نقد كتاب الحاكمية دراسة مؤصلة دراية ورواية
في بداية الكتاب تحت عنوان لفتة ذكر المؤلف أنه ناقش الموضوع على صفحات الصحف والمجلات فقال:
"لفتة:
قد كنت كتبت هذا الموضوع ونشرته في تاريخ 12/ 1/1424 هـ ولكن وردت علي بعض الشبهات وأتاني من اخواني الأفاضل والمخالفين عددا فما زادني نقاشهم إلا ثباتا وكلما عارض معارض إلا وبان على محياه الضعف قبل مقاله فناقشت المسألة دراية ورواية وزدت هنا من مقالات السلف والخلف وبينت بدراسة مؤصلة أحسبها مستوفاة لروايات ابن عباس وخلصت أن ابن عباس لم يخالف الإجماع بل هو ممن قال بالكفر"
إذا الكتاب موضوعه حديث روى عن ابن عباس في أمر الحكم وقد استهل الكتاب بالحديث عن كون الحاكمية عبادة كالصلاة وغيرها فقال:
"إنها الحاكمية
ومثل هذا الأمر لا يتقرر بأهواء ولا بالتعلق بأمر الدنيا أو قلة علم أو اضمحلال فهم لما يترتب عليه من مصير خطير وحال عسير والله يعلم وحده ربي كم أخذ هذا الأمر من وقتي وكم تأملت في أعماقه وعواقب نتائجه لربما أكثر من عشر سنوات وهو يأكل في صدري
الحاكمية عبادة كأي نوع آخر من العبادات مثل الصلاة والصيام والذبح والدعاء والنذر و و لا فرق بينهم أبدا"
والحق أن الحاكمية هى أصل كل العبادات فالمسلم عند يعبد الله فغنه يتحاكم لشرعه فينفذه في أى موضوع والحاكمية هى عبادة الله هى التوحيد هى التقوى هى... فكل هذه المسميات تطلق على شىء واحد هو طاعة أى اتباع الله وحده
ثم استدل بآيات القرآن على الحاكمية فقال :
"دليل ذلك من كتاب الله:
قال تعالى{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم}
وقال سبحانه{وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}
وقال سبحانه{إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}
وقال سبحانه{ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}
وقال سبحانه{وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق}
وقال سبحانه{ولا يشرك في حكمه أحدا}
فعبادة الله تعالى تقتضي إفراده عز وجل بالتحليل والتحريم حيث قال سبحانه{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}
فهذه الآيات تدل على أنها من توحيد العبادة أي "توحيد الألوهية" وأن الذي يشرك مع الله في حكمه كالذي يشرك في أي نوع من أنواع العبادة"
الرجل مصر على أن الحاكمية من توحيد العبادة مع أنها كما سبق القول هى نفسها التوحيد الذى ليس له أجزاء والعجيب أن من استدل بأقوالهم على كلامه لا يفرقون بين الشرك في حكم الله أو الشرك في عبادته ومنهم الشنقيطى في قول:
"قال الشنقيطي(الإشراك بالله في حكمه والإشراك في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة فالذي يتبع نظاما غير نظام الله وتشريعا غير تشريع الله كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه فهما واحد وكلاهما مشرك بالله) [انظر أضواء البيان للشنقيطي 7/ 162]"
ونقل عن محمد بن إبراهيم قول مخالف يقول بكونهما اثنين وهو:
"ويقول محمد بن إبراهيم أن تحكيم شرع الله تعالى وحده هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله بقوله(وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له وأن يكون رسول الله (ص)هو المتبع المحكم ما جاء به فقط ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلا وتركا وتحكيما عند النزاع) [فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم 12/ 251 رسالة تحكيم القوانين]"
وأصر المؤلف على كون الحاكمية من توحيد الربوبية فقال :
"الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية
لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أربابا لمتبعيهم فقال سبحانه{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}
