتعارض نتائجه مع أحكام الشريعة الإسلامية، ففي ديننا الاختلاف في أمور الدنيا التي لا تمس حد من حدود الله مشروع ودل على ذلك موقف النبي (ص) الذي رواه أنس بن مالك قال: " (أن النبي (ص)مر بقوم يلقحون. فقال " لو لم تفعلوا لصلح " قال فخرج شيصا فمر بهم فقال " ما لنخلكم؟ "قالوا: قلت كذا وكذا قال " أنتم أعلم بأمر دنياكم) "
يقول عبدالعزيز الطريفي تعليقا على هذا الحديث:
"النبي (ص)قال هذا الحديث لما قدم المدينة وكان النبي مكيا قرشيا وأهل مكة ليسوا بأهل زرع كما جاء عن جابر وما يدري أهل مكة بالزرع، وكان أهل المدينة خلاف ذلك فلهم خبرة بالزراعة فيعرفون المواسم ويعرفون التلقيح ... فالنبي (ص)قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" لأنه (ص) قال لهم لو لم تفعلوا لخرج بلا تلقيح - النخل - ثم خرج شيصا ثم ترك النبي (ص) هذا الأمر والسبب أن هذا الأمر يتعلق بالجانب الدنيوي المحض الذي يرجع فيه لخبرة الإنسان."
ومن الاختلاف المحمود الاختلاف مع أهل الكفر والبدع والأهواء، ففي هذا الاختلاف صيانة للدين وحفظا للحق وتوحيدا لكلمة المسلمين، فهذا الخلاف الاختلاف واجب على كل مسلم وهو من مقتضى الإيمان، فلا يمكن لمسلم أن يزيله أو يدعوا إلى نبذه."
وما قالته عن الاختلاف المحمود بذلك الحديث هو نوع من أنواع الاختلاف المباح ومن أمثلته :
-الخلاف الطعامى فبعضنا يفضل بعض الأطعمة على بعض كما قال تعالى "ونفضل بعضها على بعض فى الأكل"
- الخلاف فى ألوان الملابس
وتحدثت عن أهم أنواع الاختلافات وهو الاختلاف الفقهى فقالت:
"المبحث الرابع:الاختلاف الفقهي
المبحث الرابع: الاختلاف الفقهي
إن الاختلاف في المسائل الشرعية يأتي تفصيله على النحو التالي:
القسم الأول: الاختلاف في مسائل العقيدة، وهذا لا يجوز؛ لأن الواجب على المسلمين اعتقاد ما دل عليه الكتاب والسنة، وعدم التدخل في ذلك بعقولهم واجتهاداتهم؛ لأن العقيدة توقيفية، ولا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها ...
القسم الثاني: اختلاف في المسائل الفقهية المستنبطة من النصوص، وهذا لابد منه؛ لأن مدارك الناس تختلف، ولكن يجب الأخذ بما ترجح بالدليل من أقوالهم، وهذا هو سبيل الخروج من هذا الخلاف ....
"فلا بد في المسائل - الفقهية- من التفريق بين الخلاف السائغ المعتبر، وبين الخلاف غير السائغ ولا المعتبر، فالأول إنما هو اختلاف في الفهم، ولا يصادم نصا، ولا إجماعا سابقا، بخلاف الثاني فإنه لا يعتمد على الأدلة الشرعية، وإنما يعتمد في الغالب على الهوى، أو الرأي المجرد، أو على دليل بعيد المأخذ."
اقوال العلماء في الانكار مسائل الخلاف:
قال ابن عثيمين " لو أننا قلنا: المسائل الخلافية لا ينكر فيها على الإطلاق، ذهب الدين كله حين تتبع الرخص لأنك لا تكاد تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين الناس ... المسائل الخلافية تنقسم إلى قسمين؛ قسم: مسائل اجتهادية يسوغ فيها الخلاف؛ بمعنى أن الخلاف ثابت حقا وله حظ من النظر، فهذا لا إنكار فيه على المجتهد، أما عامة الناس، فإنهم يلزمون بما عليه علماء بلدهم، لئلا ينفلت العامة؛ لأننا لو قلنا للعامي: أي قول يمر عليك لك أن تأخذ به، لم تكن الأمة أمة واحدة، ولهذا قال عبد الرحمن بن سعدي: "العوام على مذهب علمائهم ... "
وقال الشوكاني:
"هذه المقالة - أي لا إنكار في مسائل الخلاف- قد صارت أعظم ذريعة إلى سد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ، فقد وجب بإيجاب الله عز وجل، وبإيجاب رسوله (ص) على هذه الأمة، الأمر بما هو معروف من معروفات الشرع، والنهي عما هو منكر من منكراته: ومعيار ذلك الكتاب والسنة، فعلى كل مسلم أن يأمر بما وجده فيهما أو في أحدهما معروفا، وينهى عما هو فيهما أو في أحدهما منكرا.
