في غمرةِ انشغالي بما أسمّيهِ البحثُ عن السعادة أو صناعة(حياةٍ لائقةٍ) أجدُني وقدْ سرقَتْني تفاصيلُ الأيام. بساطُ العُمُرِ ينسحبُ من تحتِ قدمَيَّ ولازلتُ صِفرَ اليدينِ من كلِّ ما رغبتُ أن أكونَه!
لطالما اعتقدتُ بغباءٍ أنَّ جداريَ الذي يريد أنْ ينقضَّ ستُقيمُهُ شهادةٌ مُذيّلةٌ بتواقيع أستاذٍ جامعيٍّ رفيع المستوى !
كنت أوهِمُ نفسي بأنّ إنشاءَ عملٍ يخصُّني سيجعلُ منّي امرأةً أكثرَ حكمةً، مستقلة بشخصيّتي ومالي كما يدّعي أنصارُ حقوقِ النساء!
وبجهلي القَبَليّ المدفونِ في أعماقي، قضَيتُ أعواماً أحاوِلُ فيها أنْ أكونَ أمَّاً لجيشٍ من الأولاد يطغى فيه عددُ الذكورِ على الإناثِ لأنالَ لقبَ الودود الولود!
أضعتُ يا أمّي مساحاتٍ كبيرة من صفحاتِ العُمُرِ وأنا أسعى إلى كمالٍ زائفٍ لا وجود لهُ!
لَمْ أنتبه إلى أنكِ وحدكِ الكمال، كلُّ الكمال!
لَمْ أفهمْ أنكِ وحدكِ مَنْ تملكُ لبِناتِ الرّضا،تلك التي ستُقيمُ جداريَ المتهاوي.
لَمْ أعلم أنّني محتلةٌ مِن كلّ الأشياءِ و أنتِ وحدكِ استقلالي.
ولَمْ تشفع لي رفوفٌ من الكُتُبِ قرأتُها لأكونَ أُمّاً مثاليةً،حينَ اكتشفتُ بأنَّ الأمومةَ خندقٌ حفرتِهِ وحدَكِ بِمِعوَلِ الصبر؛زرعتِ فيهِ بذورَ إيمانكِ بنا، تعاهدتِ سقايتها بحباتِ الدمعِ وجبينُكِ المعروق ما جفَّ يوماً!
علّمونا في مدرسةِ الطفولة: أمّك أمّك أمّك! عشتُ ثلاثةَ عقودٍ بعدها أردّدُها بحماقة طفلٍ لا يفقه ما يقول:أمك أمك أمك!
اليوم؛ و بعد أنْ فقِهتُ معنى أمّك _و بأنانيةٍ مُطلَقةٍ_ استعنتُ بصبركِ و صلاتِكِ على أيامي!
علمتُ بأنّكِ وحدكِ من تصنعُ من حَبّةِ الوجعِ قِباباً من الفرح!
وأنكِ وحدكِ ملاذي الآمن الذي أهرعُ إليه كلّما اشتدّتِ الخطوب؛مظلتي التي أحتَمي تحتها من وابِلِ الهموم.
علمتُ أنَّه لا سعادةَ تُجنَى إلّا مِن جنّةِ روحِكِ الغَنَّاء، ولا حياةَ تليقُ إلّا برِضاكِ!
عرفتُ أنَّ الليلَ يُلَمْلِمُ سدولَهُ و يوَلّي مُقهْقِراً و أنتِ تشمّرينَ عن ساعِدَيْكِ تهَيُّؤًا لوضوءِ الفجر!
عرفتُ أنّ الصبحَ ينبلجُ بتمتمتِكِ وتسبيحِكِ والكثيرِ منَ الدعاءِ لنا ونحنُ غارقونُ في نومٍ وثير!
علمتُ أنّ السماءَ تبكي لبكائكِ، وتصفو لصفائكِ؛وأنَ الطيورَ تغرِّدُ حينَ تضحكين! والملائكةُ تكتبُ عن اليمينِ رضاكِ، وترسُمُ طُرُقاً في خرائِطِ السماءِ تقودُ لجناتٍ عرضُها بعضُ قلبِكِ، وطولهُا زمنٌ امتدَّ في عينيكِ يحملُ أَلَماً ما فارقَهُ الأملُ يوماً! وفي مشوار العمر، علمتُ كلَّ هذا وبيَ رغبةٌ بازديادٍ واجتهاد!
ورغمَ تقصيري وعقوقي إلا أنني لازلتُ مدلَّلَةَ أمّي الصغيرة التي تروم عطر قلبها ورضاها!
وبِكُلِّ ما أُوتيتُ من حبٍّ أقولُ لكِ :كلُّ عامٍ وقلبُكِ الأجملُ والأطهرُ
كلُّ عامٍ وأنتِ أكبرُ نِعَمِ اللهِ علَيّ!
كل عامٍ و أنتِ بخير.