ويقول ابن تيمية في هذا الشأن (قد قال تعالى{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} وفي حديث عدي بن حاتم وهو حديث حسن طويل رواه أحمد والترمذي وغيرهما وكان قد قدم على النبي (ص)وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية قال فقلت له إنا لسنا نعبدهم قال أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال فقلت بلى قال فتلك عبادتهم وكذلك قال أبو البختري أما إنهم لم يصلوا لهم ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكن أمروهم فجعلوا حلال الأمة حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية فقد بين النبي (ص)أن عبادتهم إياهم كانت في تحليل الحرام وتحريم الحلال لا أنهم صلوا لهم وصاموا لهم ودعوهم من دون الله فهذه عبادة الرجال وقد ذكر الله أن ذلك شرك بقوله{لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}) [الفتاوى 7/ 670]"
وابن تيمية هو من اخترع أنواع التوحيد بلا دليل فلا فرق بين الربوبية والألوهية لأن الله لا ينقسم ولا يتبعض فالرب هو نفسه الإله ثم نقل عن العز بن عبد السلام فقال :
ويقول العز بن عبد السلام(وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الديني والدنيوي فما من خير إلا هو جالبه وما من ضير إلا هو سالبه وكذلك لا حكم إلا له) [قواعد الأحكام 2/ 134 135]"
والعز لم يتكلم عن التقسيم المزعوم وتحدث عن النوع الثالث المزعوم من التوحيد فقال :
"وإليك الدليل أنها من توحيد الأسماء والصفات
قال تعالى{أفغير الله أبتغي حكما} وقال سبحانه{فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} وقال عزوجل{أليس الله بأحكم الحاكمين}
وهنا يتضح لنا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال السلف والخلف أن الحكم من توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات والتي تؤكد أنه عبادة من صرفها لغير الله فقد أشرك بالله العظيم"
ولا يوجد في كلام الله أى دليل على تقسيم التوحيد
وتحدث عن كون الحكم شرط في الإيمان فقال :
"الحكم شرط في الإيمان
لا كما يقول البعض ممن شطح به الجهل والتعنت أنه ليس شرطا في الإيمانوإليك الدليل
يقول الله تعالى{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا}
فلقد عد الشارع هذا التحكيم إيمانا كما قال تعالى{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}
يقول ابن حزم(فسمى الله تعالى تحكيم النبي (ص)إيمانا وأخبر الله تعالى أنه لا إيمان إلا ذلك مع أنه لا يوجد في الصدر حرج مما قضى فصح يقينا أن الإيمان عمل وعقد وقول؛ لأن التحكيم عمل ولا يكون إلا مع القول ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد) [الدرةص 238]
ويقول ابن تيمية(لذلك أوجبت الشريعة التحاكم إلى الشرع وجعلته شرط الإيمان قال تعالى{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وقال سبحانه{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الفرقان ص 65]
ويقول ابن القيم(إن قوله تعالى{فإن تنازعتم في شيء } نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله جليه وخفيه ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله وبيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع ومنها أن جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سميا التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة) [أعلام الموقعين 1/ 49 50]
ويقول ابن كثير(فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهد له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال) [تفسير ابن كثير 3/ 2 9]
ويقول السعدي في هذا الصدد(فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك) [تفسير السعدي 2/ 90]"
وهذه النقولات وغيرها مما حذفناه معناها أن الإيمان هو العمل الممثل في طاعة حكم الله الذى يقوله الرسول(ص)من قبل المسلمين وأما غير المسلمين فقد يتحاكمون إلى الرسول(ص) كالمسلمين ولكن هذا ليس إيمانا منهم كما قال تعالى :