وإن قال قائل من أهل العلم بما يخالف ذلك، فقوله منكر يجب إنكاره عليه أولا، ثم على العامل به ثانيا ... ".
فأهمية فهم وإدراك موضوع في الاختلاف الفقهي وضوابطه يساعد في سد الفجوات التي قد تحصل بين المسلمين وقطع الطريق على من يحاول تفكيك وحدتهم وعلى من يحاول التلاعب بالنصوص الشرعية وتعطيل بعض الواجبات الشرعية على المسلم"
المفترض أن الدين واحد كما الرب واحد ومن ثم لا يوجد أى اختلاف فى الأحكام بين المسلمين طبقا لقوله تعالى :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وما بين أيدينا من روايات هو واحد من أعظم أسباب الخلاف الفقهى وكذلك الاعتماد فى التفسير على كتب اللغة والنحو بينما القرآن وتفسيره الإلهى الذكر هو المعتمد فى حل أى خلاف كما قال تعالى :
"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
ثم تحدثت عن منافع ومضار الاختلاف فقالت :
"المبحث الخامس: فوائد ومساوئ الاختلاف
للاختلاف آثار تتبين ويحكم عليها بالإيجابية أو السلبية من خلال النتائج التي تتركها، وميزان الحكم على هذه النتائج هو ميزان الشرع، فقد ترك فينا رسول الله (ص) شيئين لن نضل بعدهما ما أخذنا وعملنا بهما في شؤون حياتنا كلها.
يترتب على الاختلاف فوائد كما أنه أيضا يترتب عليه مساوئ؛
فمن فوائد الاختلاف:
- التمييز بين الحسن والقبيح والحق والباطل والخير والشر.
- الاختلاف في الأفكار يسهم دفع عجلة النمو في مجالات الحياة المختلفة.
- يحدث التفاعل الاجتماعي ويكسب الفرد خبرات متنوعة، فتنوع العقول والطبائع والثقافات يحدث مزيج اجتماعي، يولد تلك التفاعلات والخبرات.
- يجعل المسلم يتحلى بأخلاقيات رفيعة للتعامل مع الآخر وفق ما أمره دينه بذلك.
- الاختلاف في المسائل الفقهية - السائغ الاختلاف فيها - كالتي يرجع الحكم فيها للعرف الصحيح - الذي لا يخالف دليلا شرعيا - يراعي حاجات الناس.
من مساوئ الاختلاف التي قد تحدث:
- التعصب للرأي أو المذهب أو للقومية ورد الحق.
- عدم الإنصاف، والتعدي على الآخرين.
- الاستبداد، وعدم احترام خصوصية المختلف معه.
- الإساءة لتعاليم هذا الدين والأخلاق التي حث عليها.
- النزاع والفرقة بين المسلمين."
وفى المبحث التالى تحدثت عن أدب الاختلاف فقالت:
"المبحث السادس:آداب الاختلاف
بعث نبي هذه الأمة (ص)ليتمم مكارم الأخلاق ولينشر تعاليم هذا الدين القائم على العدل والإنصاف في التعامل مع الناس باختلاف أصنافهم وأجناسهم ومذاهبهم، فوضع ضوابط وحدود وآداب في التعاملات بينهم، ومنها ما يلي:
الإنصاف:ويكون مع كل ذي حق سواء كان مسلما أم غير مسلم، وهذا الخلق نص الله عليه في قوله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ... ) المائدة: إن في هذا العصر يحتاج المسلم الرجوع إلى منهج أهل السنة في الحكم على الأشخاص ليزن الأمور كلها بميزان القسط؛ يقول ابن تيمية في تفسير هذه الآية: "فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا، فكيف إذا كان البغض لفاسق، أو مبتدع من أهل الإيمان؟ فهو أولى ويجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالما له."
عدم التعصب لشخص أو مذهب أو جماعة وترك الحق:
إن المتعصب أعمى لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل، فالحق لا ينحصر في شخص أو إمام، فلا طاعة مطلقة إلا لله ولرسوله.