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"
وتحت عنوان نقولات سلفية قال :
"نقولات سلفية:
صحيح البخاري عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود (والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه)"
الحديث باطل لأنه تزكية للنفس لا يقولها مؤمن صحابى مع معرفته بقوله:
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى:
وثانيا لأن الصحابى يعلم علم اليقين أن الرسول(ص) علمه وغيره من الصحابة من مختلف الأقوام الإسلام كله كما قال تعالى :
"وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
ثم قال :
"عن سالم بن أبي الجعد قال قيل لعبد الله ابن مسعود ما السحت؟ قال(الرشوة) قالوا في الحكم؟! قال(ذاك الكفر) ثم تلا هذه الآية{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وهو عند الطبري وأبي يعلى وغيرهما ولا خلاف في صحته عنه "
عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؟ قال(هي كفر) وفي لفظ(هي به كفر) وآخر(كفى به كفره) رواه عبدالرزاق في تفسيره [1/ 191] وابن جرير [6/ 256] ووكيع في أخبار القضاة [1/ 41] وغيرهم بسند صحيح
قال ابن عبد البر ناقلا عن إسحاق ابن راهويه(قد أجمع العلماء أن من دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبي وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله؛ أنه كافر)
وللعلم أن إسحاق هو الذي نقل الإجماع على كفر تارك الصلاة فكيف يقبل منه في الصلاة ولم يقبل منه في الحكم؟ وتأمل أخي كلمة "وهو مقر" [التمهيد 4/ 226]
مصنف ابن أبي شيبة [ج 4/ص 443]حدثنا أبو بكر قال حدثنا خلف بن خليفة عن منصور عن الحكم عن أبي وائل عن مسروق قال(القاضي إذا أخذ هدية فقد اكل السحت وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر)
نا عبد الرزاق نا الثوري عن زكريا عن الشعبي قال(الأولى للمسلمين والثانية لليهود والثالثة للنصارى) أي الكفر
تفسير الطبري [ج6/ص257]حدثني محمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن مفضل قال ثنا أسباط عن السدي{ومن لم يحكم بما أنزل الله} يقول(ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا وجار وهو يعلم فهو من الكافرين)
قلت وإن كان أسباط كثير الخطأ إلا أنه صدوقا وقد وافق ابن مسعود ومسروق وإجماع ابن راهويه
وقال ابن حزم (من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن ملة الإسلام) [الاحكام في أصول الأحكام 5/ 153]
وقال ابن تيمية(والحكم بما أنزل الله على محمد (ص)هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي (ص)وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر) [منهاج السنة ج 5/ 131]
وقال (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهى الذى بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى) [مجموع الفتاوى ج 8/ص 106]
وقال(وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية وضعت لمصلحة الدنيا فأما المعارف والحقائق والدرجات العالية فى الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن هذا من أعظم الكفر والضلال) [مجموع الفتاوى 2/ 232]
وقال (ومعلوم بالإضطرار من دين المسلمين وبإتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب) [مجموع الفتاوى 28/ 524]
قال ابن القيم(ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت وتحاكم إليه [أعلام الموقعين 1/ 85]
يقول ابن كثير في معرض تفسير قوله{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}(ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل أو كثير)
وقال بعد أن نقل عن الجويني نتفا من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار (فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) [البداية والنهاية 13/ 128]
قال سليمان العلوان (كما نقل الإجماع على ذلك اسحاق والإمام ابن حزم والحافظ ابن كثير في المجلد الثالث من "البداية والنهاية" في ترجمة "جنكيز خان" قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والمروي عن ابن عباس "كفر دون كفر"؛ هذا لا يصح عنه رواه الحاكم في المستدرك وقد خولف في الاسناد فرواه عبد الله بن طاوس عن ابيه عن ابن عباس بغير ما رواه هشام وعبد الله بن طاوس أوثق من هشام فرواية هشام منكرة لا يحتج بها)"
وكل هذا الكلام القوم تحدثوا فيه عن قسم واحد منه وهو مجرد التحاكم إلى غير الله فقط بالقول مع أنه يشمل القول والفعل بمعنى أن من ترك أى طاعة لله أى من ترك أى أمر لله أو نهى مرتكبا الذنب فقد كفر حتى يتوب من ذنبه
فالتحاكم ليس مجرد قول فقط لأن هذا الكلام الغرض منه التقرب للكفار من الرؤساء والملوك الذين يعلنون بالقول تحاكمهم إلى شرع الله وكل أقوالهم وأفعالهم مخالفة لشرع الله
فمعنى من لم يحكم هو ومن لم ينفذ حكم الله وليس من ينكره وحده فلو كانت المعصية ليست كفرا بطاعة الأخرين فلماذا دخل الكفار النار إذا كما قال تعالى :
" "إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون فيها وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا"
وتحدث عن مشكلات في مسألة التحاكم فقال :
"(1) قالوا لا بد من الإستحلال
الإشكال الأول
قالوا لا بد من الإستحلال وهذا خطير فإن الإنسان يكفر بالعمل ولا يشترط الإعتقاد فإبليس امتنع فقط عن السجود تكبرا وهذا عمل والصلاة من الأعمال فمن تركها غير جاحد كفر كما أجمع أصحاب رسول الله (ص)على ذلك وخصوصا إن ورد نص على أن ترك هذا العمل مكفر كالحكم والصلاة فقد ورد فيهما نص فتأمل هذا الكلام وقد ورد الإجماع عن إسحاق بالكفر في الحكم كما ورد في الصلاة
إليك الدليل من كلام السلف
قال الامام إسحاق بن راهويه(غلت المرجئة حتى صار من قولهم ان قوما يقولون من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحود بها لا نكفره يرجى أمره الى الله بعد اذ هو مقر فهؤلاء الذين لا شك فيهم يعني في أنهم مرجئة) [فتح الباري لابن رجب 1/ 23]"
المؤلف هنا لم يستدل بكتاب الله وإنما استدل بأقوال من سماهم السلف وهذا القول من المؤلف يؤيد ما قلته أن العمل وهو معصية الله يكفر بها العاصى حتى يتوب أو يموت فيدخل جهنم وفى هذا قال تعالى :
"ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا"
والمشكلة وهى المعضلة الثانية التى شغلت نصف الكتاب هى أثر عن ابن عباس قال فيه المؤلف:
"(2) أثر ابن عباس "كفر دون كفر"
الإشكال الثاني
وهو أثر ابن عباس أنه قال؛ "كفر دون كفر" وفي رواية "ليس الكفر الذي تذهيون إليه" ورواية "ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه" وهي من طرق والرد عليها من وجوه
أولا وجد من يخالف ابن عباس من الصحابة هذا على فرض صحة ما ورد عنه ولم يصح قطعا كما سيأتي وهو ابن مسعود وقد قال صلى الله عليه وسلم(رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد) أي ابن مسعود
وهو القائل(والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه) فقد أقسم بالله أنه لا يعلم من هو أعلم منه بكتاب الله
ثانيا الإجماع المنقول عن إسحاق المخالف لمفهوم هذه الرواية
ثالثا القرائن من كتاب الله تدل على أن المقصود بالكفر هو الكفر الأكبر وليس الأصغر من حيث أنها عبادة من أصل التوحيد إطلاقها والأصل في الكفر إذا عرف باللام أنه الكفر الأكبر كما قرر هذا شيخ الإسلام في الاقتضاء [1/ 208] "إلا إذا قيد أو جاءت قرينة تصرفه عن ذلك"
وقال (وذلك أن اللام في لغة العرب هي للتعريف فتنصرف إلى المعروف عند المتكلم والمخاطب وهي تعم جميع المعروف فاللام في القول تقتضي التعميم والاستغراق لكن عموم ما عرفته وهو القول المعهود المعروف بين المخاطب والمخاطب) [الاستقامة ج1/ص 222]"