قال الله تعالى: (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فالحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق، وهذا لا يعني أن يستفرد الإنسان برأيه ويتبع ما يراه هو حق ويترك رأي مما أمر بالرجوع إليهم في بعض المسائل والأمور التي لا يحق له أن يتبع فيها ما تمليه عليه نفسه كما أمر الله بذلك، فقال سبحانه: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ... )
الرفق واللين:
وخاصة مع المخالف الذي يكون مخالفته عن جهل لا عن كبر وغرور، ويوضح لنا تعامل النبي (ص) مع المخالف الجاهل ما حدث به معاوية بن الحكم السلمي " (بينا أنا أصلي مع رسول الله (ص)إذ عطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم؟ تنظرون إلي. فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني. لكني سكت. فلما صلى رسول الله (ص)فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ... ) " ومع المخالف كبرا بلا عذر ما حدث به سلمة بن الأكوع " (أن النبي (ص) رأى رجلا يأكل بشماله فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر، فما رفعها إلى فيه بعد) "
حسن الظن وتغليب أخوة الإسلام:
ويتأكد ذلك مع علماء المسلمين، فما يحصل الآن من طعن في العلماء، وتتبع عثراتهم وزلاتهم، ومحاولة إسقاطهم من قبل المفسدين الذين يريدون هدم المرجعية الدينية، ونشر فسادهم وشرورهم في أوساط المجتمعات الإسلامية.
وقد ذكر صالح بن حميد في هذا السياق بعض الأمور التي يتحاشى من خلالها الخلاف والاختلاف؛ منها حسن الظن بطلبة العلم، وحمل ما يصدر منهم على المحمل الحسن قدر الإمكان، وإذا صدر مالا يمكن حمله فيعتذر لهم، فالنبيل من اغتفر خطأ المرء في كثير صوابه، وهذا ليس دعوة إلى القول بسلامتهم من الخطأ لكن في ذلك ما يبقي النفوس سليمة والقلوب رضية.
تحاشي الإقدام على تخطئة الآخرين إلا بعد النظر العميق والأناة الطويلة: ... وو ويؤخذ هذا الأدب العظيم من قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ... )
الالتزام بأدب الإسلام في انتقاء الكلام الطيب وتجنب العبارات الجارحة والبذيئة:
ويؤخذ هذا الأدب العظيم أيضا من قول الله تعالى وقولوا للناس حسنا ... )
فهذه بعض من الآداب التي أمر بها الشرع الحكيم أتت لتجعل الفرد المسلم فردا متجردا من الأخلاق الذميمة ومتحل بكل خلق كريم، وداعيا الآخرين إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة."
قطعا الاختلاف فى الأحكام أدبه الوحيد هو العدل فمن تعامل بالعدل وحكم بالعدل بعد كل محرم كما قال تعالى :
" إذا قلتم فاعدلوا"
وذكرت نماذج من أدب الاختلاف فقالت:
"المبحث السابع: نماذج في أدب الاختلاف
كان الاختلاف في المسائل الفقهية الاجتهادية موجودا بين الصحابة في عهد النبي وبعد وفاته، وكان موجودا في عصر التابعين بين الأئمة لكن لم يكن هذه الاختلافات تشكل نزاعات بينهم بل كانت تتسم بآداب سامية وأخلاق كريمة.
في عهد الصحابة: عائشة وعمار
كان عمار مخالف لموقف عائشة في واقعة يوم الجمل ... سمع ذات مرة أحدهم ينال من أم المؤمنين، فقال أسكت مقبوحا منبوحا أتؤذي محبوبة رسول الله (ص)! أشهد أنها زوجة رسول الله (ص) في الجنة، لقد سارت أمنا عائشة مسيرها وأنا أعلم أنها زوجة النبي (ص) في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها، أياه نطيع أو أياها أي أدب بعد هذا ينتظر.
في عهد التابعين: الشافعي ومحمد بن الحسن:
"عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم من صاحبكم - يريد أبا حنيفة ومالكا - وما كان لصاحبكم أن يتكلم، وما كان لصاحبنا أن يسكت. فغضبت، وقلت: نشدتك الله: من أعلم بالسنة، مالك، أو صاحبكم؟ فقال: مالك، لكن صاحبنا أقيس. فقلت: نعم، ومالك أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه، وبسنة رسول الله (ص) من أبي حنيفة، ومن كان أعلم بالكتاب والسنة كان أولى بالكلام."
وهكذا كان شأنهم يختلفون لكن لا يتفرقون، فهم ممتثلون لقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... ) ويضعونه فوق كل اعتبار، فكانوا يتنازلون عن أراءهم ويتراجعون عن أقوالهم في سبيل وحدة كلمتهم."
وما ذكرته من نماذج كواقعة الجمل أساسا لم يحدث فلو حدث لكفر الكل بنصوص القرآن من قرار أم المؤمنين فى بيتها ومن عدم تعاون المسلمين واقتتالهم