وما قاله المؤلف عن وجود أنواع من الكفر كالكفر الأكبر والأصغر هو كلام بلا دليل من الوحى فالكفر واحد وهو عصيان الله في واحدة أو أكثر من أحكامه أو في كل أحكامه ولذا اعتبر الكفر ببعض كفر بالكل فقال :
"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب"
ومن ثم لا فرق بين كفر العقيدة أو كفر غيرها ثم قال :
"رابعا وهي قضية القضايا ورحى المسألة وفصل الزبد عما ينفع الناس في الأثر الوارد عن ابن عباس بألفاظ مختلفة فهي حرية بفرز غثها عن سمينها وصفاءها عن كدرها فندرس أسانيدها دراسة علمية موثقة على نهج أهل الحديث سلفهم ومن وافقهم من خلفهم آخذين ما لنا وما علينا نقول وبالله التوفيق
الرواية الأولى(من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق)
عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}(من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق)؛
نقول؛ هذه الرواية أخرجها الطبري في جامع البيان [6/ 166] وابن أبي جاتم في التفسير [4/ 1142] وهي من طريق معاوية بن صالح عن ابن أبي طلحة
عن ابن عباس به؛ وهي طريق معلولة بعلتين؛
العلة الأولى معاوية بن صالح ضعيف قال العلماء فيه ما نصه
قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد؟ فقال(كان أول أمره متماسك ثم فسد بآخره وليس هو بشيء) قال ابن المديني(لا أروي عنه شيئا) وقال النسائي(ليس بثقة) قال أحمد بن صالح(متهم ليس بشيء) قال صالح جزرة(كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث) قال أبو زرعة(لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب وكان حسن الحديث) قال أبو حاتم(صدوق أمين ما علمته)
فالأئمة الكبار كأحمد وابن المديني والنسائي وأحمد بن صالح وصالح جزرة ضعفوه
العلة الثانية الانقطاع بين ابن أبي طلحة وابن عباس فهو لم يسمع منه قال ذلك؛ ابن معين ودحيم وابن حبان وغيرهم
وأما قولهم؛ بينهما مجاهد وعكرمة فهذا لا يصح لوجهين
الوجه الأول أن الذي أثبت سماعه مجهول من مجاهد وعكرمة) [شرح معاني الآثار ج 3 ص 279]
أقول فهل سمى أحدا من أهل العلم الذين عاصروا ابن أبي طلحة وعرفوه حق المعرفة؟ وهل مجرد العزو للمجهول يعتبر حجة؟
علما أن الطحاوي يقول كما هو مبين أعلاه(وإن كان خبرا منقطعا لا يثبت مثله) فهو يقصد الانقطاع الوارد بين ابن أبي طلحة وابن عباس السماع لم يثبت بيقين قطعا قطعا
الوجه الثاني أن نفي السماع المطلق ورد من كلام الأئمة الأثبات وخص يعقوب بن إسحاق عدم سماع الصحيفة بقوله عندما سأل صالح بن محمد ممن سمع التفسير؟ قال(من لا أحد) [أنظر تهذيب الكمال ج 2/ص 974] فلا يزول هذا إلا بيقين فاليقين لا يزول بالظن عما هو متقرر
أما قولهم؛ هي وجادة فهذا القول أوهن من بيت العنكبوت
كذلك علي بن أبي طلحة هذا يروي المنكرات
وإليك بعض الأدلة
ما أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات [81] واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" [2/ 201] من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى{الله نور السماوات} يقول(الله سبحانه وتعالى هادي أهل السموات والأرض {مثل نوره} مثل هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيئ قبل أن تمسه النار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء)
ومنها ما أخرجه الطبري في مواضع من تفسيره [8/ 115] والبيهقي في "الأسماء والصفات" [94] بهذا لإسناد مرفوعا في قوله تعالى{المص} {كهيعص} {طه} {يس} {ص} {طس} {حم} {ق} {ن} ونحو ذلك قال(قسم أقسمه الله تعالى وهو من أسماء الله عز وجل) وهذا خبر منكر فسبحان الله! كيف هذا يصح عند العقلاء؟ هل سمع الأنام أن قاف وصاد ونون من أسماء الله تعالى؟ بمعنى إذا دعوت الله تقول يا قاف ويا صاد! الله المستعان
كذلك روى ابن الحكم كما نقل السيوطي في "الإنقان" [2/ 189] عنه أن الشافعي قال(لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث) أقول كيف وفي الصحيفة ما يزيد على ألف وأربع مائة رواية؟!
فخلاصة القول؛ أن هذا الأثر لا يثبت قطعا على منهاج المحدثين من علماء الجرح والتعديل كما هو ظاهر لكل طالب حق وناشد هدى
الرواية الثانية(وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله)
وهي تعد من المشكلات وهي عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال(هي به كفر) (وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله) وقد جاء هذا اللفظ عند الطبري من كلام ابن عباس فيما يظهر على من لم تظهر له العلة؛ وهو من طريق سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وجاء من كلام عبد الله بن طاوس رحمه الله ولكن مقتضى علم الحديث يصرخ بأن هذه اللفظة من كلام ابن طاوس وليست من كلام ابن عباس فهي مدرجة وذلك من وجوه
الوجه الأول أن الذي روى هذه الزيادة من كلام ابن عباس هو سفيان عن معمر بن راشد وقد خالفه فيها عبد الرزاق ففصلها وبين أنها من كلام طاوس
قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله {فأولئك هم الكافرون}؟ قال(هي به كفر) قال ابن طاوس(وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله) فتبين أن ابن طاوس هو قائلها لا ابن عباس
الوجه الثاني أن أئمة الحديث قالوا إذا اختلف أصحاب معمر فالقول لعبد الرزاق ذكر ذلك إمام العلل والجرح والتعديل وصاحب المعرفة والمعاصرة بعبد الرزاق الصنعاني فقال محمد بن سهل بن عسكر سمعت أحمد بن حنبل يقول(إذا اختلف أصحاب معمر في حديث معمر فالحديث حديث عبد الرازق) [تاريخ أسماء الثقات ج 1 ص 1800]
كذلك الحافظ ابن حجر رجح رواية عبد الرزاق عن معمر عن رواية عبد الأعلى عن معمر وما أدراك ما عبد الأعلى؟ ثقة من رجال الجماعة) [فتح الباري ج 2 ص 368] لذلك يؤكد ابن عبد البر هذا فيقول(وأبان ليس بحجة ولا تقبل زيادته على عبدالرزاق لأن عبدالرزاق أثبت الناس في معمر) [التمهيد ج 6 ص 410]وقال عباس الدوري عن ابن معين(كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر) [تهذيب التهذيب ج 6 ص 279]فتأمل أخي القارىء الكريم كيف رجح الأئمة الكبار كأحمد وابن معين وابن عبد البر ويعقوب وابن حجر رواية عبد الرزاق عن غيره وكيف يستميت القوم الذين يؤيدون مذهب الإرجاء في مخالفة الأئمة فالله المستعان
الوجه الثالث أن الرواية الصحيحة الثابتة هي رواية عبد الرزاق المطلقة التي تقرر "هي به كفر" دون الزيادة المدرجة في رواية سفيان؛ "وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله" وهذا مقتضى كلام الإمام أحمد وابن معين ويعقوب وابن عبد البر وابن حجر
الوجه الرابع ما قرره أئمة الحديث في المدرج ينطبق تمام المطابقة على هذه الرواية
قال الذهبي (المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل علي أنها من لفظ راوي يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا)
وهنا جاءت رواية تفصل هذا من هذا ممن هو أوثق وأحفظ للرواية من المخالف فخلاصة هذه الرواية؛ أنها مدرجة من كلام ابن طاوس وابن عباس بريء منها
الرواية الثالثة(كفر دون كفر)
لفظة "كفر دون كفر" عن ابن عباس أخرجها المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" [2/ 521] والحاكم في مستدركه [2/ 313] من طريق هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس(إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفرا ينقل عن الملة {فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر) وزاد بعضهم(وظلم دون ظلم وفسق دون فسق)
لا تصح في سندها هشام ابن حجير ضعفه ابن معين وأحمد وغيرهما وقد تفرد بها دون سواه فهي منكرة لسببين
السبب الأول تفرد هشام بها
السبب الثاني مخالفته من هو أوثق منه فيتضح أن هذه الرواية أيضا لا تصح فهي منكرة لا تصلح في الشواهد
الرواية الرابعة(ليس الكفر الذي يذهبون إليه)
" ليس الكفر الذي يذهبون إليه"؛ فهي من طريق هشام بن حجير فقد ضعفه الكثير من الأئمة قال علي بن المديني(قرأت على يحي بن سعيدث نا بن جريج عن هشام بن حجير حديثا قال"يحي بن سعيد؛ خليق أن أدعه" قلت"أضرب على حديثه؟ " قال"نعم")
أما توثيق هؤلاء الأئمة له كابن حبان وابن سعد وابن شاهين والعجلي فهو لا شيء عند علماء الجرح والتعديل الذين عليهم التعويل في مثل هذا الخلاف –
الرواية الخامسة(كفر لا ينقل عن الملة)
"لا ينقل عن الملة"؛ فهي رواية ضعيفة وهي من طريق محمد بن يحي حدثنا
عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس في قوله {فأولئك هم الكافرون} قال(كفر لا ينقل عن الملة) وفيها مبهم كما هو بين
إذا يتقرر أن الثابت حتما من غير شك؛ عن ابن عباس والذي لا يدخله النقد هو "هو به كفر" الذي رواه عبد الرزاق وغيره بسند صحيح لا يدخله الريب فهو العمدة والأصل ومن هنا ينظم إلى قائمة السلف ابن عباس وما جاء عن طاوس خلافه فهو لا يخرق إجماعا قد انعقد
خامسا هذه الرواية على ما تحمل من أهمية بالغة وتحديد مصير ومنهجية شرعية وتأويل عن الظاهر كان حري وحري بأئمة الحديث أن يتسابقوا عليها كالبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابو داود والدارمي والطيالسي وغيرهم الجم الكثير والكثير من أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم ولا يخلو منها تفسير أبدا لأهميتها المتناهية خصوصا وقد نقل الإمام ابن راهويه الإجماع على خلافها فإعراضهم عنها عجيب جدا"
وبهذا أنهى المؤلف المسألة بكونه أثر ابن عباس بأن التحاكم لغير الله كفر
والمشكلة الثالثة عنده هى مناظرة المأمون للخارجي وفيها قال :
"(3) مناظرة المأمون للخارجي
الإشكال الثالث
ما رواه البغدادي في "تاريخ بغداد" [ج 10/ص 186]أخبرنا أبو محمد يحيى بن الحسن بن الحسن بن المنذر المحتسب أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل أخبرنا أبو بكر بن دريد أخبرنا الحسن بن خضر قال سمعت بن أبي داود يقول(أدخل رجل من الخوارج على المأمون فقال"ما حملك على خلافنا؟ " قال"آية في كتاب الله تعالى" قال"وما هي قال؟ " قوله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فقال له المأمون"ألك علم بأنها منزلة؟ " قال"نعم" قال"وما دليلك؟ " قال"إجماع الأمة" قال"فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل فارض بإجماعهم في التأويل" قال"صدقت! السلام عليك يا أمير المؤمنين")
نقول هذا لا يثبت في سنده محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية؛ أبو بكر الأزدي قال أبو منصور الأزهري اللغوي(دخلت على بن دريد فرأيته سكران) [لسان الميزان ج 5/ص 133]
أقول فالله أعلم ما حاله لما روى هذا الإجماع المخالف لإجماع السلف المنقول عن الأثبات
وقال أبو ذر الهروي سمعت بن شاهين يقول(كنا ندخل على بن دريد ونستحيى منه مما نرى من العيدان معلقة والشراب المصفى وقد كان جاوز التسعين) وقال مسلمة بن القاسم(كان كثير الرواية للأخبار وأيام الناس والأنساب غير انه لم يكن ثقة عند جميعهم وكان خليعا) [نفس المرجع]"
والرواية باطله وحتى لو صدقت فهى تعنى الكفر لأن الوحى ليس فيه ما يسمى بالإجماع لأن الأمة قد تجمع على الخطأ كما أجمع المسلمون أبناء يعقوب(ص)على الغدر بأخيهم وساعتها كانوا كفرة كما قال تعالى :
"فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابات الجب"
وحتى النبى محمد(ص) ومن معه اجمعوا على اتهام البرىء ودافعوا عن المجرم حتى نزل الوحى ناهيا إياهم عن ذلك في قوله تعالى:
"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا"ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"
ومن ثم بين الله له أن المجرم ومن معه كادوا يضلوه عن الحق فقال :
"ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
المعضلة الرابعة كون النجاشى مسلم يحكم بشرع النصارى وفيها قال :
"(4) أن النجاشي كان مسلما يحكم بشريعة النصارى
الإشكال الرابع
قالوا:
وهذا والله من أخطر الاستدلالات على الإطلاق حيث وأن المفهوم منه؛ أنه يجوز الحكم بالنصرانية وغيرها ويبقى الحاكم بها صالحا لأن الرسول (ص)قال عن النجاشي(عبد صالح) فقاتل الله الإرجاء كيف يفعل بأهله؟! ويرد على هؤلاء من وجوه
الوجه الأول أن لازم هذا الإستدلال جواز الحكم بالنصرانية على التسليم بأن النجاشي كان يحكم بها بعد إسلامه وهنا الباقعة التي ليس لها راقعة وهو إعلان لتدمير كل الأصول المثبتة لحرمة الحكم بما أنزل الله وقد انعقد الإجماع أن جميع أحوال الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ممنوع شرعا وهذه مخالفة صارخة لم يقل بها أحد من العقلاء فضلا عن العلماء!
الوجه الثان يأن النجاشي مات قبل نزول سورة المائدة التي فيها الحكم وبيان إكمال الدين بل مات قبلها بسنتين ويزيد
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(قال الطبري وجماعة مات في رجب سنة تسع) [الإصابة] وقال غيره كان قبل الفتح [ج 1/ص 206] فتبين أن موته كان قبل؛ ومن المعلوم أن الصلاة لم تفرض إلا في في حادثة المعراج حين لم يكن يكتمل الدين بعد وكانوا على الإسلام وهم لا يصلون فالشرع لا يلزمك إلا بما أتاك وهذا من ضروريات العلم فلما فرضت الصلاة بعدها كان تركها ناقضا فكذلك الحكم فسبحان الله كيف يفعل الهوى بأهله؟!
الوجه الثالث من أين للقوم حجة بسند صحيح؛ أن النجاشي كان يحكم بالنصرانية بعد إسلامه؟ فإن قالوا؛ الأصل قلنا؛ بل الأصل أن الإسلام يجب ما قبله وحسن الظن به؛ أنه حكم بما وصله من الإسلام
الوجه الرابع من لازم هذا القول أن الحاكم إذا إذا قنن قانونا حرم فيه كل حلال وحرم فيه كل حلال لهوى أو خوف على ملك وإرضاء لقومه فإنه يصلى عليه ويقال كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ "العبد الصالح"
الوجه الخامس أن الآية الكريمة جاءت لتخبر أن الرسول (ص)إذا حكم فيهم أي أهل الكتاب فليحكم بينهم بما أنزل الله فجاءت الآية في الموضع المستشكل بقوله تعالى{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}"
وحكاية النجاشى أساسا لا أصل بدليل أن الله لم يذكر الهجرة المزعومة للحبشة ولا ذكره فلو كان لذلك وجود لذكره الله حتى تلميحا وبافتراض وجوده فالحكايات المروية تقول أن حكمه كان في المرحلة المكية وهى مرحلة لم يكن للمسلمين فيها دولة حتى يحكموها بشرع الله الذى كان يعالج مشاكل المسلمين في مجتمع الكفر ومات في السنة الثانية للهجرة وليس في التاسعة كما يقولون
ولو افترضنا وجود النجاشى لكانت الهجرة إلى بلاده وليس إلى يثرب لأن معه القوة وبهجرة النبى(ص) والمؤمنين إليه تكون الدولة قد نشأت بدون ما قص الله علينا من حروب قريش ولكن هذا لا دليل عليه من كتاب الله فالنجاشى هو أسطورة من أساطير الكفار للضحك علينا